عدد الرسائل : 1459 العمر : 43 تاريخ التسجيل : 29/12/2009
موضوع: كونوا مع الصادقين الثلاثاء يناير 04, 2011 9:39 pm
كونوا مع الصادقين
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾(1)
يُعدّ خُلق الصدق الركن الركين للأخلاق العالمية التي تصادقت عليها مختلف المجتمعات الإنسانية واعترفت بها كالعدل والحقانية، وقد تناول علم النفس تلك الأخلاق بالبحث والاهتمام، ويأتي الدين الاسلامي وفي الصدارة أيضاً ليعطي الصدق حقه الذي يستحقه والمنزلة الملائمة، كونه من مقوّمات الدعوة الرسالية، فالنبي الرسول إذا لم يكن صادقاً مع نفسه والمجتمع فكيف يمكنه طرح رسالته دون أن يواجه تهمة الكذب من قبل المجتمع؛ لذا فإن نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عُرف قبل الدعوة الإسلامية بالصادق الأمين ولم يختلف على ذلك اثنان.
والصدق هو رمز الاستقامة والصلاح، ومن ضرورات الحياة الاجتماعية، التي تبنى مقوّماتها على رعاية هذا الخلق الرفيع، فالمجتمع الذي يسوده صدق الحديث يكون مجتمعاً فاضلاً، متفاهماً، والشخص الصادق يتمتع بمنزلة رفيعة ومكانة سامية بين الناس لأنه محل للاعتماد والثقة بينهم.
والصدق في اللغة هو «خلاف الكذب، سمي لقوّته في نفسه، ولأن الكذب لا قوة له»(2).
فمن علامات وفور عقل الإنسان وكمال مروّته تعويد لسانه على الصدق وضبطه عن الخوض في الكذب، وذلك لأن العقل يدعو صاحبه إلى فعل المستحسن دون المستقبح، والمروءة وهي الأخذ بالفضائل ترشد صاحبها إلي الصدق وتنهاه عن الکذب لان الصدق من الفضائل التي يستحسنها العقل، والكذب بخلافه، فصاحب المروءة يكون صادقاً لا محالة، وليس كذلك من لا مروة له(3) .
وكثيرة هي الآيات القرآنية التي تحث على الصدق وتحذر من الكذب قال الله تعالى ﴿هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ ، وقال تعالى:﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ﴾(5) ، وقال عزوجل ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾(6).
و هكذا كرّم أهل البيت (عليهم السلام) هذا الخلق الرفيع ودعوا إليه بأساليبهم البليغة الحكيمة.
فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «زينة الحديث الصدق»(7).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: «لا تغتروا بصلاتهم، ولا بصيامهم، فإنّ الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش، ولكن اختبرهم عند صدق الحديث، وأداء الأمانة»( .
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إلزموا الصدق فإنه منجاة»(9).
وعن الصادق (عليه السلام) قوله أيضاً: «من صدق لسانه زكى عمله»(10) . قال العلامة السيد مهدي الصدر في بيان هذا الحديث الشريف: أي: صار علمه ببركة الصدق زاكياً نامياً في الثواب، لأن الله تعالى قال: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾(11) ، والصدق من أبرز خصائص التقوى وأهم شرائطه(12).
وللصدق أقسام تتجلى في الأقوال والأفعال، من أبرزها:
1ـ الصدق في الأقوال، وهو: الإخبار عن الشيء على حقيقته من غير تزوير وتمويه.
2ـ الصدق في الأفعال، وهو: مطابقة القول للفعل، كالبر بالقسم، والوفاء بالعهد والوعد.
3ـ الصدق في العزم، وهو: التصميم على أفعال الخير، فإن أنجزها كان صادق العزم، وإلا كان كاذبه.
4ـ الصدق في النية، وهو: تطهيرها من شوائب الرياء، والإخلاص به إلى الله تعالى وحده(13).
ومن أعظم الصادقين في المجتمع الإنساني أجمع محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله المعصومون (عليهم السلام) الذين ملأت سيرتهم الطاهرة الأذهان بأمثلة راقية تصب في الواقع الاجتماعي الذي نعيشه ولولاهم (عليه السلام) لأصبح الناس سائرين بلا هدى وفي ضلال مبين؛ كونهم (عليه السلام) يمثلون الخلافة الإلهية بالنص والواقع الذي نراه بأم أعيننا حيث إن التاريخ حافل بمجاهدة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبذله الغالي والنفيس لأجل حفظ الرسالة الإلهية وتبليغها للمجتمع فلم يؤذ نبيٌّ كما أُوذي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما ورد على لسانه (صلى الله عليه وآله وسلم) وکل ذلك دليل علي صدقه في الدعوة الإسلامية، ومن بعده لم نر مثالاً أوضح و أسمى له (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الأمر كالأئمة المعصومين (عليهم السلام) من أهل بيته فنرى الحسين (عليه السلام) ريحانة رسول الله كيف كان صادقاً مع نفسه ومع الله تعالى حيث ضحّى بنفسه وبأهله وبأعزّ ما يملك في سبيل بقاء الدين الإسلامي صافياً لا تمسه أيدي العابثين والحاقدين قائلاً: لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً إنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر واسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب.
وبعد أن خذله الناس ممن لم يكونوا صادقين مع أنفسهم ومع ربهم وبالتالي لم يكونوا أحراراً في دنياهم وسلّموا مقاليد أمورهم بأيدي من انتحل من الإسلام ديناً وكان من الكاذبين، بعد جميع ذلك توجّه الحسين (عليه السلام) إليهم بقوله الخالد: «لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ لهم إقرار العبيد»(14).