قصة ماء الحوأب ونباح الكلاب
ذكروا أن السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها ومن معها أثناء مسيرهم إلى موقعة الجمل مروا في مسيرهم ليلا بماء يقال له الحوأب، فنبحتهم كلاب عنده، فلما سمعت ذلك عائشة قالت: ما اسم هذا المكان؟
قالوا: الحوأب.
فضربت بإحدى يديها على الأخرى، وقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما أظنني إلا راجعة.
قالوا: ولم؟
قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنسائه: ليت شعري أيتكن التي تنبحها كلاب الحوأب.
ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته، وقالت: ردوني ردوني، أنا والله صاحبة ماء الحوأب.
يقول ابن العربي في العواصم من القواصم أن هذه الرواية لا أصل لها، ولم ترد، وأنها غير صحيحة و ضعيفة.
لكن الشيعة يستدلون بها في كتبهم، وكذلك بعض الكتّاب من السنة الذين ينقلون دون تمحيص، أو تدقيق يذكرون هذه القصة في كتبهم ويعلّقون عليها بقولهم: إن السيدة عائشة لما عزمت على العودة لشكها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عناها بأنها هي التي ستنبحها كلاب الحوأب، وأنها بذلك تفرّق كلمة المسلمين يقولون أن طلحة بن عبيد الله، والزبير، وعبد الله بن الزبير اجتمعوا على السيدة عائشة، وأقسموا لها أن هذا المكان ليس ماء الحوأب، وأتوا بخمسين رجل شهدوا على ذلك، فيقول المسعودي وهو من كبار علماء الشيعة في كتابه (مروج الذهب) عن هذه الشهادة: فكانت أول شهادة زور في الإسلام.
وهذا الحديث كما ذكرنا ليس له أصل، وإن صح فليست السيدة عائشة رضي الله عنها هي المعنيّة بهذا القول، وإنما قالت ذلك- إن كانت قد قالته- تقوى وخشية أن تكون هي المقصودة بهذا الكلام، وأن عبد الله الزبير بن العوام قد قال لها أنها ما خرجت إلا للصلح بين المسلمين، وأن هذا لا ينطبق عليها مطلقًا، وتُذكر رواية أخرى، وهي مشكوك في صحتها أيضًا تقول:
إن إحدى الجاريات كانت موجودة مع نساء النبي صلى الله عليه وسلم حين وجّه إليهن هذا الكلام، وأن هذه الجارية ارتدت، وقتلت على يد خالد بن الوليد في حروب الردة، وهي المقصودة في الحديث.
ولو صحت الرواية الأولى لكان من المستحيل على السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن تكون قد علمت، وتيقنت أنها صاحبة هذا الأمر، واستمرّت فيه، ومن المستحيل على الصحابة الأخيار الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم جميعًا، من المستحيل أن يكونوا قد شهدوا زورًا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد لهم بالجنة.