تفسير سورة البقرة
الآية «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعا فَإمَّا يَأتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَاىَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا اُوْلَئِكَ أصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة دائرة المرأة العالمية في نيويورك موضوع رقم ( 5 ب 9 ك 21 س ) حقوق النشر محفوظة
التفسير التقليدي يقصد بكلمة التلقي أما بمعنى الإرجاع إلى خلفيات الماضي بما أعقبه من ترك الأولى في البقاء والمكوث في تلك النعم وهو مؤدى التلقن وهو أخذ الكلام مع فهم وقعةً وأما بمعنى أخذ الكلام من الغير وتلقبه في مقام المخاطبة كما يقال تلقى نبأ وفات فلان فلان زيد وأما بمعنى أخذ الكلام بنحو الأخبار المطلق كورود النبأ بالتلفاز والراديو ونحوها وذكر في اللغة أن التلقى نظير التلقن يقال تلقيت منه أى أخذت وقبلت وأصله من لقيت خبراً فتعدى إلى مفعول واحد ثم يتعدى إلى مفعولين بتضعيف العين نحو لقيت زيدا خيرا كقوله تعالى: «وَلَـقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورا» أو غير القبول والأخذ البيان والذكر وأما المعنى من التلقي في مؤدي التفسير التقليدي أن آدم لقن تلك الكمالات من ربه على نحو الرضاء والقبول وإن المراد من الكلمات عبارة عن الأحكام من الأوامر والنواهي وأخذها بقبول حسن. وذكر أن الكلمات هي عبارة عن قوله: «رَبَّنَا ظَلَمْنَا أنفُسَنَا» وهو الاقرار عن حصول الخطيئة وأنها تعكس وجود الندم كما عليه رأى عكرمة وقتادة والحسن.
وقيل أنها قوله اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب إني ظلمة نفسي فاغفر لي أنت خير الغافرين اللهم لا إله أنت سبحانك وبحمدك رب إني ظلمت نفسي فارحمني إنك خير الراحمين اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب إني ظلمت نفسي فتب عليَّ إنك أنت التواب الرحيم.
وقيل إنها سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر كما ورد عن الباقر عليهالسلاموقبل كما ورد في تفسير الصافي نقلا عن تفسير الإمام علي عليهالسلام لما نزلت من آدم الخطيئة واعتذر إلى ربه عز وجل قال يا رب تب عليَّ وأقبل معذرتي وأعدني إلى مرتبتي وأرفع لديك درجتي فلقد تبين نقص الخطيئة وذلتها باعضائي وسائر بدني قال اللّه تعالى يا آدم أما تذكر أمر¨ إياك بأن تدعوني بمحمد وآله الطيبين عند شدائدك ودواهيك وهي النوازل التي يتهطك قال آدم يا رب بلى قال اللّه عز وجل فهم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين خصوصاً فأدعني اجبك إلى ملتمسك وازدك فوق مرادك فقال آدم يا رب إلهي وقد بلغ عندك من محلهم لأنك بالتوسل بهم تقبل توبتي وتغفر خطيئتي وأنا الذي أسجدت له ملائكتك وابحقه جنتك وزوجته حواء امتك وأخدمته كرام ملائكتك قال اللّه تعالى يا آدم إنما أمرت الملائكة بتعظيمك بالسجود لك إذ كنت دعاء هذه الانوار ولو كنت سألتني بهم قبل خطئت ان اعصمك منها وأن أفطنك لدواعي عدوك إبليس حتى تحترز منها لكنت جعلت ذلك ولكن المعلوم في سابق علمي يجري موافقاً لعلمي فالأت فيهم فادعني لأجيبك فعند ذلك قال آدم اللهم بجاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم لما تفضلت بقبول توبتي وغفران زلتي وأعادتي من كراماتك إلى مرتبتي قال اللّه عز وجل قد قبلت توبتك وأقيلت برضواني عليك وصرفت الآئي ونعمائي إليك وأعدتك إلى مرتبتك من كراماتي ووفرت نصيبك من رحماتي فذلك قوله عز وجل «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»[1].
ثم أن المراد من التوبة بحسب اللغة العودة أو بمعنى العودة عن الذنب وذلك بالنسبة إلى العبد عند اقترافه الذنب كما أن نسبة التوبة للّه يراد بها عودته سبحانه إلى الرحمة بعدما كانت مسلوبة عن العبد المذنب كما ورد في قوله تعالى: «إنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» أو قوله تعالى تواب وإن من شروط التوبة الندم وعدم العودة في الذنب. وقد وردت كلمة الهبوط لعدة مواطن في آية 36 و 38 فأما أن يكون مجيئها مكرر الأجل التأكيد وأما لأجل التأسيس بمعنى أن ما تعقبه الجملة الأولى مختلف عن الجملة الأخرى والظاهر من الجملة الثانية التأسيس دون التأكيد اذ مقتضى بلاغة القرآن لا يعطي نفس مفاد الجملة الأولى وأن الضمير في إهبطوا قصد به الجمع على نحو الجمع النحوي الذي يقتضي التعدد بما هو أكثر من الاثنين أو يراد به الجمع المنطقي أو يراد من الجمع النحوي بنحو النتيجة.
أو أن الهبوط الاول كان من الجنة إلى السماء وأن الهبوط الثاني كان من السماء إلى الأرض وقيل إنما كرر لإختلاف الحالين[2]. قوله: «فَإمَّا يَأتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً» إشارة إلى أن بعد الهبوط الدنيوي سوف يكون الإنسان مورد المحط البيان وإرسال الرسل في التبليغ لهدايته وإرشاد إلى جادة الحق والصواب وعدم إرساله من غير مراعاة و لا إشراف في حركاته وسكناته وإنما يسير على طبق ضوابط مع قرض كون الإنسان يحمل الإرادة والاختيار دون الجبر والتفويض المطلق فعليه فمن تبع هدى اللّه الذي أرسله من قبل الأنبياء فلا خوف عليهم ولا يلحقهم أهوال يوم القيامة من العقاب ولا يطرء عليهم الحزن والكآبة علىفوت الثواب.
ويكون أول إنطلاق في الدعوة إلى اللّه من آدم إلى زوجته وذريته لأنه النبي لهم فلابد أن يبلغهم طريق الهدى وهي الأحكام الشرعية التي أودعها اللّه في نفسية آدم لتكون النبراس لجميع ذريته. قوله: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا اُوْلَئِكَ أصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»تشير هذه الآية إلى وجود طائفتين من المجتمع الأولى الطائفة التي سلكت طريق الهدى واتبعت طريق الحق والرشاد فهؤلاء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون والثانية الطائفة التي جحدت اللّه وأنكرت آيات اللّه فكانوا من أصحاب النار الذين هم فيها خالدون.
التفسير الروائي .. ورد عن تفسير القمي عن الصادق عليهالسلام أن آدم هبط على الصفا وحواء على المروة فمكث آدم أربعين صباحاً ساجدأ يبكي على خطيئة وفراقه للجنة قال فنزل جبرائيل على آدم وقال يا آدم ألم يخلقك اللّه بيديه ونفخ فيك ومن روحه واسجد لك ملائكته قال بلى قال وأمرك أن لا تأكل من تلك الشجرة فلم عصيته قال يا جبرائيل إن إبليس حلف لي باللّه أنه لي ناصح وما ظننت أن احد أخلقه اللّه يخلف باللّه عز وجل كاذباً فقال له جبرئيل عليهالسلام يا آدم تب إلى اللّه وعنه عليهالسلام قال سأل موسى ربه أن يجمع بينه وبين آدم مجمع فقال له موسى يا أبت ألم يخلقك اللّه بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته وأمرك أن لا تأكل من تلك الشجرة فلم عصيته قال يا موسى بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التوراة قال بثلاثين ألف سنة قال فهو ذلك قال الصادق عليهالسلامفحج آدم موسى. وذكر في تفسير القمي عن أبيه رفعه قال سئل الصادق عليهالسلام عن جنة آدم أمن جنان الدنيا كانت أم من جنان الآخر، قال عليهالسلام كانت من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ولو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبداً قال عليهالسلام فما أسكنه اللّه الجنة وأباحها له إلا الشجرة لأنه خلق خلقه لا يبقى إلا بالاامرد النهي والغذاء واللباس والاكتنان والنكاح ولا يدرك ما ينفعه مما يضره إلا بالتوفيق فجائه إبليس فقال له أنكما أن اكلتما من هذه الشجرة التي نهاكما اللّه عنها صرتما ملكين وبقيتماني الجنة أبدا وإذا لم تأكلا منها اخرجكما اللّه من الجنة وحلف لهما أنه لهما ناصح كما اللّه عز وجل حكاية عنه ما نهيكا ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما أني لكما من الناصحين الخ.
التفسير المعياري .. من الملاحظ بين علاقة الاستجابة من قبل المهتدين لخط رسالات السماء واتباع الهدى والطريق المستقيم بما جاءت به الأنبياء في هداية المجتمع البشري وبين الرفض لخط الهداية وهم الكفار الذين اتخذوا طريق الإنكار وجحد جميع الرسالات فكانت الآية القرآنية معبرة عن حالة المستجيب ودوره في جزاء العمل أو من نوع اللطف الإلهي وعن حالة الرافض وأن ما له الخلود في نار جهنم ولتعبر عن مثل طريقة المستجيب والرافض عندما تحالف حكومة اللّه في عدله لابد أن يقع بين هذين الخطين فهوا وهو أمر قانوني هام على نحو الأمر المدرسي دون الأمر المذهبي الذي يكون وجه الفرق بينهما أن المدرسي بنظر للقاعدة على نحو الأمر الكلي الذي لا يصلح للتعبير والعدول عنه بخلاف الأمر المذهبي فأنه نابع عن رأي شخص مثل العباس والرأي الاستحساني كما أن المنطق القرآني يشير إلى أن العالم الكوني قائم على قوة الحق وقوة الباطل وهما قوتان متصارعتان فمن اتجه إلى قوة الحق كان في سعادة ومن إتجه إلى قوة الباطل كان حظه إلى الشقاء وطريق الشيطان.
التفسير التجزيئي .. ان ما يستقر عليه التفسير التجزيئي بلحاظ كل آية تؤخذ على نحو الموضوعية وهذا يعطي الثبات في كل آية حيث توخذ على نحو الجهة الاستقلالية فإذا أخذنا مثل رقم 37 مثلاً نجد أن الآية تكون ناظرة إلىدور التلقي الذي أصبح آدم محط رعاية الايحاء الإلهي وانه مورد الاستجابة من قبل خليقة البشر في أرضه فلا بد أن يكون نقطة الاستجابة بين المجيب والمجاب وبين المبلغ والمبَلَغ في أداء وظيفة عملية التبليغ وأن ما قرع ذهنه من الكلمات في القرارات القانونية الذي يكون هو الأداء المبلغة والطريق الإعلامي لأبناءه ولا يمكن أن يرسل الخليقة على وجه الأرض بدون أن يحمل تلك القرارات القانونية والأحكام الإلهية بغض النظر عن نوعية الأحكام وسماتها الأصولية أو الفرعية ثم أن التفسير التجزيئي تارة يقع على كل فقرة من فقرات الآية وأخرى بنظر إلى مجموع الآية بالنظر إلى الآيات السابقة واللاحقة فهو أيضاً يسمى بالتفسير التجزئي.
هذا بالاضافة إلى للاشارة لسير آدم عليهالسلام في ما كان قبل نزوله إلى دار الدنيا وهو محط الاختيار في المرحلة الثانية بعد الاختبار في المرحلة الاولى حيث أن آدم عليهالسلاممارس دورين في الاختبار الأول في عالم الجنة والثاني في عالم الدنيا. وربما يورد أشكال بأن التقية في الآية المرقمة 37 مع الآية المرقمة 38 حيث عبر القرآن أولاً عن قوله تعالى «فَتَلَقَّى آدَمُ» الخ وقوله «اهْبِطُوا» والذي يناسب الموضوع أن يقع التلقي للكلمات بعد أن يقول أهبطوا.
فيمكن رد الأشكال بما أن الآية المرقمة 36 قد تعرضت إلى الهبوط وأشارت إلى قوله تعالى «وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ»الخ وهنا يدل على أن الهبوط مشار إليه سابقاً فلم يكن هناك مخالفة لموضوع التقسيم والوحدة الموضوعية في العرض القرآني فلا يكون عندئذ منافياً لعرض الكلمات بعد تقدم الهبوط ثم يعقبه تلقي الكلمات. كما أن الحكم الجزائي الصادر من اللّه على آدم أنقال له اهبطوا على نحو الجمع النحوي أو المنطقي والتأكد عليه بلفظ جميعاً ثم الاشارة إلى ورود البيان الرسمي من قبل المحكمة الإلهية ان آدم عليهالسلام كان محل ورود البيان والتبليغ فالذي يسير على طبق الهدى من ذريته كان مورد الأمان وعدم الخوف كما أن الإشارة إلى الآية المرقمة 39 تعطى الكشف عن حالة الجاحدين الذين لم يخضعوا نحوالجادة الحقة.
تفسير بعضه البعض .. يمكننا أن نستطلع المعاني القرآنية من حيث إنضمام بعضها البعض وذلك بمراجعة نظرية إرجاع الآيات بعضها البعض مثل قوله تعالى «وَإذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا» وهذا يفسره قوله تعالى «وَإذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً»بلحاظ اطلاق الخلافة للجميع وان اطلاق السجود لغير اللّه جائز كما في قوله تعالى «وَرَفَعَ أبَوَيْهِ عَلَى العَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدا وَقَالَ يَا أبَتِ هَذَا تَأوِيلُ رُؤيَاي مِنْ قَبْلُ».
وأما قوله تعالى «وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ» الخ وتطرق القرآن إلى قصة آدم في سورة طه فقال سبحانه «وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما وَإذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبْلِيسَ أبَى فَقُلْنَا يَا آدَمُ إنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَـتَشْقَى إنَّ لَكَ ألا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَىوَأنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَىفَوَسْوَسَ إلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَـبْلَى فَأكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَـتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإمَّا يَأتِيَـنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى»ويكون من عرض هذه الآية بعد انضمامها إلى ما ورد في الآيات من سورة البقرة تكشف عن حالة دور آدم في الجنة وملاحظة التفسيرين قوله «فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا»ويبين قوله «وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما»حيث قصد بالوسوسة المفهوم العام وفي الآية في سورة طه المفهوم الخاص. وكذا بالنسبة إلى قوله تعالى «وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ»35 ـ البقرة فان هذا النهي قد تكرر أيضاً في سورة الاعراف لا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ 12 ثم يأتي بيان نتيجة ما اقترفا من المخالفة في قوله تعالى «فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا»الاعراف 24.
كما أن في قوله تعالى «فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ» الاعراف 13 ـ الدال على أن من يستوطن الجنة لابد أن يخرج عن طبيعة الكبرياء وان الخروج منها أما لعدم دخوله في معية الملائكة بالتخصيص أو التحصيص ثم الإشارة في قوله اهبطوا بعضكم لبعض عدو الذي مؤداه أن العداوة تقع فيما بين آدم وزوجته وإبليس إذا لوحظ الوحدة السياقية أو الارجاع إلى أن العداوة بلحاظ النتيجة لأبناء آدم بعضهم لبعض وأن كان المسبب الأولي هو إبليس لعنه اللّه بلحاظ النتيجة لأبناء آدم بعضهم لبعض وان كان المسبب الأولي هو إبليس لعنه الله وقد وردت كلمة الهبوط تارة بنحو المفرد وهو توجه الخطاب لإبليس الاعراف 13 كما وردت أخرى اهبطا في توجه الخطاب لآدم وزوجته في قوله تعالى اهبطا ـ سورة طه 123 ووردت كلمة الهبوط جمعا كما في سورة البقرة بقوله تعالى «وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ»36.
التفسير الاشراقي .. ان ما يستطهر من الآيات التي تعرضت إلى آدم وأنه خليفة اللّه في أرضه إنما جاء لك يطوي الحركة من عالم المبدء إلى عالم المنتهى ومن عالم المادة إلى عالم المعرفة والظهور الحقيقي وإن كان ابتداء سفره يعلم أنه سوف ينتقل من مكان إلى مكان آخر ومن موطن لموطن ثاني وان كان بين موطن الايجاد والوجود مراتب قد اشوقت نفسها إلى تلك التجليات ولكن دون عين اليين يتم مظاهره عندما يتحرك من عالم صدق اليقين وحق اليقين إلى عين اليقين وإن ما ينتقل من مبدأ الزلل إلى مبدء التوبة إلى مبدء الرضا كلها تجليات للوصول إلى عالم الكمال فان ما يسافر به العارف تارة من الخلق إلى الحق وهو من النفس إلى القلب وهوعبارة عن رفع الحجب الظلمانية التي تقع ما بين السالك وحقيقته فإذا سلك العارف في رفع تلك الحجب شاهد جمال الحق ووصل إلى مرحلة الفناء في ذاته وبهذا يعبر عنه الفناء في الذات وبهذا السفر يصبح وجوده وجوداً حقانياً. وإذا تم هذا السطر الأول انتقل إلى السطر الثاني وهو من الحق إلى الحق وهو الارتقاء إلى مرتبة الكمالات حتى يشاهد جميع الكمالات فيعلم الأسماء كلها الا ما اختص بذاته سبحانه وبذلك تصبح ولايته تامة فيه يسمع وبه يبصر وبه يمشي وبه يبطش إذ مرحلة السر فناء ذاته ومرحلة الخفاء فناء صفاته وافعاله ومرحلة الاختفاء فناء فنائيته ويعيد بالسر مرة أخرى الفناء في الذات وبالخفاء هو الفناء في الالوهية وبالاخفاء هو الفناء عن الفنائين. ويرى الفلاسفة العرفاء بالنسبة إلى الآفاق والأنفس فيرون آياته تعالى فيها ظاهره وانهم يستدلون بآثار قدرته على وجوب وجوده وذاته ويستشهدون بأنوار حكمته على تقديس أسمائه وصفاته فإن وجود السماوات والأرض وإمكانها وحركاتها دلائل آنيته واتقانها.
كما ان السفر الثالث للعارف من الحق إلى الخلق وهو السير من عالم اللآهوت إلى عالم الجبروت أو من اللّه إلى الموجودات وذلك بملاحظة آثاره ويمثل لهذا العارف دور الصحوة التامة ويتعرف على أن مثل هذه الكثرات الوجودية صادرة من الوحدة الحقيقية ويقع دور العارف عندئذ أنه لابد أن ينقاد إلى المشرع والنبي ولا يمكنه أن يشرع حكماً وان كان له درجة الإلهام والوحي الإلهي.ثم يأتي دور السفر الرابع وهو تجمع القوة النظرية والعملية ويكون محل توارد الانوار اذ في القوة النظرية علم اليقين وبالقوة العملية عين اليقين وحق اليقين ويكون بالنسبة إلى مثل هذا السالك الوصول إلى مرتبة الكمال ومن حقه التشريع في الأحكام ويكون ذلك على طبق المصالح الواقعية الذي ينطبق في مثل حق آدم أنه تلقى من ربه الكلمات كما أنه يصل في قوته النفسانية إلى مشاهدة الملك والاستماع إلى خطابه كما له القدرة على مشاهدة الأفعال ولوازمها وما يعقبها من الآثار من حيث السعادة والشقاء ويكون بهذا السفر التعرف إلى حقيقة التوحيد ولا يكون هناك حجاب بينه وبين اللّه ويكون لمثل هذا السالك مجمع الاسماء والمورد للوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة وتنعدم لديه حجب الانية (المعلولية) فهو عارف.
التفسير التقارني ... بما أن السير الذي سار عليه آدم حين ابتداء سفره التكويني والتشريعي وإن ما يسير عليه في حركته في أصل وجوده من حين ابتداء إلى أن طوي سلسلة الوجودات الامكانية حتى أصبح وجودا كاملاً أشرف من سائر الموجودات فإذا قارنا هذا السير مع ما تتعرض إليه التوراة ودور حركته نجد فرقا واضحاً.
انظر إلى ما ورد في سفر التكوين من الفصل الثاني في قوله (وأخذ الرب الإله آدم وضعه في جنة عدن ليعلمها ويحفظها وأوصى الرب الإله آدم قائلاً من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتا تموت وقال الرب الإله ليس جيدا ان يكون آدم وحده خاضع له معينا نظيره وجَبَلَ الربّ الإله من الأرض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء فاحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها وكل ما دعا به آدم ذات نفس حية فهو اسمها فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية وأما لنفسه فلم يجد معينا نظيره فاوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام فاخذوا حدة من اضلاعه وملأ مكانها لحماً وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم فقال آدم هذه الآن اعظم من عظامي ولحم من لحمي هذه تدعى امرأة لأنها من اسر اخذت لذلك يترك الرحل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً وكانا كلاهما عريانين آدم وامرأته وهما لا يخجلان.
وورد في الفصل الثالث .. وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله فقالت للمرءة حقاً قال اللّه لا تأكلا من كل شجر الجنة فقالت المرءة للجنة من ثمر شجر الجنة تأكل وأما ثمر الشجر التي في وسط الجنة فقال اللّه لا تأكل منه ولا تمساه لئلا تموتا فقالت الحية للمرءة لن تموتا بل اللّه عالم أنه لو تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونا كاللّه عارفين الخير والشر فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وآنهابهجة للعبوة وان الشجرة شهته للنظر فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل فانفتحت أعينها وعلما أنهما عريانان فما فخا لها أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر.
وسمعا صوت الرب الإله ماشيا في لجنة عند هبوب ريح النهار فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة فنادى الرب الإله آدم وقال له أين أنت فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت فقال من أعلمك أنك عريان هل أكلت من الشجرة التي أوحيتك ان لا تأكل منها فقال آدم المرءة التي جعلتها معي هي اعطتني من الشجرة فأكلت فقال الرب الآله للحية لأنك فعلت هذا معلونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية على بطفك تسعين وترابا تأكلين كل أيام حياتك وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها هو يستحق رأسك وأنت تستحقين عقبه، وقال المرءة تكثيراً أكثر اتعاب حبلك بالوجع تلدين أولادا وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك، وقال لآدم لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصتك قائلاً لا تأكل منها معلونة الأرض بسببك بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك وشوكا وحسكا تنبت لك وتأكل عشب الحقل بوق وجهك تأكل خيزا حتى تعود إلى الأرض الّتي أخذت منها لأنك تراب وإلى تراب تعود.
ودعا آدم اسم امرءته حوا لأنها أم كل حي وصنع الرب الإله لآدم وامرأته اقمصة من حلد وألبسها. وقال الرب الإله هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحيوة أيضاً ويأكل ويحيا إلى الأبد فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الارض التي اخذ منها فطرد الإنسان وأقام شرقي جنة عدن الكر وبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة. فإذا قارنا بين هذه القصة الواردة في التوراة مع القصة في القرآن وان يحكيه عن دور الزام فيه النزاهة والقداسة والمعرفة مع رفعة مقام الآله وعدم تجسيده للّه بالاضافة إلى معرفة آدم الخير والشر وذنبه الفطيم نحو العلم والمعرفة وإذا لم يمد يد آدم نحو شجرة الخير والشر سوف يبقى في حال الجهل حتى يقبح التعرّي ولما أخرج من الجنة بل كان فيها خالدا هذا مع أن الملاحظ نسبة الكذب إلى اللّه تعالى كما جاء في الصحاح الثاني جملة 17 وأنه منه وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتا تموت.
وكذا نسبة البخل إلى اللّه كما ورد في الجملة 22 من الصحاح الثالث في قوله وقال الرب الإله هو ذا الإنسان قد صار كل أحد منا عارفاً الخير والشر والآن لعله يمدّ يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ويأكل ويحيا إلى الأبد. وكذا ومنها وجود الشريك مع اللّه كما في العبارة السابقة قد صار كل أحدٍ منا وتتضمن أيضاً وجود الحسد لله. وأيضاً قد تضمنت تجسيم اللّه في قوله وسمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ربح النهار كما ينسب إليه الجهل كما تقول فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة فنادى الرب إله آدم وقال له أين أنت. كل هذه الأمور لا تتناسب مع طبيعة التوراة الواقعية وإنما تعكس هذه الأمور عن التوراة الجعلية كما أن القرآن يكشف عن دور الحركة التي سار عليها آدم من حين أصل وجوده إلى انتقاله إلى دار الدنيا ثم اختياره إلى دار الآخرة كلها مراتب تبنى عن الجهة الحركية أولاً ثم عن الجهة المعيارية ثانياً.
تفسير روائي .. في تفسير العياشي عبد اللّه بن سنان قال سئل أبو عبد اللّه الصادق عليهالسلاموأنا حاضر كم لبث آدم وزوجته في الجنة حتى اخرجهما منها خطيئة فقال ان اللّه تبارك وتعالى نفخ في آدم روحه بعد زوال الشمس من يوم الجمعة ثم برء زوجته من اسفل اضلاعه ثم اسجد له الملائكة وأسكنه جنته من يومه ذلك قول اللّه ما استقر فيها الا ست ساعات من يومه ذلك حتى عصى اللّه تعالى فاخرجهما اللّه منها بعد غروب الشمس وصيرا بفناء الجنة حتى أصبحا فبدت لهما سوأتهما وناديهما ربهما ألم أنها كما من تلكما الشجرة فاستحى آدم فخضع وقال ربنا ظلمنا أنفسنا واعترفنا بذنوبنا فاغفر لنا قال اللّه لهما اهبطا من سمواتي إلى الأرض فانه لا يجاورني في جنتي عاص ولا في سمواتي.
المصدر بحث رقم ( 275 ) اية الله ال شبير الخاقاني تحقيق الدكتور الشيخ سجاد الشمري
________________________________________
[1] . تفسير الصافي ج1 ص 120 ـ 121.
[2] . مجمع البيان ج1 ص91.