منتدى شيعة تبسة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى يلم شمل شيعة تبسة الجزائرية
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» ان الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملا
يوم الغدير الاغر الذي شيع الاف مؤلفة من اهل السنة  Icon_minitimeالسبت مايو 09, 2015 1:53 pm من طرف أبن العرب

» التوحيد واقسامه
يوم الغدير الاغر الذي شيع الاف مؤلفة من اهل السنة  Icon_minitimeالجمعة مايو 01, 2015 1:29 pm من طرف أبن العرب

» قولوا لا إله إلا الله تفلحوا
يوم الغدير الاغر الذي شيع الاف مؤلفة من اهل السنة  Icon_minitimeالجمعة مايو 01, 2015 1:08 pm من طرف أبن العرب

» برنامج الأذان الشيعي للكمبيوتر -رائع-
يوم الغدير الاغر الذي شيع الاف مؤلفة من اهل السنة  Icon_minitimeالجمعة نوفمبر 21, 2014 1:31 am من طرف أبو حسين

» الرد علي الشبهات تارافضيه
يوم الغدير الاغر الذي شيع الاف مؤلفة من اهل السنة  Icon_minitimeالسبت نوفمبر 15, 2014 6:53 pm من طرف الشناوي احمد

» هل ولد علي بن ابي طالب رضي الله عنه في الكعبه يا رافضه
يوم الغدير الاغر الذي شيع الاف مؤلفة من اهل السنة  Icon_minitimeالسبت نوفمبر 15, 2014 6:50 pm من طرف الشناوي احمد

» لماذا يكفر من ينكر الامامه
يوم الغدير الاغر الذي شيع الاف مؤلفة من اهل السنة  Icon_minitimeالسبت نوفمبر 15, 2014 6:48 pm من طرف الشناوي احمد

» سؤال الي الرافضه
يوم الغدير الاغر الذي شيع الاف مؤلفة من اهل السنة  Icon_minitimeالسبت نوفمبر 15, 2014 6:46 pm من طرف الشناوي احمد

» سؤال الي الشيعه
يوم الغدير الاغر الذي شيع الاف مؤلفة من اهل السنة  Icon_minitimeالسبت نوفمبر 15, 2014 6:44 pm من طرف الشناوي احمد

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
منتدى
التبادل الاعلاني
pubarab

 

 يوم الغدير الاغر الذي شيع الاف مؤلفة من اهل السنة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الحسيني
المدير العام
المدير العام



عدد الرسائل : 171
تاريخ التسجيل : 29/06/2012

يوم الغدير الاغر الذي شيع الاف مؤلفة من اهل السنة  Empty
مُساهمةموضوع: يوم الغدير الاغر الذي شيع الاف مؤلفة من اهل السنة    يوم الغدير الاغر الذي شيع الاف مؤلفة من اهل السنة  Icon_minitimeالثلاثاء نوفمبر 20, 2012 2:49 pm

يوم الغدير الحاسم
أمر الله تعالى نبيّه(صلى الله عليه وآله) ــ بعد تكشّف نوايا القوم ــ بعدم الخوف منهم على نفسه وعلى الدين، فهم أقل من أن يعترضوا إرادة الله تعالى ويتغلّبوا على قدرته(عزوجل)، فأوجب عليه بعد تلك المحاولة تبليغهم أمر خلافة عليّ(عليه السلام) وولايته عليهم، وعقد البيعة له وجعلها في أعناقهم في حياته دون أدنى تردد؛ لأهمية هذا الأمر، بل توقف الرسالة والدين عليه، وأنّه(صلى الله عليه وآله) لم يبلغ الدين إن توانى وتردد بتبليغ هذا الأمر العظيم واستسلم للمعترضين، فطمأنه تعالى بأنّه سيتكفّل عصمته منهم عند تبليغه هذا الأمر بقدرته وتأييده، كما أشار لذلك تعالى بقوله بعد فعلهم ولغطهم ومنعهم النبيّ(صلى الله عليه وآله) من تبليغ ذلك، فأنزل عليه آية التبليغ مطمئناً له مهدداً إيّاه بأنّه سوف لا يكون مبلّغاً للرسالة دون تبليغ هذا الأمر المكمّل لها والمتمم لمصلحتها والمحافظ عليها والحامي لأحكامها، غاضباً على فعلهم وعدم طاعتهم بعدم فسحهم المجال لرسول الله(صلى الله عليه وآله) ليبلّغ هذا الأمر العظيم الذي لا يتمّ الدين إلاّ به، فأنزل(عزوجل) مؤكّداً هذا الأمر: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ}(1)، فطمأنه بالعصمة والحفظ منهم وأنجاه الله تعالى بصرفهم عنه بعنايته وإعجازه تعالى، فاستطاع(صلى الله عليه وآله) حينئذ تبليغهم رغم أنوفهم، وأخذ البيعة لعليّ(عليه السلام) منهم، دون أن يمسّه
1- المائدة:67.
شرّهم، وعجزهم عن الاعتراض عليه، فبلَّغ(صلى الله عليه وآله) وتمّ بذلك دين الله تعالى ونعمته رغم أنوف وإرادة الحزب القريشي المعارض.
ويتّضح هذا جليّاً من بعض الأحاديث التي حكت وحاكت هذه الوصية لعليّ(عليه السلام).
فعن عائشة أنّها قالت: "من حدّثك أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) كتم شيئاً من الوحي فلا تصدّقه وأنّ الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}"(1).
وكذلك ما قاله الأسود بن يزيد: "ذكروا عند عائشة أنّ عليّاً كان وصياً قالت: متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري أو قالت: حجري فدعى بطست فلقد انخنث في حجري فما شعرت أنّه مات فمتى أوصى إليه"(2).
وروى البخاري ومسلم عن طلحة بن مصرف أنّه سأل عبد الله بن أبي أوفى: هل كان النبيّ(صلى الله عليه وآله) أوصى؟ فقال: لا، فقلت: كيف كتب على الناس (المسلمين) الوصية أو (فَلِمَ) أمروا بالوصية؟ قال: أوصى بكتاب الله!(3).
وحديث ابن عباس أيضاً يلمح للوصية هذه، ولكن الإنكار والنسيان المدّعى هو الفيصل عند نقل هذه الأمور! فقد روى البخاري عنه أنّه قال: "يوم الخميس وما يوم الخميس, ثمّ بكى حتّى خضب دمعه الحصباء فقال: اشتدّ برسول الله(صلى الله عليه وآله) وجعه يوم الخميس، فقال: (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً)، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع, فقالوا: هجر رسول الله(صلى الله عليه وآله)، قال: (دعوني فالذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه) وأوصى عند موته بثلاث أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت
1- البخاري (8/210). المائدة: 67.
2- البخاري (3/186)، ومسلم (5/75).
3- البخاري (3/186) و(5/144) و(6/107)، ومسلم (5/74).
أجيزهم وسكت عن الثالثة أو قال: فنسيتها!!!"(1).
فمن كلّ هذه الروايات يتبيّن لنا أنّ هنالك أمراً ووصية مشهورة كان يقول بها ويثبتها البعض لعليّ(عليه السلام)، وأنّ هنالك شكوكاً حول موضوع وصية رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأنّ هنالك أمراً خطيراً غامضاً مخفياً أو مخيفاً، وأسئلة تحتاج إلى جواب!!
بالإضافة إلى أنّ هناك أحاديث أخرى تشير إلى ما قلناه، من أنّ آية التبليغ نازلة بخصوص الوصية لعليّ(عليه السلام) وولايته على المؤمنين، وأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يعلم بهذا الرفض، وأنّهم قد يرتدون وقد يصدر عنهم ما يقتضي حذره وتقيته منهم ومداراته لهم وتدرجه معهم! فقد ذكروا بعض الأحاديث التي تشير إلى أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) خشي من الناس في تبليغ هذا الأمر.
فقد روي عن مجاهد أنّه قال: لمّا نزلت: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}، قال: يا ربّ كيف أصنع؟ إنّما أنا وحدي يجتمع علي الناس، فأنزل الله: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}(2)(3).
وروي عن الحسن في هذه الآية أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال: (إنّ الله بعثني برسالة فضقت بها ذرعاً وعرفت أنّ الناس مكذّبي، فوعدني لأبلغن أو يعذّبني فأنزلت: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ...}(4).
1- البخاري (4/31)و (5/137)، ومسلم (5/75)، وعند أحمد في المسند (1/222): فقالوا: ما شأنه أهجر؟ قال سفيان: يعني هذى استفهموه فذهبوا يعيدون عليه فقال: دعوني فالذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه وأمر بثلاث، وقال سفيان مرّة: أوصى بثلاث قال: وسكت سعيد عن الثالثة فلا أدري أسكتَ عنها عمداً وقال: مرّة أو نسيها؟ وقال سفيان مرّة: أمّا أن يكون تركها أو نسيها..
2- المائدة: 67.
3- تفسير ابن كثير (2/80)، وتفسير ابن أبي حاتم (4/1173)، وزاد المسير لابن الجوزي (2/301)، ولباب النقول في أسباب النزول للسيوطي (ص94).
4- عمدة القاري للعيني (18/206) قال: وذكر الثعلبي عن الحسن: قال سيّدنا رسول الله(صلى الله عليه وآله): لما بعثني الله(عزوجل) برسالته ضقت بها ذرعاً وعرفت أنّ من الناس من يكذبني وكان يهاب قريشاً واليهود والنصارى فنزلت، والثعلبي في تفسيره (4/91) والواحدي في أسباب نزوله (135) وأبو حيان في بحره المحيط (3/538) والسيوطي في دره المنثور (2/298) ولباب النقول (94) والشوكاني في فتح القدير (2/60).
بل نقل العيني في عمدة القاري ما ينص على ما قلناه تماماً عن إمامنا أبي جعفر محمّد الباقر بن عليّ بن الحسين(عليه السلام) قال: (بلّغ ما أنزل إليك من فضل عليّ ابن أبي طالب فلمّا نزلت هذه الآية أخذ بيد عليّ وقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه)(1).
وكذلك قال الشوكاني (الوهابي) في تفسيره: "وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: لما نزلت: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} قال: (يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع؟ يجتمع عليّ الناس)، فنزلت: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: إنّ الله بعثني برسالته فضقت بها ذرعاً وعرفت أنّ الناس مكذّبي، فوعدني لأبلغن أو ليعذّبني فأنزلت: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} يعنى إن كتمت آية ممّا أنزل إليك لم تبلّغ رسالته.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال:
1- تفسير الرازي (12/49-50) وقال فيه:
التاسع: كان يهاب قريشاً واليهود والنصارى، فأزال الله عن قلبه تلك الهيبة بهذه الآية.
العاشر: نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب(عليه السلام)، ولما نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال:" من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه" فلقيه عمر فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة، وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي.
نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} على رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم في عليّ بن أبي طالب.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنّا نقرأ على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله): {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (إنّ عليّاً مولى المؤمنين) وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}..."(1).
وكذلك أخرج السيوطي في الدر المنثور حديثين في سبب نزول هذه الآية:
أحدهما: عن ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: "نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} على رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم في عليّ بن أبي طالب".
والثاني: عن ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنّا نقرأ على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (أنّ عليّاً مولى المؤمنين) وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}"(2)!!
كلّ هذا يدلّ على أنّ الآية نازلة في تبليغ أمر مهم ومكمّل للدين ومن أصوله وأركانه وليس الكلام عن الدين كلّه، خصوصاً وأنّ هذه الآية نازلة في أواخر حياة النبيّ الأعظم(صلى الله عليه وآله) وبعثته بالإجماع، وقبل (ثمانين) يوماً فقط من وفاته(صلى الله عليه وآله)، فلا معنى للقول بأنّها تأمر النبيّ(صلى الله عليه وآله) أن لا يخاف الكفّار والمشركين وقريش واليهود والنصارى في دعوته وأن يدعوهم إلى الدين ولا يترك ذلك ؛ لأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) في ذلك الوقت دك كلّ حصونهم ومعاقلهم فلم يخف منهم أبداً، وقد أذعنوا له بعد فتح مكة وخيبر ووفد نصارى نجران وعام الوفود الذي سبق
1- فيض القدير للشوكاني (2/60).
2- الدر المنثور للسيوطي (3/116).
حجّة الوداع، فلا يمكن أن ينهاه الله تعالى عن الخوف من تبليغهم الرسالة بعد أن قام بذلك على أتم وجه وأفضل قيام ونجح نجاحاً باهراً وحقق النصر المبين.
خصوصاً لو نظرنا وتأمّلنا في ذيل الآية وهو قوله تعالى: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(1) الذي يؤيّد ما ذهبنا إليه بوضوح مع عدم توافقه مع تفسيرهم للآية بل هو نقيضه، خصوصاً وحصول كلّ هذا في آخر أيام حياة النبيّ الأعظم(صلى الله عليه وآله) وبعثته، وبعد دعوة دامت ثلاث وعشرين سنة؛ إذ كيف يتوافق صدر الآية الذي يطمئن النبيّ(صلى الله عليه وآله) ويحفزه على التبليغ وعصمة الله له ممّن يهدده، وتنتهي الآية بأنّ هؤلاء الكافرين سوف يبقون في غيّهم ولن ينتفعوا بتبليغك ولن يهتدوا، مع حصول عكس ذلك تماماً خلال فترة الرسالة؟! فلماذا هذا التهديد وهذا الأمر بالتبليغ. إذن وما معناه وما الفائدة منه؟ وذيل الآية ــ على تفسيرهم ــ يناقض الصدر تماماً! فيكون هذا نفياً للغرض، فلا يبقى لهم مآل إلاّ الرجوع عن تفسيرهم للآية ككل ورجوعهم إلى ما ذكرناه؛ من كون الكلام عن المتظاهرين بالإسلام، وهم بعض قريش الذين لا يرغبون ولا يقبلون بولاية عليّ(عليه السلام) عليهم، فبعد رفضهم لها في حجّة الوداع واعتراضهم على تبليغ رسول الله(صلى الله عليه وآله) لهذه الولاية أنزل الله تعالى على رسوله الكريم هذه الآية يأمره فيها بعدم الاكتراث بهم وعدم خوفه، فالله تعالى تعهّد بعصمته منهم وصرفهم عنه هذه المرة (في غدير خم) لتبليغ وإقامة الحجّة شاءت قريش أم أبت!!
فما فعلوه برسول الله(صلى الله عليه وآله) في حجّة الوداع لم يستطيعوا تكراره هذه المرّة يوم الغدير لإرادة الله ذلك وتأييده لنبيّه ولدينه، فتمّ التبليغ لهذا الأمر من خلال هذه المعجزة وهذا التأييد، وظهر للمرّة الأولى والأخيرة بهذا الشكل الواضح والصريح
1- البقرة: 264.
دون تشويش ولا اعتراض، ورضخ الجميع لذلك شاؤا أم أبوا دون أن يستطيعوا التكلّم ببنت شفة، فتمّ التبليغ على أحسن صورة وأتمّ وجه، بل بايعت قريش كلّها عليّاً(عليه السلام) وهنّئوه بإمرة المؤمنين والولاية عليهم(1)، وهذا غاية ما كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يتوقّع حصوله، ولذلك كان عيداً وفرحة وشكراً لله تعالى، فأمرهم(صلى الله عليه وآله) بصيامه وجعل فضله أعظم وأجزل جزاءً وثواباً على عمل أو صوم(2)، لكون إرادة الله تعالى وقدرته قد تدخلت هنا بكلّ قوّة ففاقت كلّ قدرة وإرادة ومكر وكيد مهما حاول أهل الباطل التكالب، ومهما تعاضد المكابر المعاند، ومهما مكر وكاد فالله
1- ذكرأحمد في مسنده (4/281): حدّثنا عبد الله حدّثني أبي ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة أنا علي بن زيد عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: كنّا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله(صلى الله عليه وآله) تحت شجرتين فصلّى الظهر وأخذ بيد علي فقال: ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فأخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه، قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له: هنيئاً يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه أيضاً (7/503)، ونقلها بلا تمريض علاّمة الوهابية المباركفوري في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي (10/148) فقال: وقول عمر لعلي أصبحتَ مولى كلّ مؤمن أي: ولي كلّ مؤمن.
2- ورد في الحديث: (من صام يوم الثامن عشر من ذي الحجة كتب الله له صيام ستين شهراً) أخرجه العجلوني في كشف الخفاء (2/258) والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (8/284) وابن عساكر في تاريخ دمشق (42/233) وابن كثير في البداية والنهاية (5/233) و(7/386) وابن مردويه في مناقب علي (231) وغيرهم؛ ولكن لم يفهموا هذا الحديث فقاموا بإنكاره وردّه لمخالفته ونسفه لعقيدتهم، فقالوا في ردّه وإنكاره: إنّ صيام شهر رمضان كلّه، يعدل صيام عشرة أشهر فقط فكيف يكون صوم يوم واحد يعدل صيام ستين شهراً؟!!، وقال ببطلانه وغرابته ابن كثير والذهبي بادّعائهما نكارته، ولكنهما نظرا إلى متن الحديث لا إلى سنده، وهذه ليست طريقة المحدثين أبداً، وإنّما هي طريقة أهل البدع والهوى فتأمّل، وأذكر هنا كلام الشيخ الألباني حين قام بتصحيح حديث (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلّون) قال: هذا الحديث قد يستفيد منه المبتدعة ولكنني لا أستطيع تضعيفه لأجل ذلك، ولذلك فنحن نسلم بصحّته ونكل تفسيره إلى الله فإنّ الحقّ أحق أن يتّبع (الصحيحة).
تعالى خير الماكرين ويجعلهم هم المكيدون.
ويشهد لاشتهار وأهمية وعظمة هذا اليوم، تفطن اليهود أيضاً له وللآية التي نزلت فيه، حيث سألوا ابن الخطّاب عنه؟ فتحايل لذلك بحيلة مفضوحة في جوابهم، وحرف ذلك اليوم لإخفائه، وادّعى بأنّه كان في عرفة وهو يوم عيد! مع عدم قول أيّ مسلم بأنّ عرفة يوم عيد، ولكنه فعل ذلك لغاية في نفسه قضاها ومآرب أراد نيلها!
ويشهد لما قلناه ما قاله الإمام الغزالي في كتابه سرّ العالمين مبيّناً وواصفاً حال عمر وحزبه القرشي وما عملوه وما صدر عنهم في هذا الشأن وما فعلوه تماماً كما وصفناه؛ كما في سير أعلام النبلاء للذهبي:
لأبي المظفر يوسف سبط ابن الجوزي في كتاب (رياض الإفهام) في مناقب أهل البيت(عليهم السلام) قال: ذكر أبو حامد في كتابه (سرّ العالمين وكشف ما في الدارين) فقال في حديث: (من كنت مولاه فعليّ مولاه) أنّ عمر قال لعليّ: بخ بخ، أصبحت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
قال أبو حامد: وهذا تسليم ورضى، ثمّ بعد هذا غلب عليه الهوى حبّاً للرياسة، وعقد البنود، وأمر الخلافة ونهيها، فحملهم على الخلاف، فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمناً قليلاً، فبئس ما يشترون، وسرد كثيراً من هذا الكلام الفسل الذي تزعمه الامامية، وما أدري ما عذره في هذا؟ والظاهر أنّه رجع عنه، وتبع الحق، فإنّ الرجل من بحور العلم، والله أعلم(1).
فللّه الحمد من قبل ومن بعد على إكمال الدين، وله الشكر والمنّة على تمام النعمة، وله الفضل والثناء كلّه على رضاه لنا الإسلام ديناً، ولذلك ختمها تعالى
1- سير أعلام النبلاء (19/328).
بإنزال آية عظيمة تتكلّم في هذا الشأن وتبيّن أهمية هذا الأمر ووصفه وتوضيحه ومبلغ أهميته وكونه ركناً من أركان الدين ومكمّلاً أساسياً له ومتمماً للإسلام الحقيقي، فقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً}(1)!! فها هو الإمام الغزالي يعترف بما جرى فيتّضح أنّ الحجّة قائمة واضحة لائحة في الأفق لكلّ من أراد أن يرى ذلك كما وعد الله تعالى بذلك وقال: {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ}(2).
فما اضطروه وأكرهوه(صلى الله عليه وآله) عليه قبل أيام في حجّة الوداع من إخفات صوته وإخفاء كلامه بسبب لغطهم ورفع أصواتهم وتكبيرهم في أثناء كلامه وتبليغه(صلى الله عليه وآله)؛ لم يحصل هنا في غدير خم لتكفّل الله تعالى بإتمامه لرسوله(صلى الله عليه وآله) هنا وعصمته المؤقتة منهم حتّى إتمامه تبليغ هذا الأمر، بعد أن أراد توضيحه لهم وبيان صفة خلفائه ومن أي عشيرة هم، والنص عليهم وتشخيصهم وتنصيبهم على الأمّة بوضوح وعلى مرأى ومسمع من كلّ المسلمين في حجّة الوداع، ليأمنوا وتأمن بذلك جميع الأمّة من الرزايا والاختلاف والقتال والكفر والضلال والتكفير والطمع وتنصيب غير اللائقين بهذا المقام، وتضييعهم لأنفسهم ودينهم بعد رحيله(صلى الله عليه وآله) إلى الرفيق الأعلى، وإبعاداً لأمّته عن الفتنة والطمع بأشياء لم يجعل الله
1- المائدة: 3، وقد روى في نزولها يوم الغدير كلّ من ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (42/233) وابن كثير والخطيب البغدادي وغيرهم كابن مردويه في مناقب علي، عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة أيضاً قال: لما نصب رسول الله(صلى الله عليه وآله) علياً(عليه السلام) بغدير خم فنادى له بالولاية هبط جبريل(عليه السلام) بهذه الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً}، راجع ما خرّجناه آنفاً في حديث صوم يوم الغدير عن أبي هريرة فهو نفس هذا الحديث، وسند حديث أبي هريرة قوي وجيد، وقد وثّق فحول علماء الرجال رجال سنده فلا يمكن ردّه أو تكذيبه.
2- الأنعام: 149.
تعالى لهم نصيباً فيها ولا كفلاً منها؛ ولكن ومع كلّ ذلك: هيهات هيهات وقد سبق القضاء بنقض الميثاق!
وبالتالي فإنّ يوم الغدير المبارك حصلت فيه معجزة من معاجز النبوّة وتأييد إلهي للنبيّ(صلى الله عليه وآله) وللإسلام وللمسلمين أيضاً، فبعد أداء المسلمين لهذه الشعيرة العظيمة والتي تعتبر من أهم العبادات وأعظمها تواضعاً وتسليماً وانقياداً لله تعالى وأوامره ــ حيث يعتبر هذا الجو مناسباً، بل هو أفضل ما يمكن توفّره لتقبّل مثل هذا الأمر الصعب القبول على النفوس ــ وبمصاحبة رسول الله(صلى الله عليه وآله) يداً بيد وبعد حثّ الله تعالى لرسوله(صلى الله عليه وآله) وحبيبه ووعده ووعيده وتأمينه وتسكين قلقه من اعتراض قريش وتكفّل حمايته وعصمته منهم، قام رسول الله(صلى الله عليه وآله) عند غدير خم في الجحفة في طريق العودة من حجّة الوداع، وبعد التي واللتيا صدع(صلى الله عليه وآله) فيهم بأمر ربّه قائلاً: (ألا أيّها الناس إنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب، وإنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي؛ أحدهما أعظم من الآخر الثقلين ــ وقال عنه الهيثمي وإسناده جيد: (خليفتين، أمرين) وفي رواية الحاكم: إن اتبعتموهما، وفي رواية أخرى عند الألباني عن الترمذي والطبراني وكذا عند أحمد: ما إن أخذتم به ــ كتاب الله حبل ممدود بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما)(1)، وفي رواية أخرى قال: ثمّ قال: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: ألست أولى بكم من أنفسكم)؟ قالوا: بلى، قال: (فمن كنت مولاه فعليّ مولاه اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه)(2).
1- أخرجه مسلم بتفصيل والحاكم في مستدركه (3/110)، والترمذي وأحمد والطبراني وابن أبي عاصم والدارقطني والديلمي، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله والطحاوي، وصحح بعض طرقه الحاكم ووافقه على أكثرها الذهبي، وحسّنه الترمذي وصححه الألباني اُنظر السلسلة الصحيحة له: (ح1761) والهيثمي وغيرهم كثير.
2- مسند أحمد (1/119) و(4/281)، وابن ماجة (1/43)، والحاكم في مستدركه (3/110) وصحح أحد أسانيده على شرط الشيخين، والآخر على شرط مسلم.
صعود وتيرة المواجهة:
بعد يوم التنصيب في الغدير وبعد أن تم التبليغ على أتم وجه وأكمله لم تتوفّق قريش واقعاً للتسليم بأمر الله تعالى بعد هذه المعجزة الإلهية وإقامة الحجّة الواضحة البالغة ؛ لأنّها بقيت مصرّة على التحدّي والعناد وعدم القبول والرضوخ للأمر الواقع بعد عقدهم الإمامة لعليّ(عليه السلام) بأنفسهم ومبايعتهم له تحت أنظار وشهادة المسلمين كافّة وبإشراف رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فجعل الله تعالى الأمر بعد يوم الغدير كما هو الحال قبله وفق الأسباب والمسببات الطبيعية والاختيار وصراع الإرادات دون التدخّل الإلهي، كالذي حصل يوم الغدير أو المعجزات أو الصرفة(1)، فأوكلهم كالعادة إلى أنفسهم ؛ لأنّ الحجّة قد تمّت عليهم: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}(2)، ولذلك فعلوا بعد ذلك نفس ما فعلوه في حجّة الوداع عند خطبته(صلى الله عليه وآله) هناك، فقاموا بعد شهرين فقط من قبولهم لولاية عهد النبيّ(صلى الله عليه وآله) لعليّ(عليه السلام) برزية يوم الخميس، وتخلّفوا عن جيش أسامة، ورتَّّبوا صلاة أبي بكر بالناس، وادَّعوا أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) أمرهم بتقديمه للصلاة خلافاً لكلّ القرائن والشواهد والدعاوى، وأنّ الناس ليسوا بحاجة إلى عليّ(عليه السلام)، وأنّ هؤلاء أهم منه وأليق بالنيابة والخلافة، ولكن هيهات هيهات أن يتمّ لهم ذلك دون أن يفتضحوا، ودون أن تتم حجّة الله البالغة بخطل ما ارتكبوا وضلال ما عملوا وعدم رضا الله ورسوله بكلّ ما فعلوا.
1- الصرفة: هي عبارة عن منع الله تعالى لأناس من فعل شيء ما بتدخّل إلهي إعجازي وصرفهم بقدرته عن فعله، مثل صرف الله تعالى قريشاً بأن يأتون بمثل هذا القرآن على قول، وكذلك صرف قريش عن قتل النبي(صلى الله عليه وآله)، ومثل ذلك صرف قريش عن منع النبيّ(صلى الله عليه وآله) من تبليغ ما أمره الله تعالى بتبليغه من ولاية أمير المؤمنين يوم الغدير.
2- الكهف: 29.
فحاول(صلى الله عليه وآله) بعد ذلك محاولة أخرى لإتمام هذا الأمر بعد أن يئس من تسليمهم بولاية عليّ(عليه السلام) عليهم من بعده وكتابة ذلك في محضرهم، فقام(صلى الله عليه وآله) بإخراجهم وإبعادهم عن المدينة لغزو الروم لعلمه بقرب أجله، فأرسلهم إلى مؤتة وأمّر أسامة بن زيد على شيوخ قريش ــ وهو الفتى والمولى الأسود الذي كان يناهز الثامنة عشر من عمره ــ صارخاً في وجوههم، آمراً بإسراعهم وإنفاذهم، منكراً عليهم تأخّرهم وتخلّف بعضهم، مرغماً بذلك أنوفهم، كاسراً لكبريائهم، مبيّناً لهم واقعهم وحقيقة مكانتهم بعد أن أمّر عليهم عمرو بن العاص قبل ذلك، مهيّئاً الظرف، وممهّداً للضربة القاصمة للظهر الفاضحة للمتكبّر المعاند الجبّار؛ ليتمّ أمر الله ويستتب وفقاً لإرادته التشريعية (وتعالى سبحانه) دون احتكاك أو اعتراض أو تعكير أو تدخّل أو امتعاض أو مواجهة أو رمي للنبيّ(صلى الله عليه وآله) بهجر أو هذيان، فيتحقق حينئذ أمر الله تعالى على أرض الواقع، فيؤدّي النبيّ(صلى الله عليه وآله) بذلك ما يراه حقّاً للأمّة وواجباً عليه من إرشادهم وهدايتهم على أتم وجه ممكن، لحرصه الشديد(صلى الله عليه وآله) على أمّته المسكينة خوفاً عليها من الضياع والضلال من بعده، ووقوعها فريسة سهلة للذئاب التي تحيط بها، محذّراً العامّة من اتّباع سادتهم وكبرائهم كما حذّرهم تعالى من فعل ذلك بقوله عزّ من قائل: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً}(1)، ولطالما كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يحذّرهم وينذرهم من وقوعهم في ذلك كما في الأمم السابقة بمثل قوله(صلى الله عليه وآله) لهم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتّى إذا دخلوا جحر ضب تبعتموهم! قالوا: اليهود والنصارى؟ قال(صلى الله عليه وآله): فمن؟!)(2).
وتحذيره(صلى الله عليه وآله) لأمّته من الأئمة المضلّين وخوفه عليهم منهم أكثر من الدجال
1- الأحزاب: 67 ــ 68.
2- صحيح البخاري (8/151).
حيث قال(صلى الله عليه وآله): (غير الدجال أخوف على أمّتي من الدجال؛ الأئمة المضلّين)(1).
ولكنهم اعترضوا وكابروا وطعنوا في أمير رسول الله(صلى الله عليه وآله) الذي ولاه عليهم بنفسه، وعرفوا القصد من وراء هذا البعث وهذه الإمرة، فطعنوا في أسامة كما طعنوا في أبيه من قبل على عادتهم، واستنكفوا واستكبروا من الانقياد لموالي وعبيد ــ ولو كانوا موالي رسول الله(صلى الله عليه وآله) أو من السابقين الأولين أو منصبين من قبل من لا ينطق عن الهوى ــ وهم يرون أنفسهم سادة لهم لكونهم من قريش! فحصل ما حصل، وفعلوا فعلتهم تلك، وطعنوا فيه، ليصارعوا هذا النهج النبوي الذي لا يروق لهم أبداً، فقام رسول الله(صلى الله عليه وآله) فيهم خطيباً مغضباً مريضاً معصوب الرأس وهو في مرض موته في آخر أيامه معهم في هذه الدنيا فقال: (إن تطعنوا في إمارته فقد
1- مسند أحمد (5/145) وذكره النووي في شرحه لمسلم وقال: معناه أنّ الأشياء التي أخافها على أمّتي أحقّها بأن تُخاف الأئمة المضلّون. وأخرج الحديث أيضاً الهيثمي في مجمع زوائده (5/239) وقال: رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات، ورواه عن علي(عليه السلام) أيضاً وقال عنه: رواه أبو يعلى وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف وقد وُثق ورواه عن عمر حيث قال لكعب: إنّي سائلك عن أمر فلا تكتمني، قال: والله ما أكتمك شيئاً أعلمه، قال: ما أخوف ما تخاف على أمّة محمّد(صلى الله عليه وآله)؟ قال: أئمة مضلّين، قال عمر: صدقتَ، فقال: أسرَّ إليَّ وأعلمنيه رسول الله(صلى الله عليه وآله). قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. ثمّ قال الهيثمي: وعن ثوبان قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إنّما أخاف على أمّتي الأئمة المضلّين. قال: رواه أحمد ورجاله ثقات. وعن أبي الدرداء رواه أيضاً عن أحمد والطبراني وعن شداد بن أوس، وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وعن أبي أمامة أيضاً.
وأخرجه الألباني عن السيوطي في صحيح الجامع الصغير(ح4165) وقال: صحيح. وكذلك ذكره في سلسلته الصحيحة (ح1582 ــ ح 1989). وقال الألباني عن طريق ثوبان: أنّه سمع رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: (إنّما أخاف على أمّتي الأئمة المضلّين). أخرجه أبو داود (2/203) والدارمي (1/70) و(2/311) والترمذي (3/ 231) وأحمد (5/178) وقال الترمذي: حديث صحيح. قلت (الألباني): وإسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه الحاكم (4/449) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل وأيم الله إن كان لخليقاً للإمرة... ــ وفي مسلم ــ وإنَّ هذا لخليق)(1)، وأمرهم بإنفاذ الجيش بأسرع وقت ودون تأخير، وحذّرهم من التمهّل والتباطئ، فقال(صلى الله عليه وآله) لهم بعدما اشتدّ به المرض وارتقى المنبر وكرر قوله وأمره: (أنفذوا جيش أسامة أنفذوا جيش أسامة)(2)، ولكن دون جدوى!!
وحاول رسول الله(صلى الله عليه وآله) في آخر خميس له في هذه الدنيا ــ في محاولة أخيرة ولإقامة الحجّة طبعاًـ إقناعهم بضرورة هذا الأمر وأهميته، وترغيبهم بتنفيذه، وترهيبهم من تركه ونبذه، فأراد تأكيده بكتابته وتوثيقه بمسمع منهم ومرأى؛ فقال لهم(صلى الله عليه وآله): (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً)(3)، فتنبّه القوم أيضاً لمراد النبيّ(صلى الله عليه وآله) من طلبه كتابة هذا الكتاب بتنصيب عليّ(عليه السلام) للخلافة كتابةً هذه المرّة في كتاب ــ هم من كان يجب أن يقدّموه بأيديهم وبكامل إرادتهم واختيارهم ورضاهم فيشهدوا على محتواه ــ ليلزمهم تنفيذه دون اجتهاد في مقابله؛ فلا يمكنهم بعد ذلك إنكاره أو رفضه أو التمرّد والاعتراض عليه أو الطعن فيه أو تغييره إن قُدِّر لهذا الكتاب أن يكتب؛ فاعترضوا عليه واختلفوا وتنازعوا معه وتجرؤوا عليه ورموه بالهجر، وأصرّوا على عدم كتابته وردِّ أمره(صلى الله عليه وآله) مع تأكيده عليه وإظهاره لأهميته بقوله: (لن تضلوا بعده أبداً) مع القرينة الحالية التي تدلّ على أهمية ذلك بكونه على فراش الموت ويريد كتابة وصيته وبوادر توديعه لهذه الدنيا في الأفق لائحة ومقدّمات مغادرته إلى الرفيق الأعلى واضحة!
1- البخاري ومسلم، وخليق، بمعنى: أهل.
2- الطبقات الكبرى لابن سعد (2/249) و(4/68) وتاريخ دمشق لابن عساكر (2/47و51و56) و(8/62) وسيرة ابن هشام (4/1064) وإمتاع الأسماع للمقريزي (2/125و132) و(14/517و520و532) بألفاظ متقاربة ومنها (أنفذوا بعث أسامة).
3- البخاري (4/31) و(5/137) و(7/9) و(8/161) ومسلم (5/76).
وكذلك قوله(صلى الله عليه وآله) لهم بصراحة وبالإخبار المباشر عن خطورة ما هم مقدمون عليه، وما سينتقض من بعده من عرى الإسلام وأصوله: (لَتَنقُضُنَّ عرى الإسلام عروة عروة كلّما انتقضت عروة تمسّك الناس بالتي تليها أوّلها نقضاً الحكم وآخرها الصلاة)(1)، الذي أخرجه ابن حبان في باب: ذكر الأخبار بأنّ أوّل ما يظهر من نقض عرى الإسلام من جهة الأمراء فساد الحكم والحكّام.
وكذا في قوله(صلى الله عليه وآله) لهم: (إنّي والله لا أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها)(2).
ولكن دون جدوى!!
وهكذا أدّى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ما عليه وزيادة، ولكن قد سبق القضاء والسنّة الإلهية الكونية بأنّ المسلمين سوف لا يجتمعون على تنفيذ أمر الله تعالى وطاعته في هذا الأصل العظيم والمهم كما هو الحال في سائر التشريعات الإلهية: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}(3)، وأنّهم سوف لن يطيعوا كلام رسول الله(صلى الله عليه وآله) في هذا الأمر العظيم؛ كما نص عليه (صلى الله عليه وآله) بكلّ صراحة ووضوح، حيث نُقل عنه أنّه قال: (إن تؤمّروا عليّاً ولا أراكم فاعلين تجدوه هادياً يأخذ بكم الطريق المستقيم)(4)، فحصل نتيجة فعلهم ذلك كلّ الذي حصل،
1- رواه ابن حبان في صحيحه (15/111) والحاكم في مستدركه (4/92) والهيثمي في مجمع زوائده (7/281) وقال: رواه أحمد والطبراني ورجالهما رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5075).
2- أخرجه البخاري (2/94) و(4/176) و(5/40) و(7/173و209) ومسلم (7/68).
3- هود: 118 ــ 119.
4- أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد (5/176) عن أحمد والبزار والطبراني في الأوسط وقال عن الأخير ورجال البزار ثقات، وعن البزار أيضاً بلفظ (قالوا يا رسول الله ألا تستخلف علينا؟ قال: إنّي إنْ استخلف عليكم فتعصون خليفتي ينزل عليكم العذاب قالوا... ألا نستخلف علياً؟ قال: إن تستخلفوه ولن تفعلوا يسلك بكم الطريق المستقيم وتجدوه هادياً مهدياً) وأخرجه الحاكم في مستدركه (3/70) وصححه بلفظ: (... قالوا لو استخلفت علينا علياً؟ قال: إنّكم لا تفعلوا وإن تفعلوا تجدوه هادياً مهدياً يسلك بكم الطريق المستقيم) وبلفظ (وإن تولّوا علياً تجدوه هادياً مهدياً يسلك بكم الطريق) وأخرجه الحاكم أيضاً في (3/142) بلفظ (وإن ولّيتموها علياً فهادٍ مهتدٍ يقيمكم على صراط مستقيم) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وتسبب بنو آدم كعادتهم بوقوع الظلم والاختلاف والابتعاد عن الدين الحقّ والخروج عليه والرِدّة عنه، كما حصل ذلك بعد جميع أنبياء الله ورسله(عليهم السلام) دون استثناء هذه الأمّة طبعاً؛ من الوقوع في الفتنة والاختلاف بعد إنزال التشريعات وإرسال الأنبياء والرسل(عليهم السلام)، كما أكّد تعالى ذلك بقوله: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحقّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(1)، وقوله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً}(2).
2- الأحزاب: 62.
الانتقال إلى المواجهة العلنية
لمّا أحسّ الحزب القريشي المعارض لولاية أهل البيت(عليهم السلام) على الناس بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) بأنَّ إسلوبهم الهاديء والتصدّي غير المعلن للنبيّ(صلى الله عليه وآله) أصبح غير نافع لهم، وأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) بدأ بالتوضيح وإلقاء الحجج أكثر فأكثر مع تكثيف جهوده في التبليغ بالتصريح دون التلويح، قرروا تغيير طريقتهم بتصعيد التصدّي للنبيّ(صلى الله عليه وآله) بصورة مباشرة واضحة قويّة وقحة ليحولوا دون إصرار النبيّ(صلى الله عليه وآله) على الكتابة، مع ضعفه ومرضه(صلى الله عليه وآله) وظرفه المحرج وإصراره على قبولهم ورضاهم وتسليمهم، فاتّهموا رسول الله(صلى الله عليه وآله) حينئذ بالهجر والهذيان، فهددوا بذلك أيما تهديد، واستعملوا أقوى ما لديهم من سلاح خبيث، فقالوا كلمتهم الآثمة تلك، في إشارة بل رسالة واضحة للنبيّ(صلى الله عليه وآله) بأنّه إن كتب هذا الكتاب فإنّهم سيقومون بالطعن فيه، وفي رسالته وبعثته ونبوّته فضلاً عن إمامة عليّ(عليه السلام) وعترته، فيحصل بذلك الفساد والردة ويعود الكفر وأيام الجاهلية من أوسع أبوابها، فارتأى النبيّ(صلى الله عليه وآله) السكوت حينئذ وترك الكتابة، واكتفى بتبليغه السابق لهم، وبطردهم وإظهار غضبه عليهم، كما نصَّ على ذلك ابن عباس فيما يرويه البخاري، فحصل ما حصل من رزية ومصيبة، وتسلّط بطانة الشر والسوء عل الأمّة دون حصوله(صلى الله عليه وآله) على تسليمهم لأمره ورضاهم بحكم الله وحكمه بتنصيبهم وقبولهم خلافة وإمامة من هو الأفضل ــ كما يعلمون وكما هو واضح للجميع ــ لحمل راية الدين وصلاح هذه الأمّة وإتمام
مسيرتها المباركة!لكن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قام بعد فعلتهم الشنيعة تلك، بمحاولة أخرى قبل يومين أو ثلاثة من وفاته(صلى الله عليه وآله)، حين أراد إخراجهم من المدينة للغزو تأكيداً وتذكيراً وتجديداً لأمره السابق لهم بالخروج لغزو الروم في بداية مرضه قبل أسبوعين تقريباً، وذلك لإتمام أمر خليفته على أمّته من بعده بعيداً عنهم وعن اعتراضهم عليه واختلافهم معه، بعد أن رأى ما رأى من مواجهتهم له وكلامهم فيه وطعنهم في كلّ شيء وهدمهم لكلّ ما بناه وشيّده فيهم لسنوات!!
وبذلك قام النبيّ(صلى الله عليه وآله) ــ بعد أن استنفذجميع خياراته ــ بخيار أخير حرصاً عليهم وعلى الأمّة ــ ليقطع الحجّة والتذرّع بعد ذلك ــ بعد رفضهم الأمر وتمرّدهم واعتراضهم عليه حتّى وصل الأمر بهم إلى تهديده(صلى الله عليه وآله) بالمساس والطعن بشخصه الشريف(صلى الله عليه وآله) وعصمته ونبوّته ورسالته كلّها إن كتب تلك الوصية الخطيرة التي يريد النص فيها على الأمر من بعده كما هو واضح؛ حينما عصوا أمره ولم يقدّموا له الكتاب الذي طلب منهم تقديمه بأنفسهم وأيديهم وبرضاً وطيب نفس وتسليماً، فكذلك لم يأتمروا بأمره لهم وطلبه الأخير منهم فلم ينفذوا جيش أسامة طيلة تلك الأيام، بحجّة خوفهم من وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله) في مرضه هذا وهم بعيدون عن المدينة!!(1) مع أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) هو الذي استنفرهم وبعثهم بنفسه وهو على تلك الحالة من شدّة المرض حينما خرج لهم ــ أرواح العالمين له الفداء ــ وهو معصوب الرأس من شدّة وجعه، ومع علمه بقرب أجله، وصعد المنبر وهو على تلك الحالة وأنكر عليهم عدم خروجهم وعدم انصياعهم لأوامره وعدم رضاهم بتنصيب أسامة عليهم وتأخّرهم وتململهم في خروجهم وتلكّؤهم في مغادرة المدينة
1- وهذا أيضاً دليل على أنّهم يعلمون جيّداً بما يريد(صلى الله عليه وآله) تحصيله بإبعادهم.
المنورة.فحصل ما حصل! وحققوا ما طمحوا وسعوا إلى حصوله وما بذلوا لتحقيقه حتّى مع وضوح بغض الله ورسوله(صلى الله عليه وآله) ذلك!!
نجحوا فجنحوا وهلكوا فأهلكوا!
نعم، لقد نجحوا بأفعالهم تلك في منع وقوع ما كانوا يكرهون وقوعه من كتابة النص على الإمام عليّ(عليه السلام) والوصية له وإبعاد الأمر عنهم وحرمانهم من القيادة والرئاسة والى الأبد، فوقع لهم ما أرادوا بعد كلّ الجهود الاستثنائية التي بذلها رسول الله(صلى الله عليه وآله) لتبليغهم دين الله تعالى!
نعم، نجحوا في جعل بيان الأمر بذلك المستوى، حيث يتمكّنون من إنكاره أو تأويله أو الالتفاف عليه دون أن يستطيع أحد تكفيرهم أو شنّ الحرب عليهم؛ ولكن لم يكن ذلك لذكائهم ولا لصحّة فعلهم أو إقرار النبيّ(صلى الله عليه وآله) لهم، بل لجرأتهم على رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعنادهم لأحكام دين الله التي لا تروق لهم، خصوصاً وأنّ هذا الأمر يشترط في نفوذه في الناس وتطبيقه على الأمّة جمعاء وتحصيل جميع مصلحته وفائدته وجني تمام ثماره؛ قبوله من الناس وقناعتهم به وبعصمته، والبيعة له والرضا عنه والانقياد للإمام والقائد، والتسليم لأوامره دون شك أو ارتياب فيما يقول ويفعل ويسن؛ لتتمّ المصلحة كاملة من علل تشريعه، فيؤمن من الضلال والاختلاف حينها، لحصولها باختيارهم حينئذ ودون إكراه، ولذلك قال تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}(1)، أي: لا يمكن أن تتحصل ثمرات الدين والتديّن بالإكراه.
وكذلك أشار رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى هذا الشرط حين أوصى الأمّة بوجوب التزام
1- البقرة: 256.
سنّة خلفائه، والإشارة منه إلى كونها امتداداً لتعاليمه وإكمالاً لسنّته حين أمر أمّته وأوصاها قائلاً: (عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ)(1).
وكذلك ما ذكرناه آنفاً من إشارته(صلى الله عليه وآله) إلى ذلك الاختيار المطلوب لأحكام الله تعالى دون إجبار وإكراه منه أو من الإمام(عليه السلام) عليها، فأوضح ذلك بقوله(صلى الله عليه وآله): (وإن تؤمّروا ــ أو إن تولّوا ــ أو إن ولّيتموها ــ عليّاً وما أراكم فاعلين)(2)، وهذا نظير قوله تعالى بعد تحريم الخمر عدّة مرّات دون انتهاء البعض عنه، وقول البعض في كلّ مرّة: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً دون ترك للخمر أو ارتداع عَنه! فأنزل الله (عزوجل): {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}(3) إلى قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}(4)، الذي حمل بين طيّاته العتاب والازدراء والإنكار والتهديد لمن لم يستجب لأمر الله تعالى مباشرة وتمادى في التعاطي مع النهي الإلهي والإرادة الإلهية.
فمثل هكذا أسلوب في الأوامر والنواهي الإلهية لا يعني أنّ الله تعالى يخيّرهم بين الفعل والترك وأنّ لهم أن يفعلوا ولهم أن يتركوا، فعدم الإجبار
1- أخرجه أحمد (4/127) وأبو داود (2/393) والدارمي (1/45) وابن ماجة (1/6) والترمذي (4/150) وصححه ووافقه المنذري، والحاكم (1/96،97) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وصححه الألباني أيضاً كما في الصحيحة (ح937).
2- رواه الحاكم في مستدركه (3/70) والهيثمي في مجمع زوائده (5/176) وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط ورجال البزار ثقات، ورواه الحاكم في مستدركه وصححه على شرط الشيخين بلفظ (وإن ولّيتموها عليّاًً فهاد مهتد يقيمكم على صراط مستقيم) وللمزيد راجع تخريجه السابق.
3- المائدة: 90.
4- المائدة: 91.
والإكراه لا يبرر مطلقاً لمن لا يمتثل، وإنّما المقصود من ذلك كلّه أنّ الله تعالى يأمرنا بحكمه الواجب والمحتّم علينا فعله، كالصلاة والزكاة وإمامة عليّ(عليه السلام) وعدم القتل وعدم شرب الخمر الخ...، وهو في الوقت نفسه يترك لنا الخيار بفعله وعدمه بعد أمره لنا بالامتثال لا على نحو التخيير في الأمر، وإنّما أثبت لنا الاختيار بين الامتثال بالطاعة وعدمه بالمعصية ؛ لأنّه تعالى لا يحملنا قسراً وجبراً على الطاعة والعبادة والامتثال؛ لئلا يبطل التكليف والاختيار، ومن ثمّ الثواب والعقاب.
وهذه نكتة مهمّة ودقيقة، جارية في جميع التكاليف والأوامر والنواهي الشرعية، والتي ينبغي فهمها جيّداً وأخذها بنظر الاعتبار دائماً، حتّى نستطيع فهم مسألة الإمامة الإلهية والخلافة الربّانية بالنص وغيرها من المسائل، ونقض البعض على الشيعة ــ مغالطةً ــ بعدم تحققها في الخارج وعدم حصولها في الواقع؛ بقولهم لو كان الله يريد ذلك لحصل، وبما أنّ تلك الإمامة لم تتحقق فلا إرادة إلهية ولا إمامة ربّانية!
والجواب الواضح على ذلك: هو أنّ الذي لا يتخلّف عن الوقوع والحصول بسبب الإرادة الإلهية هو التكوينيات وليس التشريعيات، والإمامة والخلافة بالتنصيب الإلهي تكوينية ولكن بحسب الأمر الإلهي للعباد بالتزامها واتّخاذها عقيدة هي تشريعية، فيمكن أن يتمرّد العبد على سيّده فيكون عاصياً لا يطيع أوامره!! فإرادته تعالى وطلبه من خلقه أن يعبدوه شيء وعدم استجابة كلّ الناس شيء آخر؛ فهذه مغالطة مكشوفة!
وبالتالي فإنّ تشريع الأوامر من الله تعالى شيء، وتنفيذ الناس لهذه الأوامر شيء آخر، فينبغي التفريق بين الأمرين وعدم الخلط والتلبيس على الناس بذلك!!

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
يوم الغدير الاغر الذي شيع الاف مؤلفة من اهل السنة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» بمناسبة عيد غدير خم
» الوهابيون وحديث الغدير
» احاديث رسول الله مع اقول بعض علماء السنة في حق معاوية من كتب السنة
» صباح الخزاعي شيعي عربي اصيل وصاحب حجه(المقطع الذي اهتدى عليه الاف الشيعه )
» (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شيعة تبسة :: قسم الواحة الاسلامية السمحة :: منتدى الحوار العقائدي-
انتقل الى: