عدد الرسائل : 1459 العمر : 43 تاريخ التسجيل : 29/12/2009
موضوع: موقع الإنسان في الرسالة المحمدية الجمعة فبراير 25, 2011 1:22 am
[/
بقلمالسيد جعفر النمر بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد وأهل بيته الطاهرين، ولعنة الله الدائمة على أعدائهم إلي قيام يوم الدين. قال مولانا أمير المؤمنين حسبما جاء في كتاب نهج البلاغة: «وأصطفى سبحانه من ولده أنبياء اخذ على الوحي ميثاقهم، وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم، لما بدل أكثر خلقه عهد الله إليهم، فجهلوا حقه واتخذوا الأنداد معه واجتالتهم الشياطين عن معرفته واقتطعتهم عن عبادته، فبعث فيهم رسله وواتر اليهم انبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته ويحتجوا عليهم بالتبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول » صدق مولانا امير المؤمنين . سنتكلم في هذه العجالة حول الإنسان وموقعه في الرسالة المحمدية. أكد القران الكريم على أن سلسة الأنبياء تشترك في أصول وان اختلفت في أمور أخرى. الأنبياء على تشتت أرائهم ومراحل حياتهم واختلاف أقوامهم يتفقون على كلمة التوحيد. فإن الله عز وجل يقول: ﴿ أن الدين عند الله الإسلام ﴾ ( آل عمران 19) ويقول: ﴿ ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ﴾ (آل عمران 85). فليس هناك من نبي إلا وقد دعى قومه إلى الإسلام. معنى الشريعة: يختلف الأنبياء في أمور أخرى، تلك الأمور هي التي يعبر عنها بالشريعة. فلنوح شريعة ولإبراهيم شريعة، ولموسى شريعة تختلف عن شريعة النبيين السابقين. وهذه الشريعة عبارة عن الأحكام التي سنها الله تعالى للناس بحسب ما تقتضيه المصلحة في ذلك الوقت. وباعتبار أن للزمان تأثيرا في أحوال الناس وما يصلح معاشهم.لذلك يمكن أن نتصور الاختلاف باختلاف تلك المصالح، واختلاف تلك المصالح باختلاف تلك الأزمنة. القران الكريم يذكر ويقول: ﴿ ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ﴾ (المائدة 48). فلكل نبي شرعة ولكل نبي منهاج. المنهاج والشرعة هو عبارة عن الناحية التي لو سلكها الإنسان وصل إلي مبتغاه فالأنبياء يتفقون في الهدف ويختلفون في الأساليب التي تحقق ذلك الهدف. موقع الإنسان في الرسالات: فقد كان الطريق الذي يسلكه بني إسرائيل في زمان نبي الله موسى يختلف عن الطريق الذي يطلب من المسلمين أن يسلكون في زمان نبينا محمد. من هنا ربما يطرح سؤال وهو أن رسالة نبينا محمد لا تختلف عن رسالة الأنبياء السابقين في المرتكز الأساسي لكل الرسالات وهو الإسلام. فإذا قلنا إن الإسلام يكرم الإنسان ويعطيه قيمة رفيعة، فما السر في تخصيص رسالة النبي بالكلام؟ لماذا قلنا موقع الإنسان في رسالة نبينا محمد . الإنسان محترم في كل الرسالات لاشتراك هذا العنصر – الإنسان – بين جميع الرسالات. نوح كان مبعوثا لاقوا ما من الناس. إبراهيم كان مبعوثا ألي أقواما من الناس. فالإنسان عنصرا ثابت في جميع الرسالات. فلم اختص نبينا محمد بهذه الدعوة؟ في الواقع نحتاج إلي أن نثبت مدعيين: • المدعى الأول: أن رسالة النبي محمد فيها موقعيه محورية. الإنسان هو مركز الدعوة. • المدعى الثاني: إن هذا المقام للإنسان في رسالة النبي محمد لا نحصل على هذا في الرسالات السابقة. الخطاب الإلهي كرامة للإنسان: من الواضح أن الرسالات السماوية هي عبارة عن الأحكام التي سنها الله عز وجل لهذا الجنس البشري. أصل توجيه الحكم وهو ما يعبر عنه بالخطاب الإلهي، هذا الوصف من التكريم للإنسان الذي ينبغي أن يتخذ زمانه عيدا.- بعض علمائنا كان يحتفل بذكرى بلوغه سن التكليف لأنه الزمان الذي تشرف بوقوعه طرفا للخطاب الإلهي -. الله سبحانه وتعالى عندما يقول: ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلي الصلاة ﴾ (المائدة 6). هذا نوع من الخطاب، والخطاب الصادر من الله تعالى كرامة، فإذا أصبح هذا الخطاب موجها لزيد فهذا تكريما لزيد. فأصل الخطاب الإلهي كرامة. هذه الكرامة تشترك فيه جميع الرسالات وانه ما أرسل من رسول إلا بإحكام وبخطابات إلهية موجهة لهذا الإنسان. فللإنسان موقعيه عند الله عز وجل. الدين الإسلامي الذي جاء به النبي محمد رسالة النبي امتازت ببيان حقيقة هذا الإنسان. هذا الخطاب الذي يتضمنه القران الكريم وهو الدستور الذي يحمل في طياته جميع ما أرسل به النبي محمد . هذا القران لا يتضمن وجوب الصلاة، أو وجوب الزكاة أو وجوب الخمس فقط، بل تضمن معارف وعلوم وحقائق إلهية. وعلمك ما لم تكن تعلم: من جملة تلك الحقائق بيان حقيقة الإنسان نفسه. فإن الإنسان يحتاج إلي أن يعرف نفسه، ولا يعرف الإنسان نفسه إلا بتعليم ممن خلقه. لذلك كان الأنبياء يدعون بأن يشرح الله صدورهم. ﴿ رب اشرح لي صدري ﴾. شرح الصدر عبارة عن جعله قابلا لتلقي العلوم والمعارف من خزائن القدرة الإلهية.الإنسان لا يستطيع أن يعرف نفسه. يقول الله تعالي للنبي وعلمك مالم تكن تعلم، هذه الآية تكشف عن أن العلم الإلهي النازل على النبي ليس مما يصل إليه الإنسان بنفسه مما لم تكن تعلم وعلمك ما لم تكن تعلم. هذا التعبير يختلف عن قوله علمك مالم تعلم، مالم يعلم الإنسان هو مالم يصل إليه، أما مالم يكن يعلم فهو مالا يصل إليه. إذا هناك علوم يستطيع الإنسان بالشكل الطبيعي أن يصل إليها. ولكن هناك علوم أخرى لا يستطيع الإنسان أن يصل إليها إلا من خلال التعليم الإلهي. هذه العلوم تلك العلوم المتعلقة بالحقائق الإلهية كحقيقة الإنسان، وحقيقة المعاد، وحقيقة الكون، وحقيقة ما وراء هذا العلم المحسوس. هذه العلوم تستكشف من مدرسة أو ملاحظة لوح التعليم أو بالاستماع إلي معلم، حيث يقول الله تعالي: ﴿ وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون ﴾ (الصافات 137-138). هناك نظر بالبصر، إذا كان القلب أعمى لم يكن في البصر فائدة للإحساس بما يشاهده الإنسان بعينيه. إذا هناك علوم لا يصل إليها الإنسان إلا بالتعليم من هذه العلوم معرفة الإنسان نفسه. لا يستطيع الإنسان أن يعرف نفسه إلا بتعليم رباني الهي. البدن والروح: الذي ذكره القران عن هذا الإنسان مذكور في عدة موارد، من هذه الموارد قوله تعالى: ﴿ ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون ﴾(الحجر 26). الله خلق هذا الإنسان من صلصال أي من طين كالفخار يسبر هذا أصل تكوين الإنسان، ولكن مع ذلك القران يذكر في أكثر من مورد أن هذا الإنسان قد نفخ فيه من الروح الإلهي حتى أصبح الإنسان مركب من أمرين: من طين ومن نفس، من بدن ومن روح. هذه الروح من أمر الله ﴿ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ﴾ (الإسراء 85).هذه الروح من عالم الأمر وليس التركيب هنا على نحو التعدد بمعنى أن الإنسان مجموع من أمرين منفصلين عن بعضهما لا اتصال بينهما بل هناك اتصال غريب بحيث تكون الروح هي كل حقيقة الإنسان ويكون البدن مرتبة من حقيقة الإنسان. الله يقول: ﴿ الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ﴾ (الزمر 42). التوفي هو طرد الشئ بتمامه فإذا كانت الروح جزءا من الإنسان كيف يكون هذا التعبير صحيح بملاحظة قوله تعلى: ﴿ قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ﴾. إذا سارع قبض الإنسان بتمامه. الذي يبقى بعد الموت وهو البدن هذا قد خرج عن وجود الإنسان فأصبح موجودا بتمامه في قبضة القدرة الإلهية بالموت. إذا الروح هي كل الإنسان وليست جزء منه. كيف تكون الروح كل الإنسان ومع ذلك يكون الإنسان مركبا من بدن ونفس. هذا التركيب سر من الأسرار الإلهية لكن على كل حال الشاهد أن القران الكريم يذكر إن الإنسان مركب من جزء شريف ليس من هذا العالم، هذا العالم يحكمه التدرج،هذا العالم محكوم بالتغير والحركة، أما الروح ﴿ قل الروح من أمر ربي ﴾ (الإسراء 85). والأمر ﴿ وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ﴾(القمر 50). فعالم الأمر ليس فيه تدرج وليس فيه تغير وليس فيه حركة. فالروح ليست قابلة لهذا التدرج على هذا النحو. قابلة للتكامل بنحو آخر. من أين جاءت هذه الروح؟ الله يذكر في القران الكريم انه هذه الروح منسوبة إليه: ﴿ ونفخت فيه من روحي ﴾ (الحجر 29). وان نفخ الروح في الإنسان هو الذي استوجب سجود الملائكة للإنسان. إذا بنفخ الروح وصل الإنسان إلي درجة من الشرف بحيث أصبح هو الذي تسجد له الملائكة والسجود هنا بمعنى الخضوع، وضعت الملائكة جباهها وليس لها جباه كأمثالنا ولكن تحقق منها السجود الحقيقي امتثالا لأمر الله تبارك وتعالى. والسجود لآدم وذلك تعبيرا عن الخضوع لآدم إطاعة لله عز وجل. لم استوجب آدم هذه المنزلة؟ لان الله نفخ فيه من روحه. إذا هناك روح تنسب إلي الله هذه الروح ليس منسوبة إلي الله كنسبة الجز إلي الكل لان الله: ﴿ ليس كمثله شئ ﴾(الشورى 11). ليس جسما، وليس له جرم، وليس جزءا من شئ. هذا النحو من النسبة هو النسبة التشريفية. لان هذه الروح بلغت من الطهارة والقدس والتسبيح درجة عالية، أصبحت منسوبة إليه سبحانه وتعالى. إذا أصل الإنسان هو عالم القدس والطهارة. الله خلق الإنسان من صلصال من حمأ مسنون لكن هذا عبارة عن جزءه المادي، وأما جزءه الآخر فاصله عالم القدس، أصله عالم الأسماء، أصله عالم الطهارة. نقطة أخرى يذكرها القران الكريم أن كل مخلوق من شئ لابد أن يرجع إلي ذلك الشئ ﴿ كما بدأكم تعودن ﴾ (الأعراف 29). فالإنسان إذا كان مخلوق من الطهارة فلابد أن يرجع إلي الطهارة. إذا من ناحية المبدأ الإنسان مخلوق من الطهارة، من ناحية المنتهى الإنسان يعود إلي الطهارة. لذلك يكثر في القران الكريم التعبير عن يوم القيامة انه يوم الرجوع: ﴿ إليه مرجعكم جميعا ﴾ (يونس 4). ﴿ واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ﴾ (البقرة 281). ﴿ إنا لله وإنا اليه راجعون ﴾ (البقرة 156). الرجوع ما هو؟ هو العود إلي المبدأ. إذا هذا التشريح وهذا التعريف الإلهي لحقيقة الإنسان يكشف عن أن الإنسان لا ينتمي إلي هذا العالم بالمعنى الذي يرتسم في أذهان الناس في الوهلة الأولى. بمعنى أن الإنسان ليس كالحيوان ليس له إلا هذا العالم. الإنسان ينتمي إلي عالم آخر. ينبغي أن تكون همته متعلق بأصله ينبغي أن يكون له شوق يقوده ويسوقه إلي عالمه الاصلى. هذا من ناحية التعريف بحقيقة الإنسان. البرنامج الإسلامي: من ناحية ثانية لو نظرنا إلي البرنامج الذي يطرحه الإسلام لهذا الإنسان. الإسلام جاء ليبين للإنسان الطريق الذي إذا سلكه الإنسان وصل إلي غايته السامية. هذا البرنامج في الإسلام يمتاز بأنه مطابق لخصائص الخلقة التي خلق الله الإنسان عليها. لان القران الكريم يذكر أن الدين وهو عبارة عن مجموعة الأحكام الشرعية والعقائد والأخلاق. هذه الأمور كلها مبنية على فطرة الله التي فطر الناس عليها. بسم الله الرحمن الرحيم:﴿ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ﴾ (الروم 30). الدين الذي جاء به النبي بالخصوص لا يجانب فطرة الإنسان وخلقة الإنسان بل هو عبارة عن الطريق الذي تطلبه نفس الفطرة. الدين عبارة عن المنتهى الذي لو تركت الخلقة وحدها لسلكته بمعنى انه لو وجد إنسان كامل معلم، بالهام، بإبداع، بسحر،بشعوذة وفرضنا أن إنسان وصل لهذا العلم التام الكامل فلن يأتينا إلا بمثل ما أتى به القران الكريم به، لا يمكن أن نجد علما صحيحا كاملا إلا ما يكون مطابقة للقران. لماذا؟ لان القران الكريم مطابق للواقع، وكل علم لا يطابق الواقع يعتبر سفسطة، خرافة، وباطل. كل علم صحيح لابد أن يكون مطابق للقران. هذه الحقيقة يؤكدها القران الكريم. القران يقول ليس في القران إلا الفطرة. لا يمكن أن نجد في الدين الإسلامي حكما مخالفا للفطرة. لا يمكن إن نجد في الدين الإسلامي أن شجرة البرتقال يجب أن تثمر تفاح. كما إن شجرة البرتقال لا تسعى إلا أن تكون مثمرة للبرتقال. كذلك الإنسان لا يسعى إلا أن يصل إلي هدفه الذي خلقه الله له وهو أن يعود إلي عالمه إلي عالم القدس والطهارة. هنا نحتاج أن نقف قليلا عند البرنامج الإسلامي لنلاحظ مدى انسجامه في خطوطه الكلية مع خصائص الإنسان وخلقته. مما أكده القران الكريم وأكدته السنة الشريفة من النبي وأهل البيت إن الإسلام مبنى على التيسير:﴿ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ﴾ البقرة 185). وفي الرواية «بعثت بالحنفية السمحاء السهلة». لو لا حظنا ما في الروايات لوجدنا أن الله يسر على المسلمين في شريعة نبينا محمد ما كان شاقا على غيرنا. مثلا في الروايات إن بني إسرائيل لم تكن تقبل منهم العبادة إلا في البيوت المبنية للعبادة وهي الكنائس والبيع. التعبد لله عند بني إسرائيل يشترط أن تكون في الكنيسة أو في البيعة. أما الإسلام فقد جاء كما قال الله تعالى للنبي : «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا». حيثما حلت عليك الصلاة فصلى: ﴿ فأينما تولوا فثم وجه الله ﴾ (البقرة 115). هذا النوع من التيسير ليس المسألة مربوطة في إقامة العبادة هناك بمعنى أخرى وراء هذا الأمر هذا المعنى عبارة أن بني إسرائيل لم تكن تفتح لهم أبواب السماء إلا في الكنيسة أو البيعة. وأما المسلم فقد يسر الله عليه الأمر بحيث أصبحت السماء مفتوحة له في كل وقت وفي كل مكان. تريد أن تدعو الله فادعوه أينما شئت وحيثما حل ركبك وفي أي وقت تريد. شرائط العبادة للمسلمين هذا نوع من التيسير. شرائط الصلاة مثلا يسر الله للمسلمين فيها حيث اكتفى منهم بخمس صلوات بدل خمسين صلاة. اكتفى منهم بغسل الوجه واليدين ومسح الرأس والقدمين وما الطهارة عند بني إسرائيل فقد كان لها كيفية تختلف. ورد في الرواية إن بني إسرائيل كانوا إذا أرادوا رفع النجاسة يقطعوا (يقصوا) موضع النجاسة من ثيابهم أي أن الثوب لا يطهر إذا إصابته النجاسة وجب قص موضع النجاسة هذا الحكم رفع عن امة النبي . كيف رفع هذا عن امة محمد ؟ هذه الكيفية مرفوعة عن امة محمد وما إلي ذلك من أشكال التيسير ورفع الحرج ورفع الضرر عن المسلمين ببركة النبي من أشكال التيسير. إن الله بني الأحكام الشرعية للعبادة والمعاملة على ما ينسجم مع حاجات الإنسان ومتطلباته في كل عصر. من ذلك إن المعاملة ليست محدودة بعناوين خاصة عند، أكثر الفقهاء. كثير من الفقهاء يحكم بان كل عقد يتحقق بين اثنين فهو صحيح بموجب قوله تعالى: ﴿ وافوا بالعقود ﴾ (المائدة 1 ). من دون ضرورة لان يكون ذلك العقد مصداقا لعنوان البيع أو الهبة أو النكاح وغير ذلك. لذلك يحكم الفقهاء بان عقد التامين عقدا مستقل وهو عقد صحيح. لم؟ لان الآيات والروايات الواردة في باب المعاملة قابلة للانفتاح على ما يستحدثه الناس في كل عصر. إذا هناك وجوه من اليسر والسهولة نجدها في الإسلام الذي جاء به النبي وشريعته ولا نجدها في شريعة غيره. لذلك أصبح النبي سيد الأنبياء، لا لأنه يسر فقط. بل لأنه وصل إلي درجة من المعرفة بالله عز وجل بحيث أصبح قادرا على أن يرتبط بالله عز وجل في كل شئ. كيفية اتصال النبي بربه: لما قنا إن الإسلام يجوز الصلاة في كل مكان هذا يعنى إن صاحب الشريعة استطاع أن يرتبط بالله في كل مكان، استطاع أن يعبد الله بكل صورة ولذلك نجد في الروايات أن البني بدأ بالشاق ثم انتهى باليسير. في الصوم النبي ورد في الروايات انه كان يصوم صوم داوود يصوم يوما ويفطر يوما. ثم أصبح يصوم يومين من كل أسبوع ثم أصبح يصوم ثلاثة أيام من كل شهر. وكان يقول: «من صام ثلاثة أيام فكأنما صام الشهر كله». ما هذا التدرج، ما هذا الترقي كلما تطور الترقي من الأكثر إلي الأقل. إذا أصبحت معرفتك بالله فستعرف إن الله لا يحتاج إلي عملك إنما يحتاج إلي معرفتك. أنت فكلما ازدادت معرفتك بالله عرفت أن الله يقبل اليسير ويعفو عن الكثير، لذلك ورد في الدعاء: «يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير». وورد في الروايات «إن الله إذا أحب عبدا قبل منه باليسير». هناك تناسب بين معرفة الإنسان بربه وبين قبول الله منه. من رضي من الله بالقليل بالرزق رضي الله بالقليل منه من العمل. لماذا؟ لان الإنسان إذا رضي من الله بالقليل من الرزق كان موقنا، وإذا كان موقنا، عبادة العالم خير من عبادة الجاهل بل خير من عبادة سبعين سنة. المعرفة هي المهمة لذلك ورد أن صلاة النبي كانت اقل صلاة وأوجزها. وكان أهل البيت يمقتون الرجل يقال له كان النبي يقتصر على هذا المقدار فيحب هو أن يزيد على ما كان النبي يتعبد به. لماذا تحب ان تزيد؟ أترى أن النبي ترك شيئا من الخير. النبي عندما يقول: «بعثت بالشريعة السمحاء او السمحاء السهلة ». يريد أن يقول هذا هو الطريق الموصل، فإذا البرنامج الذي يطرحه الإسلام يكشف عن أن الإسلام قدس الإنسان بطريقة لم يسبق إليها في عهد الأنبياء السابقين. وهذا جواب عن سؤال. لماذا خصصنا النبي بالذكر؟ الأنبياء يشتركون جميعا في هذه الأصول كما ورد في الحديث: «أن الأنبياء أولاد علاة لأمهات شتى ودينهم واحد ». صحيح أن دينهم واحد ولكن يختلفون في درجة المعرفة، في يسر الشريعة، في انبساط الشريعة على مناحي الحياة. شريعة النبي لأنها كانت مأخوذة من الواقع من حق الواقع ووصل النبي لمعرفته الكاملة للواقع، أصبحت شريعته موافقة للواقع. إذا لا يمكن أن يتصور أن يتغير حلاله يوما ما أو يتغير حرامه يوما ما. حلاله حلال إلي يوم القيامة، وحرامه حرام ألي يوم القيامة. لان البرنامج الذي وضع في هذا الدين كان موضوعا بشكل ينطبق على الإنسان في جميع تفاصيل وجوبه وجميع مناحي حياته من دون إغفال جهة من الجهات. لذلك نجد أن الإسلام يركز على أمرين: - الأمر الأول: يركز على ضرورة تلبية حاجات البدن من دون تقصير فيه ورد في الرواية: «أن هذا الدين عميق فأوغلوا فيه برفق». لا يجوز للإنسان الذي يريد أن يصل إلي الله أن يرهق وان يبهض بدنه ويضع على كاهله الثقل الباهظ بحيث يكون مردود ذلك سلبي على البدن. لماذا؟ لان البدن بالنسبة إلي الإنسان كالمطية والإنسان يحتاج إلي المطية كي يقطع الطريق لذلك ورد أن المندك - أي المسرع إسراعا شديدا - لا ظهر ابقي ولا أرضا قطع، فالذي يرهق دابته لا يستطيع أن يقطع الطريق لان الدابة قد نفقت قبل وصوله إلي غاية الطريق ولم يحفظ الدابة لشدة ما أرهقها في السير. إذا عليه أن يرفق بدابته. البدن مطية الروح. ببركة البدن نحن نصلي، ونصوم، ونجتهد في العبادة علينا أن نختار من العبادة الصورة التي تناسب قوة البدن.علينا أن نختار من العبادة ما يمنع البدن في الارتخاء ولا يرهق البدن. وهذا ما أكد عليه الأئمة . يقول الإمام الباقر للإمام الصادق لما رأى انه يجهد نفسه: «يا بني دون ما أراك أفعل، فان الله إذا أحب عبدا رضي منه باليسير». - الأمر الثاني: اهتمام الإسلام بالروح يقول الله عز وجل: ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾ (الذاريات 56). وهذه الآية تكشف عن أن الغاية من الخلقة العبادة، لكن هناك آية أخرى تذكر غاية أخرى يقول الله عز وجل: ﴿ الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهم لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وان الله قد أحاط بكل شئ علما ﴾. الله خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن وخلق نظاما عجيبا يتنزل الأمر من السماء إلي الأرض بين هذه السماوات إلي أن يصل ألي الأرض، لماذا؟ لتعلم الغاية هنا العلم. كيف نجمع بين الآيتين؟ الجمع بين الآيتين، أن العبادة لا بد فيها من معرفة. والمعرفة لا بد معها من عبادة. العبادة التي تذكرها الآية الأولى ليست العبادة الخالية، كم من إنسان راكع ساجد ولكن تجده ينحرف عند اضعف شبهة. وكم إنسان يركع ويسجد ويمن على الله عز وج بهذا السجود والركوع، وكم إنسان يحمل سيف الإسلام على المسلمين ويرى انه له منة على الدين أن نصر الدين وهذه مشكلة الكثير من أهل الضلال في عصرنا. هذا لا نهم يعبدون من غير تعقل وهو ممن يرى هوى في الله عز وجل ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون لأنه لا يوجد عقل لا يوجد علم لا يوجد معرفة. هنا يحض الإسلام كثيرا على انه لا بد من الاهتمام بالجانب ألعبادي والاهتمام بالجانب المعرفي، لابد من العلم لابد من المعرفة لذلك ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿ فلينظر الإنسان إلي طعامه ﴾ (عبس 24). الرواية تقول فلينظر الإنسان إلي علمه ممن يأخذه، من أين تأخذ علمك، تأخذه ممن قال رسول الله فيه انه باب مدينة العلم، أو تأخذه ممن يصوب من النساء على المنابر. هنا فرق رجل يقع ويخطأ ويعثر في كل مورد غير الرجل الذي يقول ويثبته الله عز وجل لأنه باب مدينة العلم. فلينظر إلي علمه ممن يأخذه على الإنسان المسلم أن يأخذ علمه من عالم رباني. الناس ثلاثة: عالم ومتعلم وهمج رعاع. - العالم: هو الأنبياء، والأولياء الذين أمر الله بإتباعهم. - المتعلمون: هم أتباعهم. - الهمج الرعاع: هم الذين يصدون عن الدليل ويؤفكون عن آياته سبحانه وتعالى. هذا الجانب مهم جدا لأنه بمقدار ارتقاء الإنسان في سدة العلم يكتفي منه بالقليل من العمل حتى تصبح ضربة واحدة من العالم الرباني توازي عمل الثقلين. لان تلك الضربة كانت مبنية على علم لو وزع على المخلوقات كلها لم يكونوا قادرين على حمله. علم امير المؤمنين هو السبب في ثقل ضربة علي يوم الخندق. إذا الاهتمام بالعلم أمر مهم. من هذا كله يتبين أن الدين الذي جاء به النبي الذي عرفه النبي بقوله:«بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». إن الدين الإسلامي الذي بعث نبينا محمد به بالخصوص هو لم يكن إلا للإنسان ليس الدين الإنساني بمعزل عن الإنسان لذلك ورد: «أن هذا الدين عرينا فلباسه الحياء » ويقول النبي في وصفه وهناك ارتباط بين الدين وكرائم الأخلاق التي يحض عليها حتى العقل. لم يندب الإسلام إلا ما ندب إليه العقل. نعم الأنبياء بينوا مالم يستطيع العقل أن يبينه لكن في غاية الأمر إذا اخذ النبي بيدك إلي ارض ووضع رجلك على تلك الأرض تجد أن ما في تلك الأرض ما يحكم به العقل. أنت ببركة الأنبياء أبصرت طريقك لكن بعد أن تبصر سيحكم عقلك بلزوم أن تشق هذا الطريق. إذا الإنسان في رسالة النبي ليس طرفا في الخطاب فحسب بل هو أصل الرسالة، رسالة النبي صياغة الإنسان. أن يكون الإنس