الملامح العامة في الفكر العقائدي للسيد الخوئي قدسره‎

لحظة تامل وتفكر وتدبر لصاحب الأخلاق العالية صاحب المنبر الحر الذي بذل روحه في سبيل تعليم الفقهاء والمراجع العضام ، رجل اعطى الفكر الإسلامي فيضه الفكري والروحي ، امضى سنونه في الكفاح في رحلة العلم والعطاء الفقيد الفذ زعيم الحوزة العلمية بالنجف الأشرف سماحة آية الله العظمى السيد الخوئي..
أتت هذه اللألئ من عقدين تفرد بنثرهما ووصفهما سماحة الشيخ عبد الجليل البن سعد ، في حفل تأبيني أقيم بحسينية الزهراء بالمبرز .

اللهم صل على محمد وآله الأئمة ينابيع الحكمة أولي النعمة معادن العصمة

المرجع بما يمثله من منزلة علمية عالية ينظر إليه على أنه الإنسان الذي يقاس على كلامه ومواقفه وأن كل ما يقدمه من طريقة في الطرح العقدي سيؤخذ نموذجا ومنهجا يُـحكم به ويحاكم أبناء المذهب عامة !

والسيد الخوئي قد سره ترك أثرا كبيرا في هذا المعترك الفكري (العقيدة) بالذات .

ويمكن أن نجعل مادتنا في عقدين من الكلام :-

الأول/ الملامح الواضحة لوجهته العقدية :

إنه قد دلل على تفاصيل عقيدته ولم يخف شيئا بينما الكثير من الفقهاء ربما ماتوا دون أن يحالفهم الحظ في التعريف بعقيدتهم فقد أنشغلوا بالفقه والأصول ولم يعرف من عقائدهم سوا الوجه العام. .

وهذا ما قد أعتبره البعض جزءا من مشكلة عامة فسعى لعلاجها أمثال السيد الصدر نور الله ضريحه بكتابة مقدمة شاملة لفصول المعتقد أمام رسالته العملية وهكذا صنع مؤخرا الشيخ الوحيد الخرساني دام عزه ..

نخص هنا بعض العينات من نتاجه وفتاواه ذات الصلة بالطرح العقدي:

1 نظم مائة وستين (160) بيتا من الرجز كشف فيها عن عقيدته في أهل البيت عامة وفي علي بن ابي طالب عليه السلام خاصة .

وقد أشاد بمناقبه وفضائله كما اباد بعض الشبهات المتعلقة بها وهذه المنظومة قد تلقفتها أيدي المحققين منذ ولادتها الأولى فشرحها السيد مهدي الخرسان في ثلاثة مجلدات . . من المناقب التي نافح عنها السيد رحمه الله :

أ ) حديث النور "" خلقت أنا وعلي من نور واحد ..."".

ب ) حديث رد الشمس لعلي بن أبي طالب عليه السلام .

ج ) حديث سد الأبواب إلا باب علي عليه السلام.

د ) حديث الطائر المشوي .

هـ) حديث الباب " أنا مدينة العلم وعلي بابها ".

وكلها أحاديث أثبتها من مصادر الفريق الآخر وهكذا اجتهد الشارح المذكور في تخريج المصادر بشكل دقيق !

2 العصمة للأنبياء وأعطائها الوجه الصحيح كالنسيان في قوله تعالى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}، قال يراد به الترك لما امر بتخيل أنه غير لازم وهذا لوجهين الأول: ما ذكره علماء اللغة من أن النسيان يأتي بمعنى ترك الشيء على تعمد كما في قوله تعالى:{وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}، الثاني:القرينة التي في قوله تعالى حكاية عن عن أبليس: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ} إلى قوله تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}، فإنه اسلوب إقناع بالخلاف وليس إسلوب إغراء .

ولا شك أن هذه المعالجة هي معالجة فقيه يستطيع أن يتفهم القرائن المكتنفة بالكلام ولا يحوجه إلى المشي في المسافات المبعدة مع الاستدلالات المطولة والبحوث المفصلة فالكثير من المواضيع تحل بكلمات موجزة بين يدي الفقهاء !

3 العصمة الخلقية للرسول صلى الله عليه واله وسلم بمقتضى قوله تبارك وتعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، فإنها من النصوص القطعية في الدلالة على نفي كل خلق غير لا ئق من ساحة رسول الله صلى الله عليه واله والفقيه يعرف أن كل ما يعارض النص القطعي في دلالته كالكتاب الكريم يرد ويضرب به عرض الجدار وهكذا لما سئل عن مورد (عبس وتولى) قال إنها نازلة في رجل من بني أمية بالرغم من وجود روايات تحدد نزولها في رسول الله صلى الله عليه واله وسلم . .

فكانت عقليته الفقهية تملي عليه بعد الوقوف على نوعين من الروايات بعضها ينفيه عن الرسول وبعضها يجعلها فيه تقتضيه أن يرفض ما يربط الآية بالرسول صلى الله عليه واله ويقدم التي تنفي ذلك عنه لأنها الموافقة لصريح كتاب الله عز وجل . .

4 البيان اللطيف والقريب من الفهم العربي السليم لقوله تعالى {وابتغوا إليه الوسيلة} فقد أستطاع أن يطبقها بالفهم الفقهي على موارد:

* * مثلا حينما يؤمر الإنسان أن يأتي بوسيلة ما أيا كانت فتكون أمامه عدة وسائل متصادقة في الإسم لكنها مختلفة في الفضيلة فإن الفطرة تدعوه أن يختار أفضل الوسائل إلى ربه وهنا يتسائل السيد قد سره : هل يوجد في الدنيا وسيلة أفضل إلى الله عز وجل من كلمة اللهم بعلي اللهم بأهل البيت عليهم السلام !!

* * مثلا يسأل سماحته لما لا نترك طلب الرزق بالعمل ونطلبه بالدعاء إلى الله عز وجل ؟

فيطرح جوابه الذي هو حل علمي قبل أن يكون حلا عمليا فيقول:

إن الدعاء مقتضي للرزق والعمل وسيلة والله عز وجل أمرنا بها كما أمرنا بالدعاء قال : {فاتبغوا إليه الوسيلة}!

5 كان يشيد بالكتب العقائدية المفصلة وليست هذه عملية دلالة ينصبها للناس ليتعرفوا على هذه الكتب فقط بل إنه كان يريد من مقلديه أن يتعرفوا على عقائده وما يدين به والأسلوب الذي يرتضيه من بين كتابات الأعلام ولذا قد اشار في فتاويه إلى كتاب " عقائد الإمامية " للشيخ المظفر هذا الكتاب الذي يعد من أعاجيب الكتب بالرغم من إيجازه !

بهذه الطريقة يتعرف العالم على ما يثبته هذا السيد الجليل . .

فلو نفى أمورا مركوزة في أذهانهم فإن ذلك لا يأثر في عقيدتهم به

هذه نقطة أرغب في توضيحها لكم

كان بعض أصحاب المحاولات التصحيحية (كما يرون أنفسهم) قد شكا إلي تهجم الناس وعد تقبلهم للطرح الجريئ الذي يقوم به في خطبه ومحاضراته التي ينفي فيها بعض الزيارات والأدعية أوينتقد فيها بعض العقائد. .

فكان جوابي له ولبعض آخر ممن يسيرون على نفس الخطى :

إن أسلوبكم مختل ومخل !

لأنكم لا تعقدون الخطب والكتابات لما يمكن أن يثبت وإن كان فقليل جدا لا شيء يذكر . . عودتم الناس أن يروكم في حالة النفي والتجديف للعقائد والثوابت فلم يروكم في حالة البناء والدفاع وهكذا تعادلتم أنتم ومن يمارس الهجوم عليهم من أبناء الطوائف الأخرى !

فأنتم يا سماحة الشيخ . . . ممن دخل في مداخل التهمة ومن ورد في موارد التهمة فلا يلومن إلا نفسه ؟!

والعجيب بالرغم من نصحي لهم لم أرى تغيرا أبدا !!

وفي حكاية أخرى قال بعض الأعلام المعروفين لبعض ممن سلط لسانه وقلمه على أمور كثيرة في العقائد والتفسير والتاريخ لينكرها أو يشكك فيها قال له:

أكتب لنا عقائدك التي تدين بها ولو في عشرين صفحة لكي ندافع عنك ونقوم بحقك ؟

لم يجبه إلى ذلك بالرغم من مضي وقت طويل يعد بالسنين !

لم اسق هذه الأمثلة لأقيم أحدا

إنما فرضتها هنا كمقارنة بين أسلوب (الفقيه) السيد الخوئي وأسلوب غيره؛ لأن الفقيه دائما متوازن ومتعادل يرغب ويرهب . . يحبب ويبغض . . ينفي ويثبت . . يضع ويقلع !!

6 ولاية أهل البيت عليهم السلام التكوينية فقد نفى الشبهة عنها واشار إلى الأخبار المعتمدة التي تحقق كونهم واسطة في الإيجاد وواسطة في الفيض كما لم يستنكر نسبة شيء إليهم في الذكر وإن كان يسند إلى الله عزوجل في الرتبة واستدل بقوله تعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي}، فإن الآية المباركة قد نسبت ذلك إلى عيسى مباشرة في الذكر وأما في الرتبة فهو في طول قدرة الله سبحانه !

الثاني/ الطرح النموذجي:

سوف نكتفي بعرض لقطتين من لقطاته العلمية هنا

أ ) الأســـــــــانيد:

إن السيد رحمه الله كان ممن يتعبد بالأسانيد ولكن لم يكن ممن يعبد الأسانيد ؟!

وإن عـُـبّاد الأسانيد هم الذين يحكمون على كل ضعيف بالبطلان وإن تعددت طرقه أو مشاربه أو متابعاته التي تصححه في المعنى وإن لم يصح في اللفظ !

وإن عُـبّاد الأسانيد لم يقيموا قيمة ولم يثمنوا ثمنا لما هو مشهور ومعروف بين العلماء القدماء والمتأخرين لا بالقيمة التامة ولا بالقيمة الناقصة !!

فلا يعرفون شيء يعمل رجاء المطلوبية

ولا يقرون بشيء يحكى رجاء الصدق والتوافق مع الواقع !

بينما السيد (أستاذ لأكثرهم) كان مختلفا عنهم وإن لم يورثهم ذلك ؟!

فحينما يجيب على سؤال في مورد كسر ضلع البتول الزهراء سلام الله عليها بقوله: "" هو المشهور المعروف"" فهذا ليس قولا لينا كما ربما يتصور البعض بل إنه إشارة إلى ما ذكرنا من أن ما لم يثبت بالسند قد يثبت بغيرها، وأن الشهرة والمعروفية في مثل هذه الامور مما يصعب تخطيها لأنها تحمل قيمة وثمنا أيا كانت درجته !

سئل عن أمور كثيرة ربما لا تسمح مدرسته الرجالية بإثباتها كالزيارة الجامعة أو غيرها لكنه أجاب : "" صحيحة في المعنى "" كا سئل عن الحديث: "" نحن صنائع الله والخلق بعد صنائع لنا "" فقال صحيح في المعنى . .

لأن الصانع هو المطيع

ولا شك أننا مطيعون لأهل البيت عليهم السلام وأن طاعتنا لله عز وجل مرهونة بطاعتنا لهم لأنه أبواب الله سبحانه !

نعم هنالك ما لا يمكن أن يصحح لا في معنى ولا غيره فتراه في جرئته الفقهية ينفي كل ذلك كما نفى خطبة البيان ونفى الطلاسم الموجودة في ضياء الصالحين وغيرها !

ب ) التقسيم الرائع للعقائد:

اللقطة الثانية من لقطاته العلمية هو التقسيم الرائع للعقيدة الذي أستطاع أن يحل به كثيرا من مصاعب طريق توحيد الكلمة بين المسلمين وتذويب العديد من العراقيل فكان مصداقا للفقيه الذي له ظل وارف على عموم المسلمين !

فقد جعل أصول الدين أربعة:

1 الإيمان بالله عز وجل والإقرار بوجوده وأنه الصانع وأن جميع غرائب الصنع وآثار الرحمة راجعة إليه وان من أنكر ذلك كافر كالدهرية التي تقول الأشياء تحت سلطان الدهر بلا أحتياج إلى صانع !

2 الإقرار بتوحيده ويقابله الشرك.

3 النبي صلى الله عليه واله وسلم ومن أنكره كافر كاليهود والنصارى .

4 المعاد الجسماني والقيامة والحشر والنشر .

وهذه الأربعة لها موضوعية في التلبس بحلية الإسلام !!

فالعدل والإمامة وإن كانت ضرورية ويقينية من ناحية مذهبية لكنها ليست ضرورية بضرورة الإسلام .

مصباح الفقاهة/ ج: . .

وهذا التقسيم البديع المبني على أسس منطقية وعلمية لا نسترسل فيها هنا يقطع الطريق على المكفرين !!

تحديد نظرته حول سائر المسلمين:

له أكثر من موطن تحدث فيه عن المسلمين من غير شيعة أهل البيت عليهم السلام وجعل لهم في نفوس الشيعة مكانة وأعتبارا بالرغم من الخلاف في الإتجاه ومما قاله:

1 أنهم محبون مشتبهون في تأويل معنى الولاية لأهل البيت عليهم السلام حيث حصروها في المحبة فالخلاف معهم ليس خلافا بين منكر ومثبت بل خلاف على التاويل .

2 يجوز الدعاء لهم والإستغفار أيضا وهكذا ورد في أدعية أهل البيت عليهم السلام: "" اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات...المسلمين والمسلمات... ""

نعم يخرج النواصب والخوارج فقط

صراط النجاة ج2/440.

التفرقة بين الضروري والنظري:

إن هذا اللون من الحديث من قبل مرجع ديني أعلى كالسيد أبو القاسم الخوئي طيب الله ثراه قادر على امتصاص الشحناء بين ابناء المذهب الواحد ..

فليس النقاش في كل شيء موجب لتحول الهوية المذهبية

فهناك من ينكر الرجعة أو غيرها من المسائل التي تعد لدى كثير من أبناء المذهب الإمامي يقينية ولكن هذا لا يرقى بها إلى درجة الضروريات عند السيد الراحل فلا يترتب عليها تغير في وضعية من ينكرها إذا كان عن شبهة طبعا بحيث لا يستلزم إنكاره الرد على أهل البيت عليهم السلام !

التوهين والتشنيع على المذهب:

لدينا قواعد فقهية ذوقية وهذه قد لا ينطبق عليها عنوان وضابطة القاعدة بالمعنى المصطلح ولكنها تحدد الذوق الفقهي عند من يتمسك بها كما أن نفيها ينفي الذوق الفقهي عن النافي لها . . ومن بين تلك القواعد الذوقية :

"" ترك ما يوجب فعله التشنيع والتوهين ""!!

كبعض الممارسات الحسينية أو غيرها المعروفة

طبعا أنا أتعجب ممن يناقش المتمسكين بهذه القاعدة ويسعى لينقض عليهم يقول مثلا: لندع الرمي والطواف فإنه يوجب التشنيع علينا كمسلمين ؟!

ويمكن إعادة فهم هذه القاعدة مع الطرف الرافض لها

أولا : أن هذا سلوك فقهائي قديم وأول من تحدث به الشريف المرتضى حيث ذكر في كتابه المعروف بـ(رسائل المرتضى) أن فقهاء الإمامية تركوا القول بأمور خشية التشنيع !!

ثانيا: هناك رواية تدل على أن زيارة الإمام الرضا عليه السلام أفضل من حجة أو عمرة مستحبة وفيها يقول الإمام محمد التقي: ""لا تفعلوا هذا اليوم فإن علينا وعليكم من السلطان شنعة"" !

ثالثا: فرق بين أن نتنازل عن مباح أو مستحب (لأجل خوف الشنعة) و بين أن نترك واجبا كالرمي والطواف !!