التكفـــير عنــد الرافضه
من المعلوم أن تكفير المسلم وإخراجه من الدين بغير حقٍ مزلقٌ خطير، وبابُ شرٍ مستطيرٍ، تواردت الأدلة الشرعية على النهي عنه والتحذير من الوقوع فيه.
ولقد ابتليت هذه الأمة بوقوع الاختلاف والتنازع فيما بينها، حتى وصل الأمر إلى أن تقع بعض فرقها في حمئة التكفير لبعض مخالفيها من فرق الإسلام الأخرى، غير أنه لم يقع ولم يكن متصورًا أن يصل الحال إلى تكفير عموم الأمة وجميع المخالفين من السابقين واللاحقين، حتى من أول من عُرف عنهم الوقوع في التكفير وهم الخوارج.
وإن الإنسان ليأخذه الذهول والعجب مما ينسب إلى المذهب الإمامي الإثني عشري، وهل وقع في هذا الطريق المردي فعلًا، وولج في التكفير العام لعموم المسلمين من أمة محمد عليه الصلاة والسلام كما يرميه به بعض الناس؟
فإن خطورة آثار هذا المنهج تدعو إلى التثبت والتبيّن قبل إصدار الأحكام على الغير، تفاؤلًا بأن يكون هذا المنسوب نوعًا من المبالغة والغلو.
وكان لابد الباحث من تتبع كتب المذهب بغية التثبت والتريث ؛ والنظر في النصوص والروايات الكثيرة في أصح الكتب وأقواها اعتمادًا، وبألسن كبار علماء المذهب ورجاله، للتأكد هل تؤيد ما نسب إلى الإمامية بقوة، وتؤكد بوضوح حقيقة هذه النسبة؟ نسأل الله للجميع الهداية.
وحتى نعلم - أخي القارئ الكريم - هذا الأمر علمًا يقينيًا بعيدًا عن التخرص -لا رميًا بالتهم بغير برهان- ننظر سويًا في كتب الشيعة لنصل إلى النتيجة الحقيقية.
الحكم على الصحابة:
عقد المجلسي في كتابه «بحار الأنوار» بابًا بعنوان «باب كفر الثلاثة ونفاقهم وفضائح أعمالهم» في (8/208- 252) من الطبعة الحجرية، ويقصد بالثلاثة «أبا بكر وعمر وعثمان».
وعقد الشيخ البحراني عدة أبواب في هذا الموضوع منها الباب (97): «اللذان تقدما على أمير المؤمنين عليهما مثل ذنوب أمة محمد إلى يوم القيامة» [المعالم الزلفى (ص:324)]، ويقصد بهما أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وفي الباب (98): «أن إبليس أرفع مكانًا في النار من عمر، وأن إبليس شرف عليه في النار» [المصدر السابق (ص:325)].
بل إنهم ينعتون أبا بكر وعمر بالجبت والطاغوت كما في أصول الكافي (1/429).
أما الروايات التي ينسبونها إلى الأئمة، وفيها تكفير لجميع الصحابة ما عدا أفرادًا قلائل فكثيرة، أذكر لك منها -أخي الكريم- ما يزيدك يقينًا فيما ذكرت لك:
فقد روى الكليني في الكافي «عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك! ما أقلّنا.. لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ فقال: ألا أحدثك بأعجب من ذلك؟ المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا -وأشار بيده- ثلاثة» [أصول الكافي (2/244)].
فانظر -أخي الكريم- كيف ينسبون إلى أبي جعفر أنه يرى أن جميع المهاجرين والأنصار هلكوا جميعًا إلا ثلاثة!!
بل الأعجب من ذلك أن كتب التفسير تفسّر الآيات الكريمة تفسيرًا غريبًا لا يقبله عقل ولا تقره فطرة سليمة، فعند قول الله تعالى «أو كظلمات» قالوا: فلان وفلان «في بحر لجي يغشاه موج» يعني، نعثل «من فوقه موج» طلحة والزبير «ظلمات بعضها فوق بعض» معاوية.
انظر تفسير القمي: (2/106)، بحار الأنوار: (23/304-305).
ويوضح لنا المجلسي معاني الكلمات الغريبة فيقول: «المراد بفلان وفلان أبو بكر وعمر، ونعثل هو عثمان» [انظر بحار الأنوار: (23/306)].
ولقد كشف الأمر وأوضحه بلغة لا تحتمل التأويل الشيخ المجلسي بقوله: «ومما عدّ من ضروريات دين الإمامية استحلال المتعة، وحج التمتع، والبراءة من أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية» [الاعتقادات للمجلسي (ص:90-91)].
و قال المجلسي عن الخلفاء الراشدين: «إنهم لم يكونوا إلا غاصبين جائرين مرتدين عن الدين» [انظر بحار الأنوار: (4/385)].
وبعد -أخي القارئ الكريم- فهذا غيض من فيض من أصح الكتب، وكلام أوثق العلماء لديهم؛ فيه صريح البراءة من كبار الصحابة وتكفيرهم.
غير أن الكثير منهم يحاول اليوم عبثا أن يُلبس على العوام، ويخفي عنهم هذا الأمر الجلل، حتى لا تنفر منهم النفوس المؤمنة والفطر المستقيمة، مع أن كتبهم وأقوال علمائهم شاهدة عليهم لا يستطيعون ردها أو دفعها، ولذلك اعترف الكثير منهم بهذه العقيدة، وجاهر بها.
وكما كفروا الصحابة إلا قليلًا، فقد كفروا من بعدهم كذلك، ففي رجال الكشي (ص:123) وأصول الكافي (2/380): «ارتد الناس بعد قتل الحسين إلا ثلاثة: أبو خالد الكابلي، ويحيى أم الطويل، وجبير بن مطعم».
الحكم على المخالفين:
وحتى يتضح لك الأمر أكثر، لابد أن تعلم أنهم يرون كل من لم يؤمن بالإمامة على منهجهم ومذهبهم فهو كافر، فقد نص صاحب الكافي في رواياته على ذلك، وإن كان المخالف لهم علويًا فاطميًا. [انظر الكافي (1/372 -374)].
ومثل ذلك في الفرق الإسلامية المخالفة لهم، فهم يجعلونهم كلهم من أهل البدع، ومن ثَمّ يكفرونهم، فقد قال المفيد «بأن كل أهل البدع كفار» كما في مرآة العقول (1/72-73)، وعقد المجلسي بابًا بعنوان: «باب كفر المخالفين والنصاب» [بحار الأنوار: (72/131)].
وقال في أوائل المقالات (ص:15): «لا تجوز الصلاة على المخالف لجبر أو تشبيه أو اعتزال أو خارجية أو إنكار إمامة إلا للتقية، فإن فعل» يعني صلى عليه تقية «لعنه بعد الرابعة».
وقال في بحار الأنوار (37/34): «كتبنا مشحونة بالأخبار الدالة على كفر الزيدية وأمثالهم من الفطحية والواقفة» فمع تشيع الزيدية تشيعًا نسبيًا فقد كفروهم أيضًا، فكيف بغيرهم؟!
وبهذا تعلم أخي الكريم يقينًا أن المذهب قائم على أساس أنه هو الدين الذي من خالفهم فيه، فهو كافر مرتد لا كرامة له.
وأكبر دليل على ذلك أنهم طردوا التكفير لكل حكومات المسلمين، وأئمتهم، وقضاتهم، وخلفائهم، وأمصارهم؛ بدعوى أنهم غير مؤمنين بالإمامة على منهجهم ومذهبهم فيها.
فإن قلت: وهل نصوا على ذلك في كتبهم المعتمدة وأقرها علماؤهم المعتبرون؟ قلت لك: نعم. وسأثبت لك ذلك:
ففي كتاب الكافي بشرحه للمازندراني: (12/371)، وبحار الأنوار: (25/113): «كل راية ترفع قبل راية القائم رضي الله عنه صاحبها الطاغوت» قال شارح الكافي: «وإن كان رافعها يدعو إلى الحق»، وقد حكم المجلسي في مرآة العقول: (4/378) على هذه الرواية بالصحة.
أما الاحتكام إلى قضاة المسلمين فهو تحاكم إلى الطاغوت، فقد جاء في الكافي عن عمر بن حنظلة قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة، أيحلّ ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل، فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتًا وإن كان حقًا ثابتًا له..» [أصول الكافي: (1/67)].
وعن علماء المسلمين وأئمتهم، ينقل صاحب بحار الأنوار (2/216): «عن هارون بن خارجة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنا نأتي هؤلاء المخالفين، فنسمع منهم الحديث يكون حجة لنا عليهم؟ قال: لا تأتهم، ولا تسمع منهم، لعنهم الله ولعن مللهم المشركة».
وحاشا أن يقول مثل هذا الكلام أبو عبد الله الصادق عليه السلام في علماء المسلمين ومحدثيهم.
الحكم على عموم الأمة:
يدل على ذلك أيضًا ويوضحه ويبيِّنه، تلك النظرة التشاؤمية الموجودة في كتبهم المعتمدة، لعموم الأمة الإسلامية، والتي وصلت إلى رمي الأمة بالفجور والفحش.
فقد روى المجلسي في بحار الأنوار (24/311) باب (67)، والكليني في الروضة رواية رقم (431): «والله يا أبا حمزة إن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا الشيعة».
وروى العياشي في تفسيره (2/234)، والبحراني في تفسير البرهان (2/300): «ما من مولود يولد إلا وإبليس من الأبالسة بحضرته، فإن علم أنه من شيعتنا حجبه عن ذلك الشيطان، وإن لم يكن من شيعتنا أثبت الشيطان أصبعه السبابة في دبره، فكان مأبونًا، وذلك أن الذكر يخرج للوجه، فإن كانت امرأة أثبت في فرجها فكانت فاجرة».
فأنت ترى -أخي الكريم- أن هذه النصوص لم تدع أحدًا من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا وتناولته بالطعن والتكفير، ولا يستطيع المنصف أبدًا إنكارها أو تأويلها.
وهذا مما يوجب على الغيورين من أبناء المذهب البحث في حقيقة هذه الكتب المنسوبة إليهم، وحقيقة هؤلاء الرواة الذين نقلوا المذهب بمثل هذا الشذوذ والمخالفة لجميع الأمة، وعن السر الكامن وراء اختلاق تلك الروايات، ونسبتها إلى علماء آل البيت، حتى تتابع عليها كثير من أهل الغفلة بلا تمحيص وتدقيق، فوقعوا في مستنقعها الأثيم الذي أورث الفرقة والاختلاف والطعن والتكفير. ولا حول ولا قوة إلا بالله!
المراجــع:
1- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، لمحمد باقر المجلسي، إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية (1403هـ).
2- المعالم الزلفى في بيان أحوال النشأة الأولى والأخرى، هاشم بن سليمان البحراني، ط: إيران (1288هـ).
3- أصول الكافي.
4- تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، تصحيح وتعليق طيب الموسوي الجزائري، ط: الثانية، بيروت (1387هـ).
5- الاعتقادات للمجلسي، مطبوع في حاشية الاعتقادات للصدوق.
6- رجال الكشي (اختيار معرفة الرجال) الاختيار: لمحمد بن الحسن الطوسي، والأصل: محمد بن عمر الكشي، تصحيح وتعليق حسن المصطفوي ط: طهران.
7- مرآة العقول: محمد باقر المجلس، ط: إيران (1325هـ).
8- أوائل المقالات في المذاهب المختارات، محمد بن محمد العكبري الملقب بالمفيد، مكتبة الداوري، قم إيران.
9- تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي، تصحيح وتعليق هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية، طهران.