ثبت عن عمار بن ياسر وهو من رموز السلفية العتيقة ( ومهجور من السلفية المحدثة) أن رموز جيش أهل الشام ( من الطلقاء وأشباههم) لم يسلموا، وإنما استسلموا وأسروا الكفر، حتى وجدوا على الحق أعواناً، وكان الأولى بالسلفي إن كان سلفياً حقاً أن يرتب الرموز السلفية فلا ينتقل إلى رضواني قبل البدري، ولا تابعي قبل الصحابي، حسب المفهوم النظري السلفي نفسه، وهذا الفرق بين السلفية العتيقة والسلفية المحدثة التي كثرت من بعد عهد الإمام أحمد سامحه الله.. والآن سنستعرض أقوال السلفية القديمة التي هي أقرب الرموز السلفية إلى النص، مع إيماننا بأن الحجة في النص، لكن نحتج على القوم بمنهجهم، ليتبين لشبابهم أن الشيوخ خادعون أو مخدوعون بدعوى سيرهم على عقائد السلف الصالح..فروي من طرق مجموعها يفيد الصحة عند أكثر المتشددين من أهل الحديث جزم عمار وقسمه بأن معاوية لم يسلم وأنه منافق، بعضها بالتصريح وبعضها بالمعنى،.. وقد رواه عن عمار بن ياسر جمع من التابعين، بلغوا أكثر من خمسة عشر وهم: سعد بن حذيفة بن اليمان، وفيه الدليل الخاص والأقوى. وأبو البختري، والقاسم مولى يزيد بن معاوية وربيعة بن ناجد، وأبو عبد الرحمن السلمي وعبد الله بن سلمة وأسماء بن الحكم الفزاري والصقعب بن زهير وزيد بن وهب وحبة بن جوين العرني و عبد الملك بن أبي حرة الحنفي وعبد الرحمن بن أبزى، وأرسله من غير شهود العيان: سلمة بن كهيل وحبيب بن أبي ثابت ومنذر الثوري.( وروايات هؤلاء مفصلة في المبحث الأصلي، وإنما سأختار ما يدل على أن معاوية لم يسلم أصلاً، كسائر زعماء قريش، وهذا يدل عليه القرآن الكريم – كما كررنا، وكلنا يحفظ سورة الكافرون، والله لا يتوقع بل يخبر، فمن شاء فليصدق الله ويكذب ما قيل في إيمان قريش وخاصة المتأثرون بالثأرات والحسد والزعامة، ومن شاء فليصدق التاريخ وليكذب القرآن الكريم.. ولكن لا يخادع نفسه، ليقرأ سورة الكافرون وأول يس وأول البقرة وأوسط الأحزاب وآل عمران ..ثم ليختار.. هل يصدق الله أم العقيدة المحدثة، هل يتبع الله أم الرموز التاريخية، فالنصوص القرآنية واضحة جداً لا تحتمل الزحلقة، وهو ابتلاء كبير للمؤمن.وسنذكر بعض آراء السلفية العتيقة التي تتفق مع القرآن الكريم، لإيماننا أن القرآن الكريم لا يكفي عند هؤلاء حتى يعضده بعض السلف، فهاهم السلف الصالح!قول عمار بن ياسر ( من رواية سعد بن حذيفة بن اليمان عنه): فقد روى ابن أبي خيثمة في تاريخه المسمى تاريخ ابن أبي خيثمة - (2 / 991) قال : حَدَّثَنَا أبي (زهير بن حرب ثقة) ، قال : حَدَّثَنا جَرِير ( هو ابن عبد الحميد ثقة)، عَنِ الأَعْمَش ( ثقة) ، عن مُنْذِرٍ الثَّوْرِيّ ( ثقة) ، عن سَعْد بن حُذَيْفَة ( ثقة) ، قال : قال عَمَّار (بن ياسر) – أي يوم صفين- : ( والله ما أَسْلَموا ولَكِنَّهُم اسْتَسْلَمُوا وأسرُّوا الْكُفْر حَتَّى وجدوا عليه أَعْوَانًا فأَظْهَروه )[1] اهـ.التعليق : السند صحيح على شرط الشيخين إلا سعد بن حذيفة بن اليمان وهو تابعي كبير ثقة، بل يحتمل أن له صحبة كما سيأتي، فالسند صحيح ورجاله كلهم ثقات سمع بعضهم من بعض.. وعنعنة الأعمش في الصحيحين ( راجع الملحق)، وهذا القول قاله عمار بن ياسر يوم صفين، ومعناه واضح؛ فعمار بن ياسر ميزان تلك الحروب يقسم بالله أن معاوية وأمثاله من رموز أهل الشام لم يسلموا يوم فتح مكة وإنما استسلموا وخضعوا حتى يجدوا على الحق أعواناً، وله شاهد من حديث ابن عمر في قصة التحكيم ( أولى بهذا الأمر من ضربك وأباك على الإسلام حتى دخلتم فيه كرهاً) واصله في صحيح البخاري كما سيأتي، ويدل على هذا القرآن الكريم ( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) وأمثالها من الآيات التي ستتناول رؤوس الكفر أكثر من تناوله عوامهم، عدل الله يقول هكذا ، ولكن لنستمر مع الآثار المروية عن عمار بن ياسر، أعني الشواهد ولها حكم الرفع ولذلك أورد بعضها أحمد في المسند ضمن مسند عمار بن ياسر – كما سيأتي- مما يشير إلى أن لها قوة الحديث المرفوع على الراجح من فعل أحمد، لأنه أورد بعض هذه الآثار وسط أحاديث عمار المرفوعة، وكأن أحمد فهم من قسم عمار وتأكيده على ذلك أنه يعلم علم اليقين أن هؤلاء لم يسلموا وأن معه فيهم خبراً من النبي (ص)..المتابعات عن عمار:والأحاديث عن عمار بن ياسر في هذا الباب كثيرة جداً، سأترك دراسة أسانيدها للبحث الأصلي الذي عنوانه ( بحث في حقيقة إسلام معاوية – جاهز للطباعة) وسأقتصر على ذكر المتون بلا أسانيد تشويقاً للبحث الأصلي، ولئلا أثقل هذه المقدمة بالأسانيد ودراستها، فمن شاء التوسع فلرجع للأصل وهو ( مبحث في حقيقة إسلام معاوية)، ومن تلك الآثار عن عمار: لفظ منذر الثوري عن عمار بن ياسر : ( والله ما أسلم القوم ولكن استسلموا وأسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعواناً) / و لفظ حبيب بن أبي ثابت عن عمار بن ياسر مرسلاً، (لما كان يوم صفين قال رجل لعمار بن ياسر: يا أبا اليقظان ألم يقل رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (قاتلوا الناس حتى يسلموا فإذا أسلموا عصموا مني دماءهم وأموالهم؟! قال: بلى ولكن والله ما أسلموا ولكن استسلموا وأسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعواناً)/ ولفظ القاسم مولى يزيد بن معاوية عن عمار بن ياسر:–في رواية طويلة- وفيها : (يا أهل الإسلام أتريدون أن تنظروا إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما فلما أراد الله أن ينصر دينه وينصر رسوله أتى النبي (ص) فأسلم وهو الله فيما يُرى راهب غير راغب وقبض رسول الله (ص) وإنا والله لنعرفه بعداوة المسلم ومودة المجرم! ألا وإنه معاوية فالعنوه لعنه الله وقاتلوه فإنه ممن يطفي نور الله ويظاهر أعداء الله)/ ولفظ عبد الله بن سلمة (رأيت عماراً يوم صفين شيخاً كبيراً آدم طوالاً أخذ الحربة بيده ويده ترعد فقال: والذي نفسي بيده لقد قاتلت صاحب هذه الراية مع رسول الله (ص) ثلاث مرات وهذه الرابعة والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أن مصلحينا على الحق وأنهم على الضلالة) وهذا الحديث الأخير صححي الإسناد وله حكم الرفع، ومصادره كثيرة جداً، فقد رواه أبو داود الطيالسي وأبو بكر بن أبي شيبة والإمام أحمد في المسند، والبلاذري في الأنساب، وأبو يعلى في مسنده، وابن حبان في صحيحه والطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك، كلهم من طريق محمد بن جعفر (غندر) حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة سمعت عبد الله بن سلمة، فالإسناد صحيح غاية، وله حكم الرفع أيضاً / ولفظ زيد بن وهب ( أن عمار بن ياسر رحمه الله قال يومئذ أين من يبتغى رضوان الله عليه ولا يؤوب إلى مال ولا ولد؟.. فذكر الرواية وفيها: حتى دنا من عمرو فقال يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك تبا طالما بغيت في الاسلام عوجا وقال لعبيد الله بن عمر بن الخطاب صرعك الله بعت دينك من عدو الاسلام وابن عدوه.. الرواية) اهـ باختصار/ لفظ عبد الملك بن أبي حرة الحنفي ( أن عمار بن ياسر خرج إلى الناس، فقال: اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته، اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أضع ظبة سيفي في صدري ثم أنحني عليها حتى تخرج من ظهرت لفعلت، وإني لا أعلم اليوم عملاً هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم أن عملاً من الأعمال هو أرض لك منه لفعلته اهـ قلت: انظروا هذا اليقين! / ولفظ أسماء بن الحكم الفزاري عن عمار بن ياسر في رواية مطولة في حوار بين عمار ورجل اشتبه عليه الأمر في قتال مسلمين، وفيها ( فقال له عمار: هل تعرف صاحب الراية السوداء المقابلتى فإنها راية عمرو بن العاص، قاتلتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، وهذه الرابعة ما هي بخيرهن ولا أبرهن، بل هي شرهن وأفجرهن[2]، أشهدتَ بدرا وأحدا وحنينا أو شهدها لك أب فيخبرك عنها ؟ قال: لا، قال عمار: فإن مراكزنا على مراكز رايات رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، ويوم أحد، ويوم حنين، وإن هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب.. أما إنهم سيضربوننا بأسيافهم حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولون: لو لم يكونوا على حق ما ظهروا علينا، والله ما هم من الحق على ما يقذى عين ذباب، والله لو ضربونا بأسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أنا على حق وهم على باطل، وأيم الله لا يكون سلما سالما أبدا حتى يبوء أحد الفريقين على أنفسهم بأنهم كانوا كافرين، وحتى يشهدوا على الفريق الآخر بأنهم على الحق وأن قتلاهم في الجنة وموتاهم، ولا ينصرم أيام الدنيا حتى يشهدوا بأن موتاهم وقتلاهم في الجنة، وأن موتى أعدائهم وقتلاهم في النار، وكان أحياؤهم على الباطل اهـ...والخلاصة في شهادة عمار هنا:هذا بعض الآثار التي تفيد بأن السلفية العتيقة كعمار بن ياسر وهو أحد السابقين من المهاجرين وأحد البدرين يرون أن قتالهم لمعاوية –صاحب تلك الراية الراية- يوم صفين كقتالهم له ولأبيه في عهد النبي (ص) وهذا يعني هذا أنههم لا يرونه مسلماً صادقاً وإنما مسلم بحكم الظاهر كالمنافقين، يتم التعامل معه معاملة المسلمين، أما حقيقة إسلامه فعمار وأمثاله يعرفون ويقسمون بالله أنه ما أسلم قط وإنما استسلم ولن يقسم هؤلاء الكبار إلا بتوقيف، نعم استسلم كأبيه، وإلا فهل يعقل أن صحابياً بدرياً طاعناً في السن يقسم بالله واثقاً أن هذا الموقف الذي يقفه معاوية يوم صفين ليس بأبر ولا أصدق من وقوفه أيام يوم أحد والخندق ونحوها في مواجهة الرسول والرسالة – وهذا المعنى يشهد لقول عمار السابق (والله ما أسلموا ولكن استسلموا...) فاللفظان معناهما واحد، وللحديث لفظ آخر بلفظ (والله لقد قاتلت بهذه الراية –وفي لفظ- لقد قاتلت مع رسول الله ثلاث مرات وهذه الرابعة...)، وفي أقوال عمار دلالات نؤكد عليها:1-أن عماراً شهد كل المشاهد مع النبي (ص) في بدر وأحد والخندق وخيبر وبني قريظة وفتح مكة وحنين...الخ وهذه أكثر من ثلاث! ولا يفهم من هذا إلا أنه خصص المعارك التي اشترك فيها معاوية، كأحد والخندق والأحزاب ( وفي شهوده بدراً مع المشركين خلاف).2-ثم عندما يقول: (ما هذه بأبر ولا أصدق) أي راية معاوية، وفي هذا إخبار عن حقيقتهم وليس عن التعامل الظاهر معهم، فهم يعاملون في الظاهر معاملة المسلمين، لإعلانهم الإسلام ولو نفاقاً، ثم أهل الشام جم غفير، ولا يتهم عمار إلا ظلمتهم ورؤوسهم ورأس هؤلاء الرؤوس معاوية .ثم عمار بن ياسر كان من أبعد الناس عن التكفير، فكان إذا سمع من بعض أصحابه تكفير أهل الشام بالعموم كان ينهاهم، ويختار وصفهم بالظلم والفسق فقط، وقد صح ذلك من طرق هذه بعضها ففي مصنف ابن أبي شيبة - (ج 8 / ص 722): حدثنا وكيع عن حسن بن الحارث عن شيخ له يقال له رباح ، قال : قال عمار : لا تقولوا : كفر أهل الشام ، ولكن قولوا : فسقوا ظلموا / وكيع عن مسعر عن عبد الله عن رباح عن عمار قال : لا تقولوا : كفر أهل الشام ولكن قولوا : فسقوا ظلموا اهـ ولا تعارض هنا بين اتهام معاوية وأمثاله من الرموز ممن يقصدهم عمار وتفسيق عامة أهل الشام وظلمهم، ومن توهم التعارض قدمنا الأصح عن عمار وهو الحكم على هؤلاء بأنهم استسلموا ولم يسلموا قط.. لكن بالتفصيل يصح الأمر لأن في جيش أهل الشام المغرر به والأحمق ودليل ذلك إن بعضهم لحق بعلي عندما تبين له الحق، وقد تركت طرقاً أخرى كثيرة عن عمار بن ياسر.. سبق ذكر الرواة عنه..رأي عمار هو رأي أهل بدر: أولاً عمار لا يعبر عن رأيه وإنما عن علمه، وعلمه اليقيني، الذي يجهله أكثر الناس يومئذ، فكان يصر على هذا العلم وبثه ليعلم به الناس، ولم يكن علمه هذا خاصاً به، فقد انتشر بين الصحابة من أهل بدر في عهده، ولم ينكر عليه أحد منهم، وهو قدوة لأصحاب النبي (ص) يوم صفين باستثناء الإمام علي، فهو فوقه علماً وفضلاً، وعمار هو قائد الصحابة في عصره من أهل بدر والرضوان الذين كانوا يتبعونه يوم صفين كأنه لهم علم، وعلى هذا فرأيهم هو رأيه، ففي الاستيعاب - (ج 1 / ص 352): وروى الأعمش عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : شهدنا مع علي رضي الله عنه صفين فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية ولا واد من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم يتبعونه كأنه علم لهم .. الخ والسند صحيح على شرط الشيخين، وعلى هذا فقد كان ثمانون من أهل بدر وثمانمائة من أصحاب بيعة الرضوان، على هذا القول الذي قاله عمار بن ياسر. وهذه السلفية العتيقة، لا تقاومها سلفيات هؤلاء.. لا سيما وأن العبرة بآخر مواقف الصحابة من معاوية، لا سيما مواقف أكثر أهل بدر، فقد يخفى حال معاوية على بدريين ماتوا قبل أن يستفحل أمره وتتبين سيرته، وقد يسكت بعضهم لعدم توفر الدواعي لنقل هذا العلم، وقد يرجو له بعضهم توبة .. فكانت شهادة عمار هي الشهادة الخاتمة الجامعة بين أكبر عدد من أهل بدر ( ثمانين بدرياً) لم يجتمعوا بعدها على موقف ولا شهادة كهذا الموقف وهذه الشهادة، لأن معظمهم قتل بصفين كعمار، فآخر مواقف أهل بدر وشهاداتهم بهذا العدد الكبير هو أقوال عمار هذه فتدبروها، واعرفوا السلفية العتيقة.وقد تركت الآثار عن صحابة آخرين كأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وابنه الحسن وابن عمر وغيرهم، وعن تابعين أيضاً كمحمد بن الحنفية وسالم بن أبي الجعد، وتركت التفصيل في البحث الأصلي ( بحث في حقيقة إسلام معاوية) وليس لهذا الحكم على معاوية ما يصلح لمقاومته، لا من حديث مرفوع ولا أثر موقوف، ولا إحسان ظن من صحابي أو تابعي، فعمار وعلي وحذيفة وأمثالهم هم يخبرون عن علم ولا يخبرون عن رأي، ولهم اختصاص ليس لغيرهم، وخاصة حذيفة فالإجماع منعقد على أنه صاحب السر، وكان عمر بن الخطاب يسأله هل هو من المنافقين أم لا؟ ولو أن حذيفة أخبر عمر في تفسه لصدقه عمر، وإلا كان سؤاله له عبثاً، فكيف لا نصدق حذيفة في أبي سفيان ومعاوية؟ وقد أفضى بسره إلى عمار ( كما في حديث الدبيلة هذا وسيأتي).
________________________________________