بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ولأي الأمور تدفن سراً بضعة المصطفى ويعفى ثراها
بنتُ مَنْ أمُّ مَنْ حليلةُ مَنْ ويلٌ لمن سنَّ ظلمَها وأذاها
لاأعرف أحداً استثمر موته وجنازته وموضع قبره في معارضة السلطة ، كما استثمرت ذلك فاطمة الزهراء عليها السلام !
تقول بذلك للأجيال: إفهموا وفكروا لماذا غضبت فاطمة عليهم ، فقاطعتهم ولم تكلمهم حتى لقيت ربها وأباها ؟
ولماذا أوصت أن تدفن سراً حتى لا يحضروا جنازتها ولا يصلوا عليها ؟!
ولماذا أوصت أن يعفَّى قبرها ولا يعرف مكانه ؟
ولماذا عمل الأئمة من أولادها بوصيتها ، فلم يحددوا قبرها ولم يبنوه ؟
فاطمة الزهراء.. أعطاها الله ورسوله مقاماً عظيماً: سيدة نساء العالمين ، وسيدة نساء أهل الجنة ، واعترف به القريب والبعيد ، وأثبتت بسمو شخصيتها وتميز سلوكها ، أنها أهلٌ لهذا المقام ، وأنها حقاً أمَةُ الله الطيبة الطاهرة المباركة ، التي بشرت بها التوراة والإنجيل ، وأن ذرية النبي الخاتم ستكون منها !
فما لها وقفت أشدَّ موقف من السلطة القرشية بعد وفاة أبيها ؟ وركزت غضبها على زعامة قريش الجديدة أبي بكر وعمر وصاحبهم في مكة سهيل بن عمرو ؟! فاتهمتهما بأشد التهم ، ولم تقبل لهما عذراً ، ولاردَّت عليهما السلام عندما جاءاها معتذرين لها من الهجوم على دارها ، ومصادرة أوقاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفدك ومنعها من إرث أبيها صلى الله عليه وآله وسلم ! مع أن ردُّ سلام المسلم واجبٌ ، وقبول عذره لازم !
ولا نظنها كانت ستقبل لهم عذراً حتى لو أرجعوا لها الأوقاف وفدك ، فقضيتها معهم ليست أوقاف أبيها ولا مزرعة فدك ! فماذا تصنع فاطمة بفدك والأوقاف ، وهي من هي زهداً وعبادة ، وقد أخبرها أبوها أنها ستلتحق به عن قريب ؟!
فقضيتها أن تثبت للمسلمين أن الذي جلس مكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لايؤتمن على الدين والأمة ، لأنه سرق مزرعة من بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأرسل مسلحين أخرجوا منها وكيلها ووضعوا وكيله بدله ! فياويل بنات المسلمين ، ويا ويل الأمة !
قضيتها أنها تراهم غاصبين للخلافة التي هي حقٌّ من الله لزوجها وولديها الحسن والحسين ، وبعدهما للأئمة من ذريتها الموعودين على لسان أبيها !
ترى سقيفتهم مؤامرةٌ وردَّةٌ قرشية عن الإسلام !
{ فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ، ظهرت فيكم حسيكة النفاق... هذا والعهد قريب ، والكلْم رحيب ، والجرح لما يندمل ، والرسول لما يُقبر ، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة ! أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ!...ثم أخذتم تورون وقدتها ، وتهيجون جمرتها ، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي ، وإطفاء أنوار الدين الجلي ، وإهمال سنن النبي الصفي ، تشربون حسواً في ارتغاء ، وتمشون لأهله وولده في الخمرة والضراء } !!
وترى الخسارات العظمى التي أوقعوها بالإسلام والأمة والعالم ، بإبعادهم علياً عن الخلافة:
{ والله لو تكافُّوا عن زمام نبذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاعتلقه ، ولسار بهم سيراً سُجحاً ، لايكلم خشاشه ، ولايتعتع راكبه، ولأوردهم منهلاً نميراً فضفاضاً تطفح ضفتاه ، ولأصدرهم بطاناً قد تخير لهم الريَّ غير متحل منه بطائل ، إلا بغمر الماء وردعة سورة الساغب ، ولفتحت عليهم بركات السماء والأرض، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون }!
وقد سخرت الزهراء عليها السلام من منطقهم القبلي الذي برروا فيه اختيارهم لأبي بكر فقالت:
{ ألا هلمَّ فاسمع وما عشت أراك الدهر العجب... إلى أيِّ سِنَادٍ استندوا ، وبأية عروة تمسكوا ، استبدلوا الذُّنابى والله بالقوادم ، والعجزَ بالكاهل ، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً! أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لايَشْعُرُونَ.. أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لايَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى فَمَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟! }...
وقد بلغت قضيتها المدى ، عندما دعت الأنصار علناً في خطبتها القاصعة الى نصرتها ومقاومة سقيفة قريش وخليفتها بقوة السلاح ، وإلا فهم ناكثون لبيعتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحموه ويحموا عترته ، ولا ينازعوا الأمر أهله الشرعيين ! فقد قالت لهم صراحةً:
{ إيهاً بني قَيْلة ! أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى مني ومسمع ، ومنتدى ومجمع ، تلبسكم الدعوة وتشملكم الخبرة ، وأنتم ذووا العدد والعدة ، والأداة والقوة ، وعندكم السلاح والجنة ، توافيكم الدعوة فلا تجيبون ، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون...} !!
ثم عرفتهم فداحة ما حدث ، وأنذرتهم غبَّ ما عملوا فقالت:
{ أما لعمري والله لقد لقحت ، فنظرةً ريثما ننتجوا ، ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً ، وزعافاً ممقراً ، هنالك يخسر المبطلون ! ويعرف التالون غِبَّ ما أسس الأولون...! أنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعملوا إِنَّا عَامِلُونَ ، وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ }...!
إن وصية فاطمة الزهراء عليها السلام في تجهيزها ودفنها وقبرها ، كانت عملاً من سلسلة أعمالها المقصودة في خدمة قضيتها مع قريش الطلقاء ، أرادت أن تثير به السؤال في الأجيال لعلها تفهم ما أسسه الأولون وتردد مع الشاعر:
ولأي الأمور تدفن سراً بضعة المصطفى ويعفى ثراها
بنتُ مَنْ أمُّ مَنْ حليلةُ مَنْ ويلٌ لمن سنَّ ظلمَها وأذاها
جواهر التاريخ 1 - الشيخ علي الكوراني العاملي
---------- الرسالة المعاد توجيهها ----------
من: Abozihra Almosawi <جزيل الشكر >
إن السيدة الزهراء -عليها السلام- جمعت بينَ صفتين: المخفيةِ قبراً، والمجهولة قدراً..
هذهِ السيدة جاءت إلى هذهِ الدنيا وذهبت، ولم يُعلم قدرها حقَ المعرفة.
. فقط الذين عرفوها هم: أبوها، وبعلها، وبنوها..
ولهذا لا نستغرب أن الأئمة من ولدها، كانوا يبكون عندما يتذكرون جدتهم فاطمة، رغم السنوات الطويلة التي تفصلهم عنها..
ومن محطات زيارة الإمام المهدي وبكائه -عليه السلام- في هذهِ الغيبة الطويلة،
زيارتهِ قَبر أمهِ فاطمة، فهو يعلم أينَ هذا القبر!.
. ولا مانعَ من أن نقول: بأن لهُ بأمهِ فاطمة قدوة وأسوة!..
ففاطمة -عليها السلام- دافعت عن الإمامة، وكذلك الإمام الحجة -عليهِ السلام- هذهِ هي وظيفته.
رفع مستوى الهمة:
ينبغي للمؤمن أن يستفيد من مناسبات قادته المعصومين (ع)، فيتأسى بهم في حركة الحياة.. فلا نجعلهم - عليهم السلام- في لوحات زيتية راقية: رسماً، ووصفاً..
أي نصف القادة، ونفتخر بهم فقط دون الالتزام بأعمالهم وأقوالهم.. لأننا بذلك نكون- مع فارق التشبيه- كالذي يشجع الرياضيين، وهو إنسان كسول، لا يملك جسماً رياضياً.. بينما الذي يحب الرياضة، يجب أن ينزل إلى الميدان، ويتأسى بالرياضيين، ولو بدرجة من الدرجات!..
قد يقول قائل: لا نستطيع أن نكون كالنبي، وكالزهراء، وكعلي!.. فهؤلاء لا يمكن الوصول إلى رتبهم!..
نعم، لن تصبح نساؤنا كفاطمة، ولا رجالنا كعلي، ولا أولادنا كالحسنين.. ولكن ينبغي للمؤمن أن يرفع مستوى الهمة؛
مثلاً: لو أن هناك تاجراً دخل السوق، ويريدَ أن يكون صاحب ثراءٍ واسع؛ هذا حتى لو كانَ فقيراً، فإن سعيهُ يجب أن يتناسب معَ هذا الهدف.. وكذلك الإنسان الذي همهُ أن يُصبح كاتباً في وزارة، ويأخذ راتباً متواضعاً؛ فإن سعيه يكون متواضعاً بما يتناسب مع طموحه.
وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام
فالإنسان كُلما علت همتهُ، زادَ سعيه..
ولهذا أيام الامتحانات، نُلاحظ حتى الكُسالى من التلاميذ، لا ينامون الليل.. لأنه جعلَ هدفهُ في ذلكَ الأسبوع، أن ينجحَ في الامتحان.. فلا يأكل، ولا يشرب، ولا ينام؛ لأنهُ يعيش هذا الهاجس.
فإذن، يجب أن نرفع من مستوى الهمة، كي نصبح كهؤلاء، إلا فيما لا يمكن تقليدهم فيه.. فالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كانَ يُوحى إليه، وباب الوحي انسدَ إلى يوم القيامة، ولكن باب الإلهام والتسديد مفتوح، كما فُتحَ لأمِ موسى (ع)، وغيرها من الصالحين طوالَ التأريخ.
ما هيَّ نقاط التأسي بالسيدة فاطمة (عليها السلام)؟..
قد يأتي في ذهن البعض: أنَ الحديث عن الزهراء - عليها السلام- يناسب في الدرجة الأولى النساء؛ لأنها امرأة، والإقتداءُ ينبغي أن يكون للنساء.. وهُنا نقول: الرجولة والأنوثة هذهِ صفات الأبدان، وإلا الأرواح أرواحٌ واحدة، لم يقل أحد لا قديماً ولا حديثاً، لا من الفلاسفة ولا من أهل الحديث: أنَ الأرواح على قسمين؛ روحٌ ذكورية، وروحٌ مؤنثة.. الروح هي أمانة الله -عز وجل- نفخت في بني آدم.. فإذن، الزهراء حقيقتها حقيقةٌ لا توصف: لا بالذكورةِ، ولا بالأنوثة.. وهكذا أرواح المعصومين والأنبياء (ع).. وبالتالي، فإنه يصح أن نقول: أن الرجال يمكنهم التأسي أيضاً بهذهِ السيدة الطاهرة كالنساء.
أولاً: الجمع بين التكاليف.. أول صفة تلفت النظر في حياة الزهراء -عليها السلام- كإنسانةٍ كاملة، هي الجمعُ بينَ التكاليف.. نحنُ مشكلتنا أننا نجعل لكُلِ شيءٍ ملفاً: فعندما نعمل، ننسى العبادة.. وعندما نتعبد، ننسى العمل.. وكأنَ الإنسان ينتقلُ من حقل إلى حقل؛ وهذا خطأ كبير!.. فالمؤمن يعيش كُل الحقول في آنٍ واحد!.. فالزهراء -عليها السلام- كان لها وظائف عبادية: فقيامُ الليل لفاطمة - عليها السلام- كقيام أبيها - صلى الله عليه وآله وسلم-، وكقيام أمير المؤمنين - عليه السلام-؛ كانت تمضي ساعات من العبادة الليلية.. ولها أيضاً نوافلها اليومية، وصلواتها، وصومها المستحب.. ولكن أنظروا إلى سيرتها بأبي هي وأمي في المنزل، عن علي (ع): (إنها استقت بالقربة حتى أثرّت في صدرها، وجرّت بالرّحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها).. لم يكن الأمر سهلاً على هذهِ السيدة، التي كانت في عمر الزهور، كانت تقوم بأعمال المنزل، وكانت في خدمة أمير المؤمنين كزوجة مثالية.. فالأسرة الأولى المثالية من خِلقة آدم - عليه السلام- إلى قيام الساعة، هيَّ أسرة عليٍّ وفاطمة.. هكذا كانَ حالها -عليها السلام- فقد جمعت بين عمل النهار المتعب، وبين العبادة.. تلكَ هي سيدة نساء العالمين، العابدة الأولى في تأريخ البشرية في صنف النساء!..
إن المؤمن ينبغي أن يكون ذاكراً في جو الغافلين!.. فإن دُعي إلى مجلس، تغلب عليهِ الغفلة: كالأعراسِ، وغيرهِ، يلقن نفسه يقول: يا رب، اشهد علي بأني سوفَ لن أكونَ من الغافلين كباقي الغافلين.. وكذلك إن كان في الوظيفة، وليس لديه عمل؛ يغتنم الفرصة، ويثقف نفسه.. إذ بإمكانه أن يقرأَ دورات فقهية، أو عقائدية، أو تفسيرية.. ويمكن أن يقوم ببعض المستحبات أيضاً، وبذلك يجمع بين العمل والعبادة!..
ثانياً: العفة.. عندما احتاجَ عليٌ - عليه السلام- للناصرِ والمعين، فاطمة -عليها السلام- ربة البيت، خرجت لتدافع عن إمام زمانها- عليه السلام- ولكن بشرطها وشروطها!.. مع الأسف بعض النساء يردن أن يتشبهن بفاطمة- عليها السلام- فيتحررنَ من القيود الدينية.. يقولون: فاطمة كانت ذات عمل سياسي، ونحنُ أيضاً نتشبه بها.. ولكن كيف دخلت الزهراء الميدان؟.. تقول الرواية
لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمةٍ من حفدتها، ونساء قومها.. تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (ص)... فنيطت دونها ملاءة، فجلست ثم أنَت أنَةً أجهش القوم لها بالبكاء، فارتج المجلس.. ثم أمهلت هنيئة، حتى إذا سكن نشيج القوم، وهدأت فورتهم.. افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على رسوله.. فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها).. لم تكن تمشي بشكلٍّ يتصفحها كُل رجل، بل كانت تمشي في وسط نسائي، من باب الاستتار والهيبة.. وكان كلامها مؤثراً، ففاطمة - عليها السلام- بأنتها أبكت القوم، فارتجَ المجلس وكأنهُ وقعَ زلزال.. بسبب ذلكَ التأثير الرباني الذي جعلهُ الله -عز وجل- في وجهها، وفي صوتها؛ وما ذلك إلا لأنها أخلصت العمل للهِ عزَ وجل.
ثالثاً: الحب الإلهي.. البعض يتكلم وكأنَ أئمة أهل البيت - عليهم السلام- كانوا يدعون الناس إلى أنفسهم، في قبال رب العالمين!.. بينما التوحيد، والتهليل، والتكبير؛ مفاهيم الوحدانية، والانقطاع إلى الله -عز وجل- كانت تطفحُ من كلماتهم الشريفة.. فهذهِ فاطمة تقفُ في المسجد للدفاع عن إمامة أمير المؤمنين -عليه السلام- ولكن ما هو أولِ كلامها؟.. تقول (ع): (وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأنار في التفكر معقولها).. تشهد لله -عز وجل- بالوحدانية، ثُمَّ تُقسم التوحيد، إلى التقسيم الثلاثي المعروف.. فالتوحيد، والإمامة، والنبوة، والمعاد؛ هذهِ المفاهيم تحتاجُ إلى ثلاثة حقول تفاعلية:
الحقل الأول: الفكرة.. أي يفكر الإنسان، ويعتقد بالله -عز وجل- إيماناً.
الحقل الثاني: العاطفة.. أي يتفاعل معهُ بقلبه، ويغلف المفهوم بغلاف الحب والود.
الحقل الثالث: العمل.. كما أن الأوكسجين عندما يجتمع مع الهيدروجين؛ ينبثق الماء.. كذلك فإن النتيجة التي تتولد من الفكرة والعاطفة، هي الحركة في الحياة؛ أي العمل.. فالعمل لا ينفك عن الاعتقاد الراسخ، والعاطفة العميقة، عندئذ ينطلق الإنسان في العمل.. دائماً نسمع هذا التقسيم الثلاثي: الأفكار، والعواطف، والجوارح.. الزهراء -عليها السلام- في خطبتها تقول: التوحيد هو كلمة، ولكن لها واقع في الحياة (كلمة جعل الإخلاص تأويلها)؛ أي الإخلاص في العمل، هو تأويل التوحيد.. إن أردتَ أن تطبق التوحيد في الحياة، فكُن مخلصاً في حركتكَ في الحياة.. (وضمن القلوب موصولها)؛ أي هناك ارتباط بين القلبِ وبينَ عالم التوحيد.. وأخيراً (وأنار في التفكر معقولها).. فإذن، إنارةٌ في الفكر، ووصلٌ في القلب، وإخلاصٌ في العمل.. هذهِ المراحل الثلاث التي تُنادي بها فاطمة -عليها السلام-.
ليس هنالكَ موجود على وجه الأرض، أحب علياً كفاطمة.. عليٌ -عليه السلام- إمام زمانها، وزوجها، ووالد أولادها.. نحنُ علاقتنا بعليٍّ -عليه السلام- علاقة الإقتداء، والإمامة.. أما فاطمة - عليها السلام- فهنالكَ أكثر من علاقة، تربطها بعليٍّ -عليه السلام-.. ولكن هل هذا شغلها عن الحب الإلهي؟.. أبداً!.. الحب الإلهي كانَ متغلغلاً في قلب فاطمة، ويتجلى هذا الحب عندما تدخل الجنة، وتقول: (يا رب، أنتَ المنى، وفوق المنى)!.. جمعت بينَ حب اللهِ -عزَ وجل- وحب علي؛ ولكن في طابقين.. فالمؤمن يجعل للحب طوابق: الطابق الأول: حب الأهلِ والأولاد، هذا لا يتعدى للطابق الثاني.. والطابق الثاني: حب أولياء الله -عزَ وجل- من النبي، وآلهِ، والمؤمنين.. والطابق الثالث: هو الحب الإلهي؛ هذا طابق مستقل.. ولكل طابق غرفهُ، وأدوارهُ، وأثاثهُ.. فهل الإنسان يحب اللهَ -عزَ وجل- كما يحب النبي؟.. نحب النبي لأنهُ عبدٌ للهِ -عزَ وجل-، ونحب الزوجة لأنها مؤمنة.. ولهذا يقول دعبل في قصيدته:
أحب قصي الدار من أجل حبهم *** وأهجر فيكم أُسرتي وبناتي
فإذن، إن حب الزوجةِ والأولاد؛ مرتبطٌ بالثاني: بحب النبي وآله.. وحب النبي وآله، مرتبطٌ بالحب الإلهي.
رابعاً: الصبر.. لماذا هذا الخلود لذكر فاطمة -عليها السلام-؟.. هذا الخلود؛ لأنها صبرت، وتحملت الكثير بعد وفاة أبيها - صلى الله عليه وآله وسلم-.. فكانت عندما تقفُ على قبر أبيها - عليها السلام- تقول:
ماذا على من شم تربة أحمد *** أن لا يـشم مدى الزمان غـواليا
صبت عليّ مصائب لـو أنها *** صـبت على الأيام عــدن لياليا
فاطمة -عليها السلام- نسبتها إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لا كنسبة الثمرةِ للشجرة، لأن الثمرة عندما تقطف من الشجرة؛ تبقى إلى فترة.. أما الزهراء بالنسبة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم- كالغصنِ للساق؛ عندما مات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم-؛ ماتت فاطمة مع رسول الله.. ولهذا كانت تبكي في ليلها ونهارها، وروي: (إنها مازالت بعد أبيها معصبة الرأس، ناحلة الجسم، منهدة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة).
الخلاصة:
1- إن السيدة الزهراء -عليها السلام- جمعت بينَ صفتين: المخفيةِ قبراً، والمجهولة قدراً.
2- أنه ينبغي للمؤمن أن يستفيد من مناسبات قادته المعصومين (ع)، فيتأسى بهم في حركة الحياة.
3- إن أول نقاط التأسي بالزهراء -عليها السلام- كإنسانةٍ كاملة، هي العفة والجمعُ بينَ التكاليف، فعندما تعمل لا تنسى العبادة، وعندما تتعبد، لا تنسى العمل، وعندما خرجت لتدافع عن إمام زمانها خرجت تطأ ذيولها سترا وعفة، فكان لكلامها ذلك التأثير الرباني.
4- أن العمل لا ينفك عن الاعتقاد الراسخ، والعاطفة العميقة، وعليه فإن الإخلاص في العمل، هو تأويل التوحيد.
5- أنه ليس هنالكَ موجود على وجه الأرض، أحب علياً كفاطمة-عليها السلام- فهو إمام زمانها، وزوجها، ووالد أولادها، ولكن ذلك لم يشغلها عن الحب الإلهي الذي كان متغلغلا في وجودها عليها السلام.
6- أن من نقاط التأسي بفاطمة -عليها السلام- صبرها الذي كان به خلود ذكرها، فكم صبرت وتحملت الكثير بعد وفاة أبيها -صلى الله عليه وآله وسلم-.
7- أن الزهراء بالنسبة للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كالغصنِ للساق؛ فعندما مات النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ ماتت فاطمة –عليها السلام - معه.