يخفى ان حجتنا التي نتعبد فيما بيننا وبين الله سبحانه وتعالى في مسألة الجمع بين الصلاتين وفي غيرها من المسائل انما هي صحاحنا عن أئمتنا (عليهم السلام) وقد نحتج على أهل السنة بصحاحهم لظهورها فيما نقول، وحسبنا منها ماقد أخرجه الشيخان في صحيحهما. واليك ما أخرجه مسلم في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر من صحيحه إذ قال :
1- حدثنا يحيى بن يحيى قال : قرأت على مالك عن أبي الزبير عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال : صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر .
2- وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة …. عن ابن عباس قال: صلّيت مع النبي (صلى الله عليه وآله) ثمانياً جميعاً أظنه أخّر الظهر وعجّل العصر وأخّر المغرب وعجّل العشاء . قال : وأنا اظن ذلك. وهذا الحديث أخرجه أيضاً أحمد في مسنده 1 / 221 .
3- وحدثنا أبو الربيع الزهراني …. عن ابن عباس : أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً الظهر والعصر والمغرب والعشاء .
4- وحدثني أبو الربيع الزهراني …. عن عبد الله بن شقيق قال: خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة قال: فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني : الصلاة الصلاة قال : فقال ابن عباس : أتعلّمني بالسنّة لا أمّ لك ؟ ثم قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء. قال عبد الله بن شقيق فحاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألته فصدّق مقالته.
وهذا الحديث ذكره أيضاً أحمد في مسنده 1 / 251 .
5- وحدثنا ابن أبي عمر …. عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال : قال رجل لابن عباس : الصلاة فسكت . ثم قال : الصلاة فسكت. ثم قال : الصلاة فسكت. فقال ابن عباس: لا أمّ لك أتعلّمنا بالصلاة؟ كنّا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
6- وحدثنا أحمد بن يونس …. عن ابن عباس قال: صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الظهر والعصر جميعاً بالمدينة في غير خوف ولا سفر.
وهذا الحديث مما أخرجه أيضاً مالك في باب الجمع بين الصلاتين من الموطأ وأحمد في مسنده .
7- وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة …. عن ابن عباس قال : جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر. فقيل لابن عباس : ما أراد الى ذلك ؟ قال : أراد ان لا يحرج أمّته .
8- للنسائي من طريق عمرو بن هرم عن أبي الشعثاء ان ابن عباس صلى في البصرة الظهر والعصر ليس بينهما شيء فعل ذلك من شغل ، وفيه رفعه الى النبي (صلى الله عليه وآله) . كما نقله الزرقاني في الجمع بين الصلاتين من شرح الموطأ 1 / 263.
فهذه الصحاح صريحة في أنّ العلّة في تشريع الجمع إنّما هي التوسعة بقول مطلق على الأمّة وعدم إحراجها بسبب التفريق رأفة بأهل الأشغال وهم أكثر الناس . وإليك ما اختاره البخاري في صحيحه :
1- حدثنا أبو النعمان … عن ابن عباس: ان النبي (صلى الله عليه وآله) صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً الظهر والعصر والمغرب والعشاء. (صحيح البخاري / كتاب مواقيت الصلاة / باب تأخير الظهر الى العصر) .
قال القسطلاني : وتأوله على الجمع الصوري بأن يكون أخّر الظهر إلى آخر وقتها وعجّل العصر في أول وقتها ضعيف لمخالفة الظاهر . (ارشاد الساري 2 / 293) .
2- حدثنا آدم قال …. عن ابن عباس قال: صلى النبي (صلى الله عليه وآله) سبعاً جميعاً وثمانياً جميعاً. (صحيح البخاري / كتاب مواقيت الصلاة / باب وقت المغرب) .
3- عن ابن عمر وأبي أيوب وابن عباس: أن النبي (صلى الله عليه وآله) صلى المغرب والعشاء ـ يعني جمعهما ـ في وقت إحداهما دون الاخرى . (المصدر السابق / باب ذكر العشاء والعتمة).
وهذا النزر اليسير من الجم الكثير من صحاح الجمع كاف في الدلالة على ما نقول .
ويؤيده ما عن ابن مسعود اذ قال: جمع النبي (صلى الله عليه وآله) بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فقيل له في ذلك فقال : صنعت لئلا تحرج أمّتي . (أخرجه الطبراني كما في أواخر ص263 من الجزء الاول من شرح الموطأ للزرقاني) .
والمأثور عن عبد الله بن عمر اذ قيل له: لم ترى النبي (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء مقيماً غير مسافر ، أنه أجاب بقوله : فعل ذلك لئلا تحرج أمّته . (كنز العمّال 4 / 242 ح 5078) .
وبالجملة، فان علماء الجمهور كافة متصافقون على صحة هذه الاحاديث وظهورها فيما نقول من الجواز مطلقا ، فراجع ما شئت ممّا علّقوه عليها يتضح لك ذلك وحسبك ما نقله النووي عنهم في تعليقه على هذه الاحاديث من شرحه لصحيح مسلم .