لشيرازي عربي هاشمي ينتهي نسبه لعلي وفاطمة رغم انفك ايها الحاقد
شجرة سماحة العلامة
أناأشرف الواعظين" بن قاسم" بحر العلوم" ابن حسن بن إسماعيل "المجتهد الواعظ" بن ابراهيم بن صالح بن أبي على محمد بن علي " المعروف بالمردان" بن أبي القاسم محمد تقي بن "مقبول الدين" حسين بن أبي علي حسن بن محمد بن فتح الله بن إسحاق بن هاشم بن أبي محمد بن إبراهيم بن أبي الفتيان بن عبدالله بن الحسن بن أحمد " أبي الطيب" ابن أبي علي حسن بن أبي جعفر محمد الحائري "نزيل كرمان" ابن إبراهيم الضرير المعروف بـ"المجاب" ابن الأمير محمد العابد بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي السجاد "زين العابدين" بن الإمام أبى عبدالله الحسين "السبط الشهيد" بن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (سلام الله عليهم أجمعين) .
ن أول من هاجر من آبائي إلى إيران هو الأمير السيد محمد العابد ابن الإمام موسى بن جعفر (عليه الصلاة والسلام)، وكان فاضلا تقيا، عابدا زاهدا، ولكثرة عبادته ـ إذ أنه كان قائم الليل وصائم النهار وتاليا للقرآن الكريم في أكثر ساعات ليله ونهاره ـ لقب بالعابد، وكان يحسن الخط ويجيد الكتابة، فصار يستغل فراغه باستنساخ وكتابة المصحف المبارك، وكان ما يأخذه من حق مقابل كتابته يعيش ببعضه، ويشتري بالزائد منه مماليك وعبيدا ويعتقهم لوجه الله (عز وجل)، حتى أعتق عددا كبيرا منهم بذلك .
ولما أدركته الوفاة وارتحل من الدنيا ودفن في مضجعه، أصبح مرقده الشريف وإلى هذا اليوم مزارا شريفا لعامة المؤمنين في مدينة شيراز .
وأمر ابن الأمير أويس ميرزا معتمد الدولة، ثاني أولاد الحاج فرهاد ميرزا معتمد الدولة ـ عم ناصر الدين شاه قاجار ـ بنصب ضريح فضي ثمين على القبر الشريف، وأمر بروضته المباركة ـ وهي مسجد لأداء الفرائض اليومية وإقامة الجماعة، وتلاوة آيات الكتاب الكريم، وقراءة الأدعية والصلوات المستحبة، أمر أن تزين بالمرايا وأنواع البلاط والرخام، ليكون مأوى الزائرين، الذين يفدون إلى زيارة المرقد الشريف من كل صوب ومكان
إن في أواخر القرن الثاني من الهجرة، حينما أجبر المأمون الإمام علي بن موسى الرضا (عليه الصلاة والسلام) على الرحيل من مدينة جده رسول الله (ص) والهجرة إلى خراسان، وفرض عليه الإقامة في طوس، وذلك بعد أن قلده ولاية العهد كرها، وقع الفراق بين الإمام الرضا (ع) وبين ذويه وإخوته .
ولما طال الفراق، اشتاق ذووه واخوته وكثير من بني هاشم إلى زيارته (ع) فاستأذنوه (ع) في ذلك فأذن لهم .
كما وبعثوا كتابا إلى المأمون يطلبون منه الموافقة على سفرهم إلى طوس لزيارة أخيهم وإمامهم الرضا (ع)، حتى لا يصدهم المأمون وجلاوزته وعماله عن قصدهم، ولا يتعرضوا لهم بسوء، فوافق المأمون على ذلك، وأبدى لهم رضاه، فشدوا الرحال، وعزموا على السفر لزيارة الإمام الرضا (ع)، فتحركت قافلة عظيمة تضم أبناء رسول الله (ص) وذريته، وتوجهت من الحجاز نحو خراسان، وذلك عن طريق البصرة والأهواز وبوشهر وشيراز ... إلى آخره .
وكانت القافلة كلما مرت ببلد فيها من الشيعة والموالين لآل رسول الله (ص) انضم قسم كبير منهم إلى القافلة الهاشمية، التي كان على رأسها السادة الكرام من أخوة الإمام الرضا (ع)، وهم : الأمير السيد أحمد المعروف بـ : (شاه جراغ) والأمير السيد محمد العابد وهو : (جدنا الأعلى) والسيد علاء الدين حسين، أبناء الإمام موسى بن جعفر (ع)، فكان الناس يلتحقون بهم طوعا ورغبة لينالوا زيارة إمامهم الرضا (ع) .
وعلى أثر ذلك ذكر المؤخرون : بأن هذه القافلة حينما قربت من شيراز بلغ عدد أفرادها أكثر من خمسة عشر ألف إنسان، بين رجل وامرأة، وصغير وكبير، وقد غمرهم جميعا شوق اللقاء، وفرحة الوصال والزيارة .
فأخبر الجواسيس وعمال الحكومة المأمون في طوس بضخامة القافلة وكثرة أفرادها، وحذروه من مغبة وصولها إلى مركز الخلافة طوس، فأوجس المأمون ـ من الأخبار الواصلة إليه عن القافلة الهاشمية ـ خيفة، وأحس منها بالخطر على مقامه ومنصبه .
فأصدر أوامره إلى جواسيسه في الطريق، وإلى حكامه على المدن الواقعة في طريق القافلة الهاشمية، يأمرهم فيها بأن يصدوا القافلة عن المسير أينما وجدوها، وأن يمنعوها من الوصول إلى طوس وكانت القافلة قد وصلت قريبا من شيراز حين وصل أمر الخليفة إلى حاكمها بصدها، فاختار الحاكم سريعا وعلى الفور أحد جلاوزته المسمى (قتلغ خان) وكان شديدا قاسيا، وأمره على أربعين ألف مقاتل، وأمرهم بصد القافلة الهاشمية وردها إلى الحجاز .
فخرج هذا الجيش الجرار من شيراز باتجاه طريق القافلة وعسكر في (خان زنيون) وهو منزل يبعد عن شيراز، ثلاثين كيلو متر تقريبا، وبقوا يترصدون القافلة، وفور وصول القافلة إلى المنطقة وهي في طريقها إلى شيراز باتجاه طوس، بعث القائد (قتلغ خان) رسولا إلى السادة الأشراف، وبلغهم أمر الخليفة، وطلب منهم الرجوع إلى الحجاز من مكانهم هذا فورا .
فأجابه الأمير السيد أحمد ـ وهو كبيرهم ـ قائلا :
أولا : نحن لا نقصد من سفرنا هذا إلا زيارة أخينا الإمام الرضا (ع) في طوس .
وثانيا : نحن لم نخرج من المدينة المنورة، ولم نقطع هذه المسافة البعيدة إلا بإذن من الخليفة وبموافقة منه، ولهذا فلا مبرر لصدنا عن المسير .
ذهب الرسول وبلغ مقالته إلى (قتلغ) ثم رجع وهو يقول : إن القائد (قتلغ) أجاب قائلا : بأن الخليفة أصدر إلينا أوامر جديدة تحتم علينا وبكل قوة أن نمنعكم من السفر إلى طوس، ولعلها أوامر أخرى اقتضتها الظروف الراهنة، فلا بد لك أن ترجعوا من هنا إلى الحجاز .
التشاور دأب النبلاء:
وهنا أخذ الأمير السيد أحمد يشاور اخوته وغيرهم من ذوي الرأي والحجى من رجال القافلة في الأمر، فلم يوافق أحد منهم على الرجوع، وأجمعوا على مواصلة السفر إلى خراسان مهما كلفهم الأمر، فجعلوا النساء في مؤخرة القافلة، والأقوياء من الرجال المجاهدين في المقدمة، وأخذوا يواصلون سفرهم .
وتحرك (قتلغ خان) بجيشه وقطع عليهم الطريق، وكلما نصحهم السادة أبناء رسول الله (ص) بتخلية الطريق لم ينفعهم نصحهم، وانجر الموقف إلى المناوشة والمقاتلة، ومنها شبت نيران الحرب والقتال بين الطرفين، فحمى الوطيس وانهزم جيش المأمون على أثر مقاومة بني هاشم وشجاعتهم .
فتوسل (قتلغ خان) بالمكر والخديعة وأمر جماعة من رجاله أن يصعدوا على التلال وينادوا بأعلى أصواتهم : يا أبناء علي وشيعته ! إن كنتم تظنون أن الرضا سوف يشفع لكم عند الخليفة، فقد وصلنا خبر وفاته، وجلوس الخليفة في عزاءه، فلماذا تقاتلون ؟! فإن الرضا قد مات !!
أثرت هذه الخديعة أثرا كبيرا في انهيار معنويات المقاتلين والمجاهدين، فتفرقوا في ظلام الليل وتركوا ساحة القتال، وبقي أبناء الرسول (ص) وحدهم، فأمر الأمير السيد أحمد اخوته ومن بقي معه أن يرتدوا ملابس أهل القرى ويتزيّوا بزيهم، ويتفرقوا في سواد الليل، ويتنكبوا عن الطريق العام حتى يسلموا على أنفسهم ولا يقعوا في يد (قتلغ خان) ورجاله، فتفرقوا من هنا وهناك، في الجبال والقفار مشردين مطاردين .
وأما الأمير السيد أحمد، وكذا السيد محمد العابد، والسيد علاء الدين، فقد دخلوا شيراز مختفين، وانفرد كل منهم في مكان منعزل وانشغل في عبادة ربه .
نعم يقال : أن المراقد المنسوبة إلى أل النبي (ص) في إيران وخاصة النائية منها في القرى وبين الجبال، أكثرها لأصحاب تلك الوقعة الأليمة .
ترجمة الأمير السيد أحمد:
الأمير السيد أحمد هو أخ الإمام الرضا (ع)، وأفضل أولاد أبيه بعد أخيه الإمام علي بن موسى الرضا (ع)، وأورعهم وأتقاهم .
وهو الذي اشترى في حياته ألف عبد مملوك وأعتقهم لوجه الله، ويلقب باللقب المعروف (شاه جراغ) وبعد أن نجاه الله من تلك المعركة، توجه مختفيا مع أخويه إلى شيراز، وأقاموا فيها متنكرين متفرقين .
ونزل السيد أحمد في شيراز عند أحد الشيعة في محلة (سردزك) وهو المكان الذي فيه مرقده الآن، واختفى في بيت ذلك الموالي واشتغل بالعبادة .
وأما (قتلغ خان) فقد جعل العيون والجواسيس في كل مكان لاستقصاء أخبار السادة المشردين والعثور عليهم، وبعد سنة تقريبا عرف مكان السيد أحمد فحاصره مع رجاله، وأبى السيد أن ينقاد ويستسلم لعدوه، فقاتلهم ذابا عن نفسه، وأبدى شجاعة وشهامة هاشمية، أعجبت الناس كلهم، وكان كلما ضعف عن الحرب يلتجئ إلى منزله فيستريح فيه لحظات ثم يخرج ويدافع عن نفسه .
فلما رأى (قتلغ) أنهم لا يستطيعون القضاء عليه عبر المواجهة المسلحة، احتالوا عليه بالدخول إلى بيت جيرانه والتسلل إليه عبر ثغرة أحدثوها من بيت الجيران، فلما دخل السيد بيته ليستريح فيها قليلا، خرجوا وغدروا به، فضربوه بالسيف على رأسه، فخر صريعا، ثم أمر(قتلغ خان)، فهدموا البيت على ذلك الجسد الشريف وبقي تحت التراب والأنقاض .
ولما كان أغلب الناس في ذلك الزمان من المخالفين، ولم يكونوا شيعة لآل محمد (ص) إلا القليل منهم، وذلك على أثر الأكاذيب التي كانت تنشر بواسطة الدولة ورجالها ضدهم، لم يرعوا حرمة ذلك المكان، ولا حرمة الجسد الشريف، ولم يرقبوا فيه رسول الله (ص) بل تركوه مدفونا تحت الأنقاض وأكوام التراب.
اكتشاف الجسد الشريف:
وفي أوائل القرن السابع الهجري دخلت شيراز في ظل حكومة الملك أبي بكر بن سعد مظفر اليدن، وكان مؤمنا صالحا يسعى لنشر الدين الإسلامي الحنيف، ويكرم العلماء، ويحترم المؤمنين الأتقياء، ويحب السادة الشرفاء، وكما
قيل : (الناس على دين ملوكهم) كان وزراؤه ورجال دولته مثله ـ أيضاـ مؤمنين أخيار ومنهم : الأمير مسعود بن بدر الدين، وكان كريما يحب عمران البلاد وإصلاح حال العباد، فعُني بتجميل مدينة شيراز وتنظيفها من الأوساخ، وتجديد بناياتها وإصلاح خرائبها، إذ أن شيراز كانت عاصمة ملكهم .
فأمر في جملة ما أمر بإصلاحه، وتجديد البناء فيه ـ إعمار المكان الذي يضم جسد الأمير السيد أحمد منذ قرون، فلما جاء عماله ومستخدموه إلى المكان وانهمكوا بنقل التراب والأنقاض منه إلى خارج البلد، وصلوا أثناء العمل إلى جسد طري لشاب جسيم وسيم، قد قتل على أثر ضربة على رأسه انفلت هامته، فأخرجوه من بين الأنقاض وأخبروا الأمير مسعود بذلك، فجاء هو بصحبة جماعة من المسؤولين للتحقيق في الموضوع .
وبعد الفحص الكثير، والتنقيب عن وجود أثر يدل على هوية الشاب القتيل عثروا على خاتم له كان قد نقش عليه :" العزة لله، أحمد بن موسى " فأذعنوا لما أمروا ذلك ـ إضافة إلى ما كانوا قد سمعوه عن تاريخ ذلك المكان ـ أيضا ـ من أخبار الشجاعة الهاشمية التي أبداها أولاد رسول الله (ص) أنفسهم في الواقعة الأليمة التي دارت هناك وأدت أخيرا إلى شهادة أحمد بن موسى عليه السلام ـ ان هذا الجسد هو جسد الأمير السيد أحمد بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام .
ولما شاهد الناس أن الجسد الشريف قد أخرج من تحت الأنقاض وأكوام التراب وذلك بعد أربعمائة عام من تاريخ شهادته وهو على نضارته طريا لم يتغير، عرفوا أن صاحبه ولي من أولياء الله تعالى، وأيقنوا بحقانية التشيع مذهب أهل بيت رسول الله (ص)، إذ أنه كان من أولاد الرسول وعلى مذهب أهل البيت الذي استشهد في سبيله ومن أجله، فتشيع على أثر ذلك كثير من اهل شيراز .
ثم أمر مسعود بن بدر الدين، أن يدفنوا الجسد الطاهر في نفس المكان الذي عثروا عليه فيه، بعد أن حفروا له قبرا وصلوا عليه، ودفنوه في قبره مجللا محترما بحضور العلماء وأعيان شيراز، كما وأمر أن يشيدوا على مرقده عمارة عالية ذات رحبة واسعة لتكون مأوى للزائرين والوافدين وبقيت كذلك حتى توفي الملك مظفر الدين سنة 658هـ ق .
وفي عام 750هـ لما آلت السلطة على بلاد فارس إلى الملك إسحاق بن محمود شاه ودخل شيراز، كانت أمه معه، وهي الملكة (تاشي خاتون) وكانت امرأة صالحة، فتشرفت بزيارة ذلك المرقد الشريف، وأمرت بترميم الروضة المباركة وإصلاحها، كما وأمرت ببناء وتشييد قبة جميلة جدا فوق مرقده، وجعلت قرية (ميمند) الواقعة على بعد ما يقرب من ثمانين كيلو مترا عن مدينة شيراز وقفا عليه، وأمرت بأن يصرف واردها على تلك البقعة المباركة، وهي باقية إلى يومنا هذا، حيث يعمل المتولون لها على قرار الوقف وينفقون واردها في شؤونه، ومحصولها حتى اليوم : ماء ورد معروف بجودته وطيبه في العالم .
ترجمة الأمير السيد علاء الدين حسين:
السيد علاء الدين هو أيضا من إخوة الإمام الرضا عليه السلام، ومن أبناء الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وهو الذي دخل بصحبة أخويه متسترا إلى شيراز وفارقهما مختفيا في مكان لا يعرفه أحد، واشتغل فيه بالعبادة .
ثم مضت مدة من الزمن وهو مختف، وكان بالقرب من محل اختفائه بستان (لقتلغ خان) والسيد لا يعرف أنها لقتلغ خان، فضاقت به الدنيا يوما وضاق صدره، فخرج من مخبئه وأطل على البستان لينفس عن ضيق صدره ويروح نفسه قليلا، فجلس في زاوية واشتغل بتلاوة القرآن، فعرفه رجال قتلغ العاملون في البستان، فحملوا عليه، ولم يمهلوه حتى قتلوه والقرآن في يده وآياته على شفتيه، فما هالهم إلا أن رأوا أن الأرض تنشق وتضم جسده الشريف وتخفيه عنهم حتى مصحفه الذي كان في يديه .
مرت أعوام كثيرة على هذه الواقعة الأليمة، ومات قتلغ وانمحى أثر البستان، وتبدلت حكومات ودول كثيرة في بلاد فارس، حتى جاء عهد الدولة الصفوية .
وفي عهد الصفويين اتسعت مدينة شيراز حتى وصلت البيوت إلى الأرض التي ضمت جسد السيد علاء الدين، فعندما كانوا يحفرون فيها لوضع أساس للبناء، عثروا على جثة شاب جميل كأنه قتل من ساعته، واضعا يده على قبضة سيفه والمصحف الكريم على صدره، فعرفوا مما لديهم من العلائم والشواهد، أنه السيد علاء الدين حسين بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ـ فقيل : إنهم وجدوا اسمه مكتوبا على جلد المصحف الكريم ـ فدفنوه بعد الصلاة عليه في محله .
وأمر حاكم شيراز أن يبنوا على قبره الشريف مكانا عاليا وبناءا رفيعا ليتسع للمؤمنين الموالين الذين يتوافدون لزيارته من كل صوب ومكان .
وبعد ذلك جاء رجل من المدينة المنورة ـ يدعى الميرزا علي المدني ـ لزيارة مراقد السادة الشرفاء، وكان ثريا ومن الموالين لأهل البيت وذراريهم، فقام بتوسيع البناء على مرقد السيد علاء الدين، وشيد عليه قبة جميلة، واشترى أملاكا كثيرة فجعلها وقفا على ذلك المرقد الشريف، وأمر بصرف وارداتها بشؤونه، كما أوصى بأن يدفن بعد موته في جوار السيد علاء الدين، فلما مات دفنوه هناك، وقبره اليوم في تلك البقعة المباركة معروف، وقد كتب عليه اسمه، وهو : (ميرزا علي المدني) ولا يزال المؤمنون يزورونه ويقرأون له الفاتحة .
ثم إنه بعد ذلك أمر الملك إسماعيل الصفوي الثاني بتزيين ذاك البناء المشيد وترميمه بأحسن وجه، فنصبوا الكاشي والمرايا وزينوا الروضة المباركة بأفضل زينة، وهو إلى الآن مزار عظيم ومشهد كريم، يقصدون المؤمنون من كل أنحاء إيران وغيرها، وأهالي شيراز يكنون له غاية الاحترام والتكريم .
قال بعض النسابة : إن السيد علاء الدين كان عقيما لا نسل له، وقال بعض آخر : كان له نسل ولكن انقرضوا، ولم يبق له منهم عقب وذرية .
وكذلك الكلام في أخيه الأكبر السيد أحمد فقد قالوا في حقه : إنه لم يكن له أولاد ذكور، بل كانت له بنت واحدة فقط، وذلك على ما في كتاب (عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب) .
وقال بعض : كان للسيد أحمد أولاد ذكور أيضا .
ترجمة الأمير السيد محمد العابد:
السيد محمد، الملقب بالعابد، هو : ثالث إخوة الإمام الرضا عليه السلام ورابع أولاد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وهو الذي دخل شيراز بصحبة أخويه، الأمير السيد أحمد والسيد علاء الدين حسين، وفارقهما إلى مكان مجهول، مختفيا ومتنكرا لا يعرفه أحد، يعبد الله تعالى فيه حتى وافاه الأجل ومات موتا طبيعيا ودفن فيها .
ومن كثرة عبادته لقب بالعابد .
خلف أولادا أجلاء، أفضلهم من حيث العلم والتقوى، والزهد والورع هو : السيد إبراهيم المعروف بـ
المجاب) .
لقب بهذا اللقب لأنه عندما تشرف بزيارة فبر جده الإمام أمير المؤمنين علي (ع)، ووقف مسلما عليه، أتاه جواب سلامه من داخل القبر الشريف، فسمعه هو ومن حوله، وعلى اثر هذه المنقبة أجله الناس وعظموه واحترموه، ولقبوه بالمجاب، وبعد وفاة أبيه السيد محمد العابد توجه إلى زيارة العتبات المقدسة، وسكن بجوار قبر جده الشهيد الإمام الحسين (ع)، وقريبا من قبر جده أمير المؤمنين علي (ع) ليزورهما أيما وقت شاء .
وكان موضع قبر الإمام أمير المؤمنين (ع) قد ظهر حديثا وعرف في ذلك الزمان بعد ما كان مجهولا على الناس طيلة مائة وخمسين سنة تقريبا، فظهر بكرامة قدسية لتلك البقعة المباركة، وصار خبره آنذاك حديث اليوم، يتناقله الناس في المحافل والمجالس .
الحافظ : عجيب ! في أي حال كان مرقد أمير المؤمنين كرم الله وجهه منذ دفنه إلى ذلك الزمان، حتى اكتشف بعد مائة وخمسين سنة، هل كان مخفيا على المسلمين طيلة هذه المدة ؟! ولماذا أخفي عنهم ؟؟!
قلت : لما استشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام كان ذلك في زمن طغى فيه بنو أمية، ولما كان عليه السلام يرى بنور الله أن ستمتد حكومة معاوية بعده من الشام إلى الكوفة، أوصى أن يدفن ليلا بلا علم من أحد، وأمر بأن يعفى موضع قبره، لذلك لم يحضر دفنه إلا أولاده وخواص شيعته .
ولكي يشتبه الأمر على الناس ويبقى محل القبر مجهولا عليهم، جهزوا في صبيحة يوم 21 من شهر رمضان سنة أربعين للهجرة بعيرين وعقدوا عليهما نعشين، بعثوا أحدهما إلى مكة، والآخر إلى المدينة، وهكذا نفذت وصية أمير المؤمنين عليه السلام وأخفى موضع قبره عليه السلام عن عامة الناس .
الحافظ : هل يمكنك أن تخبرني ما هو سبب هذه الوصية ؟ وما الحكمة في الإصرار على إخفاء القبر ؟!
لماذا دفن الامام علي (ع) سرا ؟
قلت نحن لا نعلم السبب والحكمة بالضبط، ربما كان ذلك لما يعلمه (ع) من حقد بني أمية وعدائهم الدفين للنبي (ص) ولآله (ع) خاصة، فانه كان من المحتمل أن ينبشوا القبر الشريف ويسيئوا الأدب مع الجسد الطاهر، وهو ظلم دونه كل ظلم !!
الحافظ : هذا الكلام الغريب منكم وبعيد جدا، كيف يمكن لإنسان أن يتعدى على قبر مسلم بعد موته ودفنه، إنه لا يكون مهما كان بينهم من العداء والبغضاء ؟!
قلت : ولكن ذلك ليس ببعيد من بني أمية !!
اما طالعت تاريخهم الأسود وماضيهم الحقود ؟!
أما قرأت جرائمهم الفظيعة وأعمالهم الفجيعة، التي يندى منها جبين الأنسانية خجلا، وتدمع عينها أسفا ؟؟!
أما علمت أن هذه العصبة الخبيثة والشجرة الملعونة في القرآن، لما قبضوا على زمام الحكم وغصبوا الخلافة، كم من أبواب جور فتحوا ؟! وكم من جناية وغواية ابتدعوا ؟! وكم من دم سفكوا ؟! وأعراض هتكوا ؟! وأموال نهبوا ؟! وحرما انتهكوا ؟!
إن أولئك البعداء عن الإسلام والإنسانية، لم يراعوا شيئا من الدين والأخلاق الحميدة في حركاتهم وسكناتهم، فكانوا يتصرفون في شؤون المسلمين حسب أهوائهم وآرائهم الفاسدة، وإن كثيرا من كبار علمائكم ومؤرخيكم سجلوا جرائم هذه الطغمة الفاسدة بحبر من عرق الخجل، على أوراق العار والفشل، بقلم الخوف والوجل !
ولقد ألف العلامة أبو العباس أحمد بن علي المقريزي الشافعي كتابه المشهور (النزاع والتخاصم بين بني أمية وبني هاشم) وذكر فيه بعض أعمال بني أمية القبيحة وجرائمهم الفظيعة، فانهم لم يرحموا حيا ولم يحترموا ميتا من شيعة آل الرسول (ص)، الموالين لعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين (ع) وأولاده الغر الميامين .
وهنا اسمحوا لي أن أذكر لكم ـ كنموذج على ذلك ـ مثالين من هذا الكتاب، حتى تطلعوا على الجرائم البشعة لبني أمية، وتعرفوا حقيقة أمرهم، كي لا تتعجبوا من كلامي و لا تستغربوه، وتعرفوا أن ما أقوله لكم إنما هو عن دليل وبرهان !
شهادة زيد بن علي (ع):
قال المقريزي وغيره من المؤرخين : لما هلك يزيد بن عبد الملك، تولى الحكم أخوه هشام، فبدأ بالجور والعدوان على أهل البيت (ع) وشيعتهم، فكتب إلى عماله بالتضييق عليهم وسجنهم والفتك بهم، وأمر عامله على الكوفة يوسف بن عمر الثقفي، أن يهدم دار الكميت شاعر أهل البيت (ع) وأن يقطع لسانه، لأنه مدح آل الرسول (ص) !!
وكتب إلى عامله على المدينة خالد بن عبدالملك بن الحارث : أن يحبس بني هاشم فيها و يمنعهم من السفر! فنفذ خالد أمر هشام، وضيق على الهاشميين، وأسمع زيد بن الإمام زين العابدين ما يكره، فخرج زيد إلى الشم لشكو خالدا إلى هشام، فأبى هشام أن يأذن له، فأرسل إليه زيد رسالة يطلب الإذن بها له، فكتب هشام في أسفلها : إرجع الى أرضك، فقال زيد : والله لا أرجع، وأخيرا أذن له هشام وأمر خادما أن يتبعه ويحصي ما يقول، فسمعه يقول : والله ما أحب الدنيا أحد إلا ذل .
وأمر هشام جلساؤه أن يتضايقوا في المجلس حتى ل يقرب منه .
فلما دخل زيد لم يجد موضعا يجلس فيه، فعلم أم ذلك قد فعل عمدا، واستقبله هشام بالشتم والسباب، بدل التكريم والترحاب !
وفي المقابل لم يسكت زيد عن الجواب، و إنما أسمع هشاما ما لا يحب أن يسمع، فلم يتحمل هشام وأمر بطرده، دون أن يسمع شكواه، فأخذ الغلمان بيده ليخرجوه، فأنشد زيد :
شـرده الخــــــوف وأزرى بـه كــذا من يكـــــره حـر الجـلاد
قـــد كان في الموت له راحة والموت حتم في رقاب العباد
فخرج من مسجد هشام وتوجه إلى الكوفة، فحدث الناس بظلم الخليفة وعماله، فبايعه خلق كثير فيهم الأشراف والعلماء، لأنهم وجدوه أهلا للقيادة، فهو سيد هاشمي، وفقيه تقي، وشجاع باسل .
ولما رأى أعوانا، نهض ليؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدفع الظلم والضيم عن نفسه وعن المؤمنين، فدارت المعركة بينه وبين يوسف الثقفي والي الكوفة وجيشه الجرار، ولكن أصحاب زيد تركوا زيدا وحده قبل أن يخوض الحرب ويدخل في غمراتها، ولم يبق معه إلا نفر قليل !! ورغم ذلك فقد دخل زيد الحرب وجاهد بشجاعة وبسالة هاشمية وهو يرتجز :
أذل الحـــيـاة وعـــز المـــمـــات و كـــــلا أراه طـعـــامــا وبـيــلا
فــــإن كـــان لابد مــــن واحــــد فسيري إلى الموت سيرا جميلا
فبينما هو يجاهد في سبيل الله ويحارب الأعداء، إذ وقع سهم في جبهته، فلما انتزعوا سقط شهيدا .
وكان ذلك في اليوم الثامن من شهر صفر عام 121هـ، وكان عمره الشريف إثنتين وأربعين سنة، فرثاه الحسن الكناني بأبيات منها :
فلما تردى بالحمائل وانتهى يصول بأطراف القنا الذوابل
تبيـنـت الأعــداء أن سنــانه يطيل حنين الأمهات الثواكـل
تبين فيه ميسم العـز والتقى و ليا يفدي بين أيدي القوابل
فحمله ابنه يحيى بإعانة عدة من أنصاره، ودفنه في ساقية وردمها , و أجرى عليه الماء لكي لا يعلم أحد مدفنه ولكن تسرب الخبر إلى يوسف بن عمر، فأمر بنبش القبر واخراج الجسد الطاهر، ثم أمر بقطع رأسه الشريف فقطع وبعث به الى الشام، فلما وصل الرأس الشريف إلى الشام كتب هشام إلى واليه على الكوفة : أن مثل ببدنه واصلبه في كناسة الكوفة .
ففعل والي الكوفة يوسف بن عمر ذلك، وصلبه في ساحة من سوح الكوفة حقدا وعدوانا، وراح الشاعر الأموي يفتخر بهذه ويقول في قصيدة جاء فيها :
صلبــــنا لكم زيدا على جذع نخلة ولم أر مهديا على الجذع يصلب !
فبقي أكثر من أربع سنوات مصلوبا، حتى هلك هشام وتولى بعده الوليد بن يزيد، فكتب إلى عامله بالكوفة : أحرق زيدا بخشبته وأذر .
ففعل وأذرى رماده على شاطئ الفرات !(35) .
شهادة يحيى بن زيد:
وفعلوا نفس الصنيع بولده يحيى، فانه قام ضد ظلم بني أمية وجورهم، والتاريخ يذكره بالتفصيل(36) واستشهد في ميدان القتال، فقطعوا رأسه وبعثوه إلى الشام وصلبوا جسده الشريف ست سنين ـ وقد بكى عليه المؤالف والمخالف ـ حتى مات الوليد، ونهض أبو مسلم الخراساني واستولى على تلك البلاد فأمر فأنزل جسد يحيى الشهيد ودفن في جرجان وقبره اليوم مزار يتوافد المؤمنون لزيارته .
بعد هذا الحديث الحزين تأثر كل الحاضرين وتألموا، وبكى بعضهم على مصائب آل النبي (ص)، ولعنوا بني أمية الظالمين .
سر وصية الإمام أمير المؤمنين علي (ع):
إن فاجعة قتل زيد وابنه يحيى وصلبهما، واحدة من آلاف الفجائع التي أحدثتهما أيدي بني أمية، بعد قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) .
فيا ترى ما الذي كان يمنعهم، إذا سنحت لهم الفرصة، أن يصنعوا بجسد الإمام علي (ع) الزكي الطاهر، ما صنعوه بجسد حفيده المظلوم زيد بن الإمام زين العابدين (ع) ؟!
فقد جاء في كتاب منتخب التواريخ : أن الحجاج بن يوسف الثقفي نبش حوالي الكوفة آلاف القبور، يفتش عن جثمان الإمام علي (ع) !!
فلعله لهذا السبب وصى بنيه أن يدفنوه ليلا لا نهارا، وسرا لا جهارا، ويعفّوا موضع قبره ويخفوه على الناس، وكان كذلك حتى عهد هارون الرشيد .
اكتشاف قبر الإمام أمير المؤمنين علي (ع):
خرج الرشيد يوما للقنص والصيد إلى وادي النجف في ظهر الكوفة، وكانت آجام أصبحت أوكارا للحيوانات .
قال عبدالله بن حازم : فلما صرنا الى ناحية الغري، رأينا ظبية فأرسلنا إليها الصقور والكلاب، فحاولتها ساعة ثم لجأت الظبية إلى فاستجارت بها، وتراجعت الصقور والكلاب، فتعجب الرشيد من ذلك !
ثم إن الظباء هبطت من الأكمة، فتعقبتها الصقور والكلاب، فرجعت الظباء إلى الأكمة، فتراجعت عنها الصقور والكلاب ففعلت ذلك ثلاثا .
فقال هارون : اركضوا إلى هذه الأنحاء والنواحي فمن لقيتموه، ائتوني به، فأتيناه بشيخ من بني أسد .
فقال له هارون : ما هذه الأكمة ؟
قال الشيخ إن جعلت لي الأمان أخبرتك !
قال : لك عهد الله وميثاقه أن لا أهيجك ولا أؤذيك .
قال الشيخ : جئت مع أبي إلى هنا فزرنا وصلينا فسألت أبي عن هذا المكان .
فقال : عندما تشرفت بزيارة هذه البقعة مع الإمام جعــفر الصادق (ع) قال : هذا قبر جدنا علي بن أبي طالب (ع) وسيظهره الله تعالى قريبا .
فنزل هارون ودعا بماء فتوضأ وصلى عند الأكمة وتمرغ عليه وجعل يبكي، وبعده أمر ببناء قبة على القبر ! ومنذ ذلك اليوم لم يزل البناء في تطور، وهو اليوم صرح بديع لا يوصف .
الحافظ : أظن إن قبر مولانا علي بن أبي طالب، لم يكن في النجف، ولا في النجف، ولا في الموضع الذي ينسب إليه، لأن العلماء اختلفوا فيه، فمنهم من يقول : دفن في قصر الامارة، ومن قائل إنه في جامع الكوفة، وقول إنه في باب كندة، وقيل إنه دفن في رحبة الكوفة وهناك من يقول : حمل إلى المدينة ودفن في البقيع، وبالقرب من كابل في أفغانستان أيضا قبرا ينسب إليه !
ويقال : إن جسد مولانا علي (كرم الله وجهه)، وضع في صندوق وحمل على بعير ساروا به نحو الحجاز، فاعترضهم عدد من قطاع الطرق، وظنوا أن فيه أموالا فسرقوه، ولما فتحو الصندوق وجدوا فيه جثمان علي بن أبي طالب، فذهبوا به إلى ذلك المكان من أفغانستان، فدفنوه، والناس عموما يحترمون ذلك القبر ويزوروه !!
قلت : هذا الخبر مضحك جدا، فرب مشهور لا أصل له، وهو للأسطورة أقرب .
وأما الاختلاف في موضع قبر الإمام علي عليه السلام فقد جاء على اثر وصيته بإخفاء قبره الشريف، وإنما لم أشرح لكم الموضوع بالتفصيل رعاية للوقت .
فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام : عن أمير المؤمنين أوصى ابنه الحسن وقال له ما مضمونه : بني إذا دفنتني في النجف ورجعت إلى الكوفة، فاصنع في أربعة مواضع أربعة قبور : 1ـ مسجد الكوفة، 2ـ الرحبة، 3ـ الغري، 4ـ دار جعدة بن هبيرة .
وإن هذا الاختلاف الذي تذكره، إنما يكون بين علمائكم، لأنهم أخذوا كلام هذا وذاك، ولم يأخذوا بكلام العترة النبوية حتى في تعيين موضع قبر أبيهم، سيد العترة، الإمام علي عليه السلام !!
واما إجماع علماء الشيعة فهو على أن قبر الإمام علي عليه السلام في النجف الأشرف، وفي الموضع النسوب إليه، وهم أخذوا هذا الخبر الصحيح من أهل بيته " وأهل البيت أدرى بما في البيت " ومن الواضح أن أولاد علي عليه السلام الذين قاموا بدفنه أعلم من غيرهم بموضع قبره، والعادة في مثل هذه الاختلافات ان يرجعوا إلى الأبناء في تعيين قبر أبيهم، ولكن قاتل الله العناد !!
وإن العترة الهادية وأئمة أهل البيت عليهم السلام، اتفقوا وأجمعوا على أن قبر جدهم أمير المؤمنين عليه السلام، إن هو إلا في النجف وفي الموضع الذي اشتهر به، وحرضوا المسلمين ليزوروا قبر أبي الحسن علي بن أبى طالب عليه السلام في ذلك الموضع .
ذكر سبط ابن الجوزي في " تذكرة الخواص " ص 163 (37): إختلاف الأقوال في قبر الإمام علي عليه السلام ـ إلى أن قال : والسادس : إنه على النجف في المكان المشهور الذي يزار فيه اليوم، وهو الظاهر، وقد استفاض ذلك .
وعلى هذا القول كثير من علمائكم، كأمثال خطيب خوارزم في المناقب وخطيب بغداد في تاريخه، ومحمد بن طلحة في " مطالب السؤول " وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، والفيروز الآبادي في القاموس ـ في كلمة النجف ـ وغيرهم .
أبناء إبراهيم المجاب:
صار حوارنا مصداقا للمثل : " الكلام يجر الكلام " وأعود الآن لأتحدث عن نسبي :
توفي السيد ابراهيم المجاب بن السيد محمد العابد في كربلاء المقدسة، ودفن عند قبر جده سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام، ومرقده اليوم مزار المؤمنين، وخلّف ثلاثة أولاد وهم ال: السيد أحمد، والسيد محمود، والسيد علي، فهاجروا إلى بلاد إيران ليوجهوا الناس الى الله تعالى ويعلموهم أحكام الدين ويسلكوا بهم سبيل أهل البيت الطاهرين عليهم السلام فأما السيد احمد أقام في منطقة (قصر ابن هبيرة) وبقي فيها مع أولاده وخدموا الدين والمجتمع .
وأما السيدان محمد وعلي، فقد توجها إلى كرمان .
أما السيد علي فسكن مدينة سيرجان وهي تبعد عن كرمان أكثر من مائة كيلو متر، واشتغل هو وأولاده وأحفاده بتبليغ الدين وإرشاد المسلمين .
وأما السيد محمد ـ الملقب بالحائري ـ فقد وصل كرمان وبقي فيها، وخلّف ثلاثة أولاد وهم : أبو علي الحسن، ومحمد حسين الشيتي، وأحمد .
أما محمد حسين وأحمد، فقد رجعا إلى كربلاء وسكنا في جوار جدهم الحسين الشهيد عليه السلام حتى توفيا، وتوجد إلى يومنا هذا في العراق، قبائل كبيرة من السادة الشرفاء ينتمون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله عن طريقهما، مثا آل شيته، وآل فخار وهم من نسل السيد محمد الشيتي .
أما آل نصر الله وآل طعمة، فهم من نسل اليد احمد، وهم اليوم سدنة الروضة الحسينية المقدسة في كربلاء .
وأما السيد أبو علي الحسن، فقد هاجر مع أولاده من كرمان إلى شيراز وكان سكانها آنذاك من العامة، بل كثير منهم كانوا يبغضون آل الرسول (ص) فدخل المدينة مع أهله وأولاده بأزياء عربية وأقاموا بالقرب من الخندق المحيط بالبلد فأقاموا بيوتا عربية وسكنوا فيها .
واتصلوا بالشيعة الساكنين في محلة (سردزك) وهم قليلون مستضعفون يعيشون في تقية، فبدأ السيد أبو علي وأولاده بنشر تعاليم آبائهم الطيبين، وتبليغ مذهبهم الحق، في خفاء وحذر .
وبعد وفاة السيد أبي علي قام ابنه الأكبر السيد أحمد أبو الطيب بالتبليغ ونشر عقائد الشيعة وتعاليمهم، واهتم بذلك اهتماما بالغا، حتى أن كثيرا من أهل شيراز وتشيعوا، وأخذ عددهم يزداد يوما بعد يوم، فلما رأى السيد أبو الطيب إقبال الناس عليه، أعلن نسبه ومذهبه، فازداد إقبال الناس عليهم والتفافهم حول السادة الكرام، فنصبوا منبر الارشاد الاسلامي والتوجيه الديني في شيراز باسم السادة المجابية، وهم المنسوبون إلى السيد ابراهيم المجاب، والسادة العابدية وهم المنسوبون إلى إخوان السيد المجاب، فإن أباهم جميعا هو السيد محمد العابد .
فتحرك الخطباء والمبلغون من هؤلاء السادة وسافروا إلى أنحاء إيران لينشروا عقائد العترة الهادية وتعاليمهم باسم ـ المذهب الشيعي ـ فانتشر المذهب الحق في أكثر البلاد الإيرانية، حتى قامت دولة آل بويه وهم شيعة، وجاء بعدهم غازان خان محمود، والسلطان محمد خدابنده، وهم من المغول ولكن تشيعا وخدما مذهب الشيعة وأتباعه، ثم قامت الدولة الصفوية وكان عصرهم أفضل العصور للشيعة في إيران، إذ أعلنوا التشيع هو المذهب الرسمي في إيران ولا يزال كذلك .
هجرتنا الى طهران:
في أواخر أيام الملك فتح علي القاجاري، تشرف جدنا السيد حسن الواعظ الشيرازي ـ طاب ثراه ـ بزيارة مرقد الإمام الرضا علي بن موسى عليه السلام، وعند رجوعه من خراسان وصل طهران العاصمة فاستقبله أهلها والعلماء، وتوافدوا إلى منزله يزورونه ويرحبون بقدومه، وجاء وفد من قبل جلالة الملك وبلغوه تحية جلالته ورغبته في أن يجعل السيد محل إقامته في العاصمة، فلبى جدنا دعوة الملك وأجابوه بالقبول .
وكانت المساجد آنذاك في طهران، تختص بصلوات الجماعة وبيان المسائل الشرعية، ولم تنعقد فيها مجالس الخطابة ـ المتداولة في زماننا ـ وكانت التكايا والحينيات تختص بعرض التمثيليات عن وقائع عاشوراء الدامية واقامة العزاء والشعائر الحسينية .
وكانت " تكية الدولة " من أهم التكايا والحسينيات، فطلب جدنا من الملك أن ينصب منبرا للخطابة والتبليغ والإرشاد ـ على النحو المتعارف في زماننا ـ في كل حسينية وتكية .
فأيد الملك ذلك وبدأ بتكية الدولة، ودعا فضيلته ليخطب ويفيد الناس فصعد جدنا المنبر في تكية الدولة فوعظ وبلغ وأرشد الناس إلى حقائق الدين وتعاليم المذهب، وبعد ذلك رثى سيد الشهداء الحسين عليه السلام وأبكى الحاضرين .
فاستقبل الناس طريقته بحضورهم المتكاثف، واستمر مجلسه ليالي كثيرة في ذلك المكان، وبعده دعي على تكية أخرى، وهكذا كان جدنا مؤسس مجالس الوعظ والخطابة، وأول من وضع منبر التوجيه الديني والارشاد المذهبي في طهران .
ثم لما رأى جدنا السيد حسن الواعظ، استقبال الناس لمجالسه وحديثه، أرسل كتابا إلى والده السيد اسماعيل، أحد مجتهدي شيراز، وطلب منه أن يبعث بعض أولاده إلى طهران، وكان له أربعون ولدا فانتخب منهم :
1ـ السيد رضا، وكان فقيها مجتهدا، 2 ـ السيد جعفر، 3 ـ السيد عباس، 4 ـ السيد جواد، 5 ـ السيد مهدي، 6 ـ السيد مسلم، 7 ـ السيد كاظم، 8 ـ السيد فتح الله .
وأمرهم ان يهاجروا الى طهران ليعينوا أخاهم السيد حسن في إدارة مجلس الوعظ والإرشاد، ويطيعوه لنه كان أكبرهم وأفضلهم .
فأقام هؤلاء السادة في طهران واشتهروا فيها وفي المدن المجاورة لها، بحسن أخلاقهم وإيمانهم وبعذوبة بيانهم وحلاوة كلامهم .
فطلب أهالي قزوين من السيد احسن أن يبعث إليهم بعض إخوته، ليقيموا هناك ليرشدوهم ويعلموهم الدين .
فبعث إليهم السيد مهدي والسيد مسلم والسيد كاظم، فسكنوا قزوين وقاموا فيها بأمر التبليغ والتوجيه الديني، وخلفوا أولادا يعرفون بالسادة المجابية، وعددهم اليوم كثير في قزوين .
وأما السيد حسن مع بقية اخوانه فقد سكنوا طهران وعقدوا فيها مجالس كثيرة للتوجيه والإرشاد، فخدموا الدين وأهله خدمة جليلة عن طريق المحراب والمنبر .
وبعد أن توفي جدنا السيد حسن ـ قدس سره ـ سنة 1291 هـ، تعينت نقابة السادة المجابية والعابدية في ولده الأكبر، السيد قاسم، بحر العلوم، وهو والد والدي، وكان عدد رجال هذا البيت الشريف يبلغ ألفا آنذاك، وكانت مؤهلات وشرائط الرئاسة مجتمعة في السيد قاسم، من الزهد والورع والعلم والحلم وحسن الخلق، فكان يحوي العلوم العقلية والنقلية، وعلم الأصول والفروع، واشتهر في زمانه بالعلم وحسن التدبير والإدارة .
وتوفي سنة 1308هـ ونقل جثمانه إلى العراق، وشيع في مدينة كربلاء المقدسة بكل عز واحترام، ودفن عند مرقد جده الإمام الشهيد الحسين بن علي عليه السلام، بجنب قبر والده السيد حسن الواعظ ـ طاب ثراه ـ وبعده انتقلت نقابة السادة العابدية والمجابية، إلى والدي، وهو اليوم من حماة الشيعة وأنصار الشريعة، وحيد عصره، وفريد دهره، السيد علي أكبر، دامت بركاته .
وقد نال من الملك ناصر الدين شاه القاجاري، لقب " اشرف الواعظين " ويبلغ عمره اليوم ثمانين سنة، صرف جله في خدمة الدين وإثبات أصوله ونشر فروعه، وقد قام بتوجيه الغافلين وإرشاد الجاهلين، وخاصة في الآونة الأخيرة، إذ مرت بالأمة عواصف إلحادية وحوادث خطيرة جاءت من قبل الأجانب المستعمرين وأعداء الإسلام والمسلمين، فجرفت الكثير من العوام والجاهلين، فنهض والدي وأمثاله من العلماء الكرام، ووقفوا في وجوه الأعداء اللئام، حتى كشفوا عن الحق اللئام، وشقوا أمواج الفتن والظلام، بنور العلم وضوء الكلام .
فدحضوا الباطل، وأنقذوا العوام من الشكوك والأوهام، فقدر مواقف والدي وخدماته، علماء عصره ومراجع الدين في زمانه، أمثال :
1 ـ آية الله العظمى، مجدد مذهب سيد البشر في القرن الثالث عشر، السيد ميرزا محمد حسن الشيرازي ـ طاب ثراه .
2 ـ آية الله العظمى ميرزا حبيب الله الرشتي .
3 ـ الآية العظمى الشيخ زين العابدين المازندراني .
4 ـ آية الله ميرزا حسين بن ميرزا خليل الطهراني .
5 ـ المجتهد الأكبر آية الله السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي .
6 ـ آية الله العظمى الشيخ فتح الله، شيخ الشريعة الأصفهاني .
7 ـ آية الله العظمى السيد اسماعيل الصدر .
8 ـ آية الله العظمى الميرزا محمد تقي الشيرازي، قائد ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني للعراق.
فهؤلاء المجتهدون الكرام والعلماء الأعلام ـ قدس الله أسرارهم ـ كانوا يحترمون والدي كثيرا ويحبونه ويكرمونه غاية الإكرام والاحترام .
وأما في هذا الزمان، فإن زعيم الشيعة سيد الفقهاء والمجتهدين، وحيد دهره، ونابغة عصره، سماحة السيد أبو الحسن الأصفهاني متع الله المسلمين بطول بقائه، وهو الآن في النجف الأشرف يرفع لواء الدين وراية أمير المؤمنين عليه السلام، ويهتم بنشر علوم سيد المرسلين (ص) في كل أقطار العالم، وقد دخل بواسطته جماعات كثيرة من أصحاب الملل والنحل في الإسلام واعتنقوا مذهب التشيع .
وفي إيران، زعيمنا آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري مد ظله العالي، مؤسس الحوزة العلمية في قم المقدسة، وهو ملاذ الشيعة، وحامي الشريعة في إيران .
وإن هذين العالمين الكبيرين يحترمان والدي ويكرمانه كثيرا، ويقدران جهوده الجبارة في سبيل إحياء الدين ورد شبهات المضلين .
وان سماحة الشيخ الحائري يخاطب والدي بـ" سيف الإسلام " لأن بيانه وكلامه مفعم بالأدلة العقلية القاطعة، والبراهين الساطعة، فلسانه في الدفاع عن الدين الحنيف، والذب عن مذهب التشيع الشريف، أكثر أثرا من السيف .
واليوم بنو أعمامي ورجال شجرتنا المباركة موجودون في أكثر مدن ايران، وبالأخص في طهران ونواحيها، وشيراز وحواليها، وقزوين وضواحيها، وهم يعرفون بالسادة العابدية والمجابية والشيرازية، ولم يزالوا يخدمون الدين وأهله، بسلوكهم النزيه، وبالارشاد والتوجيه .
هذا ملخص تاريخ هذه السلالة الكريمة، في جواب سؤالكم : لماذا هاجرنا إلى إيران ؟ وقد تبين لكم من خلال الجواب أن هدف المهاجرين الأولين من هذه السلالة، زيارة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ولما منعتهم السلطات، قاموا يفضحون أعمال الحكام والولاة، ويعلنون جور الخلفاء الجفاة، وينشرون الوعي بين الأمة، ويوجهون الناس الى الحقائق الدينية والأحكام الالهية التي طالما سعى الخلفاء وأعوانهم في تغييرها، فكانوا كما قال تعالى : (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون احدا إلا الله وكفى بالله حسيبا