تعرف الشيعة الإمامية بالفرقة الاثني عشرية ، ومبعث هذه التسمية هو اعتقادهم باثني عشر إماما من بني هاشم نص عليهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، كما هو معلوم للجميع ، ثم نص كل إمام على الإمام الذي بعده ، بشكل يخلو من الشك والإبهام .
لقد تضافر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه يملك هذه الأمة اثنا عشر خليفة كعدد نقباء بني إسرائيل ، وكما هو معلوم ومبسط في كتب الشيعة بشكل لا يقبل الشك .
إن هذه الروايات مع ما فيها من المواصفات لا تنطبق إلا على أئمة الشيعة والعترة الطاهرة " وإذا كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هو الشجرة وهم أغصانها ، والدوحة وهم أفنانها ، ومنبع العلم وهم عيبته ، ومعدن الحكم وهم خزائنه ، وشارع الدين وهم حفظته ، وصاحب الكتاب وهم حملته " ( 1 ) فتلزم علينا معرفتهم ، كيف وهم أحد الثقلين اللذين تركهما الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، قدوة للأمة ونورا على جبين الدهر .
ونحن نحاول هنا أن نعرض في هذا الفصل موجزا عن أحوالهم وحياتهم متوخين الاختصار والإيجاز فيما نورده ، لأن بسط الكلام عنهم يحتاج إلى تدوين
( 1 ) اقتباس مما ذكره أمين الإسلام الطبرسي في مقدمة كتابه إعلام الورى بأعلام الهدى : 3 . ( * )
موسوعة كبيرة ، وقد قام بذلك لفيف من علماء الإسلام فأثبتوا الشئ الكثير عن حياتهم وسيرتهم وأقوالهم ، جزاهم الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء .
الأئمة الاثنا عشر في حديث الرسول ( صلى الله عليه وآله ) إن من تصفح مصنفات الحديث النبوي الشريف يجد أن هناك روايات تحدد وتعين عدد الأئمة بعد الرسول وسماتهم ، من دون ذكر لأسمائهم ، وهي أحاديث الأئمة الاثني عشر التي رواها أصحاب الصحاح والمسانيد ، وهي على وجه لا ينطبق إلا على من عينهم الرسول ( صلى الله عليه وآله ) للخلافة والزعامة ، ولذلك نذكرها في عداد أدلة التنصيص على الخلافة ، والإمعان فيها يرشد القارئ إلى الحق ، ويأخذ بيده حتى يرسي مركبه على شاطئ الأمان والحقيقة .
ويطيب لي أن أذكر مجموع هذه النصوص ، فإنها تؤكد بعضها بعضا ، وإليك البيان .
1 - روى البخاري عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : " يكون اثنا عشر أميرا " فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : أنه قال : " كلهم من قريش " ( 1 ) .
2 - روى مسلم عنه أيضا ، قال : دخلت مع أبي على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فسمعته يقول : " إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة " . قال : ثم تكلم بكلام خفي علي ، قال : فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : " كلهم من قريش " .
3 - وروى عنه أيضا ، قال : سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول : " لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا " ثم تكلم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بكلمة خفيت علي ، فسألت أبي : ماذا قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فقال : قال : " كلهم من قريش " .
( 1 ) صحيح البخاري 9 : 101 ، كتاب الأحكام ، الباب 51 ( باب الاستخلاف ) . ( * )
4 - وروى عنه أيضا نفس الحديث إلا أنه لم يذكر : " لا يزال أمر الناس ماضيا " . 5 - وروى مسلم عنه أيضا قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : " لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة " ثم قال كلمة لم أفهمها ، فقلت لأبي : ما قال ؟ فقال : قال : " كلهم من قريش " ( 1 ) .
6 - وروى مسلم عنه أيضا ، قال : انطلقت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعي أبي فسمعته يقول : " لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة " فقال كلمة صمنيها الناس ، فقلت لأبي : ما قال ؟ فقال : قال : " كلهم من قريش " .
7 - وروى مسلم عنه أيضا قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم جمعة عشية رجم الأسلمي يقول : " لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش " ( 2 ) .
8 - روى أبو داود عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : " لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثني عشر خليفة " فكبر الناس وضجوا ، ثم قال كلمة خفية ، قلت لأبي : يا أبت ما قال ؟ فقال : قال : " كلهم من قريش " ( 3 ) .
9 - روى الترمذي عن جابر بن سمرة ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " يكون من بعدي اثنا عشر أميرا " ثم تكلم بشئ لم أفهمه فسألت الذي يليني ، فقال : قال : " كلهم من قريش " . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وقد روي من غير وجه عن جابر ، ثم ذكر طريقا آخر إلى جابر ( 4 ) .
( 1 ) صحيح مسلم 6 : 3 .
( 2 ) صحيح مسلم 6 : 3 - 4 .
( 3 ) سنن أبي داود 2 : 207 كتاب المهدي ط مصر . وروى أيضا نحوه بطريقين آخرين .
( 4 ) صحيح الترمذي 2 : 45 ط سنة 1342 ه . ( * )
10 - روى أحمد في مسنده عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول : " يكون لهذه الأمة اثنا عشر خليفة " ورواه عن 34 طريقا ( 1 ) .
11 - روى الحاكم في المستدرك على الصحيحين في كتاب معرفة الصحابة عن عون بن جحيفة عن أبيه ، قال : كنت مع عمي عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : " لا يزال أمر أمتي صالحا حتى يمضي اثنا عشر خليفة " ثم قال كلمة وخفض بها صوته ، فقلت لعمي - وكان أمامي - : ما قال يا عم ؟ قال : يا بني قال : " كلهم من قريش " ( 2 ) .
12 - وروى أيضا بسنده عن جرير عن المغيرة عن الشعبي عن جابر ، قال : كنت عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فسمعته يقول : " لا يزال أمر هذه الأمة ظاهرا حتى يقوم اثنا عشر خليفة " وقال كلمة خفيت علي ، وكان أبي أدنى إليه مجلسا مني فقلت : ما قال ؟ فقال : " كلهم من قريش " .
13 - قال ابن حجر في الصواعق : أخرج الطبراني عن جابر بن سمرة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : " يكون بعدي اثنا عشر أميرا كلهم من قريش " ( 3 ) .
كما أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد شبه عدة خلفائه بعدة نقباء بني إسرائيل .
14 - فقد روى أحمد بسنده عن مسروق ، قال : كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود وهو يقرؤنا القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن ، هل سألتم رسول الله كم يملك هذه الأمة من خليفة ؟ فقال عبد الله بن مسعود : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ، ثم قال : نعم ، ولقد سألنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : " اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل " ( 4 ) .
( 1 ) مسند أحمد 5 : 86 - 108 .
( 2 ) المستدرك على الصحيحين ( كتاب معرفة الصحابة ) 3 : 617 - 618 ( ط الهند ) .
( 3 ) الصواعق : 189 .
( 4 ) مسند أحمد 1 : 398 . ( * )
15 - ورواه الخطيب في تاريخه بسنده عن جابر بن سمرة ( 1 ) .
16 - وأورده المتقي الهندي في منتخب كنز العمال عن أحمد والطبراني في المعجم الكبير ، والحاكم في المستدرك ( 2 ) .
17 - قال السيوطي في تاريخ الخلفاء بسند حسن عن ابن مسعود : أنه سئل كم يملك هذه الأمة من خليفة ؟ فقال : سألنا عنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : " اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل " ( 3 ) .
إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على أن الأئمة بعد النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) اثنا عشر ، وقد جاء فيها سماتهم وصفاتهم وعددهم ، غير أن المهم هو تعيين مصاديقها والإشارة إلى أعيانها وأشخاصها ، ولا تعلم إلا باستقصاء وحصر السمات الواردة في هذه الأحاديث ، وهذا ما يمكن إجماله بما يلي :
1 - لا يزال الإسلام عزيزا .
2 - لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا .
3 - لا يزال الدين قائما .
4 - لا يزال أمر الأمة صالحا .
5 - لا يزال أمر هذه الأمة ظاهرا .
6 - كل ذلك حتى يمضي فيهم اثنا عشر أميرا من قريش .
7 - وحتى يليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش .
8 - وإن عددهم كعدد نقباء بني إسرائيل .
وهذه السمات والخصوصيات لا تتمثل مجتمعة إلا في الأئمة الاثني عشر
( 1 ) تاريخ بغداد 14 / 353 برقم 7673 .
( 2 ) منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد 5 : 312 .
( 3 ) تاريخ الخلفاء : ص 10 . ( * )