ذكرت في مقال سابق أنه من أجل الاستفادة القصوى من حادثة مقتل الإمام الحسين رضي الله عنه، وتويظفها في خدمة العقيدة الاثنى عشرية، فإن الشيعة في مناسبة عاشوراء السنوية، لا يكتفون بالبكاء والنواح واللطم والتطبير، وضرب القدود والقامات بالسلاسل، التي هي من قبيل معاقبة النفس، وسرد الخوارق والمعجزات، عبر مكبرات الصوت، وغير ذلك من الطقوس المثيرة، وإنما هم يجسدون مشاهد تلك الحادثة المأساوية ( واقعة الطف ) مشهدا مشهدا، بصورة تمثيلية حية متقنة، وبصورة تنخلع لها القلوب والأكباد، وتقشعر لها الأبدان، ويستقيم منها شعر الرأس.
ومع كل ذلك، ومع أن الطفولة توحي بالبراءة، والنقاء والمرح، فهم يحرصون على إحضار أطفالهم، والزج بهم في خضم هذا الحشد الحاشد، والمسيرات المليونية، والمؤتمر السنوي الجماعي الصاخب للحزن، والمتشح بالسواد، وذلك لكي ينتظموا في صفوف اللطم، والزحف على الركب، ولكي يتفرجوا على تلك المشاهد التمثيلية المروعة لواقعة الطف، وليرى أولئك الأطفال الصغار كيف حوصر الإمام الحسين؟ وكيف منع من الماء؟ .. وكيف كان صلف الأعداء الظالمين ( النواصب ) وغطرستهم في معاملته؟.. وكيف تناثرت الدماء والأشلاء من أصحابه؟!.. الخ ويستمر التصعيد والحبكة القصصية بالغة الإثارة حتى تنتهي بمقتل الحسين رضي الله عنه، بيد عدو الله (الشمر بن ذي الجوشن). وفي تلك اللحظة يأتي دور المتفرجين حيث ترتفع أصواتهم بالصراخ والعويل رجالا ونساء وتسود حالة من الهياج والفوضى العارمة، وكأن حادثة مقتل الإمام الحسين قد حدثت في تلك اللحظة حقيقة لا تمثيلا. وكل ذلك يحدث أمام الأطفال الصغار .
وهذه المشاهد المروعة – وهي مشاهد تتكرر سنويا على مرأى ومسمع الأطفال الصغار - كفيلة بسلخ براءتهم، وحفر أخاديد من العقد في عقولهم، والالتصاق بذاكرتهم مدى الحياة، إلى جانب ما تسببه لهم من خوف واضطراب نفسي مستمر. كيف لا؟! وهناك وقائع مثبتة تفيد بأن كثير من الأطفال الشيعة – بل يشمل ذلك الكبار رجالا ونساء - الذين يعيشون وقائع وطقوس هذه المناسبة، يتعكر مزاجهم، وتظلم الآفاق أمامهم أعينهم، ويعافون الأكل، ولا يستطيعون أن يخلدوا إلى النوم بصورة طبيعية هانئة، نتيجة للضغط النفسي، بل إن بعضهم يستمرون في كوابيس وأحلام مرعبة ومزعجة، لأكثر من ثلاثة أيام، لهول تلك المشاهد التي شاهدوها، والتي لا مثيل لها حتى في أفلام هيوليود.
وعلى أساس ذلك يتحدد موقف هؤلاء الأطفال من النواصب الظالمين، قتلة الحسين، كما يوحي لهم بذلك ولاة أمورهم. والنواصب في مفهوم الشيعة، هم أهل السنة، هم أتباع أبي بكر وعمر وعثمان، وعائشة وحفصة. وهم أنفسهم أتباع يزيد بن معاوية، وعبيد الله بن زياد، وعمر بن سعد، والشمر بن ذي الجوشن، وغيرهم من القادة الأمويين، الذين ارتكبوا تلك المجزرة المروعة بحق الحسين بن علي وآل بيته، رضي الله عنهم جميعا وسائر من قاتل معه. لذلك فمن الطبيعي أن ينشأ هؤلاء الأطفال معقدين تجاه السنة، وكل ما يرتبط بصلة بها، ومنشغلين عن معرفة الدين الصحيح بتلك الطقوس والأباطيل والخرافات والأحقاد التي شحنوها في عقولهم.
وهكذا – كما يقول أحد الشيعة - تشربت في نفوسنا وعقولنا نظرة سوداوية للدين والحياة والمجتمع، وثقافة البكاء واللعن والشعور بالاضطهاد والتمرد من أجل التمرد فقط حتى لو كان يحكمنا الأمام الحسين [رض] نفسه، وسنقابله باللطم والعويل حتى أذا بعثنا الله ورأيناه في جنة الفردوس الأعلى.!
وهذا هو السر في كونك مهما حاولت أن تقنع الشيعي، فلن يقتنع، ومهما بذلت من جهد في مناظرته فلن تستطيع أن تجعله يشغل عقله، ويفكر - ولو للحظة – فيما تحاول أن توصله إليه، بمعزل عن الأوهام والأباطيل والخرافات التي يعتقد بها. وذلك لأن الحقن التي حقن بها منذ نعومة أظفاره وفي مسيرة حياته، وعلى رأسها حقن مناسبة عاشوراء المركزة وثقيلة العيار، قد جرت مجرى الدم في عروقه، وتغلغت في كل عضو من أعضائه، وحفرت لها أخاديد في ذاكرته، وسرى مفعولها إلى كل خلية من خلايا جسمه، ونتيجة لذلك، تصير لديه مناعة مكتسبة، أشد بكثير جدا من المناعة التي يكتسبها الإنسان ضد الجدري والحصبة والتيفوئيد، نتيجة لتناوله حقن الوقاية ضد هذه الأمراض في طفولته.
ولكن المناعة التي يكتسبها الفرد الشيعي من خلال جرعة عاشوراء السنوية المركزة، مناعة فريدة من نوعها، فهي ليست ضد مرض خبيث معين، إنما هي مناعة مكتسبة، ضد فهم مبادئ الإسلام الصحيح، وضد قبول أي كلام في العقيدة، غير كلام مراجع الشيعة وسادتهم، وما تم تنشئتهم عليه من أفكار، وخرافات وأباطيل، وخاصة إذا كان المصدر هو السنة – إلا من هداه الله منهم !! -
فأين هي جمعيات حقوق الإنسان يا ترى؟ أما آن لها أن تتدخل لإنقاذ هؤلاء الأطفال المساكين الذين يدفعون لمشاهدة هذه المشاهد المثيرة والمروعة بشكل متكرر سنويا، ودون أي مبرر، ودون أي هدف، اللهم، إلا لترسيخ النعرة الطائفية، وللحيلولة دون ذوبان العقيدة الشيعية الأنثى عشرية في عقيدة الأكثرية من المسلمين، وهم أهل السنة.