باسم الله ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله ، أهل الله .
واستكمالا للبحث حول اتهام وكذب أبي الحسن نور الدين المالكي على العلاّمة المجلسي حول حديث سعد بن معاذ الذي ناقشناه في صفحة خاصة ، أنقل الحديث كاملا من أصله الذي نقله منه العلاّمة المجلسي في موسوعته المسماة بــ (( بحار الأنوار الجامعة لدُرَر أخبار الأئمة الأطهار )) .
أصل الحديث ورد في التفسير المنسوب أكرّر
المنسوب ، المنسوب ، المنسوب إلى إمامنا أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري عليهم السلام ، والد إمامنا الحجّة صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرَجه الشريف ، وجعلنا من جنده وأنصاره .
وأنقله من صيغة (HTML) ، والصفحات مرقمة كما في الأصل : مع هوامشها . وألوّن المقطع الذي أسقطه المصنّف باللون الأحمر ، ليتضح الأمر والسبب أكثر ، وهذا المقطع هو في فضل شهر رمضان ، اقتطعه العلامة المجلسي وخصصه في - ج ٩٦- من الصفحة ٣٧٣ إلى الصفحة ٣٧٥ من البحار ، كتاب الصوم ، باب وجوب صوم شهر رمضان وفضله . حتى يفهم الحاقدون لماذا اقتطعه العلامة من هناك ووضعه هنا ، إذا كانت رغبتهم ونيتهم هي الفهم . وأنا أعرف مسبقا مرادهم وتكتيكهم واستراتيجيتهم . ولكن حسبي إقامة الحجة ، وتنوير الإخوة الأعزة من الشيعة والسنة الذين يبتغون الحق ، والشهادة لله تعالى وحده لا شريك له .
نصّ الحديث كما ورد في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام :((
...ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن لله عز وجل خيارا من كل ما خلقه، فله من البقاع خيار، وله من الليالي ـ خيار ـ، و ـ من ـ الأيام خيار، وله من الشهور خيار، وله من عباده خيار، وله من خيارهم خيار:
فأما خياره من البقاع فمكة، والمدينة، وبيت المقدس، وإن صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام والمسجد الأقصى ـ يعني ـــــــــــــــــــــــــ
1) نخسه: أزعجه وهيجه.
2) " وناداها يا أمة " ب، ط. (*)
===============
(664)
مكة وبيت المقدس (1) ـ.
وأما خياره من الليالي فليالي الجمع، وليلة النصف من شعبان، وليلة القدر، وليلتا العيد.
وأما خياره من الأيام فأيام الجمع، والأعياد.
وأما خياره من الشهور فرجب، وشعبان، وشهر رمضان.
وأما خياره من عباده فولد آدم، وخياره من ولد آدم من اختارهم على علم منه بهم، فان الله عزوجل لما اختار خلقه، اختار ولد آدم، ثم اختار من ولد آدم العرب ثم اختار من العرب مضر، ثم اختار من مضر قريشا، ثم اختار من قريش هاشما ـــــــــــــــــــــــــ
1) أقول: تلاحظ أن ترتيب الذكر بين المساجد هنا ظاهر في الفضل بينها، وأن الرواية ناظرة إلى تعيين درجة الفضل بين الصلاة فيها.
وعلى هذا جعل مقياس الفضل بين مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) وغيره ألفا في غير المسجدين وسكت عن بيان الفضل بينه وبينهما.
نعم روى معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لابن أبى يعفور: " أكثر الصلاة في مسجد رسول الله، فان رسول الله قال: صلاة في مسجدي هذا كألف صلاة في مسجد غيره إلا المسجد الحرام، فان صلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي " (كامل الزيارات: 20، عنه البحار: 99/ 382 ح 12.
وأما فضل مسجد النبي على المسجد الأقصى ففي رواياتنا هو أيضا أفضل من المسجد الأقصى بعشرة درجات، لا ألفا، فراجع.
نعم في رواية (سنن ابن ماجة: 1/ 453 ح 1413) عن أنس فهو يعدله ولا فضل بينهما.
ولا يخفى أنه سكت أيضا عن ذكر رابع المساجد الأربع أعنى مسجد الكوفة ـ وما أدراك ما مسجد الكوفة؟ عجبا، مشرف محرابه بثار الله المولود في الكعبة ـ راجع البحار:
97/ 47 ح 34 والوسائل وجامع أحاديث الشيعة ـ باب فضل مسجد الكوفة ـ.
والمحصل أن درجة الفضل بين مسجد النبي وغيره ألف إلا في المسجد الأقصى، فهي عشرة لا ألف، وأما المسجد الحرام فهو الأفضل منه بألف. (*)
===============
(665)
ثم اختارني من هاشم (1)، وأهل بيتي كذلك، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم (2).
ـ فضائل شهر رمضان ـ
وإن الله عز وجل اختار من الشهور شهر رجب، وشعبان، وشهر رمضان:
فشعبان أفضل الشهور إلا مما كان من شهر رمضان، فانه أفضل منه، وإن الله عز وجل ينزل في شهر رمضان من الرحمة ألف ضعف ما ينزل في سائر الشهور، ويحشر شهر رمضان في أحسن صورة، فيقيمه ـ في القيامة ـ على قلة (3) لا يخفى وهو عليها على أحد ممن ضمه ذلك المحشر، ثم يأمر، فيخلع عليه من كسوة الجنة وخلعها وأنواع سندسها وثيابها، حتى يصير في العظم بحيث لا ينفذه بصر، ولا يعي علم مقداره أذن ولا يفهم (4) كنهه قلب.
ثم يقال للمنادي من بطنان العرش: ناد! فينادي: يا معشر الخلائق أما تعرفون هذا؟ فيجيب الخلائق يقولون: بلى لبيك داعي ربنا وسعديك، أما إننا لا نعرفه.
ثم يقول منادي ربنا: هذا شهر رمضان ما أكثر من سعد به منكم؟ وما أكثر من شقي به؟ ألا فليأته كل مؤمن له، معظم بطاعة الله فيه، فليأخذ حظه من هذه الخلع فتقاسموها بينكم على قدر طاعتكم الله، وجدكم.
قال: فيأتيه المؤمنون الذين كانوا لله ـ فيه ـ مطيعين، فيأخذون من تلك الخلع ـــــــــــــــــــــــــ
1) زاد في " ب " قال الشاعر:
لله في عالمه صفوة * وصفوة الخلق بنو هاشم.
وصفوة الصفوة من هاشم * محمد الطهر أبو القاسم
2) " فبحبي أحبهم... فببغضي أبغضهم " البحار.
3) التل من الأرض: قطعة أرفع قليلا مما حولها. " قلعة " ب، ط. " تلعة " البحار، وهى ما علا من الأرض.
4) " يعرف " ب، ط. (*)
===============
(666)
على مقادير طاعتهم ـ التي كانت ـ في الدنيا.
فمنهم من يأخذ ألف خلعة، ومنهم من يأخذ عشرة آلاف.
ومنهم من يأخذ أكثر من ذلك وأقل، فيشرفهم الله تعالى بكراماته.
ألا وإن أقواما يتعاطون تناول تلك الخلع، يقولون في أنفسهم: لقد كنا بالله مؤمنين وله موحدين، وبفضل هذا الشهر معترفين، فيأخذونها، ويلبسونها، فتنقلب على أبدانهم مقطعات (1) نيران، وسرابيل قطران، يخرج على كل واحد منهم بعدد كل سلكة (2) من تلك الثياب أفعى وعقرب وحية، وقد تناولوا من تلك الثياب أعدادا مختلفة على قدر إجرامهم: كل من كان جرمه أعظم فعدد ثيابه أكثر.
فمنهم الآخذ ألف ثوب، ومنهم الآخذ عشرة آلاف ثوب، ومنهم من يأخذ أكثر من ذلك، وإنها لأثقل على أبدانهم من الجبال الرواسي على الضعيف من الرجال، ولولا ما حكم الله تعالى بأنهم لا يموتون لماتوا من أقل قليل ذلك الثقل والعذاب.
ثم يخرج عليهم بعدد كل سلكة في تلك السرابيل من القطران ومقطعات النيران أفعى وحية وعقرب وأسد ونمر وكلب من سباع النار، فهذه تنهشه، وهذه تلدغه وهذا يفترسه، وهذا يمزقه وهذا يقطعه.
يقولون: يا ويلنا مالنا تحولت علينا ـ هذه الثياب، وقد كانت من سندس واستبرق وأنواع خيار ثياب الجنة تحولت علينا ـ مقطعات النيران، وسرابيل قطران وهي على هؤلاء ثياب فاخرة ملذذة منعمة؟! فيقال لهم: ذلك بما كانوا يطيعون في شهر رمضان وكنتم تعصون، وكانوا يعفون وكنتم تزنون، وكانوا يخشون ربهم وكنتم تجترئون، وكانوا يتقون السرقة وكنتم تسرقون، وكانوا يتقون ظلم عباد الله وكنتم تظلمون، فتلك نتائج أفعالهم الحسنة! ـــــــــــــــــــــــــ
1) المقطعات: القصار من الثياب.
2) أي خيط. (*)
===============
(667)
وهذه نتائج أفعالكم القبيحة.
فهم في الجنة خالدون لا يشيبون فيها ولا يهرمون، ولا يحولون عنها ولا يخرجون ولا يقلقون فيها ولا يغتمون، بل هم فيها مسرورون، فرحون، مبتهجون، آمنون، مطمئنون لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وأنتم في النار خالدون، تعذبون فيها وتهانون، ومن نيرانها إلى زمهريرها تنقلون، وفي حميمها تغمسون، ومن زقومها تطعمون، وبمقامعها (1) تقمعون وبضروب عذابها تعاقبون لا أحياء أنتم فيها ولا تموتون أبد الآبدين، إلا من لحقته منكم رحمة رب العالمين، فخرج منها بشفاعة محمد أفضل النبيين بعد ـ مس ـ العذاب الأليم والنكال الشديد.
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عباد الله فكم من سعيد بشهر شعبان في ذلك، وكم من شقي هناك، ألا أنبئكم بمثل محمد وآله؟ قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: محمد في عباد الله كشهر رمضان في الشهور، وآل محمد في عباد الله كشهر شعبان في الشهور.
وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) في آل محمد كأفضل أيام شعبان ولياليه، وهو ليلة النصف ويومه.
وسائر المؤمنين في آل محمد كشهر رجب في شهر شعبان، هم درجات عند الله وطبقات، فأجدهم في طاعة الله أقربهم شبها بآل محمد.
ألا أنبئكم برجل قد جعله الله من آل محمد كأوائل أيام ـ رجب من أوائل أيام ـ شعبان؟: قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: هو (2) الذي يهتز عرش الرحمن بموته (3)، وتستبشر الملائكة في السماوات ـــــــــــــــــــــــــ
1) القمعة: خشبة أو حديدة يضرب بها الإنسان لذل.
2) " منهم " أ، ب، ص، والبحار.
3) تقدم بيانه ص 150 هامش 2، فراجع. (*)
===============
(668)
بقدومه، وتخدمه في عرصات القيامة وفى الجنان من الملائكة ألف ضعف عدد أهل الدنيا من أول الدهر (1) إلى آخره، ولا يميته الله في هذه الدنيا حتى يشفيه من أعدائه ويشفي صاحبا له، وأخا في الله مساعدا له على تعظيم آل محمد.
قالوا: ومن ذلك يا رسول الله؟.
قال: ها هو مقبل عليكم غضبانا، فاسألوه عن غضبه، فان غضبه لآل محمد خصوصا لعلي بن أبي طالب (عليه السلام).
فطمح (2) القوم بأعناقهم، وشخصوا بأبصارهم، ونظروا، فإذا أول طالع عليهم " سعد بن معاذ " وهو غضبان، فأقبل، فلما رآه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال له:
يا سعد أما إن غضب الله لما غضبت له أشد، فما الذي أغضبك؟ حدثنا بما قلته في غضبك حتى أحدثك بما قالته الملائكة لمن قلت له، وما قالته الملائكة لله عز وجل وأجابها الله عز وجل به.
فقال سعد: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، بينا أنا جالس على بابي، وبحضرتي نفر من أصحابي الأنصار، إذ تمادى رجلان من الأنصار، فرأيت في أحدهما النفاق فكرهت أن أدخل بينهما مخافة أن يزداد شرهما، وأردت أن يتكافآ فلم يتكافآ، وتماديا في شرهما حتى تواثبا إلى أن جرد كل واحد منهما السيف على صاحبه، فأخذ هذا سيفه وتسره، وهذا سيفه وترسه وتجاولا (3) وتضاربا، فجعل كل واحد منهما يتقي سيف صاحبه بدرقته (4)، وكرهت أن أدخل بينهما مخافة أن تمتد إلي يد خاطئة، وقلت في نفسي: اللهم انصر أحبهما لنبيك وآله.ـــــــــــــــــــــــــ
1) " الدنيا " س.
2) طمح ببصره: استشرف له، وأصله قولهم: جبل طامح أي عال مشرف.
3) جاوله: طارده ودافعه.
4) أي بترسه. (*)
===============
(669)
فما زالا يتجاولان ولا يتمكن واحد منهما من الآخر إلى أن طلع علينا أخوك علي ابن أبي طالب (عليه السلام) فصحت بهما: هذا علي بن أبي طالب (عليه السلام) لم توقراه؟ فوقراه وتكافآ، فهذا أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأفضل آل محمد.
فأما أحدهما، فانه لما سمع مقالتي رمى بسيفه ودرقته من يده.
وأما الآخر فلم يحفل بذلك، فتمكن لاستسلام صاحبه منه، فقطعه بسيفه قطعا أصابه بنيّف وعشرين ضربة، فغضبت عليه، ووجدت (1) من ذلك وجدا شديدا، وقلت له: يا عبد الله بئس العبد أنت لم توقر أخا رسول الله، وأثخنت بالجراح من وقره، وقد كان ذلك قرنا (2) كفيا بدفاعك عن نفسه، وما تمكنت منه إلا بتوقيره أخا رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فما الذي صنع علي بن أبي طالب (عليه السلام) لما كف صاحبك وتعدى عليه الآخر؟ قال: جعل ينظر إليه وهو يضربه بسيفه، لا يقول شيئا، ولا يمنعه ثم جاز وتركهما، وإن ذلك المضروب لعله بآخر رمق.
فقال رسول الله صلى الله (عليهما السلام): يا سعد لعلك تقدر (3) أن ذلك الباغي المتعدي ظافر إنه ما ظفر، يغنم من ظفر بظلم؟! إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من دنياه، إنه لا يحصد (4) من المر حلو، ولا من الحلو مر.
وأما غضبك لذلك المظلوم على ذلك الظالم فغضب الله له أشد من ذلك وغضب الملائكة ـ على ذلك الظالم لذلك المظلوم ـ (5).
وأما كف علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن نصرة ذلك المظلوم، فان ذلك لما أراد الله من إظهار آيات محمد في ذلك، لا أحدثك يا سعد بما قال الله وقالته الملائكة.ـــــــــــــــــــــــــ
1) أي غضبت.
2) " قويا " أ، ب، ط، والقرن: من يقاومك في علم أو قتال.
3) " ظننت " البحار.
4) " يحصل " أ، س.
5) من البحار. (*)
===============
(670)
لذلك الظالم ولذلك المظلوم ولك، حتى تأتيني بالرجل المثخن (1) فترى فيه آيات الله
المصدقة لمحمد.
فقال سعد: يا رسول الله، وكيف آتي به وعنقه متعلقة بجلدة رقيقة (2) ويده ورجله كذلك، وإن حركته تميزت أعضاؤه وتفاصلت؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا سعد إن الذي ينشئ السحاب ولا شيء منه حتى يتكاثف، ويطبق أكناف السماء وآفاتها ثم يلاشيه من بعد حتى يضمحل فلا ترى منه شيئا، لقادر ـ إن تميزت تلك الأعضاء ـ أن يؤلفها من بعد، كما ألفها إذ لم تكن شيئا.
قال سعد: صدقت يا رسول الله.
وذهب، فجاء بالرجل، ووضعه بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو بآخر رمق فلما وضعه انفصل رأسه عن كتفه، ويده عن زنده، وفخذه عن أصله.
فوضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الرأس في موضعه، واليد والرجل في موضعهما، ثم تفل على الرجل، ومسح يده على مواضع جراحاته وقال:
اللهم أنت المحيي للأموات، والمميت للأحياء، والقادر على ما تشاء، وعبدك هذا مثخن بهذه الجراحات لتوقيره لأخي رسول الله علي بن أبي طالب (عليه السلام)، اللهم فأنزل عليه شفاء من شفائك، ودواء من دوائك، وعافية من عافيتك.
قال: فوالذي بعثه بالحق نبيا، إنه لما قال ذلك التأمت الأعضاء، والتصقت وتراجعت الدماء إلى عروقها، وقام قائما سويا سالما صحيحا، لا بلية به، ولا يظهر على بدنه أثر جراحة، كأنه ما أصيب بشيء ألبتة (3).
ثم أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على سعد وأصحابه فقال: الآن بعد ظهور آيات الله لتصديق محمد، أحدثكم بما قالت الملائكة لك ولصاحبك هذا ولذلك الظالم،ـــــــــــــــــــــــــ
1) " الممتحن " أ. وكذا في المواضع التالية.
2) " رقبته " ص.
3) أي مطلقا. (*)
===============
(671)
إنك لما قلت لهذا العبد: أحسنت في كفك عن القتال توقيرا لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) أخي محمد رسول الله، كما قلت لصاحبه: أسأت في تعديك على من كف عنك توقيرا لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد كان لك قرنا كفيا (1) كفوا، قالت الملائكة كلها له: بئس ما صنعت ـ يا عدو الله ـ وبئس العبد أنت في تعديك على من كف عن دفعك عن نفسه توقيرا لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) أخي محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ـ وقال الله عز وجل: بئس العبد أنت يا عبدي في تعديك على من كف عنك توقيرا لأخي محمد ـ ثم لعنه الله من فوق العرش، وصلى عليك يا سعد في حثك على توقير علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعلى صاحبك في قبوله منك. ثم قالت الملائكة: يا ربنا لو أذنت ـ لنا ـ لانتقمنا من هذا المتعدي.
فقال الله عز وجل: يا عبادي سوف أمكن سعد بن معاذ بن الانتقام منهم (2)، وأشفي غيظه حتى ينال فيهم بغيته، وأمكن هذا المظلوم من ذلك الظالم وذويه بما هو أحب إليهما (3) من إهلاككم لهذا المتعدي، إني أعلم ما لا تعلمون.
فقالت الملائكة: يا ربنا أفتأذن لنا أن ننزل إلى هذا المثخن بالجراحات من شراب الجنة وريحانها لينزل به عليه الشفاء؟ فقال الله عز وجل: سوف أجعل له أفضل من ذلك ريق محمد ـ ينفث منه عليه ـ ومسح يده عليه، فيأتيه الشفاء والعافية، يا عبادي إني أنا المالك للشفاء، والإحياء والإماتة، والإغناء، والإفقار، والإسقام، والصحة، والرفع، والخفض، والإهانة والإعزاز دونكم ودون سائر خلقي.
قالت الملائكة: كذلك أنت يا ربنا.ـــــــــــــــــــــــــ
1) " وفيا " ص، والبحار.
2) الظاهر أن المتعدى ـ والذي رأى سعد فيه النفاق ـ كان مدفوعا من بني قريظة على ما سيأتي.
3) " إليه " البحار. (*)
===============
(672)
فقال سعد: يا رسول الله قد أصيب أكحلي (1) هذا، وربما ينفجر منه الدم وأخاف الموت والضعف قبل أن أشفي من بني قريظة. ـ فمسح عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده فبرأ إلى أن شفا الله صدره من بني قريظة ـ (2) فقتلوا عن آخرهم. وغنمت أموالهم وسبيت ذراريهم، ثم انفجر كلمه (3) ومات، وصار إلى رضوان الله عز وجل.
فلما رقأ (4) دمه ـ من جراحاته ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
يا سعد سوف يشفي الله ـ بك ـ غيظ المؤمنين، ويزداد لك غيظ المنافقين.
فلم يلبث ـ إلا ـ يسيرا حتى كان حكم سعد في بني قريظة لما نزلوا ـ بحكمه ـ وهم تسع (5) مائة وخمسون رجلا جلدا (6). شبابا ضرّابين بالسيف فقال: أرضيتم بحكمي؟ قالوا: بلى.
وهم يتوهمون أنه يستبقيهم (7) لما كان بينه وبنيهم من الرحم والرضاع والصهر قال: فضعوا أسلحتكم، فوضعوها، قال: اعتزلوا، فاعتزلوا، قال: سلموا حصنكم. فسلموه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): احكم فيهم يا سعد.
فقال: قد حكمت فيهم بأن يقتل رجالهم، وتسبى نساؤهم وذراريهم وتغنم أموالهم فلما سل المسلمون سيوفهم ليضعوا ـ عليهم ( قال سعد: لا أريد هكذا يا رسول الله.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف تريد؟ اقترح، ولا تقترح العذاب، فان الله كتب الإحسان في كل شيء حتى في القتل.ـــــــــــــــــــــــــ
1) الأكحل: عرق في وسط الذراع يكثر فصده.
2) " فدعا رسول الله فبقى حتى حكم في بنى قريظة " البحار.
3) أي جرحه. " دمه " البحار.
4) أي جف وانقطع. " وفى " البحار، تصحيف ظ.
4) " سبع " ب.
6) الجلد: الشديد القوى.
7) " يستفتيهم " أ.
" ليضعوها فيهم " ظ. وضع السلاح في العدو: قاتلهم. وضع السيف: ضرب به. (*)
===============
(673)
قال: يا رسول الله لا أقترح العذاب إلا على واحد، وهو الذي تعدى على صاحبنا هذا، لما كف عنه توقيرا لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، ورده نفاقه (1) إلى إخوانه من اليهود فهو منهم، يؤتى واحد واحد منهم نضربه بسيف مرهف (2) إلا ذاك، فانه يعذب به فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا سعد، ألا من اقترح على عدوه عذابا باطلا، فقد اقترحت أنت عذابا حقا.
فقال سعد للفتى: قم بسيفك هذا إلى صاحبك المتعدي عليك، فاقتص منه.
قال: تقدم إليه فما زال يضربه بسيفه حتى ضربه بنيّف (3) وعشرين ضربة كما كان ضربه ـ هو ـ فقال: هذا عدد ما ضربني به فقد كفاني.
ثم ضرب عنقه، ثم جعل الفتى يضرب أعناق قوم يبعدون عنه، ويترك قوما يقربون في المسافة منه ثم كف وقال: دونكم.
فقال سعد: فأعطني السيف، فأعطاه، فلم يميز أحدا، وقتل كل من كان أقرب إليه حتى قتل عددا منهم، ثم مل (4) ورمى بالسيف وقال: دونكم.
فما زال القوم يقتلونهم حتى قتلوا عن آخرهم.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للفتى: ما بالك قتلت من بعد في المسافة عنك وتركت من قرب؟ فقال: يا رسول الله كنت أتنكب عن (5) القرابات وآخذ في الأجنبي.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وقد كان فيهم من كان ليس لك بقرابة وتركته، قال: يا رسول الله كان لهم على أياد في الجاهلية، فكرهت أن أتولى قتلهم، ولهم علي تلك الأيادي.ـــــــــــــــــــــــــ
1) " بغاه " أ، وليس في البحار.
2) " مرهق " أ س، ط " مرصف " ب، سيف مرهف: محدد مرقق الحد. والرصيف: المحكم قال المجلسى ره: سيف مرهف على بناء المفعول من الأفعال، أي مرقق ليكون أسرع في القتل.
3) " سبعة " ب، ط.
4) أي مضى وخرج بتأن وتدرج. " مل " ب، ص، ط.
5) تنكب عنه: عدل عنه، تجنبه. (*)
===============
(674)
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما إنك لو شفعت إلينا فيهم لشفعناك.
فقال: يا رسول الله ما كنت لأدرأ (1) عذاب الله من أعدائه، وإن كنت أكره أن أتولاه بنفسي.
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لسعد: وأنت فما بالك لم تميز أحدا.
قال: يا رسول الله عاديتهم في الله، وأبغضتهم في الله، فلا أريد مراقبة غيرك وغير محبيك، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا سعد أنت من الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم.
فلما فرغ من آخرهم انفجر كلمه ومات. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
هذا ولي من أولياء الله حقا، اهتز عرش الرحمن لموته (2) ولمنزله في الجنة أفضل من الدنيا وما فيها، إلى سائر ما يكرم به فيها، حباه الله ما حباه (3)....
)) انتهى .وربّما لن يقرأ أحدكم هذا ولن يعيره أي اهتمام ، وربما إذا قرأه بدل أن يعترف ويرجع إلى الحق ويذعن ويشهد شهادة لله تعالى ، سيتمادى ويقول ما هذا الحديث المكذوب أو الموضوع أو أو أو ... ؟ ولكنّني عالجت المشكلة أو الشبهة أو الافتراء والكذب الذي نفثته من صدرك وبلسانك وقلمك أو أصابعك .
وأكرّر أنّني لوّنت النصّ الذي أسقطه المصنف من الحديث في الجزء 37 من البحار ، لينقله في الكزء 96 لأنه رأى أن يقتطعه ويضعه في الباب المناسب ، وليس هذا تحريفا ، وأمر آخر على الإخوة المنصفين الباحثين عن الحقيقة أن يتأمّلوا في مضامين هذا المقطع الملوّن ثم ليحكموا ، وبعقولهم هل فيه ما يصادم مذهب الشيعة ؟ أو ما جعل العلاّمة المجلسي يسقطه ، ثمّ لو كان هذا تحريفا فلماذا يخصصه في باب الصوم وفضائل ضوم شهر رمضان في جزء آخر هو 96 ؟