ked المدير العام
عدد الرسائل : 158 تاريخ التسجيل : 19/07/2010
| موضوع: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ الجمعة أغسطس 06, 2010 3:54 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلّ على محمد و ال محمد
قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم:
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (1)
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (2)
ذكر المفسرون من أهل السنة أقوال كثيرة في تفسير هذه الاية " لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ":
احدها - ما تقدم من معاصيك قبل النبوة وما تأخر عنها.
الثاني - ما تقدم قبل الفتح وما تأخر عنه.
الثالث - ما قد وقع منك وما لم يقع على طريق الوعد بأنه يغفره له إذا كان.
الرابع - ما تقدم من ذنب أبيك آدم، وما تأخر عنه.
قال الشيخ الطوسي رحمه الله :
وهذه الوجوه كلها لا تجوز عندنا، لان الانبياء (عليهم السلام) لا يجوز عليهم فعل شئ من القبيح لا قبل النبوة ولا بعدها، لا صغيرها ولا كبيرها فلا يمكن حمل الآية على شئ مما قالوه، ولا صرفها إلى آدم لان الكلام فيه كالكلام في نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) ومن حمل الآية على الصغائر التي تقع محبطة فقوله فاسد، لانا قد بينا أن شيئا من القبائح لا يجوز عليهم بحال. على ان الصغائر تقع مكفرة محبطة لا يثبت عقابها، فكيف يمتن الله تعالى على النبي (صلى الله عليه وآله) أنه يغفرها له وهو تعالى لو آخذه بها لكان ظالما وإنما يصح التمدح بما له المؤاخذة أو العفو عنه، فاذا غفر استحق بذلك الشكر.
و انقل قول العلامة الطباطبائي رحمه الله:
اللام في قوله: «ليغفر» للتعليل على ما هو ظاهر اللفظ فظاهره أن الغرض من هذا الفتح المبين هو مغفرة ما تقدم من ذنبك و ما تأخر، و من المعلوم أن لا رابطة بين الفتح و بين مغفرة الذنب و لا معنى معقولا لتعليله بالمغفرة.
و قول بعضهم فرارا عن الإشكال: أن اللام المكسورة في «ليغفر» لام القسم و الأصل ليغفرن حذفت نون التوكيد و بقي ما قبلها مفتوحا للدلالة على المحذوف غلط لا شاهد عليه من الاستعمال. و كذا قول بعض آخر فرارا عن الإشكال: «أن العلة هو مجموع المغفرة و ما عطف عليه من إتمام النعمة و الهداية و النصر العزيز من حيث المجموع فلا ينافي عدم كون البعض أي مغفرة الذنب في نفسه علة للفتح» كلام سخيف لا يغني طائلا فإن مغفرة الذنب لا هي علة أو جزء علة للفتح و لا مرتبطة نوع ارتباط بما عطف عليها حتى يوجه دخولها في ضمن علله فلا مصحح لذكرها وحدها و لا مع العلل و في ضمنها.
ليس المراد بالذنب في الآية هو الذنب المعروف و هو مخالفة التكليف المولوي، و لا المراد بالمغفرة معناها المعروف و هو ترك العقاب على المخالفة المذكورة فالذنب في اللغة على ما يستفاد من موارد استعمالاته هو العمل الذي له تبعة سيئة كيفما كان، و المغفرة هي الستر على الشيء, و أما المعنيان المذكوران المتبادران من لفظي الذنب و المغفرة إلى أذهاننا اليوم أعني مخالفة الأمر المولوي المستتبع للعقاب و ترك العقاب عليها فإنما لزماهما بحسب عرف المتشرعين.
و قيام النبي (صلى الله عليه وآله) بالدعوة و نهضته على الكفر و الوثنية فيما تقدم على الهجرة و إدامته ذلك و ما وقع له من الحروب و المغازي مع الكفار و المشركين فيما تأخر عن الهجرة كان عملا منه (صلى الله عليه وآله) ذا تبعة سيئة عند الكفار و المشركين و ما كانوا ليغفروا له ذلك ما كانت لهم شوكة و مقدرة، و ما كانوا لينسوا زهوق ملتهم و انهدام سنتهم و طريقتهم، و لا ثارات من قتل من صناديدهم دون أن يشفوا غليل صدورهم بالانتقام منه و إمحاء اسمه و إعفاء رسمه غير أن الله سبحانه رزقه (صلى الله عليه وآله) هذا الفتح و هو فتح مكة أو فتح الحديبية المنتهي إلى فتح مكة فذهب بشوكتهم و أخمد نارهم فستر بذلك عليه ما كان لهم عليه (صلى الله عليه وآله) من الذنب و آمنه منهم. فالمراد بالذنب - و الله أعلم - التبعة السيئة التي لدعوته (صلى الله عليه وآله) عند الكفار و المشركين و هو ذنب لهم عليه.
فالمراد بالذنب - و الله أعلم - التبعة السيئة التي لدعوته (صلى الله عليه وآله) عند الكفار و المشركين و هو ذنب لهم عليه كما في قول موسى لربه: «و لهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون»: الشعراء: 14، و ما تقدم من ذنبه هو ما كان منه (صلى الله عليه وآله) بمكة قبل الهجرة، و ما تأخر من ذنبه هو ما كان منه بعد الهجرة، و مغفرته تعالى لذنبه هي سترة عليه بإبطال تبعته بإذهاب شوكتهم و هدم بنيتهم، و يؤيد ذلك ما يتلوه من قوله: «و يتم نعمته عليك - إلى أن قال - و ينصرك الله نصرا عزيزا».
التفسير الصحيح هو ما قاله الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام:
سأل المأمون العباسي الإمام الرضا (عليه السلام): يا ابن رسول الله أليس من قولك إن الأنبياء معصومون؟ قال: بلى، قال: فأخبرني عن قول الله عز و جل: «ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر».
قال الرضا (عليه السلام): لم يكن أحد عند مشركي مكة أعظم ذنبا من رسول الله (صلى الله عليه وآله ) لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة و ستين صنما فلما جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم و عظم، و قالوا أ جعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب، و انطلق الملأ منهم أن امشوا و اصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق فلما فتح الله على نبيه (صلى الله عليه وآله ) مكة قال: يا محمد إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر عند مشركي مكة بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدم و ما تأخر لأن مشركي مكة أسلم بعضهم، و خرج بعضهم عن مكة، و من بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد إذا دعا الناس إليه فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفورا بظهوره عليهم.
فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن.
إذا رسول الله صلى الله عليه و اله معصوم ولم يصدر منه ذنب لا قبل النبوة و قبل الفتح و لا بعد النبوة و بعد الفتح. | |
|