لا بأس أن نستذكر شيء من تراث الإمام الصادق الرائع
بسم الله الرحمن الرحيم حضر
الإمام الصادق ( عليه السلام ) مجلس المنصور يوماً ، وعنده رجل من الهند يقرأ كتب الطب ، فجعل ( عليه السلام ) ينصت لقراءته ، فلمّا فرغ الهندي قال له :
يا أبا عبد الله أتريد ممّا معي شيئاً ؟
قال ( عليه السلام ) :
( لا ، فإنّ معي ما هو خير ممّا معك ) ، قال : وما هو ؟
قال ( عليه السلام ) : (
أداوي الحار بالبارد ، والبارد بالحار ، والرطب باليابس ، واليابس بالرطب ، وأردّ الأمر كلّه إلى الله عزّ وجل ، وأستعمل ممّا قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأعلم أنّ المعدة بيت الداء ، وأنّ الحمية هي الدواء ، وأعوّد البدن ما اعتاد ) .
فقال الهندي : وهل الطبّ إِلاّ هذا ؟
فقال ( عليه السلام ) :
( أفتراني عن كتب الطبّ أخذت ؟ )قال : نعم ، قال ( عليه السلام ) :
( لا والله ، ما أخذت إِلاّ عن الله سبحانه ، فأخبرني أنا أعلم بالطبّ أم أنت ؟)فقال الهندي : لا ، بل أنا ، فقال ( عليه السلام ) : ( فأسألك شيئاً ) ، قال : سل .
قال ( عليه السلام ) : ( أخبرني يا هندي :
لِمَ كان في الرأس شؤن ؟ ) قال : لا أعلم ..
قال ( عليه السلام ) : (
فلِمَ جعل الشعر عليه من فوقه ؟ ) قال : لا أعلم ...
قال ( عليه السلام ) : (
فلِمَ خلت الجبهة من الشعر ؟ ) قال : لا أعلم ..
قال ( عليه السلام ) : (
فلِمَ كان لها تخطيط وأسارير ؟ ) قال : لا أعلم ...
قال ( عليه السلام ) : (
فلِمَ كان الحاجبان من فوق العينين ؟ ) قال : لا أعلم ..
قال ( عليه السلام ) : (
فلِمَ جعل العينان كاللوزتين ؟ ) قال : لا أعلم ..
قال ( عليه السلام ) : (
فلِمَ جعل الأنف فيما بينهما ؟ ) قال : لا أعلم ...
قال ( عليه السلام ) : (
فَلِمَ كان ثقب الأنف في أسفله ؟ ) قال : لا أعلم ..
قال ( عليه السلام ) : (
فَلِمَ جعلت الشفّة والشارب من فوق الفم ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : (
فَلِمَ احتدَّ السنّ وعرض الضرس وطال الناب ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : (
فلِمَ جعلت اللحية للرجال ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : (
فلِمَ خلت الكفّان من الشعر ؟ ) قال : لا أعلم ..
قال ( عليه السلام ) : (
فلِمَ خلا الظفر والشعر من الحياة ؟ ) قال : لا أعلم ..
قال ( عليه السلام ) : (
فلِمَ كان القلب كحبّ الصنوبر ؟ ) قال : لا أعلم ..
قال ( عليه السلام ) : (
فلِمَ كانت الرئة قطعتين ؟ وجعل حركتها في موضعها ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ كانت الكبد حدباء ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : (
فلِمَ كانت الكلية كحبّ اللوبياء ؟ ) قال : لا أعلم ..
قال ( عليه السلام ) : (
فلِمَ جعل طيّ الركبتين إلى خلف ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : (
فلِمَ تخصّرت القدم ؟ ) قال : لا أعلم ..
فقال ( عليه السلام ) : (
لكنّي أعلم ) ، قال : فأجب .
قال ( عليه السلام ) : (
كان في الرأس شؤن لأنّ المجوّف إِذا كان بلا فصل أسرع إليه الصداع ، فإذا جعل ذا فصول كان الصداع منه أبعد ،
وجعل الشعر من فوقه لتوصل بوصوله الأدهان إلى الدماغ ، ويخرج بأطرافه البخار منه ، ويردّ الحرّ والبرد عليه ،
وخلت الجبهة من الشعر لأنّها مصبّ النور إلى العينين .
وجعل فيها التخطيط والأسارير ليحتبس العرق الوارد من الرأس إلى العين ، قدر ما يميطه الإنسان عن نفسه ، وهو كالأنهار في الأرض التي تحبس المياه
، وجعل الحاجبان من فوق العينين ليردّا عليهما من النور قدر الكفاية ، ألا ترى يا هندي أنّ من غلبه النور جعل يده على عينيه ، ليردّ عليهما قدر كفايتهما منه ،
وجعل الأنف فيما بينهما ليقسّم النور قسّمين إلى كل عين سواء ..
وكانت العين كاللوزة ليجري فيها الميل بالدواء ، ويخرج منها الداء ، ولو كانت مربّعة أو مدوّرة ما جرى فيها الميل ، وما وصل إليها دواء ، ولا خرج منها داء ،
وجعل ثقب الأنف في أسفله لتنزل منه الأدواء المتحدّرة من الدماغ ، ويصعد فيه الأراييح إلى المشام ، ولو كان في أعلاه لما نزل منه داء ، ولا وجد رائحة .
وجعل الشارب والشفّة فوق الفم ، لحبس ما ينزل من الدماغ إلى الفم ، لئلا يتنغّص على الإنسان طعامه وشرابه ، فيميطه عن نفسه ،
وجُعلت اللحية للرجال ليستغنى بها عن الكشف في المنظر ، ويعلم بها الذكر من الأُنثى ،
وجعل السنّ حادّاً لأنّه به يقع العض ،
وجعل الضرس عريضاً لأنّه به يقع الطحن والمضغ ،
وكان الناب طويلاً ليسند الأضراس والأسنان ، كالاسطوانة في البناء .
وخلا الكفّان من الشعر لأنّ بهما يقع اللمس ، فلو كان فيهما شعر ما درى الإنسان ما يقابله ويلمسه ،
وخلا الشعر والظفر من الحياة لأنّ طولهما سمج يقبح وقصّهما حسن ، فلو كانت فيهما حياة لألم الإنسان قصّهما ،
وكان القلب كحبّ الصنوبر لأنّه منكس ، فجعل رأسه دقيقاً ليدخل في الرئة فيتروّح عنه ببردها ، لئلا يشيط الدماغ بحرّه .
وجُعلت الرئة قطعتين ليدخل بين مضاغطها ، فيتروّح عنه بحركتها ،
وكانت الكبد حدباء لتثقل المعدة ، ويقع جميعها عليها فيعصرها ، ليخرج ما فيها من البخار ،
وجعلت الكلية كحبّ اللوبياء ، لأنّ عليها مصبّ المني نقطة بعد نقطة ، فلو كانت مربّعة أو مدوّرة احتبست النقطة الأُولى إلى الثانية ، فلا يلتذّ بخروجها الحي ، إِذ المني ينزل من فقار الظهر إلى الكلية ، فهي كالدودة تنقبض وتنبسط ترميه أوّلاً ، فأوّلاً إلى المثانة كالبندقة من القوس .
وجعل طيّ الركبة إلى خلف ، لأنّ الإنسان يمشي إلى ما بين يديه ، فتعتدل الحركتان ، ولولا ذلك لسقط في المشي ،
وجُعلت القدم مخصّرة ، لأنّ المشي إذا وقع على الأرض جميعه ثَقل ثُقل حجر الرحى ، فإذا كان على طرقه دفعه الصبي ، وإذا وقع على وجهه صعب نقله على الرجل ) ..
فقال له الهندي :
من أين لك هذا العلم ؟ فقال ( عليه السلام ) :
( أخذته عن آبائي ( عليهم السلام ) عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن جبرائيل عن ربّ العالمين جلّ جلاله ، الذي خلق الأبدان والأرواح ) .
فقال الهندي : صدقت ، وأنا أشهد أن لا إِله إِلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله وعبده ، وأنّك أعلم أهل زمانه