بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله وعلى أله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلي يوم الدين أما بعد : فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار , وأصلي وأسلم على النبي المختار محمد صلى الله عليه وسلم , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمد عبده ورسوله صفيه من خلقه وحبيبه أشهد أنه أدى الرسالة وبلغ الأمانة ونصح الأمة وكشف الله تبارك وتعالى به الغمة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك , فإن أتفهَ العقول من تحاول الطعن في الصحابة العدول .
قال الرافضي : [ رضي الله عنك أيها الصحابي الجليل أبو محجن الثقفي فقد كنت خمارا متغزلا بالخمر .. ] قلتُ : مأ أتفقه هذه العقول وهذا القول فإن البشرية تجردت من أي عقل حتى أصبحت كالأنعام وهؤلاء القوم لا ينفكون إلا أن يثبتوا لنا أنهم بعيدون كل البعد عن العقل ونعمتهُ , ومثيل قول الرافضي بدون فهم أقرب ما يكون إلا الأطفال , فهل كان يشرب الخمر وما الصواب في مثل هذه القصة التي رويت عنه رضي الله تعالى عنه , وفي كلامنا الآن بيان لهذه الشبهة التي نقلت عنهُ .
* أبي محجن الثقفي .
التوابين لإبن قدامة توبة أبي محجن رضي الله عنهُ (1/36) : "أخبرنا الرئيس العالم الأديب أبو العز محمد بن محمد بن مواهب بن الخراساني قال: أنا أبو غالب محمد بن عبد الواحد القزاز أنا أبو الحسن علي بن عمر البرمكي وأبو الحسين بن النقور قالا: أنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص أنا أبو بكر أحمد بن عبد الله بن سيف أنا أبو عبيدة السري بن يحيى أنا شعيب بن إبراهيم قال: أنبأ سيف بن عمر التميمي عن محمد وطلحة وابن مخراق وزياد قالوا: لما اشتد القتال بالسواد - يعني في القادسية - وكان أبو محجن قد حبس وقيد فهو في القصر فأتى سلمى بنت حفصة امرأة سعد فقال: يا بنت آل حفصة! هل لك إلى خير؟ قالت: وما ذاك؟ قال: تخلين عني وتعيرينني البلقاء فلله علي إن سلمني الله أن أرجع حتى أضع رجلي في قيدي وإن أصبت فما أكثر من أفلت فقالت: ما أنا وذاك؟ فرجع يوسف في قيوده ويقول:
كفى حزنا أن تردي الخيل بالقنا ... وأترك مشدودا علي وثاقيا
إذا قمت عناني الحديد وغلقت ... مصاريع دوني قد تصم المناديا
وقد كنت ذا مال كثير وإخوة ... فقد تركوني واحدا لا أخاليا
ولله عهد لا أخيس بعهده ... لئن فرجت أن لا أزور الحوانيا
فقالت سلمى: إني استخرت الله ورضيت بعهدك فأطلقته.
فاقتاد الفرس فأخرجها من باب القصر فركبها ثم دب عليها حتى إذا كان بحيال الميمنة كبر ثم حمل على ميسرة القوم يلعب برمحه وسلاحه بين الصفين ثم رجع من خلف المسلمين إلى الميسرة فكبر على ميمنة القوم يلعب بين الصفين برمحه وسلاحه ثم رجع خلف المسلمين إلى القلب فبدر أمام الناس فحمل على القوم يلعب بين الصفين برمحه وسلاحه وكان يقصف الناس ليلتئذ قصفا منكرا وتعجب الناس منه وهم لا يعرفونه ولم يروه من النهار " أهـ . قلتُ : قد يشكل القائل برواية سيف بن عمر التميمي , قلتُ وهو أصلح من أبي مخنف الأزدي ومن غيرهِ ممن روى في التاريخ والراجح أن رواية سيف بن عمر التميمي في غير الفتن التي وقعت بين الصحابة مقبولة , وقد وثق في التاريخ وهو إخباري مقبول , إلا فيما رواهُ في فتن الصحابة وهذا ما عليه أهل الحديث وبهذا فالخبر صحيح في إثبات توبة أبي محجن الثقفي , وسنأصل حول التوبة .
وقال إبن قدامة في التوابين مصدر سابق : " فقال بعضهم: أوائل أصحاب هاشم أو هاشم نفسه وقال بعضهم: إن كان الخضر يشهد الحروب فنظن صاحب البلقاء الخضر وقال: بعضهم والله لولا أن الملائكة لا تباشر لقلت: ملك بيننا ولا يذكره الناس ولا يأبهون له لأنه بات في محبسه وجعل سعد يقول: والله لولا محبس أبي محجن لقلت إن هذا أبو محجن وهذه البلقاء فلما انتصف الليل تحاجز الناس وتراجع المسلمون وأقبل أبو محجن حتى دخل من حيث خرج فوضع عن نفسه ودابته وأعاد رجليه في قيديه وذكر عبد الرزاق قال: وأخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: كان أبو محجن الثقفي لايزال يجلد في الخمر فلما أكثر عليهم سجنوه وأوثقوه فلما كان يوم القادسية فكأنه رأى أن المشركين قد أصابوا في المسلمين فأرسل إلى أم ولد سعد أو امرأة سعد: إن أبا محجن يقول لك: إن خليت سبيله وحملته على هذا الفرس ودفعت إليه سلاحا ليكونن أول من يرجع إليك إلا أن يقتل وأنشأ يقول:
كفى حزنا أن تلتقي الخيل بالقنا ... وأترك مشدودا علي وثاقيا
إذا قمت عناني الحديد وغلقت ... مصاريع من دوني تصم المناديا
فحلت عنه قيوده وحمل على فرس كان في الدار وأعطي سلاحا ثم خرج يركض حتى لحق بالقوم فجعل لا يزال يحمل على رجل فيقتله ويدق صلبه فنظر إليه سعد فجعل يتعجب ويقول: من ذاك الفارس؟ قال: فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى هزمهم الله ورجع أبو محجن ورد السلاح وجعل رجليه في القيود كما كان فجاء سعد فقالت له امرأته: كيف كان قتالكم؟ فجعل يخبرها ويقول: لقينا ولقينا حتى بعث الله رجلا على فرس أبلق لولا أني تركت أبا محجن في القيود لقلت: إنها بعض شمائل أبي محجن فقالت: والله إنه لأبو محجن كان من أمره كذا وكذا فقصت عليه قصته.
فدعا به فحل قيوده وقال: لا نجلدك على الخمر أبدا
قال أبو محجن: وأنا والله لا أشربها أبدا كنت آنف أن أدعها من أجل جلدكم قال: فلم يشربها بعد ذلك.
وقيل: قال أبو محجن: قد كنت أشربها إذ يقام علي الحد وأطهر منها فأما إذ بهرجتني فوالله لا أشربها أبدا وكان أبو محجن أسلم حين أسلمت ثقيف وسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه واسمه مالك وقيل: عبد الله بن حبيب وقيل: اسمه كنيته " . قلتُ : وما كان الحبسُ والضرب يبعدُ أبي محجن الثقفي من الدفاع عن دين الله تبارك وتعالى , وما كان فيه هو " إبتلاء " يقول الشيخ المنجد حفظه الله تعالى : " وكان هذا الصحابي مبتلى بشرب الخمر، فكان يجاء به فيجلد ، ثم يجاء به فيجلد ، ولكنه كان يعلم أن هذا لا يعفيه من العمل لدينه أو القيام بنصرته ، فإذا به يخرج مع المسلمين إلى القادسية جنديا يبحث عن الشهادة في مظانها ، وفي القادسية يجاء به إلى أمير الجيش سعد بن أبي وقاص وقد شرب الخمر، فيحبسه سعد حتى تنق المعركة ؟! " .
وكما في الإصابة والبداية والنهاية : " حتى إذا انهزم العدو عاد أبو محجن فجعل رجله في القيد ، فما كان من امرأة سعد إلا أن أخبرته بهذا النبأ العجاب وما كان من أمر أبي محجن ، فأكبر سعد - رضي الله عنه - هذه النفس ، وهذه الغيرة على الدين ، وهذه الأشواق للجهاد وقام بنفسه إلى هذا الشارب الخمر يحل قيوده بيديه الطيبتين ويقول : " قم فوالله لا أجلدك في الخمر أبدا ، وأبو محجن يقول : وأنا والله لا أشربها أبداً " . قلتُ وقد جاءت بلفظ آخر عند إبن قدامة , والصحيح أن أبي محجن الثقفي قال " وأنا والله لا أشربها أبداً " وقد يوهم الرافضي فيقول هذا تحريف قلتُ ليس هذا بالتحريف وإنما الرواية جاءت بلفظين , وكلاهما صحيح وكما نرى فإن أبي محجن صرح بأنهُ لا يشربها بعدما عاد من المعركة , فالحمد لله رب العالمين .
والشاهدُ على ما قلناهُ ما أخرجه الخطابي : " (حديث موقوف) وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ : أَنَّهُ حَبَسَ أَبَا مِحْجَنٍ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ ، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ يَوْمَ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ : أَنَّهُ حَبَسَ أَبَا مِحْجَنٍ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ ، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ رَأَى فَارِسًا لا يَحْمِلُ عَلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْعَدُوِّ إِلا هَزَمَهُمْ , فَجَعَلَ سَعْدٌ يَقُولُ : " الضَّبْرُ ضَبْرُ الْبَلْقَاءِ ، وَالطَّعْنُ طَعْنُ أَبِي مِحْجَنٍ " . أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ ، أنا الصَّائِغُ ، نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ , نا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، نا عَمْرُو بْنُ الْمُهَاجِرِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ سَعْدًا حَبَسَ أَبَا مِحْجَنٍ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ ، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ ، قَالَ أَبُو مِحْجَنٍ لامْرَأَةِ سَعْدٍ : " أَطْلِقِينِي وَلَكِ عَلَيَّ إِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ أَنْ أَرْجِعَ حَتَّى أَضَعَ رِجْلِي فِي الْقَيْدِ , فَخَلَّتْهُ فَوَثَبَ عَلَى فَرَسٍ لِسَعْدٍ يُقَالُ لَهَا الْبَلْقَاءُ ، فَجَعَلَ لا يَحْمِلُ عَلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْعَدُّوِ إِلا هَزَمَهُمْ ، وَجَعَلَ سَعْدٌ يَقُولُ : " الضَّبْرُ ضَبْرُ الْبَلْقَاءِ ، وَالطَّعْنُ طَعْنُ أَبِي مِحْجَنٍ " . فَلَمَّا هُزِمَ الْعَدُّوُ رَجَعَ حَتَّى وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْقَيْدِ ، فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ أَخْبَرَتْهُ امْرَأَتُهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ فَخَلَّى سَبِيلَهُ ، فَقَالُوا أَبُو مِحْجَنٍ : قَدْ كُنْتُ أَشْرَبُهَا ، إِذَا كَانَ يُقَامُ عَلَيَّ الْحَدُّ وَأَطْهَرُ مِنْهَا ، فَأَمَّا إِذْ بَهْرَجَتْنِي فَلا أَشْرَبُهَا أَبَدًا "