عدد الرسائل : 1459 العمر : 43 تاريخ التسجيل : 29/12/2009
موضوع: علي الأكبر على الدنيا العفى ياشبيه المصطفى الجمعة ديسمبر 17, 2010 10:23 pm
[center][size=25][center][size=25]انتصف النهار.. وحان موعد صلاة الظهر .. طلب الإمام الحسين إيقاف القتال لأداء الصلاة.. ولكن العدو الغادر رفض ذلك.. واستمرت المعارك.. واستشهد العديد من أصحاب سيّدنا الحسين (عليه السلام) ، استشهد حبيب بن مظاهر، والحرّ الرياحي. كان لابدّ من أداء الصلاة رغم هجمات العدو.. فنهض الإمام يصليّ. وصلّى خلفه نصف أصحابه، أما النصف الأخر فقد استمر في القتال، ريثما تتم الصلاة. كانت السهام تنهال كالمطر. وكان أصحاب الحسين يحمون سيدهم.. فسقط أحد أصحابه واسمه سعيد من كثرة ما نبتت في جسمه السهام فنادى قائلاًَ: - أوّفيت يا بن رسول الله؟. قال الإمام وهو يبكي من أجل صديقه وناصره: - نعم.. أنت أمامي في الجنة. وعندها ابتسم سعيد ثمّ أغمض عينيه، وصعدت روحه الطاهرة إلى السماء. هتف الإمام الحسين بأصحابه يحثّهم على الاستبسال حتى الشهادة. - يا كرام! هذه الجنة قد فتحت أبوابها.. واتّصلت أنهارها وأينعت ثمارها.. وهذا رسول الله، والشهداء الذين قُتلوا في سبيل الله يتوقّعون قدومكم، ويتباشرون بكم، فحاموا عن دين الله، ودين نبيه، وذبّوا عن حرم الرّسول. فصاح أصحاب الإمام بحماس: - نفوسنا لنفسك الفداء.. وهكذا بدأ أصحاب الحسين يخرج الواحد بعد الآخر. فيودّع سيّدنا الحسين (عليه السلام) ويواجه الأُلوف وحيداًَ، ليقاتل حتى الشهادة. وتساقط أصحاب الحسين في ميدان الشرف والكرامة، بعد أن سجّلوا أكبر ملحمة في الفداء. لم يبق مع سيّدنا الحسين أحد من أصحابه، لقد استشهدوا جميعاً.. لم يبق معه سوى أهل بيته. وفي تلك اللحظات الرهيبة تقدّم عليّ الأكبر مستعداَ للهجوم. ها هو يتقدّم راكباًَ فرساً لأبيه يسمى (لاحقاًَ).. وجهه المضيء يشبه وجه سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).. ها هو ينطلق ليقاتل جيشاً مؤلفاً من آلاف الجنود. كان ظامئاً. وكان متعباً. لأنّه كان يقاتل منذ الفجر!. لندع ذلك البطل يقاتل لوحده الآلاف، ونعود لنعرف من هو عليّ الأكبر؟. - عليّ الأكبر هو ابن الإمام الحسين الأكبر. ولد في المدينة المنورة في 11/ شعبان/33هـ، وكان عمره سبعة أعوام عندما استشهد جدّه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وعندما بلغ السابعة عشرة من عمره استشهد عمّه الحسن بن علي مسموماً على يد معاوية بن أبي سفيان. وهو الآن في السابعة والعشرين من عمره، يقف إلى جانب والده العظيم في محنته مع يزيد بن معاوية.. يزيد الشاب الفاسق، شارب الخمور، الذي يقضي وقته في اللعب مع القرود والكلاب. لقد أصبح يزيد خليفة على المسلمين بقوّة الحديد والنار. فاستغاث الناس بسيّدنا الحسين ليخلّصهم من ظلم بني أمية. تذكروا عدالة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، لهذا بعثوا آلاف الرسائل إلى ابنه الحسين (عليه السلام). وهبّ الإمام يلبّي استغاثة الناس في مدينة الكوفة. وفي شهر ذي الحجة غادرت قافلة الإمام الحسين مدينة مكّة المكرّمة في طريقها إلى الكوفة. ركب عليّ الأكبر فرسه، وراح يطوي الصحاري مع والده العظيم. كان علي مضيء الوجه يشبه سيدنا محمّداًَ وهو لا يشبهه في الشكل فقط، بل كان يشبهه في أخلاقه، ومنطقه أيضاً. كان أصحاب سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)وأهل بيته، عندما يشتاقون لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأتون لرؤية عليّ الأكبر.
رؤيا
وتمر الأيام والليالي، والقافلة تقطع المسافات. وفي منطقة تدعى (قصر بني مقاتل)، أمر الإمام الحسين (عليه السلام)بالتوقف، للتزوّد بالماء. توقفت القافلة للاستراحة والاستسقاء، ثمّ استأنفت رحلتها في الصحراء. ركب الجميع جمالهم وأفراسهم، وسارت القافلة باتّجاه قرية تدعى (نينوى). كان الإمام (عليه السلام) متعباً فأغمض عينيه قليلاًَ. رأى سيّدنا الحسين في عالم النوم فارساً يقترب من القافلة ويقول: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم. أنتبه الإمام (عليه السلام) من نومه وقال: - إنّا لله وإنّا إليه راجعون. قالها ثلاث مرّات. سمع عليّ الأكبر والده يسترجع، أي يقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون. وهي آية قرآنية يقولها المسلم عندما تحلّ به مصيبة. لهذا سأل علي أباه قائلاً: - يا أبت لم استرجعت؟. قال سيّدنا الحسين: - يا بني خفقت برأسي خفقة (أي نمتُ لحظات) فعنّ (ظهر) لي فارس فقال: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنّ أنفسنا نُعيت إلينا. فقال الابن المؤمن: - يا أبت لا أراك الله سوءاً، ألسنا على الحق؟. فقال الأب: وهو يقسم بالله: - بلى! والذي إليه مرجع العباد. عندها انبرى عليّ الأكبر ليقول بشجاعة أهل الحق: - يا أبت، إذن لا نبالي. أبتسم الإمام فرحاً بشجاعة ابنه وإيمانه وقال: - جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده. ومضت القافلة تطوي المسافات حتى وصلت منطقة تدعى (كربلاء).
[center]الحصار
وفي هذه المنطقة حوصرت قافلة سيّدنا الحسين، ولم يسمح له بالعودة إلى المدينة المنورة. وفي يوم السابع من المحرم منع جيش يزيد سيّدنا الحسين وأُسرته وأصحابه من الاقتراب من نهر الفرات، ليموتوا عطشاً. وكان منظر الأطفال وهم يصيحون: العطش! مؤثراً. وفي المساء وبينما كان الأطفال يبكون ويطلبون الماء، أمر سيّدنا الحسين أخاه العباس، أن يتوجّه إلى نهر الفرات، وأن يملأ عشرين قربة بالماء. امتطى العباس جواده ومعه ثلاثون من الفرسان، وعشرون من المشاة، كانت مهمّة المشاة ملء القرب بالماء، وكانت مهمّة الفرسان الدفاع عنهم، وصدّ هجمات العدو. اشترك عليّ الأكبر في هذه المهمة، كان يسير إلى جانب عمّه العباس. وتقدّم الأبطال باتّجاه الشواطئ. كان عمر بن سعد قد نشر أربعة آلاف جندي على الشريعة؛ وهي الشاطئ المناسب لارتياد النهر. صاح عمرو بن الحجاج: - من أنتم؟!. أجاب نافع بن هلال، وكان من فرسان الإمام الأبطال: - جئنا لنشرب من هذا الماء، الذي منعتموه عنّا. قال عمرو بن الحجاج: - اشربوا هنيئاً، ولا تحملوا إلى الحسين وآله منه!. هتف نافع: - لا والله لا نشرب منه قطرة والحسين وآله وصحبه عطاشى!. والتفت نافع إلى حاملي القرب: - املأوا أسقيتكم. وهنا شنّ جنود يزيد هجوماً فتصدّى لهم فرسان الإمام، ودارت معركة قرب الشاطئ، انتهت بانتصار أصحاب الإمام الذين عادوا إلى المعسكر، ومعهم القرب المليئة بالماء. وفي تلك الليلة فرح الاطفال؛ لأنهم شربوا الماء بعد ساعات طويلة من العطش.
الهجوم الأول:
صهل الفرس قبل أن ينطلق إلى آلاف الأعداء.. أعداء الإسلام والإنسانية.. كانت السهام تنهال كالمطر، وكان عليّ الأكبر ينطلق هو الآخر كالسهم باتجاه العدو. ودارت معركة ضارية. فارس واحد يقاتل آلاف الفرسان، والأعداء يتساقطون تحت ضرباته المدمّرة. استمرت المعركة ساعات، وشعر علي بالعطش الشديد. جفّ حلقه، واصبح قلبه كالجمر، فعاد ليستريح. عاد علي إلى والده، كان والده ينظر إليه، وعيناه تفيضان حبّاً وشوقاً. قفز علي من فوق جواده، واتّجه إلى والده ليعانقه مرّة أخرى. قال علي وهو يعانق أباه العظيم. - لقد أجهدني العطش يا أبي، فجئت لأستريح. بكى سيّدنا الحسين من أجل ولده.. ليست لديه قطرة ماء يسقي بها ولده العطشان؛ والفرات يحاصره الأعداء كالذئاب. قال الأب وهو يبكي: - اصبر يا ولدي الحبيب… بعد قليل ستلقى جدّك المصطفى.. وسوف يسقيك من ينابيع الجنّة.
الهجوم الأخير:
ودّع عليّ أباه وامتطى صهوة جواده. صهل الجواد، وانطلق كالسهم باتّجاه العدوّ. ومرة أخرى جسّد الأكبر ملحمة الفداء من أجل الإسلام، والحق والعدالة. اخترق الفارس العلويّ خطوط العدوّ، وغاص في قلب الجيش، وراح يقاتل ببسالة فريدة. لم يصمد الفرسان أمامه. لهذا فكّر أحدهم بالغدر. حمل رمحه، وانتهز فرصة انشغال عليّ بالقتال. فجاءه من جهة الخلف. الغادر الجبان؛ كان يخاف مواجهة عليّ وجهاً لوجه.
سدّد الغادر رمحه الى ظهر علي، وهجم آخر عليه فضربه بالسيف. شعر علي أنّها نهايته فصاح مودّعاً أباه: - عليك منّي السلام يا أبا عبد الله. اعتنق علي جواده تصوّر الجواد أن عليّاً يريد مواصلة الهجوم، فغاص في قلب آلاف الجنود.. السيوف تنهال على جسد عليّ دون رحمة. رأى عليّ في تلك اللحظات جدّه رسول الله وهو يسقيه من شراب الجنة. سمع الحسين نداء ابنه الأكبر، فقفز فوق جواده، وانطلق الجواد نحو قلب المعركة.. كان الهجوم قويّاً، وفرّ الاعداء خائفين من غضب الحسين. جلس الأب عند رأس ولده الحبيب. قال الابن وهو يحاول أن يبتسم لأبيه: - لقد سقاني جدّي بكأسه شربة لا أظمأ بعدها أبداً.. وقال إن لك كأساً مذخورة. وضع الحسين خدّه على خدّ ولده وقال بحزن: - على الدنيا بعدك العفا.. ما أجرأ هؤلاء على الرحمن، وعلى انتهاك حرمة الرسول. كانت جراح علي ما تزال تنزف بشدّة. أغمض علي عينيه كأنّه ينام. لقد آن له أن يستريح بعد كلّ تلك المعارك الضارية. ملأ الحسين كفّه من دماء ولده الطاهرة.. ورمى بها نحو السماء. لم تسقط من دماء علي قطرة واحدة فوق الأرض؛ كأنّ الملائكة تحمل تلك الدماء الزكية نحو السماء، تشكو إلى الله ظلم يزيد واليزيديين.
حمل سيّدنا الحسين جسد ابنه الشهيد ووضعه فوق جواده، وعاد. من بعيد كانت النسوة يراقبن الموكب الحزين، وشيئاً فشيئاًَ كان الموكب يقترب، ورأى الجميع منظراًَ مؤثّراًَ. كان سيّدنا الحسين يقود الجواد، وهو يبكي بصمت، وكان جسد الشهيد ينزف الدماء؛ عشرات الجراح تنزف دماً طاهراً. وُضع الجثمان الطاهر في خيمة الشهداء، جاءت عمّته زينب، وصاحت. ألقتْ عمّته المفجوعة بنفسها على جسد الشهيد، وراحت تبكي بلوعة؛ تبكي من أجل الشاب الذي قدّم نفسه قرباناً في سبيل المبادئ التي آمن بها والده العظيم. جاء سيّدنا الحسين وقاد أُخته إلى خيمتها. وفي خيمة (ليلى) أم عليّ الأكبر، كانت النسوة تبكي من أجل الشهيد.
المجد للشهداء: واليوم لم تعد كربلاء صحراء على شاطئ الفرات. أصبحت مدينة الشهداء، يزورها الأحرار في العالم. من بعيد تلوح قباب ذهبية ومآذن، هنا يرقد سيد الشهداء؛ سيّدنا الحسين، وبالقرب منه وعلى مسافة أشبار يرقد ابنه الشهيد عليّ الأكبر، ولكن لم سمّي عليّ الأكبر؟. لقد كان له أخ أصغر منه هو الآخر اسمه عليّ، كان يصغره بأربعة أعوام، وعلي الأصغر هو السجّاد؛ زين العابدين رابع أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، كان في كربلاء. لم يشترك في المعارك. كان مريضاً، جسمه يلتهب بالحمّى، وبين ساعة وأخرى كان يصاب بالإغماء، وفي كل مرّة كان يحاول النهوض للدفاع عن أبيه الحسين ابن رسول الله. عندما هوى أخوه الأكبر شهيداً، نهض ليقاتل. أمسك بسيفه، ولكنّه لم يستطع رفعه، ولم يستطع أيضاً الاستمرار في الوقوف. لهذا كان يتوكّأُ على عصا، ويجرّ بسيفه. عندما شاهده سيّدنا الحسين، نادى أُخته زينب، وقال لها: - احبسيه حتّى لا ينقطع نسل رسول الله. وجاءت زينب، فأخذت ابن أخيها وأعادته إلى فراشه. كانت المعارك ما تزال مستمرّة. الوقت ما يزال عصراً. تُرى ماذا حدث بعد استشهاد عليّ الأكبر؟.. إلى صحراء كربلاء لنعرف ماذا يجري هناك؟.