الأصول الاجتماعية لقبيلة كتام
حسب بن خلدون تكون قبيلة كتامة واحدة من أهم بطون البرانس من قبائل الأمازيغ أو البربر كما يعرفون تاريخيـا بالمغرب العربي ، وهي عند نسابة البربر منحدرة من كتام بن برنس.
أما عند النسابة العرب فيقولون بأنها واحدة من فروع قبيلة حمير القادمة مـن جنوب شبه الجزيرة العربية ، وقد ذكر ذلك المؤرخان العربيان الكلبي والطبري، وأول ملوك هذه القبيلة ، حسب هذه الرواية هو فريقش بن صيفي الذي سميت بلادهم باسمـه ، والذي صار يطلق اليـوم على سائر إفريقيا ، وهو من ملوك التبابعة باليمن، وهو أول من فتح إفريقية وقتل ملكها جرجير.
وحسب الرواية الأولى تكون قبيلة كتامة قد تفرعـت إلى فرعين رئيسيين هما : " غرسن ويسودة ، ومنهما تناسلت كل بطون كتامة المعروفين عند المؤرخين، وعلى هذا الرأي فهم عناصر محلية أصيلة ، وقد ارتبطوا بهذه البلاد وعرفوا على أديمها منذ فجر التاريخ.ولم تأت بهم الهجرات البشرية التي كان شمال إفريقيا مسرحـا لهـا بواسطـة عـدة مراكـز في العالم القديم ، وإن لم يسلموا فيما بعد مثل غيرهم مـن سكان بلاد المغرب، من عناصـر طارئـة اختلطـت بهـم واندمجـت معهـم بحكـم المصاهرة أو الحلـف، أو طـول الجـوار ".
وأيا كانت الاعتبارات والحجج التي بنيت عليهـا هذه الروايات فقد اتفـق النسابـة العرب والبربر على أن البرانس هم أبناء برنس بن بر بن مازيغ بن كنعان بن حام ، ومن ثم ، وحسب بن خلدون فإنهم يلتقون مع الفلسطينيين في النسب والأصل.
وأيا كانت حقيقة نسب هذه القبيلة فإن ما يجب التنويه به أن هذه القبيلة هي أهم القبائل البربرية في المغرب الأوسط في القرون الوسطى عددا وشأن
:إقليم كتامة وأهم حواضرها
لقد سكن بنو كتامـة شمال إفريقيـة منذ القدم (مثـل إخوانهم من فروع قبيلة البتر ، شقيقة البرانس ) ، في التاريخ القديم تدخل منطقة كتامة ضمن إقليم نوميديا القديمة ، و في ظل الاحتلال الروماني ألحقت بموريتانيا السطيفية التي مركزها سطيف ، و يمتد إقليم كتامة على كامل المنطقـة الواقعة شمـالا مـا بين بجايـة إلى غايـة دلـس غربا و عنابة شرقا ، إلى حدود الحضنة و الأوراس من ناحيـة الجنـوب و الجنوب الشرقي ، و قالمة و سوق أهراس شرقا ، و لهم مواطن معروفة في مجال هذه المنطقة منها الحواضر الكبرى المعروفة اليوم مثل : تبسة و قالمة ، سوق أهراس ، القالة ، عنابة ، سكيكدة ، القل ، جيجل ، قسنطينـة ، ميلـة ، سطيف ، و الحواضر الصغيرة الموجودة بنواحي الأوراس، و لهم مواطن أخرى ذكرت في المصادر التاريخية مثل إقجان أو إكجان بنواحي بني عزيز بولايـة سطيف ، وهي مركز الدعوة الفاطمية ، و بلزمة ، وباغايا و غيره
:الدور التاريخي لقبيلة كتامة
يذكر المؤرخون أن قبيلة كتامة كانت أشد القبائل بأسا و دفاعـا عن أقاليمها و قد قاومت على الدوام كل محاولات الغزو و الاحتلال الأجنبي لا سيما الروماني الوندالي و البيزنطـي و حتى الفتح الإسلامي العربي في بداية الأمر .
لقد كان لبداية الانهيار التدريجي للإمبراطورية الرومانية في بداية القرن الخامـس (5) الميلادي أثره في تسهيـل تحرر سكـان الأرياف خاصة ، من سيطرة الرومان ، و قد ساعد على ذلك مجيء الغزو البيزنطي غير أنه كـان أسوأ من سابقـه بسبب الاذلال و الخـراب و الدمـار الذي أتى على الإنسان و العمران ، و قد قاوم بنو كتامة هذا الغزو إلى أن جاء الفتح الإسلامي في بداية القرن الثامن ( الميـلادي (710) و قد كانت لهـم ممالك مستقلـة و قادة عظمـاء في تلك الفترة .
اعتنق الكتاميون الإسلام رغم الفتن التي وقعت بسبب الردة عن الإسلام التي أدت إلى نشوب معارك بينهم و بين الفاتحين إلا أن الأمور استقرت في نهاية الأمر بعدمـا تفهم الأمازيـغ أهـداف الفاتحين الجدد غير المادية و مبادئهم غير المعقدة عكس من سبقوهم ، فتعاونـوا جميعـا على طـرد البيزنطيين و الرومـان و تحرير البلاد نهائيا ، و أدى اندمـاج العنصرين إلى تكويـن مجتمع جديـد على أسـس و نهج جديـد و أدى ذلك إلى قيام ممالك بربريـة معروفة و قد خضعت أقاليـم كتامـة لسيطـرة الأغالبـة ثم الزيريين ثم الحماديين ثم الموحدين .
و في بداية القرن العاشر (913) الميـلادي كانت قبيلـة كتامـة من أقـوى القبائل البربريـة في المغرب آنذاك ، فتحالفت مع الفاطميين ضد الخلافة العباسية تعاطفـا مع دعـاة الإسماعيليـة المنشيعين لأهل البيت و ذلك لاحتضانها هذه الدعوة و نصرتها و استطاعوا الإطاحة و القضاء على دولة الأغالبة في القيروان بتونس ، و قد كان دورهم حاسما في تأسيس الدولة الفاطمية فكانوا حماتها و جنودها المخلصين و قد رحـل عـدد كبـير منهم ضمن جيش "جوهر الصقلي" قائـد الحملـة الفاطميـة علـى مصر، لكنهم تمكنـوا من دخـول الفسطـاط بعـد محـاولات عديدة ، يـوم السـبت 17 شعبـان عـام 358 هـ . 969 م ، و أسسوا مدينـة القاهرة ، وقد خصص لهم بجـوار القاهـرة مكانـا يتمركزون فيه و ظلوا قوة عسكرية هامة في خدمة الخلافة الفاطمية و قد قادوا حملات ضد العباسيين حتى بلغوا دمشق ، و لا تزال كل من القاهـرة و دمشـق على التـوالي تحتفـظ لهـم بحـواري تسمـى باسمهـم حي الكتاميين بالقاهرة و حارة المغاربة بدمشق ، و بسبب موقف هذه القبيلـة فقـد تعـرض أبناؤهـا في فتـرات و مواطـن عديدة إلى الاضطهـاد و الانتقام على أيدي العباسيين و الأمويين و أنصارهم