الرابط:
http://www.shiaweb.org/books/maalem_al-madresatain_3/pa53.htmlتقييم أحاديث الكتب الأربعة
ان مدرسة أهل البيت لم تعتبر جميع أحاديث الكتب الأربعة : الكافي والفقيه والاستبصار والتهذيب ، صحيحة كما هو الشأن لدى مدرسة الخلفاء بالنسبة إلى صحيحي مسلم والبخاري ، وان أقدم الكتب الأربعة زمانا وأنبهها ذكرا وأكثرها شهرة هو كتاب الكافي للشيخ الكليني ، وقد ذكر المحدثون بمدرسة أهل البيت ان فيها خمسة وثمانين وأربعمائة وتسعة آلاف حديث ضعيف من مجموع 16121 حديث ، وإذا رجعت إلى شرح الكافي المسمى بمرآة العقول وجدت مؤلفه المجلسي - احد كبار علماء الحديث - يذكر لك في تقييمه أحاديث الكافي ضعف ما يراه منها ضعيفا ، وصحة ما يرى منها صحيحا ، ووثاقة ما يرى منها موثقا أو قويا باصطلاح أهل البيت .
وقد ألف احد الباحثين في عصرنا صحيح الكافي ( 1 ) اعتبر من مجموع 16121 حديثا من أحاديث الكافي 3328 حديثا صحيحا وترك 11693 حديثا منها لم يراها حسب اجتهاده صحيحة .
1 ) صحيح الكافي تأليف محمد باقر البهبودي ، ط . بيروت سنة 1401 ه . ولما كان المؤلف قد اعتمد في عمله على الأقوال المنقولة عن كتاب الرجال المنسوب إلى ابن الغضائري أبو الحسين أحمد بن الحسين ( كان معاصرا للنجاشي والطوسي ) وعلماء الدراية والرجال ينكرون وجود كتاب كهذا لابن الغضائري ، لهذا لم يلق عمله المذكور القبول في الحوزات العلمية . راجع حرف الراء من الذريعة بترجمة رجال ابن الغضائري ( ج 10 / 87 - 89 ) وحرف التاء بترجمة كتاب تفسير العسكري ( ج 4 / 288 - 291 ) ، وفصل " التشكيك في نسبة الرجال إلى ابن الغضائري " الحكم عليه بالوضع والاختلاق من المقدمة السادسة بمعجم رجال الحديث ( ج 1 / 102 ( * ) .
- ج 3 ص 283 -
وما ذكرناه يدلك على أن مدرسة أهل البيت لا تعتبر أي كتاب حديث لديها صحيحا ، سواء الكافي منها وما دونها شهرة ، وبعدها زمانا . وانها تؤمن بأن كتاب الله القرآن وحده صحيح من الجلد إلى الجلد ولا شريك له في الصحة .
قول مجهول قائله أما ما قيل من أن المهدي ( ع ) قال : ان الكافي كاف لشيعتنا ، فانه قول مجهول راويه ولم يسم أحد اسمه ، ويدل على بطلانه تأليف مئات كتب الحديث بمدرسة أهل البيت بعد الكافي مثل : من لا يحضره الفقيه ، ومدينة العلم والتهذيب والاستبصار والبحار ووسائل الشيعة وجامع أحاديث الشيعة ، إلى غيرها .
الأحاديث الصحيحة لدى فقهاء مدرسة أهل البيت
بما ان أتباع مدرسة أهل البيت لم يسدوا باب الاجتهاد أي استنباط الأحكام من الكتاب والسنة ، كما فعل ذلك أتباع مدرسة الخلفاء ، فانهم بحاجة مستمرة إلى دراسة آيات الأحكام من كلام الله ودراسة أحاديث الأحكام المنتهية إلى رسول الله ( ص ) .
وفي صدد ذلك جمعوا آيات الأحكام في رسائل خاصة مثل : كنز العرفان في فقه القرآن للسيورى ( ت : 826 ه ) ومسالك الإفهام إلى آيات الأحكام لجواد الكاظمي ( توفي اواسط القرن الحادي عشر الهجري ) ، ثم عنوا بدراستها لدراية منطوقها ومفهومها خاصها وعامها محكمها ومتشابهما ، إلى غير ذلك من الدراسات واستنبطوا منها الأحكام الشرعية التي دونوها في كتبهم الفقهية .
وكذلك جمعوا الأحاديث المروية بواسطة الصحابة المؤمنين وأئمة أهل البيت الأطهار في موسوعات كبيرة مثل الفقيه والاستبصار والتهذيب والوسائل وجامع أحاديث الشيعة ، ثم عنوا بدراسة إسناد أحاديثها لمعرفة قويها من ضعيفها وصحيحها من سقيمها ودراسة متونها لمعرفة عامها وخاصها ، مجملها ومبينها ورجحان ما تعارض منها .
ثم أثبتوا الأحكام التي استخرجوها مما صح عندهم من تلك الأحاديث في كتب فقهية ، مثل النهاية للشيخ الطوسي والمختصر النافع وشرايع الإسلام للمحقق الحلي ( ت : 676 ه ) واللمعة للشهيد الأول ( ت : 786 ه ) وشرحها للشهيد الثاني
- ج 3 ص 284 -
( ت : 965 ه ) وجواهر الكلام في شرح شرايع الإسلام للشيخ محمد حسن ( ت : 1266 ه ) إلى نظائرها . ويتضح مما ذكرنا ان علماء مدرسة أهل البيت لم يجروا في دراستهم الرسمية الحوزوية على غير أحاديث الأحكام دراسات لتمحيص الأحاديث ، وأن الأحاديث التي جمعوها في مثل الوسائل وجامع أحاديث الشيعة انما جمعوها ليجرى الفقيه عليها دراساته لمعرفة الأحاديث الصحيحة منها ثم استنباط الأحكام مما ثبت عندهم صحتها منها .
إذا فالأحاديث الصحيحة عند فقهاء الشيعة هي التي استخرجوا منها المسائل الفقهية المدونة في الكتب الفقهية المذكورة آنفا ، ومن ثم ثبت ان العلماء لم يجروا أي دراسة حوزوية على أحاديث السيرة ، سواء سيرة الأنبياء السابقين أو خاتم الأنبياء وصحابته ، أو الأئمة وأصحابهم ، وروايات التاريخ الإسلامي العام ، ولا على أحاديث تفسير القرآن الكريم والأدعية والأخلاق وكذلك اغلب أحاديث الأعمال المستحبة ، وتجدهم يعولون في هذه المباحث على روايات ورواة لا يعولون عليها ولا عليهم في المباحث الفقهية ، بل يطرحونها ويسقطونها على الاعتبار .
ولو سألت أحدهم : هل صح عندك جميع ما أوردت في هذا البحث غير الفقهي من حديث ؟ لأجابك بالنفي وقال انه ليس من مباحث الأحكام الشرعية وانما هو من أبواب المعارف الإسلامية والأمر فيه هين .
ومن ثم يخرجون في مباحث التفسير والسيرة والأدعية والأخلاق والأعمال المستحبة روايات عن رواة لا يروون عنهم في أبواب الفقه ، وقد أكثروا في هذه المباحث من إيراد روايات مدرسة الخلفاء مما تخالف الواقع وانتقدوا عليها ، دون أن يعلم الناقد ان النقد انما يتجه إلى روايات مدرسة الخلفاء فيها وليس على روايات مدرسة أهل البيت واليك ثبتا بذلك فيما يأتي .
- ج 3 ص 285 -
انتشار أحاديث مدرسة الخلافة لدى اتباع مدرسة أهل البيت
أوردنا في الجزء السابع من " نقش أئمة در احياء دين " ( 1 ) الأحاديث التي خرجها الشيخ المفيد ( ت : 413 ه ) من أحاديث سيف بن عمر الزنديق من رواة أحاديث السيرة والتاريخ بمدرسة الخلفاء .
وذكرنا بعض ما اعتمده الشيخ الطوسي من رواياتهم بترجمة القعقاع من رجاله وانتشر منه إلى رجال الأردبيلي ( ت : 1101 ه ) والقهبائي ( كان حيا سنة 1016 ه ) والمامقاني ( ت : 1351 ه ) .
وان بعض ما أخرجه الشيخ الطوسي - أيضا - من رواياتهم في تفسيره التبيان انتشرت منه إلى تفسير : أبي الفتوح الرازي ( ت : 554 ه ) ومنه إلى تفسير گازر ( ت : 722 ه ) ومنه إلى تفسير الكاشاني ( ت : 988 ه ) .
وان من " إحياء علوم الدين " للغزالي ( ت : 505 ه ) انتشر حديث موضوع عن سيرة رسول الله إلى " جامع السعادات " لمهدي النراقي ( ت : 1209 ه ) ومنه إلى " معراج السعادة " لابنه احمد النراقي ( ت : 1245 ه ) .
وان ابن طاووس ( ت : 664 ه ) اعتمد في كتاب دعائه " المجتنى " على رواية نقلها من تاريخ ابن الاثير ( ت : 630 ه ) والتي كان قد نقلها من رواية سيف الزنديق بتاريخ الطبري .
1 ) راجع في ما نقلناه إلى هنا : " نقش أئمة " ج 7 / 61 - 75 ، ط . تهران سنة 1404 ه = 1363 ش . ( * )
- ج 3 ص 286 -
وان المجلسي الكبير ( ت : 1111 ه ) أخرج في أبواب سيرة رسول الله ( ص ) ومقتل الامام علي ووفاة فاطمة بكتاب البحار 264 صفحة من روايات كتب أبي الحسن البكري ( ت : منتصف القرن الثالث الهجرى ) ( 1 ) .
واستنسخ الشيخ الحر العاملي ( ت : 1104 ه ) كتاب البكري المذكور وألحقه بآخر كتاب " عيون المعجزات " ( 2 ) للشيخ حسين بن عبد الوهاب .
* * *
هكذا انتشر في غير الأبواب الفقهية من كتب علماء مدرسة أهل البيت الشئ الكثير من الأحاديث الضعيفة ، وسبب ايراد النقد الكثير عليهم .
ومن ثم يرد هذا السؤال : انه ما المبرر لهم في تدوين الأحاديث الضعيفة في غير أبواب الفقه من كتبهم ؟ وفي ما يأتي جوابهم على هذا السؤال :
الأمانة العلمية لدى علماء مدرسة أهل البيت
لما لم يكن علماء مدرسة أهل البيت بصدد تدوين الحديث الصحيح في كتبهم كما هو شأن مؤلفي الصحاح بمدرسة الخلفاء وخاصة في غير الأبواب الفقهية ، وكانوا بصدد جمع الأحاديث المناسبة لكل باب ، لهذا افتضت الأمانة العلمية في النقل أن يدونوا كل ما انتهى إليهم من حديث في بابه ، مع غض النظر عن صحة الحديث لديهم أو عدمه كي تصل جميع أحاديث الباب إلى الباحثين في الأجيال القادمة كاملة ، مهما كان بعض الأحاديث مكروهة لديهم وضعيفة بموازين النقد العلمي . وإنما كانوا يرون أنفسهم مسؤولين أمام الله في تمحيص الأحاديث التي يعتمدونها في استخراج الأحكام الشرعية في تدوين كتبهم الفقهية فحسب .
إذا فان النقد يرد عليهم لو اعتمدوا على حديث ضعيف في كتبهم الفقهية ، وكذلك يرد النقد على كتب " منتقى الجمان " و " الدر والمرجان في أحاديث الصحاح
1 ) هو احمد بن عبد الله بن محمد من أولاد الخليفة الأول أبي بكر قال الذهبي بترجمته : " واضع القصص التي لم تكن قط " وهو غير أبي الحسن البكري محمد بن محمد بن عبد الرحمن المتوفى954 هـ ، وترجمته في الأعلام للزركلي 7 / 285 . راجع ترجمة احمد بن عبد الله في ميزان الاعتدال رقم الترجمة 440 ولسان الميزان رقم الترجمة 639 والأعلام للزركلي 1 / 148 .
2 ) راجع " نقش أئمة " 7 / 70 ( * ) .
- ج 3 ص 287 -
والحسان " و " النهج الوضاح في الأحاديث الصحاح " و " صحيح الكافي " لو ورد فيها حديث ضعيف .
ومن كل ما سبق ذكره يتضح جليا ان مدرسة أهل البيت لا تتسالم على صحة كتاب عدا كتاب الله جل اسمه ، وان مؤلفيهم قد يوردون في غير الكتب الفقهية حديثا لا يعتقدون صحته ويرونه ضعيفا ، لان الأمانة العلمية تقتضيهم أن لا يكتموا حديثا من الباحثين في الأجيال القادمة بدليل انهم يرونه ضعيفا ، فلا يتجه إليهم نقد في غير ما دونوه في الأبواب الفقهية ، يرد النقد على مؤلفي الصحاح والحسان الأربعة لو وجد فيها حديث ضعيف .
* * *
بعد ان بلغ البحث إلى هنا رجعنا إلى معجم رجال الحديث لأستاذ الفقهاء السيد الخوئي ، فوجدناه - مد ظله - قد أفاض الحديث في ذلك تحت عنوان " روايات الكتب الأربعة ليست قطعية الصدور " ( 1 ) و " النظر في صحة روايات الكافي ومن لا يحضره الفقيه التهذيبين . . . " ( 2 ) .
وأثبت ان الشيخ الطوسي والصدوق وشيخه لم يكونوا يرون صحة جميع ما ورد في الكافي من حديث . وأن الشيخ الطوسي لم يكن يرى صحة جميع ما ورد في من لا يحضره الفقيه من حديث .
والاهم من ذلك أن الكليني بنفسه لم يكن يرى جميع ما أورده من حديث في كتابه الكافي صحيحا . وكذلك الصدوق لم يكن يرى صحة جميع ما أورد من حديث في من لا يحضره الفقيه .
والشيخ الطوسي لم يكن يرى صحة جميع ما أورد من حديث في التهذيب والاستبصار . واستدل فيما أفاد بأدلة قوية ، منها : أنه كيف يصح ان يقال ان الشيخ الكليني أو غيره يرى جميع ما في كتاب الكافي قطعي الصدور عن رسول الله ( ص ) أو أحد الأئمة من أهل بيته ( ع )
1 ) معجم رجال الحديث 1 / 22 - 36 ، ط . بيروت سنة 1403 ه .
2 ) معجم رجال الحديث 1 / 85 - 97 ( * ) .
- ج 3 ص 288 -
وقد نقل فيه الشيخ الكليني أقوالا عن أشخاص أمثال :
أ - هشام بن الحكم .
ب - أبي أيوب النحوي .
ج - النظر بن سويد .
د - أسيد بن صفوان .
ه - إدريس بن عبد الله الاودي .
و - الفضيل .
ز - أبي حمزة .
ح - اليمان بن عبيد الله .
ط - إسحاق بن عمار .
ى - يونس .
ك - إبراهيم بن أبي البلاد .
ل - أبي نعيم الطحان .
م - إسماعيل بن جعفر . ( 1 )
كيف يصح وليس هؤلاء الرجال الذين أخرج أحاديثهم في الكافي بالنبي والأئمة من أهل بيته لتكون أقوالهم أحاديث صحيحة .