عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، الإمام القدوة شيخ الإسلام، أبوعبدالرحمن، أسلم وهو صغير، ثم هاجر مع أبيه ولم يحتلم، واستصغر يوم أحد، فأول غزواته الخندق، وهو ممن بايع تحت الشجرة. روى البخاري عن ابن عمر أنه قال: عرضت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني.
وقال مجاهد: شهد ابن عمر الفتح وله عشرون سنة.
وأشار الدكتور علوي أمين خليل الاستاذ بجامعة الازهر إلى ما ذكرته كتب السيرة والتاريخ الإسلامي عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما رأيت أحدا ألزم للأمر الأول من ابن عمر وعن جابر بن عبدالله قال: ما منا أحد أدرك الدنيا إلا وقد مالت به إلا ابن عمر وقال أبوسلمة بن عبدالرحمن: مات ابن عمر، وهو في الفضل مثل أبيه كما روى سالم عن أبيه قال: كان الرجل في حياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وكنت غلاما عزبا شابا فكنت أنام في المسجد، فرأيت كأن ملكين أتياني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، ولها قرون كقرون البئر، فرأيت فيها ناسا قد عرفتهم فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، فلقينا ملك فقال: لن تراع فذكرتها لحفصة فقصتها حفصة على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل فكان بعد لاينام من الليل إلا القليل.
وروى نحوه نافع وفيه: إن عبدالله رجل صالح.
وقد كان عبدالله بن عمر شديد التمسك بالسنة لايكاد يشذ عنها قيد أنملة ومن الأدلة على ذلك:
1- عن نافع ما ورد أن ابن عمر كان يتبع آثار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في كل مكان صلى فيه، حتى إن النبي (صلى الله عليه وسلم) نزل تحت شجرة، فكان ابن عمر يتعاهد تلك الشجرة فيصب في أصلها الماء لكيلا تيبس.
2- وقال نافع عن ابن عمر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : لو تركنا هذا الباب للنساء قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات.
وعن نافع أيضا، عن ابن عمر: أنه كان في طريق مكة يقوم برأس راحلته يثنيها ويقول: لعل خفا يقع على خف يعني خف راحلة النبي (صلى الله عليه وسلم) .
والظاهر أنه رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) يمشي براحلته في هذا المكان.
وقد قال رجل لابن عمر يوما: ياخير الناس أو يا بن خير الناس.
فقال: ما أنا بخير الناس، ولا ابن خير الناس ولكني عبد من عباد الله، أرجو الله وأخافه والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه.
فانظر رحمك الله كيف يدفع هذا الإمام الكبير داء العجب عن نفسه بينما نرى في هذه الايام من أكله الكبر وحطمه الغرور وهو لايساوي في الميزان بعرة، وما أحقر الانسان عندما لايعرف قدر نفسه.
قال أبوالوازع لابن عمر: لايزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم فغضب وقال: إني لأحسبك عراقيا، ومايدريك مايغلق عليه ابن أمك بابه.
وكان رضي الله عنه اذا قرأ القرآن خشع قلبه وفاضت عيناه.
عن نافع قال: كان ابن عمر اذا قرأ: “ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله” الحديد 16 بكى حتى يغلبه البكاء.
وعن حبه للنبي (صلى الله عليه وسلم): ورد عن عاصم بن محمد العمري، عن أبيه قال: ماسمعت ابن عمر ذكر النبي (صلى الله عليه وسلم) إلا بكى. وقال يوسف بن ماهك: رأيت ابن عمر عند عبيد بن عمير وعبيد يقص، فرأيت ابن عمر ودموعه تهراق.
وتلا عبيد بن عمير رضي الله عنه: “فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد” النساء: 40 فجعل ابن عمر يبكي حتى لصقت لحيته وجيبه من دموعه فأراد رجل أن يقول لأبي أقصر فقد آذيت الشيخ.
وكان رضي الله عنه كثير البكاء عند تلاوة القرآن وسماعه.
يقول نافع ماقرأ ابن عمر هاتين الآيتين قط من آخر سورة البقرة إلا بكى: “وإن تبدوا مافي أنفسكم أو تخفوه” البقرة: 284 ثم يقول: إن هذا الإحصاء شديد رواه أحمد.
وقرأ رضي الله عنه: ويل للمطففين حتى بلغ يوم يقوم الناس لرب العالمين المطففين: 1-6 قال: فبكى حتى حن وامتنع من قراءة ما بعد، رواه أحمد.
وعن سمير الرياحي عن أبيه قال: شرب عبدالله بن عمر ماء مبردا فبكى فاشتد بكاؤه فقيل له: مايبكيك؟
فقال: ذكرت آية في كتاب الله عز وجل: وحيل بينهم وبين مايشتهون سبأ: 54 فعرفت أن أهل النار لايشتهون شيئا، شهوتهم الماء، وقد قال الله عز وجل: “أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله”. الأعراف:50.
ومن وصايا ذلك التقي ماروي عن عبدالله بن سبرة قال: كان ابن عمر إذا أصبح قال: اللهم اجعلني من أعظم عبادك نصيبا في كل خير تقسمه الغداة، ونور تهدي به، ورحمة تنشرها ورزق تبسطه وضر تكشفه وبلاء ترفعه وفتنة تصرفها.
كما قال: إن العلم كثير ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كاف اللسان عن أعراضهم، لازما لأمر جماعتهم فافعل.
ورغم اعتزال ابن عمر الفتنة وعزوفه عن الخلافة والإمارة إلا أنه لم يعش في معزل عن عصره، بل كان يصدع بكلمة الحق ولايخشى في الله لومة لائم، إنه يعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم لهذا الدين، وهو الرحى التي يدور عليها الإسلام. بل كان صدعه بالحق سببا في موته رضي الله عنه. فعن سعيد بن جبير قال: لما احتضر ابن عمر، قال: ما آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث: ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، وأني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت بنا، يعني الحجاج.
رضي الله عن ابن عمر وأبيه، وأين مثل ابن عمر في دينه، وورعه وعلمه، وتألهه وخوفه، من رجل تعرض عليه الخلافة فيأباها، والقضاء من مثل عثمان فيرده ونيابة الشام لعلي فيهرب منه فالله يجتبي إليه من يشاء، ويهدي إليه من ينيب.