"حزب الله" يتبنّى التمرّد في البحرين ويُغفل البلدان الأخرى
الثورات العربية بين الدعم الصادق والاستثمار السياسي
في إطلالته يوم السبت الماضي؛ تحدث السيد حسن نصر الله عن الثورات العربية، من باب التضامن مع "شعوبنا العربية؛ وثوراتها وانتفاضاتها وتضحياتها، خصوصاً في كل من تونس ومصر والبحرين وليبيا واليمن".
في خطابه التضامني هذا؛ أقحم نصر الله الفتنة المذهبية في البحرين في عداد الثورات، وتجاهل بشكل كلي الحراك الشعبي الجاري بوتيرة متصاعدة في سوريا، فضلاً عن إغفاله الثورة الخضراء في إيران، من خلال "تخريجة" ذكية، تمثلت بحصر التضامن بـ"الثورات العربية".
والواقع؛ جاء تضامن نصر الله مفتقراً إلى ثلاثة شروط ضرورية ليكون تضامناً صادقاً، وهي: الشمولية، والموضوعية، والصحة.
الشمولية:
لا يصح في حال من الأحوال، لأي متضامن -فضلاً عن أي جماعة تدّعي التضامن من منطلقات أخلاقية- أن تنظر إلى الثورات بمعايير مختلفة، فتتحدث بحق- عن ثورة مجيدة في تونس ومصر وليبيا واليمن، ثم تغفل ما يجري على مقربة منها في درعا ودمشق وعدد من المدن السورية، لأن الاعتبار السياسي يفرض ذلك.
خصوم السيد نصر الله السياسيون لم يفعلوا ذلك، ولو أنهم ترددوا في البداية، إزاء الثورة المصرية، مع أن القاصي والداني يعرف أن نظام حسني مبارك هو نظام حليف لهم، وأنهم خسروا بسقوطه سنداً سياسياً. في ميزان الربح والخسارة، فضّل فريق 14 آذار أن يحفظ مبادئ ثورته على أن يدافع عن حليف موضوعي في السياسة، إذ كيف يمكن لـ 14 آذار الدفاع عن حسني مبارك وهي تدّعي أن ثورتها تشكل النموذج العربي الأول لإسقاط الظلم والتسلط؟! ما فعله قادة 14 آذار أنهم انتصروا لروح ثورتهم، رغم شماتة خصومهم، وتبكيتهم لهم، ودعوتهم إلى الاستسلام بدعوى سقوط الأنظمة الحليفة.
الآن انتقل الاختبار إلى الفريق الآخر (يا لعدالة السماء)، فماذا يمكن القول لمواطن سوري يتظاهر مطالباً بالحرية والعدالة الاجتماعية غير التأييد؟ لقد سقط "حزب الله" في أولى مراحل هذا الاختبار، ليس لأن السيد نصر الله أغفل ذكر ما يجري في سوريا كلياً، وإنما لأن إعلامه سواء الإعلام الرسمي لـ "حزب الله"، أو الإعلام الحليف- غيّب كلياً ذكر ما يجري هناك، ورغم الدماء والاعتقالات، لم يظهر خبر واحد يوحي بحد أدنى من المهنية إزاء حدث من هذا النوع!.
الموضوعية:
في خطابه إياه، كما في خطاب فريق الثامن من آذار كله، هناك ربط غير موضوعي بين الثورات العربية وعلاقة الأنظمة بالولايات المتحدة الأميركية. عدم الموضوعية مرده إلى أن الشعوب الثائرة، إنما تثور على الظلم والقهر وسلبها حقوقها قبل أي شيء آخر، مع الأخذ بالاعتبار أن التبعية لأميركا والغرب هي عامل إضافي في تسعير الثورة وزيادة سخط الشعب، وليست عاملاً وجودياً كما يحاول المستثمرون في الثورات العربية أن يوحوا لجمهورهم. الدليل القاطع على ذلك أن الثورات لم تبقَ حبيسة الأنظمة المسماة أنظمة "اعتدال"، وإنما شملت الأنظمة "الثورية"، كالنظام الليبي، ووصلت إلى نظام "الممانعة" الأول في المنطقة أي النظام السوري.
ولعل المشهد الليبي اليوم فيه ما يكفي من وضوح حول هذه النقطة بالذات، إذ يبدو العقيد القذافي اليوم عن غير حق- كأنه هو الذي يتصدى لأميركا والغرب، الذين يقصفونه بالصواريخ، فيما يبدو الثوار عن غير حق أيضاً- كأنهم هم الذين يجلبون الاستعمار والتدخل الأجنبي. والواقع أن القذافي بلغ من الطغيان أنه اضطر هؤلاء إلى طلب التدخل الدولي بغطاء عربي، لئلا تسحقهم آلة القذافي العسكرية، على قاعدة "مكره أخاك لا بطل".
والشاهد من ذلك؛ أن نظام القذافي لم يكن أصلاً نظام اعتدال، بل كان نظاماً ثورياً، يرعى الإرهاب، وهو مصنف لدى أميركا ضمن الدول الراعية للإرهاب، ومع ذلك فقد قامت فيه الثورة!.
الصحة:
لقد كان لافتاً جداً إقحام "حزب الله" دولة البحرين في عداد الدول التي تشهد ثورات تغييرية. قد يكون النظام في البحرين بحاجة إلى إصلاحات، لكن الأصح أنه لا يمكن مساواة تونس ومصر بالبحرين، لسبب ظاهر وبسيط، وهو أنه في الثورتين السابقتين كان الشعب كله في مواجهة النظام، أما في البحرين فإن الشعب منقسم حول النظام. في مصر خرج المسلمون والأقباط جنباً إلى جنب لمطالبة الرئيس حسني مبارك بالرحيل، أما في البحرين فقد خرج الشيعة للمطالبة بإسقاط النظام، فيما خرج السنة لتأييده، ما جعل البحرين على شفير حرب أهلية، وليس إزاء ثورة شعبية. هذا هو الفرق الأساس الذي يجعل حالة البحرين مختلفة عن سواها، فضلاً عن أمور تفصيلية أخرى تجعل من مشهد البحرين مختلفاً؛ فالشعارات مذهبية، والمطالب فئوية، والصور المرفوعة غير وطنية، كما أن التدخل الإيراني في رعاية المحتجين ظاهر؛ لمن يرى وحتى لمن لا يرى!.
والواقع أن السيد نصر الله يخسر كثيراً من رصيده في العالم العربي عندما يسخّر حضوره وإعلامه لمناصرة الفتنة في البحرين، لأن العالم العربي بأغلبيته الساحقة لا يرى أن في البحرين ثورة شعبية (على سبيل المثال جرت تحركات شعبية في الكويت للضغط على الحكومة من أجل اشتراكها في القوات الخليجية المرسلة إلى البحرين وللتنديد بإيران!). يقول العلامة يوسف القرضاوي الذي لا يمكن اتهامه بالتبعية لأميركا بحال من الأحوال- في خطبة يوم الجمعة الماضي (منشور في صحيفة الشرق الأوسط يوم السبت 19/3/2011) عن الثورة في البحرين ما حرفيته: "الشيعة هناك جميعاً ضد السنة جميعاً.
الثورة قامت طائفية شيعية.. أهل السنة لما رأوا هذا قاموا، 450 ألفاً، وقالوا نحن لنا مطالب أيضاً. إذا كنتم أيها الشيعة لكم مطالب فنحن - أهل السنة - لنا مطالب أيضاً، وقالوا مطالبهم... لم يكونوا (المحتجون) سلميين، بل اعتدوا على كثير من أهل السنة واستولوا على مساجد ليست لهم، واستعملوا الأسلحة كما يفعل البلطجيون في اليمن وفي مصر وغيرها ضد كثير من المستضعفين من أهل السنة!... في مثل هذه الأمور الحوار أولى، بدلاً من أن ينقسم المجتمع انقساماً طائفياً، وقد دعا إلى ذلك ولي عهد البحرين.
إن الخطر هو أن ينسب الشيعة أنفسهم إلى بلاد أخرى ويحملوا صورة خامنئي وصورة نصرالله وصورة كذا وكأنهم ينتسبون إلى إيران ولا ينتسبون إلى البحرين". (في خطابه، رد نصر الله على القرضاوي ضمناً من دون أن يسميه عندما قال: "هل انتساب أغلبية المعارضة في البحرين إلى الطائفة الشيعية يجعلها مسلوبة الحقوق وتصدر في حقها الفتاوى، فأين الإنصاف؟").
إن تضامن السيد حسن نصر الله وغيره من الناس مع الثورات العربية، لا يمكن لها أن تقدر ما لم تراعِ شروط الشمولية والموضوعية والصحة، وإلا كانت جزءاً من الاستثمار السياسي الذي رفضه شعب مصر بشكل واضح عندما رد ضمناً على الإمام خامنئي والسيد نصر الله، نافياً الصفة الإسلامية عن الثورة، ومطالباً إيران و"حزب الله" بأن يتركوا ثورة مصر لأهلها... حتى أن الفنان الشعبي شعبان عبد الرحيم أطلق أغنية طريفة في هذا المجال؛ يمكن لمن أراد الاستماع إليها عبر الإنترنت ليتبين له المزاج المصري، وموقفه من إيران و"حزب الله"، رغم سقوط نظام حسني مبارك.