عدد الرسائل : 1459 العمر : 43 تاريخ التسجيل : 29/12/2009
موضوع: قراءة... في التخطيط العسكري لابن زياد الثلاثاء ديسمبر 14, 2010 8:28 pm
هدأت نفس ابن زياد حينما سيطر على ازقة الكوفة وشوارعها، وفرض قانون الطوارئ او ما يسمى أمن الدولة ومكافحة الارهاب في عصرنا فأصدر مرسومه: "أن برئت الذمة ممّن لا يخرج لحرب الحسين"، واشاع الرعب بين ساكنيها بعد سحقه خلايا نائمة تزعمها مسلم بن عقيل رسول الحسين (ع) لوجهاء العشائر وأهلها.. وهذا عمر بن سعد تنتابه حالة من الارتياح والطمأنينة لدى وصول الفرق العسكرية متتالية يوم تاسوعاء، بعدما أغلقت المسارات والمسالك المؤدية إلى الكوفة، وتم تطويق المناطق القريبة لمنع اي زحف محتمل يلبي دعوة الحسين، فحوصر ابوعبدالله في كربلاء هو وجمع من شيعته واهل بيته، ووصلت المعلومة المؤكدة من رجال الاستخبارات.. المرابطين حول أطراف الكوفة إلى الوالي عبيدالله بن زياد... ان لا ناصر للحسين بعد اليوم. كانت الهواجس تسيطر على ابن زياد وهذا ما دفعه إلى إرسال جيش جرار يعد بعشرات الآلاف من الجنود لمحاربة الامام الحسين.. وكان احتياطي الجيش قابعا في معسكر النخيلة في أطراف مدينة الكوفة على أهبة الاستعداد ضمن خطة الطوارئ. فهم أعرف بابن فاطمة وقرابته من رسول الله (ص) وصلاحه وطهارة مولده.. وهذا بحد ذاته عامل جذب لاستمالة قلوب الرجال للمحاربة معه، وتأسيس جيش عرمرم يهدد استكمال البيعة للخليفة.. واستقرار الحكم الأموي.. وانفصال بلاد العراق مجددا، وان اباه علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين اتخذ من الكوفة مركزاً لخلافته، وخاض حربا ضروسا مازالت جراحها لم تضمد، وأن قادة جيش والده وجنده مازالوا احياء يرزقون في الكوفة، كما تحسب لأبي عبدالله الحسين ملازمته لوالده وتشربه العلم وفنون الحرب وبلاغة القول وقوة الحجة، وتاريخ مرافقته موثق للعيان من اهل الكوفة مع اخيه أبي محمد الامام الحسن (ع) في حربه التي ارقت الدولة الاموية ونتج عنها صلح سمي عام الجماعة. لذلك عبئ هذا الكم من جحافل الجند في معركة غير متكافئة.. ولم يكن عبثا او صدفة ومن دون مغزى تكالب الزحف العسكري بهذا الحجم، على ثلة قليلة عددها سبعون رجلا. ان وقت المباغتة وسرعة انهاء المعركة قد ادرك اهميتهما ابن زياد لضمان بقاء معادلة الفوز والانتصار، وان شخصية كابن زياد لا يستهان بقراءاتها وتدبيرها المحكم للمؤامرات.. وسيطرتها الشيطانية على العقول، وتخطيطها المتقن المعتمد على الغدر والمباغتة، لذا جاءت الثقة اليزيدية بضم ولايتي البصرة والكوفة له.. وهو اول حاكم جمع ولاية المصرين بعد فصلهما وهو في عمر السادسة والعشرين، واني لأعجب من تناول التاريخ واهماله دراسة جوانب شخصية عبيدالله بن زياد وعدم الاسهاب فيها، وأثر قراراته الدموية في إلهام طغاة البشرية وقادتها المتعاقبين، فهو المنظر الحقيقي لمسلسل الرعب وقطع الرؤوس ومخرج الحدث الدموي والملهم لأمثال مسلم بن عقبة والحجاج بن يوسف الثقفي وما هؤلاء الا تلامذة في بحر اجرامه ودهائه، وينقل بناءه قصرا في البصرة ملأ جدرانه برسومات قتلاه من الخوارج. واني لاعتبره من دهاة عصره... وتفوق انتماؤه لمدرسة الاستخبارات العسكرية فطريا، مما جعله يظهر تمرساً فائقاً بتسييس القوم وعسكرتهم وسلب ارادتهم وقمع المخالف منهم ثم سحق الثائر ضده، ان اختياره عمر قائدا لجيشه، وهو ابن لسعد بن ابي وقاص فاتح العراق وأمير جند المسلمين يوم القادسية، له دلالات في زمانه ولا تخلو المسألة من دهاء ومكر وذكاء فائق.. كان يزيد بن معاوية هو القائد الاعلى للقوات وبيده اعلان الحرب والسلام، كما هو متعارف في السلك العسكري في وقتنا الراهن، وقد أعطى أمره النافذ في كتاب ارسله إلى ابن زياد "بلغني ان حسينا قد توجه نحو العراق فضع المناظر والمسالح، واحترس واحبس على الظنة، واقتل على التهمة، واكتب الي في كل يوم ما يحدث والسلام"، باعتبار أن ابن زياد يحتل موقع رئيس هيئة الاركان وقائد العمليات والحاكم العسكري. تعجل ابن زياد فطالب امير جنده ابن سعد بسرعة الزحف على الإمام والانقضاض عليه يوم التاسوعاء من المحرم، كان متكتما وحذرا ان يتسرب خبر محاصرة ابن بنت رسول الله للامصار والولايات وعامة المسلمين من بلاد الحجاز واليمن والبحرين ، منتهزين فرصة التفرد به وبأهل بيته وصحبه القلائل.. الا ان طلبا.. لقضاء ليلة عاشوراء واحيائها بالعبادة وقراءة القرآن هو ما أخر نزول البلاء يوم تاسوعاء.. وبالنسبة لاستقراءاتهم العسكرية في الميدان آنذاك فإن طلب الحسين (ع) تأجيل المعركة.. ظنا منهم، أنه تولدت في نفس الحسين مراجعة للذات عبر سير الاحداث واحتمالية استسلامه بعد فقدانه ألوية النصر من القبائل والعشائر الموعود بها.. وتكالب الفرق وكثرة الرايات المعادية له.. لذا خلت الاحداث يوم عاشوراء.. من قيام ابن سعد بمبادرة للسلم او مطالبة رسمية للتفاوض ليتم عرضها على الحسين (ع). حلت ساعات الليل الاولى.. وابن سعد في مزاج سيئ بعد وصول شمر بن ذي الجوشن في يوم التاسع حاملا كتابا من الحاكم العسكري ابن زياد يؤنبه على التراخي، ويهدده بالعزل من امارة الجند، جاء فيه "فإن انت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع، وان أبيت فاعتزل عملنا وجندنا، وخل بين شمر وبين العسكر، فانا قد أمرناه بذلك، والسلام". اما الامام الحسين (ع) وصحبه، فكانوا يدنون الاطناب ببعضها.. ثم يحفر عليه السلام خندقا خلف معسكره، ويأتي إلى الخيام يهدّئ من روع اطفاله ويتزود منهم نظرا وشوقا، يلاطفهم بحنان الاب الراحل ويده الكريمة تمسح على رؤوسهم.. وعيناه مغرورقتان بالدموع تحبسها مآقي الصبر على البلاء.