هناك بعض الشخصيات من الصحابة تعرضت سيرتهم لكثير من التشويه والتزييف المتعمد، ولا يعلم أحد من الصحابة تعرضت سيرته للتشويه حتى أصبح في حس كثير من أبناء المسلمين أنه طاغوت من الطواغيت وجبار من الجبابرة، مثلما حدث مع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
وقد انقسم الناس في معاوية رضي الله عنه إلى ثلاث طوائف:
1ـ الطائفة الأولى: الكارهون المبغضون الغالون عليه من الشيعة الروافض الذين كفروه وذريته والصحابة أجمعين إلا ستة منهم، وهؤلاء يتحملون المسئولية الكاملة عن تشويه تاريخ وأخبار وسيرة معاوية بعدما دسوا الروايات المكذوبة والموضوعة في ذمه وسبه، وهم الذين تسببوا في إثارة عامة المسلمين ضد معاوية وذريته.
2ـ الطائفة الثانية: المحبون المفرطون الذين قابلوا غلو الأولين عليه، بغلو فيه وفي ولده يزيد من بعده، فناصبوا عليًا العداء حتى فسقوه واستباحوا دمه ودم ذريته من بعده، واختلقوا أيضًا أخبارًا مكذوبة في فضل معاوية وولده يزيد، حتى ظهرت طائفة تعبد يزيد بن معاوية تسمى بالطائفة اليزيدية أو عبدة الشيطان، وجلهم في جبل سنجار بالعراق.
3ـ الطائفة الثالثة: هم أهل السنة والجماعة السلف الصالح الذين هم وسط بين غلو الفريقين الأولين، والذين وضعوا الأمور في نصابها الصحيح، ومعاوية عندهم أحد الصحابة وله شرف الصحبة الذي لا يعدله شرف آخر، فيترحمون عليه ويترضون عنه ويقولون إنه قد اجتهد فأخطأ وله أجر الاجتهاد، وعلي كان أحق منه وأولى منه بالأمر، وأن خطأ معاوية مغفور له لسابق صحبته.
هو أمير المؤمنين وأول ملوك الإسلام؛ معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية القرشي أبو عبد الرحمن، خال المؤمنين وكاتب الوحي بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، أسلم يوم الفتح على الراجح، شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة حنين وتبوك، وكان له في حروب الردة دور محمود خاصة يوم اليمامة، وقد اشترك في الحملة المباركة لفتح الشام، وقام بفتح بعض بلادها مثل قيسارية سنة 15هـ، ثم أصبح واليًا على دمشق في عهد الخليفة عمر ولم ينزعه طول فترة خلافته، ثم جمع له عثمان الشام كلها طوال خلافته، فساس الناس سياسة بارعة جمعت له قلوبهم واستمال أهل الشام جميعًا، فلما وقع الخلاف بينه وبين علي بن أبي طالب لم يختلف عليه اثنان في الشام.
أما عن أهم أعماله فلقد كان معاوية صاحب مشروع إنشاء الأسطول البحري الإسلامي الذي فتح قبرص سنة 28هـ، وكان أول من سن نظام الصائفة والشاتية لغزو الروم، وكان أول من حاول فتح القسطنطينية سنة 48هـ، وأعاد المحاولة سنة 53هـ.
وكان سياسيًا بارعًا يغلب عليه الحلم والأناة والرفق بالناس، وهو صاحب المقولة الشهيرة: ، ومن أجل هذه السياسة الحكيمة كان المجتمع هادئًا في أيامه خاليًا من الثورات والاضطرابات التي وقعت أيام عثمان وعلي رضي الله عنهم، ودولته وأخباره كان ينبغي أن تلحق بدولة الراشدين وأخبارهم، ولكنه نجم سطع بعد شموس فأنَّا له بالظهور أو اللمعان. وقد توفي رحمه الله في 1 رجب سنة 60هـ بعد أن جاوز السبعين من العمر.
أما تحرير الخلاف في مسألتين شنع عليه الكثير بسببهما وهما قتاله مع علي واستخلافه لابنه يزيد فهما كالتالي:
كانت وجهة نظر معاوية في خلافه مع علي قائم على عدة اعتبارات منها:
1ـ أن معاوية هو ولي دم عثمان والمطالب بثأره والساعي وراء القصاص من قتلة عثمان.
2ـ أن قتلة عثمان كان معظمهم منضويًا تحت جيش علي وإن كان علي لا يعلم ولا يرضى بذلك.
3ـ أن معاوية كان يرى من سير الأحداث أنه الأجدر والأصلح لقيادة المسلمين مع اعترافه بأفضلية وأسبقية علي وطلحة والزبير عليه، ولكنه كان يرى نفسه الأنفع للناس.
أما تطاول الخلاف حتى وصل للاقتتال فالسبب الرئيس في ذلك هم السبئية الذين أزكوا نار الخلاف وزادوا في أورها حتى وصلت للاحتكام للسيف.
أما بالنسبة لاستخلافه لابنه يزيد على الرغم من وجود كبار الصحابة وقتها فوجهة نظره كانت ترجع لخوفه من عودة الفتن والاضطرابات بعد أن اتحد المسلمون بعد خلاف وقتال في عام الجماعة سنة 41هـ، وبعد أن اتفق الناس على البيت الأموي، فاختيار رجل من خارجه سيعيد الاضطرابات مرة أخرى، فهو قد عدل عن الفاضل إلى المفضول حرصًا على التفاف واجتماع الأهواء الذي شأنه عند الشرع أهم وأعظم من سواه، وهذه المصلحة الشرعية الراجحة من بيعة يزيد بن معاوية تظهر فيما قاله عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «تقولون إن يزيد بن معاوية ليس بخير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولا أفقهها فيها فقهًا، ولا أعظمها فيها شرفًا، وأنا أقول ذلك، ولكن والله لأن تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن تفترق».