نتيجة للدعايات الشيعية المكثفة والمستمرة منذ أكثر من ألف عام، ونظرا لتوظيفهم لحادثة مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، في مجال هذه الدعاية، واستغلالها لأقصى حد في مجال الحشد الجماهيري والتعبئة الفكرية والنفسية للأتباع والمريدين، ولتجذير المظلومية في وجدانهم الجمعي، وكون هذه المناسبة بما تحفل به من طقوس وشطحات ومواكب وضجيج، قد أضحت هي المعلم البارز، للعقيدة الشيعية الأثنى عشرية في الوقت الراهن.
أقول نتيجة لذلك كله ولغيره صار هناك من يعتقد أن حادثة مقتل الإمام الحسين رضي الله عنه، هي أساس الفرقة بين المسلمين، أو بالأحرى السبب الرئيسي في خروج الشيعة عن إجماع الأمة، وإصرارهم على استمرار هذه الفرقة والتغريد خارج السرب منذ ذلك الوقت وحتى الآن.
والحقيقة التي ينبغي أن نعرفها جميعا، ونركز عليها ونضعها نصب أعيننا، خاصة ونحن نجادل الشيعة ونناقشهم، هي أن خروج هذه الفرقة عن إجماع الأمة لا علاقة بهذه الحادثة المؤسفة رغم كونها تعتبر صفحة سوداء في التاريخ الإسلامي.
نعم خروج الشيعة عن إجماع الأمة لا يرتبط بهذه الحادثة، بصورة مباشرة، ولا يرتبط أيضا بصورة مباشرة بخروج معاوية بن أبي سفيان عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وقتاله في معركة صفين، أو خروج طلحة والزبير رضي الله عنهما ومعهما السيدة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عنه وقتالهم له في معركة الجمل. ولا ترتبط بغير ذلك من القضايا والإشكاليات والأحداث المؤسفة في التاريخ الإسلامي.
إذن ما هو السبب في ذلك الخروج يا ترى؟!
الجواب: إن السبب الأساسي في خروج الشيعة عن إجماع الأمة هو (الإمامة )، هو قولهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة لعلي بن أبي طالب من بعده، وأن الصحابة رضوان الله عليهم، وعلى رأسهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وغيرهم قد تواطئوا مع بعضهم البعض على اغتصابها منه بدون وجه حق، وذلك بعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، ولذلك فهم لا يعترفون بخلافة الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان بل يعتبرونها باطلة وتأكيدا على ذلك يقولون أن علي بن أبي طالب وريث النبي صلى الله عليه وسلم وخليفته بلا فصل، ويقولون على أولئك الخلفاء الثلاثة وغيرهم من الصحابة قولا عظيما، يعف اللسان عن ذكره، ويبرأ منه الإمام علي بن أبي طالب وأهل البيت.
هنا مربط الفرس، وبيت القصيد. هنا يكمن الداء العضال الذي ليس دواء، وهنا تكمن المعضلة التي ليس لها حل. وكل قضية يثيرها الشيعة تبدأ من هنا وتنتهي هنا. أي تبدأ عند الإمامة وتنتهي عندها. فالإمامة – وكونها من فروض الدين – هي جوهر العقيدة الشيعية الاثنى عشرية، ولذلك تنسب إليها هذه الفرقة فيقال: (الإمامية). وأي مظلومية يشكوا منها الشيعة، وأي معركة فكرية يشعلونها بعيدا عن مسألة الوصية بالخلافة لعلي بن أبي طالب، والتي اغتصبها منه الصحابة ظلما وعدوانا كما يزعمون. فهي عبارة عن زوابع ترابية وعواصف رملية، وأبخرة دخانية، يثيرونها في وجوه أهل السنة للطعن في عقيدتهم ولإحداث البلبلة في صفوفهم، وإثارة الخلافات والجدل والخصومات فيما بينهم، وزعزعة ثقتهم في المبادئ والقيم التي يؤمنون بها، والتي تقوم عليها عقيدتهم تلك.
وفي هذا الإطار يأتي الاستخدام الوظيفي المنظم والممنهج للمآسي والمحطات المؤلمة في التاريخ الإسلامي من قبل الشيعة، وفي مقدمة ذلك مناسبة عاشوراء. فضلا عن استخدام هذه الأحداث والمناسبات من قبل القائمين على هذه العقيدة، لتعبئة صفوف الأتباع والمريدين وتحصينهم فكريا من عقيدة السنة، ولوكان هذا التحصين بحقنهم بالأحقاد والضغائن وأمر العدوات، وشحن أدمغتهم بالأباطيل والأوهام والخرافات. كما هو جار اليوم.
أعود وأذكر على أن أساس مخالفة الشيعة للسنة هو قولهم بالوصية في الإمامة… لا حادثة مقتل الإمام الحسين رضي الله عنه، في عاشوراء، ولا قضية خروج معاوية بن أبي سفيان على الإمام علي بن أبي طالب، ولا علاقة لها بغيرهما من القضايا والأحداث الكبرى والصغرى في التاريخ الإسلامي.
وإذا كانت الفتنة الكبرى بين علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان قد قسمت المسلمين إلى قسمين كبيرين هما: أشياع الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأشياع معاوية بن أبي سفيان، فإن الشمل قد عاد إلى الالتئام من جديد، وتم حقن دماء المسلمين، ببركة سيدنا الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، الذي تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، وفقا للصلح المشهور بينهما عام 40هـ، وهو العام الذي اكتسب في التاريخ الإسلامي اسمه السامي (عام الجماعة).
ولاشك أن الحسن بن علي بن أبي طالب لم يسرع بالتنازل بالخلافة لمعاوية بن أبي سفيان عن جبن – حاشاه – أو عن قلة أنصار، أو للشعور بأن معاوية بن أبي سفيان أصلح منه للخلافة وأقدر على تحمل مسئوليتها والقيام بأعبائها، وإنما هو فعل ذلك من أجل حقن دماء المسلمين، ومن أجل استقامة أمر الإسلام والمسلمين. فآثر بالخلافة معاوية عن نفسه، وهذا دليل على أن معاوية كان صالحا للخلافة ومؤهلا لها، ولو لم يكن كذلك لما تنازل له الحسن. ومنذ ذلك الحين تقرر مبدأ إسلامي أصيل وهو جوزا إمامة الفاضل مع وجود من هو أفضل منه.
والمهم أن هذا الصلح قد ترتب عليه اجتماع شمل المسلمين من جديد تحت راية الخليفة معاوية بن أبي سفيان، ولم يشذ عن ذلك سوى الشيعة الغلاة، أو بعبارة أوضح أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي، الذين كانوا مندسين في صفوف شيعة علي، والمدعين لإمامته وعصمته أو نبوته أو إلهيته، لتنظم إليهم بعد ذلك كل نطيحة وكل متردية، وليركب هذه الموجة كل حاقد على الإسلام وأهله، وكل راغب في قصم ظهر الأمة، وهؤلاء هم الذين حملوا راية الخلاف والفرقة والشقاق وأوصلوا التشيع إلى ما هو عليه اليوم، وهؤلاء بطبيعة الحال ليس من مصلحتهم أن يلتئم الجرح ويجتمع شمل الأمة، وهم لن يسعوا إلا إلى مزيد من الفرقة.
ولو سلمنا جدلا بأن أهل السنة قد بصموا بأصابعهم العشر على الرواية الشيعية المتعلقة بمقتل الإمام الحسين رضي الله عنه، وأطلقوا ألسنتهم بلعن يزيد بن معاوية وبني أمية، وتبنوا رواياتهم أيضا حول قضية خروج معاوية بن أبي سفيان على الإمام علي بن أبي طالب، من جهة وقضية خروج طلحة والزبير عليه من جهة أخرى، وحول اغتصاب فاطمة حقها في فدك وحول التزوير الذي حدث في السقيفة وفي كون البيعة لأبي بكر الصديق تمت من خلال مجلس للشورى ملفق لم يحضره أهل الحل والعقد. وحول وحول ..الخ.
أقول لو أن أهل السنة فعلوا كل ذلك وقبلوا رءوس مراجع الشيعة وأقدامهم وفعلوا ما فعلوا، في مقابل طي صفحة الماضي، على اعتبار أن أولئك القوم قد أفضوا إلى ما قدموا ، وعلى اعتبار أن تلك الفتن الدموية قد سلمت منها أيادينا فلتسلم منها السنتنا ، ومن ثم الاتفاق وأياهم على التفكير في الحاضر والمستقل، في إطار الوحدة الإسلامية الجامعة، وفي إطار سماحة الإسلام التي تسع المسلمين جميعا، لما قبل الشيعة بذلك، ولما غيروا من مواقفهم تجاه أهل السنة قيد أنملة، ولما وصفوفهم بغير وصف العامة، ولما نبزوهم بغير النواصب.
وحتى وإن قبلوا ذلك فسيكون تقية منهم، ولن يتعدى قبولهم حدود الظاهر، وأما في الباطن فسيظلون على مواقفهم السيئة وظلالهم القديم، وسيعتبرون ما حدث انتصارا لهم ومكسبا لعقيدتهم. بل إن إنهم سيطمعون في الحصول على تنازلات جديدة دون أن تبدر منهم أي بادرة خير تجاه السنة. ولعلكم تعرفون إلى أي مدى قد استغلوا – ولا يزالوا - الفتوى المنسوبة للشيخ محمود شلتوت حول جواز التعبد بالعقيدة الشيعية الاثنى عشرية.
وعندما أقول إنهم قد يقبلون تقية، لا أقول ذلك لكوني أعلم مسبقا بالنوايا، ولا لكوني أضمر سوء الظن، تجاه الشيعة، ولكن لأن التقية هي جزء لا يتجزأ من عقيدة الشيعة الاثنى عشرية من جهة. ومن جهة أخرى لكون القضية الأساسية لهذه الفرقة – وهذا هو الأهم - هي الإمامة، وأن علي بن أبي طالب هو الوصي بالنص الجلي، وحول هذا يدور الشيعة الأثنى عشرية، كما يدور الثور في الساقية. وهي معضلة ليس لها حل إلا بمعجزة إلهية – ونحن في زمن لم يعد فيه معجزات -. فالقوم سدوا باب الاتفاق سدا محكما، يتجسد ذلك في قولهم: علي بن أبي طالب، هو وريث النبي صلى الله عليه وسلم، وخليفته بلا فصل. فتركيب (بلا فصل ) لم يترك أي مجال الاجتهاد. فهو يعني أنه رفعت الأقلام وجفت الصحف بعد هذا القول.
وأنا هاهنا لا أحاول أن الصق كل شيء بالشيعة وأحملهم مسئولية أوضاع المسلمين السيئة والمتردية في الوقت الراهن وأيضا لا أحاول إضفاء صفة القداسة أو العصمة على أهل السنة، ولا أزكيهم، ولا أبرأهم من الخطأ، ولا أحاول أن ابعث من خلال هذا المقال رسالة للمجتمعات المحسوبة على السنة مفادها أنكم انتم الطائفة المنصورة، أو أنتم على المحجة البيضاء والصراط المستقيم، ولا غبار عليكم، ولا شائبة تشوب انتماءكم للسنة. وأن الشيعة هم وحدهم المخطئون، كلا كلا!!
فأهل السنة بشر يخطئون ويصيبون، ويحسنون ويسيئون ويجري عليهم من الأعراض ما يجري على سائر البشر. ويكفي أن أقول أن السنة منهج من التزم به وسار على نهجه فهو من أهل السنة، ومن خرج عن ذلك المنهج، فلن يكون انتماؤه للسنة، إلا انتماء شكليا لا يقدم ولا يؤخر ولا يسمن أو يغني من جوع. وهو بالتالي ليس حجة على السنة، بل هي بريئة منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
والله أعلم!!