قبل أن نذكر هذا الموقف سنذكر قبله نبذة مختصرة عن نشأة الدولة الفاطمية في المغرب ، وذلك على النحو التالي :
قيام الدولة الفاطمية في المغرب
اتخذ التشيع منذ نشأته الأولى اتجاها مضادا للعصبية العربية، وكما أن التشيع في المشرق اعتمد على الموالي الفرس، فكذلك في المغرب اعتمد على الموالي من البربر. ولهذا – ولبعدها عن رقابة السلطة المركزية في بغداد وتململها من الحكم العربي، كانت بلاد المغرب تربة خصبة لبث الدعوة الشيعية.
ويرجع الفضل في نجاح الدعوة الإسماعيلية ببلاد المغرب إلى الداعية أبي عبد الله الشيعي المؤسس الأول للدولة الفاطمية في المغرب ، وأصله من الكوفة ، ويُعرف بالمعلم ، لأنه كان يعلم الناس مذهب الإمامية الباطنية .
اتجه أبو عبد الله الشيعي أولا إلى اليمن ومنها عاد إلى مكة في موسم الحج، وهناك التقى برجال من قبيلة كتامة البربرية، فاختلط بهم ، ومثل الزهد والورع عليهم ، ثم سألوه عن مقصده ، فأدعى أن أنه يريد مصر ليعلم بها ، فدعوه إلى بلادهم للقيام بهذه المهمة ، فقبل الدعوة ، ونزل عندهم سنة 288هـ في موطنهم بين جبال أوراس والبحر بنواحي قسنطينة شرقي الجزائر ، ومكانها اليوم بلاد القبائل .
مراحل الدعوة الفاطمية
ينقسم تاريخ الدعوة الفاطمية إلى مرحلتين : مرحلة الدعاية ، ومرحلة الحرب .
المرحلة الأولى : مرحلة الدعوة
استغرقت مرحلة الدعاية ثلاث سنوات ( 288 – 291هـ ) ، وكانت مجرد دعاية سلمية لجذب الأنصار . استخدم الداعي فيها التنبؤ والسحر والتبشير ، كوسيلة من وسائل الدعاية التي تلائم عقلية الناس في هذه المناطق ، وصنع من الحيل والطلاسم والرقي والأحجية ما أذهل العقول ، فأتاه الكتاميون من كل مكان فأخذ يبشرهم بظهور المهدي ، وأن له هجرة ينصره فيها الأخيار ، وهم قوم اسمهم مشتق من الكتمان ( يعني كتّامة ) . وأخذ يهيئ عقولهم – على هذا النحو – لقبول فكرته واعتناق المذهب الإسماعيلي، ووجدت دعوته قبولا من بعض الأغرار ، ورفضا مطلقا من البعض الآخر ، وقامت حروب بين كتامة وبعض قبائل البربر ، أضطر الداعي إلى الاختفاء خلالها. لاسيما بعد تعرضه للقتل ، ولما انتصر أتباعه وقويت شوكتهم ، عاود الظهور ليدشن مرحلة الحرب .
المرحلة الثانية: مرحلة الحرب
استمرت ست سنوات، اصطدم خلالها بدول أربع كانت قائمة في المغرب آنذاك، وهي:
- دولة الأغالبة
184 – 296هـ ) وكان نفوذها ضعيفا داخل أفريقية ، وقويا في حوض البحر المتوسط ، حيث كانت في حالة جهاد ضد النصارى في جزيرة صقلية ومالطة والسواحل الإيطالية ، مما ساعد أبو عبد الله الشيعي الذي كان متحصنا في جبال كتامة ، أن يطعنها في ظهرها ، وأن يستولي على عاصمتهم القيروان وينهي حكمهم الذي كان قائما باسم الخلافة العباسية ، سنة 296هـ ، وورثت الدولة الفاطمية عنها قوة بحرية هائلة في المغرب وصقلية، استخدمتها – فيما بعد - في غزو شواطئ المسلمين والقرصنة على سفنهم – ولاسيما مسلمي الأندلس-
- الدولة الرستمية : ( 144 – 296هـ )وهي دولة خارجية أباضية ، كانت عاصمتها ناهرت غربي الجزائر
-
الدولة المدرارية : ( 140- 349هـ ) وعاصمتها سلجماسة في جنوب المغرب الأقصى ، وكانت دولة خارجية صفرية .
دولة الأدارسة ( 172 – 363هـ ) وهي دولة علوية حسنية ، وكانت عاصمتها فاس ، وهؤلاء لم يكونوا شيعة ، رغم كونهم من أبناء علي كرم الله وجهه . وتعرضت مثلها مثل غيرها من الدول الأخرى - لعداء الفاطميين وهجومهم ، مما أضطر الأدارسة إلى الانسحاب شمالا والتحصن في جبال الريف
قدوم المهدي عبيد الله وأهم أعماله الأولى
وأثناء ذلك قام الداعي الفاطمي بإرسال وفد من كتامة إلى المهدي عبيد الله والذي كان متخفيا ببلدة سلمية من أعمال حمص ، يدعوه للقدوم ، فقدمها إلى المغرب فوصلها في عام 296هـ . وكان عليه أن يواصل جهوده لقيام الدولة، وتقويتها فظهرت إلى الوجود عام 297هـ. وأما أبرز الأعمال التي قام المهدي بعد قدومه فقد تمثلت فيما يلي :
1- اغتيال الداعي الشيعي أبي عبد الله : سنة 298هـ، لكون كل منهما كان يريد الاستئثار بالسلطان دون الآخر ، ووصل الأمر بالداعي الشيعي إلى التشكيك في الخليفة الفاطمي ، ودعوة الناس إلى عصيانه ، بل وحتى التآمر مع أصحابه على قتله ،.فكان أن تغدا به الخليفة الفاطمي قبل أن يتعشى به، ولما قتله انقلبت عليه كتامة فاضطر لمحاربتها حتى أخضعها من جديد مستخدما كل أشكال المكر والخبث...وقد أدى قيام الدولة إلى انقسام ديني كبير في المغرب .
2- بناء المهدية : كعاصمة للدولة على شاطئ البحر المتوسط مباشرة ، بالقرب من تونس
فشل الدعوة الفاطمية في اختراق الأندلس
عاصر قيام الدولة الفاطمية بداية عصر الخلافة الأموية في الأندلس على عهد عبد الرحمن الناصر ، وشكل قيامها حاجزا بين أهل السنة في المشرق وأهل السنة في المغرب الأقصى والأندلس ، وفكر الفاطميون في غزو الأندلس منذ قيام دولتهم بغزو الأندلس ، ومهدوا لذلك بالدعاية الشيعية وبالجاسوسية تحت ستار التجارة أو العلم أو السياحة الصوفية ، نتيجة لخبرتهم في هذه المجالات ، وكان من جواسيسهم الرحالة ابن حوقل النصيبيني ( ت 367هـ - 977م ) . والذي جاب الأندلس وعاد ليرفع تقريره إلى المعز الفاطمي مشيرا إلى خيرات الأندلس وإلى نقاط ضعف الأندلسيين بل دفع حقد الفاطمي على أهل الأندلس السنة إلى التعاون مع الثائر الأندلسي النصراني عمر بن حفصون أواخر القرن الثالث ، وقد أمده المهدي بالذخيرة والأسلحة وأرسل له داعيين أقاما عنده وأخذ يحرضانه على التمسك بطاعة الفاطميين وإقامة دعوتهم .ومواصلة الحرب ضد دولة الخلافة السنية في الأندلس . ومثل وجود هذه الدولة في المغرب خطرا كبيرا على الدولة الأموية السنية في الأندلس ، وزاد من خطورتها عليهم ، تلك القوة البحرية الهائلة التي ورثتها عن الأغالبة .
بيد أن الدعاية الفاطمية ، منيت بالفشل الذريع وفشلت كل محاولاتهم لاختراقه ، ونشر التشيع والرفض فيه ، وضاعت جهودهم سدى في هذا الصدد ، ولم ينجحوا سوى في استقطاب سوى قلة قليلة جدا من المصلحيين والمرتزقة والباحثين عن الشهرة بأي الثمن – وهذا هو حال مدعيي التشيع في الوقت الحاضر - ومنهم الشاعر ابن هانىء الأندلسي ، ويعتبر شعره في مدح المعز الفاطمي وثيقة هامة لنظريات العقيدة الإسماعيلية ، مثل قوله:
ما شئت لا ما شاءت الأقدارُ ** فاحكم فأنت الواحد القهارُ
ويرجع فشل الدعوة الفاطمية الشيعية في اختراق أهل السنة في الأندلس إلى عاملين هما :
الأول: يقظة الدولة الأموية والخلفاء الأمويين في الأندلس ونهوضهم لمجابهة هذا الخطر ، وكان يحكم الأندلس في ذلك الوقت رجل قوي الشخصية ، بلغت الأندلس في عهده ذروة القوة والاستقرار ، وهو الخليفة الناصر لدين الله عبد الرحمن الثالث ( 300- 350هـ / 912-961) م
الثاني: قوة المذهب السني في الأندلس وتأصله في نفوس الأندلسيين ، فضلا عن وعي الأندلسيين واستنارتهم الفكرية والدينية ، ( المذهب المالكي )
الشيعة أشد على المسلمين من الروم
ونتساءل - بعد هذه العجالة حول نشأة الدولة الفاطمية في المغرب - ماذا كان موقفعلماء المالكية من انتشار التشيع الفاطمي في المغرب – وهي عقر دارهم - ؟
الجواب : إن علماء المالكية سواء كانوا من أهل المغرب أو أهل الأندلس ، لم يسكتوا على انتشار التشيع الفاطمي في المغرب ، وجوبه بمعارضة قوية من قبلهم ، والأهم من ذلك أنهم عملوا على مقاومته من الداخل أي في المغرب ذاتها بكل قوة ، وكان لدى هؤلاء العلماء حساسية كبيرة منه ، واعتبر بعض علماء المالكية أن التشيع أكثر خطرا على الإسلام والمسلمين من خطر الروم ولذا فقد ترك بعضهم ما اعتادوا عليه من المرابطة في الثغور لحراسة المسلمين والجهاد ضد الكفار ، وعادوا إلى المدن لتوعية الناس وإنقاذهم من الضلال ، وفي هذا الصدد هاكم هذا المثال ، والذي أورده صاحب كتاب ( رياض النفوس ) تعقيبا على احتلال عبيد الله المهدي لأفريقية ، إذ يقول فيه بأن فقيها مالكيا يدعى جبلة ، ترك رباطه بقصر الطوب ، وأقام في مدينة القيروان ، فقيل له : أصلحك الله ، كنت بقصر الطوب تحرس المسلمين وترابط ، فتركت الرباط والحرس ورجعت إلى هاهنا ! فقال :
" كنا نحرس عدوا بيننا وبينه البحر، فتركناه وأقبلنا نحرس الذي قد حل بساحتنا لأنه أشد علينا من الروم "
قد يرفض هذه الحكم دعاة التقارب المزعوم بين المذاهب، وقد يعتبرونه مبالغا فيه، وهذا شأنهم أما أنا فأقول أن هذا الحكم لم يبتعد عن الحقيقة قيد أنملة ، وأرى أنه يعبر عما هو جار اليوم على أرض الواقع ، ولن أسوق العراق كمثال على ذلك ، وإنما سآتي بمثال آخر وهو نيجيريا – فهذه دولة أفريقية حواي 80% سكانها مسلمون بيد أن الكلمة العليا فيها للأقلية وهم نصارى ، لأن الاستعمار الإنجليزي الذي هيمن على هذه البلاد لعشرات السنين هو الذي مكنهم من ذلك ، وهم أي نصارى نيجيريا معروفون بتطرفهم وحقدهم على الإسلام وبجرائمهم المستمرة ضد مسلمي هذا البلد الممزقين ، والذين كثير منهم من الصوفية القبوريين ، والأدهى من ذلك أن إيران – وفي إطار خطتها الاسترتيجية لتصدير ثورتها ونشر التشيع - تمكنت بأمولها ودعايتها من اختراق مسلمي هذه الدولة ونجحت في تشييع بعض القبائل المتخلفة فيها ، ويقال أن هؤلاء الأفارقة الجهلاء الذين امتطوا موجة التشيع في نيجيريا – وطبقا لما أوردته مجلة السنة الغراء عن مراسل غربي – يُقال أنهم صاروا اليوم أشد على أهل السنة في هذا البلد من النصارى عبّاد الصليب أنفسهم – فلا حول ولا قوة إلا بالله .