عدم الغيرة والحمية
وهو الإهمال في محافظة ما يلزم محافظته : من الدين ، والعرض ، والأولاد ، والأموال . وهو من نتائج صغر النفس وضعفها ، ومن المهلكات العظيمة ، وربما يؤدي إلى الدياثة والقيادة . قال رسول الله (ص) : إذا لم يغر الرجل فهو منكوس القلب . وقال (ص) : إذا غير الرجل في أهله أو بعض مناكحه من مملوكته فلم يغر ، بعث الله إليه طائرا يقال له (القندر) حتى يسقط على عارضة بابه ، ثم يمهله أربعين يوما ، ثم يهتف به : إن الله غيور يحب كل غيور ، قال هو غار وغير وأنكر ذلك فأكبره ، وإلا
ص 239
طار حتى يسقط على رأسه فيخفق بجناحيه على عينيه ثم يطير عنه ، فينزع الله منه بعد ذلك روح الإيمان ، وتسميه الملائكة : الديوث . وقال (ص) : كان إبراهيم غيورا وأنا أغير منه ، وجدع الله أنف من لا يغار على المؤمنين والمسلمين . وقال أمير المؤمنين عليه السلام : يا أهل العراق ! نبئت أن نساءكم يدافعن الرجال في الطريق ، أما تستحيون ؟ . وقال (ع) : أما تستحيون ولا تغارون ، نساؤكم يخرجن إلى الأسواق ويزاحمن العلوج ؟ . وصل (الغيرة والحمية) وضده (الغيرة والحمية) ، وهو السعي في محافظة ما يلزم محافظته ، وهو من نتائج الشجاعة وكبر النفس وقوتها ، وهي شرائف الملكات ، وبها تتحقق الرجولية والفحلية ، والفاقد لها غير معدود من الرجال . قال رسول الله (ص) : إن سعدا لغيور ، وأنا أغير من سعد ، والله أغير مني . وقال (ص) : إن الله لغيور ، ولأجل غيرته حرم الفواحش وقال : إن الله يغار ، والمؤمن يغار ، وغيرة الله أن يأتي الرجل المؤمن ما حرم الله عليه . وقال الصادق عليه السلام : إن الله تعالى غيور ويحب الغيرة ، ولغيرته حرم الفواحش ظاهرها وباطنها . فصل (الغيرة على الدين والحريم والأولاد) مقتضى الغيرة والحمية في (الدين) أن يجتهد في حفظه عن بدع المبتدعين ، وانتحال المبطلين ، وقصاص المرتدين وإهانة من يستخف به من المخالفين ، ورد شبه الجاحدين ، ويسعى في ترويجه ونشر أحكامه ، ويبالغ في تبيين حلاله وحرامه ، ولا يتسامح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ومقتضى الغيرة على (الحريم) ألا يتغافل عن مبادئ الأمور التي تخشى غوائلها ، فيحفظهن عن أجانب الرجال ، ويمنعهن عن الدخول في الأسواق قال رسول الله (ص) لفاطمة (ع) : أي شيء خير للمرأة ؟ قالت : أن لا ترى رجلا ولا يراها رجل . فضمها إليه ، وقال : ذرية بعضها من بعض . وكان أصحاب النبي (ص) يسدون الثقب والكوى في الحيطان ، لئلا تطلع
ص 240
النساء على الرجال . وقال (ص) : من أطاع امرأته أكبه الله على وجهه في النار . وما روي أنه (ص) : أذن للنساء في حضور المساجد ، وقال لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، فالظاهر أنه كان مختصا بنساء عصره (ص) ، لعلمه بعدم ترتب فساد على حضورهن فيها . والصواب اليوم أن يمنعن من حضور المساجد والذهاب إلى المشاهد إلا العجائز منهن ، للقطع بترتب الفساد والمعصية على خروج نساء هذا العصر إلى أي موضع كان . وسئل الصادق (ع) عن خروج النساء في العيدين ، فقال : لا ! إلا العجوز عليها منقلاها . يعني الخفين . وفي رواية أخرى أنه (ع) : سئل عن خروج النساء في العيدين والجماعة ، فقال : لا ! إلا امرأة مسنة . وبالجملة : من اطلع على أحوال نساء أمثال عصرنا يعلم أن مقتضى الغيرة أن يبالغ في حفظهن عن جميع ما يحتمل أن يؤدي إلى فتنة وفساد ، سواء كان في نفسه محرما ، كالنظر إلى الرجال الأجانب واستماع كلامهم بلا ضرورة شرعية وارتكاب الملاهي المحرمة ، أولا ، كالخروج عن البيت بلا داع شرعي أو ضروري ، ولو إلى المساجد والمشاهد المشرفة ومجامع تعزية مولانا أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، إذ ذلك وإن كان في نفسه راجحا إلا أن الغالب عدم انفكاكه عما ينافي الغيرة والحمية على ما هو المشاهد في عصرنا ، فإن أقل ما في الباب أنه لا ينفك عن نظرهن إلى الأجانب واستماع كلامهم ، بل عن نظرهم إليهن واستماع كلامهن ، وهذا خروج للطرفين إلى الانحراف عن قانون العفة . مع إنا نعلم قطعا أن خروج أكثرهن لا يخلو عن غرض فاسد أو مرجوح ، وما أقل فيهن أن يكون خروجها إلى أحد المواضع المذكورة لمحض القربة والثواب . فالصواب أن يمنعن في أمثال هذا العصر عن مطلق الخروج ، إلا إلى سفر واجب ، كالحج ، أو إلى بيت عالم عادل لأخذ ما يجب عليهن من المسائل ، إذا لم يتمكن أزواجهن من أخذها وإيصالها إليهن . نعم ، لو فرض خروجها إلى أحد المشاهد أو إلى مجمع تعزية من مجامع النساء بل إلى مجمع العرس ، على نحو اطمأن الزوج منها وتيقن بعدم حدوث ما ينافي الغيرة وعدم ترتب فساد ومعصية وريبة عليه ، فالظاهر جواز الإذن بل رجحانه . وجميع ذلك إنما هو في الشواب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة :
أنقل لكم هذا الموضوع من :
كتاب جامع السعادات , الجزء الأول
للشيخ : محمد مهدي النراقي