عاشوراء عند الشيعة:
جرعة سنوية مركزة من العيار الثقيل
لإثارة الأحقاد، ولتأجيج النعرة الطائفية
أحمد الظرافي
عقيدة الشيعة الاثنى عشرية، على مدار العصور، لا تنتشر، ولا تترسخ في نفوس الإتباع، ولا تجري فيها الروح، إلا بتأجيج مشاعر المعتنقين لها، وحَشْوِ عقولهم حشوا مستمرا بالخرافات والأباطيل، والمظلوميات، وشحنهم، وتعبئتهم وحقنهم بأمر العداوات والأحقاد، ضد الآخر - وهو أهل السنة – وذلك بصورة مستمرة، وبطرق مباشرة وغير مباشرة.
مقومات العقيدة الاثنى عشرية
ولكي لا تكون هذه الحقن عديمة الجدوى، ولكي تحقق مفعولها بصورة مضمونة، فهي لا تعطى في فراغ، ولا تقدم كتوجيهات شفوية، وإنما يتم تهيئة الأجواء والظروف المناسبة لها بعناية، وذلك ضمن مناسبات سنوية متجددة ومتكررة ومتنوعة، ومقترنة بطقوس وشعائر عملية.
ولذلك نجد أن وجود عقيدة الشيعة الأثنى عشرية، مرتبط ارتباطا وثيقا بالمناسبات، وبالزيارات، وبالمواكب الصاخبة للقبور والأضرحة، التي تغطي العام تقريبا، وما يرتبط بذلك من طقوس وبكاء وندب وعويل. مع الحرص الشديد على استغلال الأحداث والوقائع الدموية والمأسوية التي حدثت في التاريخ الإسلامي، كحادثة استشهاد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما، سنة 61هـ، وتوظيفها توظيفا خبيثا ودنيئا، ولأقصى حد، بما يخدم وجود وبقاء هذه العقيدة.
فهذه المناسبات بشكل عام– ومناسبة عاشوراء بشكل خاص - بما تحفل به من طقوس وملاحم وخوارق ومعجزات وأساطير - هي من أهم العوامل أو القوى المحركة لاستمرارية العقيدة الشيعية الاثنى عشرية. أو هي بعبارة أخرى محفزات ومنشطات لبقائها. ولولا هذه المحفزات والمنشطات، ولولا المرور على الجراح، ولولا استحضار المآسي التاريخية، وخاصة مأساة كربلاء، ولولا النواح والبكاء والعويل. لولا كل ذلك لجفت منابع هذه العقيدة، ولتلاشت من الوجود، ولاستراحت ولأراحت. وهذا ما اعترف به الإمام الخميني ضمنيا عندما قال: " إن كل ما لدينا هو من عاشوراء ". فهو يشير برأيي إلى أن مناسبة عاشوراء بما تحفل به من طقوس، هي التي حافظت على بقاء العقيدة الاثنى عشرية، لأكثر من ألف عام، حتى وصلت إليه، وليستفيد منها، ويوظفها للوصول إلى الإمساك بمقاليد الأمور في إيران. وذلك لأن هذه العقيدة، فيما عدا تلك المناسبات والطقوس، لا تتوفر على أي مقومات ذاتية، تكفل لها البقاء، فهي - بعكس مذاهب أهل السنة والجماعة - غير ملتصقة بالقرآن الكريم، وغير ملتصقة بالسنة النبوية، ولا تحظى الشعائر التعبدية والتربية الدينية، فيها بأهمية كبيرة، مع تعطيل فريضتي الجهاد والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وصلاة الجمعة والجماعة.
ولذلك يحرص الشيعة سنويا على إقامة هذه المناسبات، وفي مقدمتها مناسبة عاشوراء، أشد الحرص، ربما أشد من حرصهم على إقامة الفرائض الإسلامية الأساسية كالصلاة والصيام والزكاة والحج، بل ربما أكثر من حرص أهل السنة على صلاة الجمعة والجماعة، وعلى إحياء ليالي رمضان بصلاة التراويح والقيام، وقراءة القرآن، وعلى الحج إلى بيت الله الحرام، وعلى تربية أولادهم بالإيمان، وتغذية أرواحهم بالقرآن، وغير ذلك مما تقوم عليه مذاهب أهل السنة[1].
أهمية مناسبة عاشوراء عند الشيعة
وإن مناسبة عاشوراء التي يحييها الشيعة حول العالم كل عام، في العاشر من محرم، هي من أهم مناسبات الشيعة ( المقدسة) على الإطلاق، وهي مدار العقيدة الشيعية الأنثى عشرية.
وهي ليست مجرد ذكرى لأحياء واقعة استشهاد الحسين رضي الله عنه، سبط رسول اله صلى الله عليه وسلم وريحانته، واستلهام الدروس من شجاعته وتضحيته ورفضه للباطل، ومقاومته للظلم والعدوان، ومضيه قدما للاستشهاد في سبيل الحق، رغم خذلان أكثرية أصحابه له وإيثارها السلامة والجلوس في بيوتها[2]. إنما هي في واقع الأمر جرعة مركزة من العيار الثقيل، لإثارة الأحقاد والضغائن في قلوب الشيعة، ودغدغة عواطفهم ومشاعرهم، والتأكيد على مظلوميتهم، وتجذيرها في نفوسهم، وتأجيج نعرتهم المذهبية، ورفع مستوى الاصطفاف الطائفي، في صفوفهم لأقصى حد.
ومن أجل الاستفادة القصوى من حادثة مقتل الإمام الحسين رضي الله عنه، فإن الشيعة في مناسبة عاشوراء السنوية، لا يكتفون بالبكاء والنواح واللطم والتطبير، وضرب القدود والقامات بالسلاسل، التي هي من قبيل معاقبة النفس، وسرد الخوارق والمعجزات، عبر مكبرات الصوت، وغير ذلك من الطقوس المثيرة، وإنما هم يجسدون مشاهد تلك الحادثة المأساوية ( واقعة الطف ) مشهدا مشهدا، بصورة تمثيلية حية متقنة، وبصورة تنخلع لها القلوب والأكباد، وتقشعر لها الأبدان، ويستقيم منها شعر الرأس.
ومع كل ذلك، ومع أن الطفولة توحي بالبراءة، والنقاء والمرح، فهم يحرصون على إحضار أطفالهم، والزج بهم في خضم هذا الحشد الحاشد، والمسيرات المليونية، والمؤتمر السنوي الجماعي الصاخب للحزن، والمتشح بالسواد، وذلك لكي ينتظموا في صفوف اللطم، والزحف على الركب، ولكي يتفرجوا على تلك المشاهد التمثيلية المروعة لواقعة الطف.
(وسأتحدث عن الآثار النفسية والعقلية لطقوس عاشوراء على الأطفال في مقال مستقل )
المستهدف من وراء التحريض المستمر
ولا أكون مجحفا إن قلت إن كل تلك التعبئة الفكرية، موجهه في نهاية المطاف لأهل السنة، باعتبارهم استمرارا، للعهد الأموي، وللنهج الذي كان عليه خلفاء بني أمية، المسئولين مباشرة عن هذه الحادثة المروعة والمؤسفة، مع إثارة النقمة على أهل السنة كونهم يصومون في هذا اليوم من الشهر، مع أنهم يفعلون ذلك إتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم. وبطبيعة الحال دون أن يسلم جيل خير القرون (الصحابة والتابعين)، من التشويه والتخوين والتفسيق، وتهمة ظلم أهل البيت، ومؤامرتهم عليهم ابتداء من السقيفة، وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون الثلاثة، رضوان الله عليهم أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، والذين يزعم الشيعة، أن الأمويين سيئة من سيئاتهم، وأنهم السبب في الكوارث التي حصلت للأمة في تاريخها.
وهذا ما سجله أحد المثقفين الشيعة مؤخرا بعد أن هداه الله، فقد قال: ومن الأمور التي تدعو إلى التساؤل " وهذا التساؤل أطرحه اليوم وليس بالأمس" هو أن عامة الشيعة لم ينالوا من المغول والتتار والزنادقة والمجوس ولا الصليبيين ولااليهود مثلما نالوا من المسلمين العرب، وأنبروا للأمة الاسلامية بكل رموزها وتأريخها وفتوحاتها وهم يكيلون لها الذم والمكر والدس والقدح والسب والطعن والتكفير والحقد والكراهية، وبالإستناد لما تقدم فنحن الشيعة نشعر بأننا جزء من أمة غائبة عن الوجود، والذين نتعايش معهم من أهل السنّة أنما هم قتلة أئمتنا وسالبي حقوقناوناهبي ثرواتنا وعلينا أن نسايرهم إلى أن يأتي اليوم الذي يظهر فيه الإمام المهدي ليخلصنا من جور هذه الأمة الظالمة ويقيم دولة العدل الألهي