إن المناهج الكلامية التي فرقت المسلمين إلى مذاهب حدثت في أواخر القرن الأول الهجري ، واستمرت في القرون التالية ، فنجمت عنها فرق إسلامية مختلفة كالمرجئة ، والجهمية ، والمعتزلة ، والحشوية ، والأشعرية ، والكرامية بفرقهم المتشعبة .
وهذه الفرق بمجموعها تكون نتاجا حقيقيا لمخاض البحث والمذاكرة ، وكنتيجة منطقية للتوسع الأفقي في الرقعة الإسلامية التي شملت العديد من الأمم والقوميات المختلفة ، وما يؤلفه ذلك من احتكاك وجدل فكري وتأثر وتأثير في تلك التيارات الفكرية وتداخل غير محسوس في أحيان كثيرة أوجد ودون وعي من الكثيرين ، ركائز وجود هذه التصورات التي تبلورت فيما بعد فيما يسمى بالفرق الإسلامية .
ومن هنا فإن المرء لا يجد لها تاريخا متصلا بزمن النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ، ويقف على صدق ما ذكرنا من سبر أجزاء كتابنا هذا .
فالخوارج مثلا كانوا فرقة سياسية نشأت في عام ( 37 ه ) أثناء حرب صفين ، ثم تبدلت إلى فرقة دينية في أواخر القرن الأول وأوائل القرن الثاني
والمرجئة ظهرت في الأوساط الإسلامية عند اختلاف الناس في الخليفة عثمان والإمام علي ، ثم تطورت إلى معنى آخر ، وكان من حصيلة التطور هو تقديم الإيمان وتأخير العمل .
والجهمية نتيجة أفكار " جهم بن صفوان " المتوفى سنة ( 128 ه ) .
والمعتزلة تستمد أصولها من واصل بن عطاء تلميذ الحسن البصري المتوفى عام ( 130 ه ) ، وهكذا القدرية والكرامية والظاهرية والأشعرية فجميعها فرق نتجت عن البحث الكلامي وصقلها الجدل عبر القرون ، فلا تجد لهذه الفرق سندا متصلا بالنبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) .
وأما عقائد الشيعة الإمامية فعلى النقيض من ذلك ، ولا صلة في نشأتها بينها وبين تلك الفرق ، لأنها أخذت أساسا من مصادر التشريع الحقيقية للإسلام ، وهي : الذكر الحكيم أولا ، والسنة النبوية ثانيا ، وخطب الإمام علي وكلمات العترة الطاهرة الصادرة من النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ثالثا .
فلأجل ذلك يحدد تاريخ عقائدهم بتاريخ الإسلام وحياة أئمتهم الطاهرين .
وهذا لا يعني أن الشيعة تتعبد بالنصوص في أصولها المذكورة من دون تحليل وتفكير ، بل إن أصول العقائد الواردة في المصادر المذكورة أخذها علماؤهم منها وحرروها بأوضح الوجوه ، ودعموها بالبراهين الواضحة ، كما أنهم لا يعتدون في بناء معتقداتهم ومتبنياتهم برواية الآحاد بل يشترطون فيها أن تكون متواترة ، أو محفوفة بالقرائن المفيدة للعلم واليقين ، إذ ليس المطلوب في باب الاعتقاد مجرد العمل ، بل المطلوب هو الإذعان والإيمان ، وهذا لا يحصل برواية الآحاد .
إلا أن الأمر الجدير بالذكر هو أن المرتكز الأساسي لبناء العقيدة الخاصة بالشيعة الإمامية هو الاعتقاد بأن الإمام عليا منصوص عليه بالوصاية على لسان النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنه وعترته الطاهرة هم المرجع الأعلى بعد الذكر الحكيم . وهذا هو العنصر المقوم للتشيع ، وأما سائر الأصول فإنها عقائد إسلامية لا تختص بالشيعة الإمامية وحدها .