بسمه تعالى
اللهم صلّ على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم الشريف ياكريم
عن ابن عباس قال: وردت على عمر بن الخطاب واردة قام منها وقعد وتغير و تربد وجمع لها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعرضها عليهم وقال: أشيروا علي. فقالوا:
جميعا: يا أمير المؤمنين أنت المفزع. فغضب عمر وقال: اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم. فقالوا: يا أمير المؤمنين ما عندنا مما تسأل عنه شئ.
فقال: أما والله إني لأعرف أبا بجدتها وابن بجدتها وأين مفزعها وأين منزعها، فقالوا:
كأنك تعني ابن أبي طالب؟ فقال عمر: لله هو، وهل طفحت حرة بمثله وأبرعته؟
انهضوا بنا إليه، فقالوا: يا أمير المؤمنين أتصير إليه؟ يأتيك. فقال هيهات هناك شجنة من بني هاشم، وشجنة من الرسول، وأثرة من علم يؤتى لها ولا يأتي، في بيته يؤتى الحكم. فاعطفوا نحوه. فألفوه في حائط وهو يقرأ: أيحسب الانسان أن يترك سدى.
ويرددها ويبكي فقال عمر لشريح: حدث أبا حسن بالذي حدثتنا به. فقال شريح:
كنت في مجلس الحكم فأتى هذا الرجل فذكر أن رجلا أودعه امرأتين حرة مهيرة (2) وأم ولد فقال له: أنفق عليهما حتى أقدم. فلما كان في هذه الليلة وضعتا جميعا إحداهما ابنا والأخرى بنتا وكلتاهما تدعي الابن وتنتفي من البنت من أجل الميراث
فقال له: بم قضيت بينهما؟ فقال شريح: لو كان عندي ما أقضي به بينهما لم آتكم بهما، فأخذ علي تبنة من الأرض فرفعها فقال: إن القضاء في هذا أيسر من هذه.
ثم دعا بقدح فقال لإحدى المرأتين: احلبي، فحبلت فوزنه ثم قال للأخرى: احلبي. فحلبت فوزنه فوجده على النصف من لبن الأولى فقال لها: خذي أنت ابنتك، وقال للأخرى:
خذي أنت ابنك، ثم قال لشريح: أما علمت أن لبن الجارية على النصف من لبن الغلام؟ وأن ميراثها نصف ميراثه؟ وأن عقلها نصف عقله؟ وأن شهادتها نصف شهادته؟
وأن ديتها نصف ديته؟ وهي على النصف في كل شئ. فأعجب به عمر إعجابا شديدا ثم قال: أبا حسن لا أبقاني الله لشدة لست لها ولا في بلد لست فيه؟
كنز العمال 3 ص 179، مصباح الظلام للجرداني 2 ص 56.
==========
(1) البيان والتبيين 2 ص 20.
(2) المهيرة من النساء: الحرة الغالية المهر ج مهائر.