مراحل الحب الإلهي والفناء
هناك فئة قد نسوا أنفسهم مقابل تذكرهم وفنائهم في الحق فمن نال درجة المعرفة حبي بالنسيان الممدوح فالعارف ينسى نفسه لأنه ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ ﴾ (البقرة : 115 )
لا يشاهد غير وجه الله فترى العارف وصل مرحلة الفناء ثم فني أيضاً عن هذا الفناء فنال مرحلة البقاء بعد الفناء ( جمع الجمع ) .
يصل العارف إلى درجة يكون فيها مستغرقاً في مشاهدة الحق وفانياً في رؤية الجمال الإلهي (الفناء عن الفناء ).في بعض الأوقات يتجاوز العارف هذه المرحلة ليشاهد حالة الفناء الذاتي عنده ويتمتع بحالة ( البقاء بعد الفناء ) التي هي أعلى مراتب السير والسلوك .
مقام ( جمع الجمع ) يعني تجاوز شهود الإنسان السالك مرحلة الفناء ليحصل على الصحو بعد المحو والبقاء بعد الفناء أي في الوقت الذي هو فان هو باقٍ بعد الفناء فهو يشاهد كلاً من نفسه والمظاهر والظاهر في المظاهر أيضاً .
يقول المرحوم الشبستري وهو يصف الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله :
مقامه المحبوب جمع الجمع جماله المهيوب شمع الجمع
جمال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله هو الشمعة التي تضيء مقام العارفين اللذين وصلوا إلى مرحلة الفناء فقط , فالفرد الذي وصل إلى مرحلة جمع الجمع يسطع نوره على أولئك الذين هم في مقام الجمع أي الذين هم أنزل منه مرتبة فمقام جمع الجمع هو نفسه مقام الصحو بعد المحو وهو نفسه مقام البقاء بعد الفناء , وهذا هو التكامل في قوس الصعود .
أما قوس التنزل والنزول فقد يكون التنزل فيه مضاعفاً أحياناً .
فالإنسان المنحرف بعض الأوقات ينسى نفسه وبعد التذكر والتنبه يستحضر حقيقة ذاته لكنه بعض الأوقات يصل به النسيان لنفسه إلى درجة بحيث ينسى أنه قد فقد حالة التذكر لذاته لذلك لا يصحو من غفلته إطلاقاً .
فهؤلاء قلوبهم ميتة من كثرة الذنوب والغفلة ﴿ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾ فلهم مرتبة أدنى من الجماد لأن ﴿ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ (البقرة : 74 )
فهم في ﴿ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾ عكس المؤمنين العارفين فهم في ﴿ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ ووصلوا في صعودهم ﴿ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ﴾ فلكل مخلوق حد معين للصعود والهبوط حتى الملائكة ﴿ وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ﴾
غير أن الإنسان ليس له حد معين لا في السقوط ولا في الصعود فالطريق مفتوح على دفتيه.
قال أمير المؤمنين عليه السلام ( فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها والمرسلة شغلها تقممها )
فبإمكان الإنسان أن يتعدى مقامه في صفوف الملائكة ليصبح قدوة لهم ﴿ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾
فالملائكة تقتدي بالمصلي حيث يروى أن من صلى بأذان وإقامة صلى خلفه صفين من الملائكة ومن صلى بإقامة فقط صلى خلفه صف من الملائكة .
( فالمؤمن وحده جماعة) كما روي عن المصطفى صلى الله عليه وآله فهو قدوة وإماماً للملائكة
فلكي يصبح الإنسان قدوة وإماماً للملائكة عليه بأن لا يغفل في طريق تهذيبه عن الغفلة والمشارطة والمراقبة والمحاسبة وأن يحتاط في كل شيء وعليه أن يكون حقاً معتزاً بعبوديته لله كما قال أمير المؤمنين عليه السلام ( إلهي كفى بي عزاً أن أكون لك عبداً ) وأن يكون فخوراُ بربوبية الحق سبحانه ( وكفى بي فخراً أن تكون لي ربا ) على ذلك عليه بالإخلاص في عبادته والمداومة على العمل الصالح.
جزى الله الشيخ الجوادي الآملي خير الجزاء ولا حرمنا الله فوائدة ونسألكم الدعاء
إلهي كيف أنساك ولم تزل ذاكري ؟؟ وكيف الهو عنك وأنت مراقبي ؟؟؟