أولا - رأي القرآن في الصحابة
قبل كل شيء لابد لي أن أذكر أن الله سبحانه وتعالى قد مدح في كتابه العزيز في العديد من المواقع صحابة رسول الله الذين أحبوا الرسول واتبعوه وأطاعوه في غير مطمع وفي غير معارضة ولا استعلاء ولا استكبار، بل ابتغاء مرضاة الله ورسوله، أولئك رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه.
وهذا القسم من الصحابة الذين عرف المسلمون قدرهم من خلال مواقفهم وأفعالهم معه صلى الله عليه وآله أحبوهم وأجلوهم وعظموا قدرهم وترضوا عنهم كلما ذكروهم.
وبحثي لا يتعلق بهذا القسم من الصحابة الذين هم محط الاحترام والتقدير من السنة والشيعة.
كما لا يتعلق بالقسم الذي اشتهر بالنفاق والذين هم معرضون للعن المسلمين جميعا من السنة والشيعة.
ولكن بحثي يتعلق بهذا القسم من الصحابة الذين اختلف فيهم المسلمون، ونزل القرآن بتوبيخهم وتهديدهم في بعض المواقع، والذين حذرهم رسول الله صلى الله عليه وآله في العديد من المناسبات أو حذر منهم.
نعم الخلاف القائم بين الشيعة والسنة هو في هذا القسم من الصحابة إذ أن الشيعة ينتقدون أقوالهم وأفعالهم ويشكون في عدالتهم، بينما يحترمهم أهل السنة
الصفحة 112
والجماعة رغم كل ما ثبت عنهم من مخالفات.
وبحثي إنما يتعلق بهؤلاء «هذا القسم من الصحابة» حتى أتمكن من خلاله من الوصول إلى الحقيقة أو بعض الحقيقة.
أقول هذا حتى لا يتوهم أحد أني أغفلت الآيات التي تمدح أصحاب رسول الله وأبرزت الآيات القادحة فقط، بل إني خلال البحث اكتشفت أن هناك آيات مادحة تتضمن في طيها قدحا أو ما هو نقيض ذلك.
وسوف لن أكلف نفسي جهدا كبيرا كما فعلت ذلك خلال السنوات الثلاث من البحث، بل سأكتفي بذكر بعض الآيات كأمثلة، كما جرت العادة وذلك للاختصار، وعلى الذين يريدون التوسع أن يتكبدوا عناء البحث والتنقيب والمقارنة كما فعلت لتكون هدايتهم بعرق الجبين وعصارة الفكر كما يطلبه الله من كل أحد وما يتطلبه الوجدان لقناعة راسخة لا تزحزحها الرياح والعواصف ومن المعلوم بالضرورة أن الهداية التي تكون عن قناعة نفسية أفضل بكثير من التي تكون بمؤثرات خارجية.
قال تعالى يمدح نبيه: ( ووجدك ضالا فهدى )(1) . أي وجدك تبحث عن الحق فهداك إليه، وقال أيضا: ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )(2) .
1 - محمد رسول الله
والمثال الاول على ذلك هو آية محمد رسول الله، يقول الله تعالى: ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم، تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على
____________
(1) سورة الضحى: آية 7.
(2) سورة العنكبوت: آية 69.
الصفحة 113
سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار، وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما)(1) .
فهذه الآية الكريمة كلها مدح لرسول الله والصحابة الذين معه الذين هم - على الوصف الذي ذكره الله تعالى - من الشدة على الكفار ومن الرحمة على بعضهم البعض، وتمضي الآية الكريمة في مدح هؤلاء وذكر أوصافهم حتى تنتهي بوعده سبحانه وتعالى بالمغفرة والاجر العظيم ليس لكل الصحابة المذكورين ولكن للبعض منهم، الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فكلمة منهم التي ذكرها الله تعالى دلت على التبعيض وأوحت أن البعض من هؤلاء لا تشملهم مغفرة الله ورضوانه ودلت أيضا على أن البعض من الصحابة انتفت منهم صفة الايمان والعمل الصالح. فهذه من الآيات المادحة والقادحة في آن واحد فهي بينما تمدح نخبة من الصحابة تقدح في آخرين.
ومن المؤسف المثير أن الكثيرين يستدلون بهذه الآية الكريمة على عصمة الصحابة وعدالتهم ويحتجون بها على الشيعة، في حين أنها حجة عليهم واضحة جلية في تأييد الشيعة القائلين بتقسيم الصحابة إلى مؤمن مخلص استكمل الايمان وعمل الصالحات فوعده الله المغفرة والرضوان والاجر العظيم، وآخر أسلم ولما يدخل الايمان في قلبه أو آمن وعمل صالحا في عهد الرسالة ولكنه إنقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وقد توعده الله بإحباط أعماله لمجرد رفع صوته فوق صوت النبي، فما بالك بمن عصى الله ورسوله، وضل ضلالا مبينا. ثم ما بالك بمن حكم بما لم ينزل إليه أو بدل أحكام الله فأحل ما حرمه الله وحرم ما أحله الله، واتبع في كل ذلك رأيه وهواه.
2 - آية الانقلاب
قال تعالى في كتابه العزيز:
____________
(1) سورة الفتح: آية 29.
الصفحة 114
( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين )(1) صدق الله العظيم.
فهذه الآية الكريمة صريحة وجلية في أن الصحابة سينقلبون على أعقابهم بعد وفاة الرسول مباشرة ولا يثبت منهم إلا القليل كما دلت على ذلك الآية في تعبير الله عنهم - أي عن الثابتين الذين لا ينقلبون - بالشاكرين، فالشاكرون لا يكونون إلا قلة قليلة كما دل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: ( وقليل من عبادي الشكور )(2) .
وكما دلت عليه أيضا الاحاديث النبوية الشريفة التي فسرت هذا الانقلاب، والتي سوف نذكر البعض منها وإذا كان الله سبحانه لم يبين عقاب المنقلبين على أعقابهم في هذه الآية واكتفى بتمجيد الشاكرين الذين استحقوا جزاءه سبحانه وتعالى، غير أنه من المعلوم بالضرورة أن المنقلبين على الاعقاب لا يستحقون ثواب الله وغفرانه، كما أكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله في أحاديث متعددة سوف نبحث في البعض منها إن شاء الله في هذا الكتاب.
ولا يمكن تفسير الآية الكريمة بطليحة وسجاح والاسود العنسي، وذلك حفاظا على كرامة الصحابة، فهؤلاء قد انقلبوا وارتدوا عن الاسلام وادعوا النبوة في حياته صلى الله عليه وآله وقد حاربهم رسول الله وانتصر عليهم، كما لا يمكن تفسير الآية الكريمة بمالك بن نويرة وأتباعه الذين منعوا الزكاة في زمن أبي بكر لعدة أسباب، منها: أنهم إنما منعوها ولم يعطوها إلى أبي بكر تريثا منهم حتى يعرفوا حقيقة الامر، إذ أنهم حجوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع وقد بايعوا الامام علي بن أبي طالب في غدير خم بعد ما نصبه رسول الله للخلافة كما بايعه أبو بكر نفسه، ففوجئوا عند قدوم رسول الخليفة بنعي رسول الله وطلبه الزكاة باسم الخليفة الجديد أبي بكر، وهي قضية لا يريد التاريخ الغوص في أعماقها حفاظا على كرامة الصحابة أيضا، ومنها أن مالكا وأتباعه مسلمون شهد بذلك عمر وأبو
____________
(1) سورة آل عمران: آية 144.
(2) سورة سبأ: آية 13.
الصفحة 115
بكر نفسه وعدة من الصحابة الذين أنكروا على خالد بن الوليد قتله مالك بن نويرة، والتاريخ يشهد أن أبا بكر أدى دية مالك لاخيه متمم من بيت مال المسلمين واعتذر له عن قتله، ومن المعلوم أن المرتد عن الاسلام يجب قتله ولا تؤدي ديته من بيت المال، ولا يعتذر عن قتله.
والمهم أن آية الانقلاب تقصد الصحابة مباشرة الذين يعيشون معه صلى الله عليه وآله في المدينة المنورة وترمي إلى الانقلاب مباشرة بعد وفاته صلى الله عليه وآله بدون فصل والاحاديث النبوية توضح ذلك بما لا يدع مجالا للشك وسوف نطلع عليها قريبا إن شاء الله. والتاريخ أيضا خير شاهد على الانقلاب الذي وقع بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ومن يستعرض الاحداث التي وقعت بين الصحابة عند وفاة النبي لا يبقى لديه أي ريب في أن الانقلاب وقع في صفوفهم ولم ينج منهم إلا القليل.
3 - آية الجهاد
قال تعالى: ( ياأيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الارض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل. إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير )(1) صدق الله العظيم.
هذه الآية صريحة أيضا في أن الصحابة تثاقلوا عن الجهاد واختاروا الركون إلى الحياة الدنيا رغم علمهم بأنها متاع قليل، حتى استوجبوا توبيخ الله سبحانه وتهديده إياهم بالعذاب الاليم، واستبدال غيرهم من المؤمنين الصادقين بهم.
وقد جاء هذا التهديد باستبدال غيرهم في العديد من الآيات مما يدل دلالة واضحة على أنهم تثاقلوا عن الجهاد في مرات عديدة، فقد جاء في قوله تعالى: ( وأن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم )(2) .
____________
(1) سورة التوبة: آية 38، 39.
(2) سورة محمد: آية 38.
الصفحة 116
وكقوله تعالى أيضا: ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم )(1) .
ولو أردنا استقصاء ما هنالك من الآيات الكريمة التي تؤكد هذا المعنى وتكشف بوضوح عن حقيقة هذا التقسيم الذي يقول به الشيعة بشأن هذا القسم من الصحابة لاستوجب ذلك كتابا خاصا، وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك بأوجز العبارات وأبلغها حين قال: ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون، ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم، يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون، وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون )(2) صدق الله العلي العظيم. وهذه الآيات كما لا يخفى على كل باحث مطلع تخاطب الصحابة وتحذرهم من التفرقة والاختلاف من بعد ما جاءهم البينات وتتوعدهم بالعذاب العظيم وتقسمهم إلى قسمين قسم يبعث يوم القيامة بيض الوجوه وهم الشاكرون الذين استحقوا رحمة الله، وقسم يبعث مسود الوجوه وهم الذين ارتدوا بعد الايمان وقد توعدهم الله سبحانه بالعذاب العظيم.
ومن البديهي المعلوم أن الصحابة تفرقوا بعد النبي واختلفوا وأوقدوا نار الفتنة حتى وصل بهم الامر إلى القتال والحروب الدامية التي سببت انتكاس المسلمين وتخلفهم وأطمعت فيهم أعداءهم، والآية المذكورة لا يمكن تأويلها وصرفها عن مفهومها المتبادر للاذهان.
____________
(1) سورة المائدة: آية 54.
(2) سورة آل عمران: آية 104، 105، 106.
الصفحة 117
4 - آية الخشوع
قال تعالى: ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق، ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون )(1) صدق الله العلي العظيم.
وفي الدر المنثور جلال الدين السيوطي قال: لما قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة، فأصابوا من لين العيش ما أصابوا بعد ما كان بهم من الجهد، فكأنهم فتروا عن بعض ما كانوا عليه فعوتبوا فنزلت: ( ألم يأن للذين آمنوا ) وفي رواية أخرى عن النبي صلى الله عليه وآله أن الله سبحانه استبطأ قلوب المهاجرين بعد سبع عشرة سنة من نزول القرآن فأنزل الله ( ألم يأن للذين آمنوا ) .
وإذا كان هؤلاء الصحابة وهم خيرة الناس على ما يقوله أهل السنة والجماعة، لم تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق طيلة سبعة عشر عاما حتى استبطأهم الله وعاتبهم وحذرهم من قسوة القلوب التي تجرهم إلى الفسوق، فلا لوم على المتأخرين من سراة قريش الذين أسلموا في السنة الثامنة للهجرة بعد فتح مكة.
فهذه بعض الامثلة التي استعرضتها من كتاب الله العزيز كافية للدلالة على أن الصحابة ليسوا كلهم عدولا كما يقوله أهل السنة والجماعة.
وإذا فتشنا في أحاديث النبي صلى الله عليه وآله فسنجد أضعاف الاضعاف من الامثلة الاخرى ولكن توخيا للاختصار أسوق بعض الامثلة وعلى الباحث أن يتوسع إذا أراد ذلك.
____________
(1) سورة الحديد: آية 16.
ثانيا - رأي الرسول في الصحابة
1 - حديث الحوض
قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
«بينما أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال، هلم، فقلت إلى أين ؟ فقال: إلى النار والله، قلت ما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أرى يخلص منهم إلا مثل همل النعم»(1) .
وقال صلى الله عليه وآله:
«إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم فأقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدي»(2) .
فالمتمعن في هذه الاحاديث العديدة التي أخرجها علماء أهل السنة في صحاحهم ومسانيدهم، لا يتطرق إليه الشك في أن أكثر الصحابة قد بدلوا
____________
(1، 2) صحيح البخاري ج 4 ص 94 إلى 99 وص 156 وج 3 ص 32؛ صحيح مسلم ج 7 ص 66 حديث الحوض.
________________________________________ ________________________________________
وغيروا بل ارتدوا على أدبارهم بعده صلى الله عليه وآله إلا القليل الذي عبر عنه بهمل النعم، ولا يمكن بأي حال من الاحوال حمل هذه الاحاديث على القسم الثالث وهم المنافقون، لان النص يقول: فأقول أصحابي.
ولان المنافقين لم يبدلوا بعد النبي وإلا لاصبح المنافق بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله مؤمنا.
كما أن هذه الاحاديث هي مصداق وتفسير لما سجلناه سابقا من الآيات الكريمة التي تحدثت عن انقلابهم وارتدادهم وتوعدهم بالعذاب الاليم.
2 - حديث اتباع اليهود والنصارى
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال فمن»(1) .
وللباحث أن يتسأل عندما يقرأ هذا الحديث المجمع على صحته، ماذا فعل الصحابة المقصودون بهذا الحديث من فعل اليهود والنصارى حتى وصفهم رسول الله بأنهم يتبعونهم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوا مدخلهم.
ومن المعلوم من القرآن الكريم ومن التاريخ الصحيح أن اليهود تمردوا على موسى رسول الله إليهم وعصوا أمره وآذوه، وعبدوا العجل في غيابه وتآمروا على أخيه هارون وكادوا يقتلونه، وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله جزاء بما كانوا يفعلون، وقد ارتدوا بعد إيمانهم وتآمروا على أنبياء الله وكلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم ففريقا كذبوا وفريقا يقتلون، ووصل بهم الامر أن تآمروا على سيدنا عيسى وبهتوا أمه الطاهرة ولم يهدؤوا حتى قتلوه وصلبوه بزعمهم(2) واختلفوا بعد ذلك وتفرقوا فيه فمن قائل بأنه دجال كذاب، ومن
____________
(1) أخرج هذا الحديث كل من البخاري في صحيحه ج 4 ص 187 ومسلم في صحيحه ج 8 ص 57.
والامام أحمد بن حنبل في مسنده ج 3 ص 84 و 94.
(2) يصادف تاريخ كتابة هذه السطور: أن البابا يوحنا بولس الثاني زار بالامس كنيسة اليهود في محاولة
=
________________________________________ ________________________________________
مغال أنزله منزلة الاله فقال هو ابن الله.
ولمصداق هذا الحديث فمن حقي أن أتصور بأن الصحابة أيضا عصوا أمر رسول الله في أمور كثيرة منها منعهم أن يكتب لهم الكتاب الذي يصونهم من الضلالة، ومنها طعنهم في تأميره أسامة ورفضهم أن يخرجوا معه حتى بعد وفاة الرسول وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتخلف عنه ممن عبأهم، ومنها تفرقهم واختلافهم في سقيفة بني ساعدة لاستخلاف الخليفة، ولم يقبلوا بمن نص عليه رسول الله في غدير خم وهو علي بن أبي طالب حسبما يدعيه الشيعة ولهم شواهد لا تقبل التأويل في صحاح السنة وتواريخهم وهددوا إبنته فاطمة الزهراء سيدة النساء بحرق دارها إذا لم يخرج المتخلفون للبيعة قهرا، ومن المعقول جدا أن يقبل الباحث المنصف النص الصريح على علي بن أبي طالب، لانه ليس من المعقول أن يموت رسول الله ولا يعين أحدا، وهو الذي لم يخرج من المدينة إلى غزوة أو سفر إلا واستخلف عليهم أحدا، ومن المعقول أيضا أن يقبل الباحث المنصف بقول الامام شرف الدين في كتابه «المراجعات» حيث قال لشيخ الازهر الشيخ سليم البشري:
- سلمتم - ـ سلمكم الله تعالى - بتأخرهم في سرية أسامة، على السير، وتثاقلهم في الجرف تلك المدة مع ما قد أمروا من الاسراع والتعجيل وسلمتم بطعنهم في تأمير أسامة مع ما وعوه ورأوه من النصوص قولا وفعلا على تأميره وسلمتم بطلبهم من أبي بكر عزله بعد غضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طعنهم في إمارته، وخروجه بسبب ذلك محموما معصبا مدثرا، وتنديده بهم في خطبته تلك على المنبر التي قلتم إنها كانت من الوقائع التاريخية وقد أعلن فيه كون أسامة أهلا لتلك الامارة.
وسلمتم بطلبهم من الخليفة إلغاء البعث الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحل اللواء الذي عقده بيده الشريفة، مع ما رأوه من اهتمامه في
____________
= تقريب اليهود من النصارى على حساب تبرئة اليهود من قتل المسيح ونسيان الماضي والتحالف لضرب الاسلام والمسلمين.
________________________________________ ________________________________________
إنفاذه وعنايته التامة في تعجيل إرساله، ونصوصه المتوالية في وجوب ذلك.
وسلمتم بتخلف بعض من عبأهم صلى الله عليه وآله وسلم، في ذلك الجيش وأمرهم بالنفوذ تحت قيادة أسامة.
وسلمتم بكل هذا كما نص عليه أهل الاخبار، واجتمعت عليه كلمة المحدثين وحفظة الآثار، وقلتم إنهم كانوا معذورين في ذلك، وحاصل ما ذكرتموه من عذرهم أنهم إنّما آثروا في هذه الامور مصلحة الاسلام بما اقتضته أنظارهم لا بما أوجبته النصوص النبوية ونحن ما ادعينا - في هذا المقام - أكثر من هذا.
وبعبارة أخرى فإن تساؤلنا يدور حول ما يلي: هل كانوا في تعبدهم وفق النصوص جميعها أم بعضها ؟ لقد اخترتم الاول، ونحن اخترنا الثاني، فاعترافكم الآن بعدم تعبدهم في هذه الاوامر يثبت ما اخترناه، وكونهم معذورين أو غير معذورين خارج عن موضوع البحث كما لا يخفى، وحيث ثبت لديكم إيثارهم في سرية أسامة مصلحة الاسلام بما اقتضته أنظارهم على التعبد بما أوجبته تلك النصوص، فلم لا تقولون أنهم آثروا في أمر الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مصلحة الاسلام بما اقتضته أنظارهم على التعبد بنصوص الغدير وأمثالها.
إعتذرتم عن طعن الطاعنين في تأمير أسامة بأنهم إنما طعنوا بتأميره لحداثته مع كونهم بين كهول وشيوخ، وقلتم إن نفوس الكهول والشيوخ تأبى بجبلتها وطبعها أن تنقاد إلى الاحداث، فلم لم تقولوا هذا بعينه فيمن لم يتعبدوا بنصوص الغدير المقتضية لتأمير علي وهو شاب على كهول الصحابة وشيوخهم، لانهم بحكم الضرورة من أخبارهم، قد استحدثوا سنه يوم مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما استحدثوا سن أسامة يوم ولاه صلى الله عليه وآله وسلم عليهم في تلك السن وشتان ما بين الخلافة وإمارة السرية، فإذا أبت نفوسهم بجبلتها أن تنقاد للحدث في سرية واحدة، فهي أولى بأن تأبى أن تنقاد للحدث مدة حياته في جميع الشؤون الدنيوية والاخروية، على أن ما ذكرتموه من أن نفوس الشيوخ والكهول تنفر بطبعها من الانقياد للاحداث ممنوع، إن كان مرداكم
________________________________________ ________________________________________
الاطلاق في هذا الحكم، لان نفوس المؤمنين من الشيوخ الكاملين في إيمانهم لا تنفر من طاعة الله ورسوله في الانقياد للاحداث، ولا في غيره من سائر الاشياء ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) إنتهى كلامه نقلناه من كتاب المراجعات «المراجعة رقم 92».
3 - حديث البطانتين
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه فالمعصوم من عصمه الله»(1) .
وهذا الحديث فيه دلالة واضحة على أن الصحابة كانوا قسمين بطانة تأمر الرسول بالمعروف وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، وإذا أردنا التوسع في هذا الموضوع لازددنا يقينا بأن بعض الصحابة كانوا يشيرون على رسول الله بغير المعروف.
ومثال ذلك ما أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد من جزئه الاول وحكم ابن جرير بصحته، قال:
جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أناس من قريش فقالوا: يا محمد إنا جيرانك وحلفاؤك وإن أناسا من غلماننا قد أتوك ليس بهم رغبة في الاسلام ولا رغبة في الفقه إنما فروا من ضياعنا، فقال النبي لابي بكر ما تقول قال صدقوا إنهم جيرانك وحلفاؤك فتغير وجه النبي بما أشار به ثم قال لعمر ما تقول قال صدقوا إنهم جيرانك وحلفاؤك فتغير وجه النبي بما أشار به هو الآخر عليه(2) .
____________
(1) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه ج 4 ص 173 مسند الامام أحمد ج 3 ص 39.
(2) تاريخ بغداد ج 1 ص 133.
________________________________________ ________________________________________
وهذه القصة هي مصداق لحديث البطانتين والذي أشار به أبو بكر وعمر لم يكن من الخير ولا من المعروف وإلا لما تغير وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
كما أخرج الامام أحمد بن حنبل في مسنده ومسلم في صحيحه قال سمعت عمر يقول: قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قسمة فقلت يا رسول الله لغير هؤلاء أحق منهم، أهل الصفة، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنكم تسألوني بالفحش، وتبخلوني ولست بباخل(1) .
وهذه القصة هي الاخرى صريحة في أن عمر بن الخطاب ليس من البطانة التي تأمر بالمعروف وتحضّ عليه بل هو من الذين يسألون بالفحش ويأمرون بالبخل على ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
4 - حديث التنافس على الدنيا
قال صلى الله عليه وآله وسلم:
«إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لانظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الارض (أو مفاتيح الارض) وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها»(2) .
صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد تنافسوا على الدنيا حتى سلت سيوفهم وتحاربوا وكفر بعضهم بعضا، وقد كان بعض هؤلاء الصحابة المشهورين يكنز الذهب والفضة في حين يموت بعض المسلمين جوعا ويحدثنا المؤرخون كالمسعودي في مروج الذهب والطبري وغيرهم أن ثروة الزبير وحده بلغت خمسين ألف دينار وألف فرس وألف عبد وضياعا كثيرة في البصرة وفي الكوفة وفي مصر وغيرها(3)
____________
(1) صحيح مسلم ج 2 ص 730 مسند الامام أحمد بن حنبل.
(2) صحيح البخاري ج 4 ص 100 - 101.
(3) مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 341.
________________________________________ ________________________________________
كما بلغت غلة طلحة من العراق وحده كل يوم ألف دينار، وقيل أكثر من ذلك(1) .
وكان لعبد الرحمن بن عوف مائة فرس، وله ألف بعير وعشرة آلاف شاة، وبلغ ربع ثمن ماله الذي قسم على زوجاته بعد وفاته أربعة وثمانين ألفا(2) .
وترك عثمان بن عفان يوم مات مائة وخمسين ألف دينار عدا المواشي والاراضي والضياع مما لا يحصى وترك زيد بن ثابت من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس حتى مجلت أيدي الناس، ما عدا الاموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار(3) .
هذه بعض الامثلة البسيطة وفي التاريخ شواهد كثيرة لا نريد الدخول في بحثها الآن ونكتفي بهذا القدر للدلالة على صدق الحديث وأنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها، فكدسوا الاموال على حساب المستضعفين من المسلمين.
***
____________
(1، 2، 3) مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 341.
ثالثا - رأي الصحابة بعضهم في بعض
1 - شهادتهم على أنفسهم بتغيير سنة النبي
عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج يوم الفطر والاضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقول مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم فإن كان يريد أن يقطع بحثا قطعه أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف، قال أبوسعيد فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجبذت بثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل أن يصلي فقلت له غيرتم والله؛ فقال: أبا سعيد قد ذهب ما تعلم.
________________________________________ ________________________________________
فقلت؛ ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة(1) .
وقد بحثت كثيرا عن الدوافع التي جعلت هؤلاء الصحابة يغيرون سنة رسول الله صلى الله عليه وآله، واكتشفت أن الامويين وأغلبهم من صحابة النبي وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان «كاتب الوحي» كما يسمونه كان يحمل الناس ويجبرهم على سب علي بن أبي طالب ولعنه من فوق منابر المساجد، كما ذكر ذلك المؤرخون،
____________
(1) صحيح البخاري ج 1 ص 122 من كتاب العيدين. باب الخروج إلى المصلى بغير منبر.
________________________________________ ________________________________________
وقد أخرج مسلم في صحيحه في باب «فضائل علي بن أبي طالب» مثل ذلك؛ وأمر - يعني معاوية - عماله في كل الامصار بإتخاذ ذلك اللعن سنة يقولها الخطباء على المنابر، ولما استاء من ذلك بعض الصحابة واستنكر هذا الفعل أمر معاوية بقتلهم وحرقهم وقد قتل من مشاهير الصحابة حجر بن عدي الكندي وأصحابه ودفن بعضهم أحياء لانهم امتنعوا عن لعن علي واستنكروه وقد أخرج أبوالاعلى المودودي في كتابه «الخلافة والملك» نقلا عن الحسن البصري قال: أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة له:
(1) أخذه الامر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة ذوو الفضيلة.
(2) استخلافه بعده ابنه سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب الطنابير.
(3) ادعاؤه زيادا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله الولد للفراش وللعاهر الحجر.
(4) قتله حجرا وأصحاب حجر فياويلا له من حجر وياويلا له من حجر وأصحاب حجر(1) .
وكان بعض المؤمنين من الصحابة يفرون من المسجد بعد الفراغ من الصلاة حتى لا يحضروا الخطبة التي تختم بلعن علي وأهل بيته، ومن أجل ذلك غير بنو أمية سنة رسول الله وقدموا الخطبة على الصلاة حتى يحضرها الناس ويرغموا بذلك أنوفهم.
مرحى لهؤلاء الصحابة الذين لا يتورعون عن تغيير سنة الرسول وحتى أحكام الله للوصول إلى أغراضهم الدنيئة وأحقادهم الدفينة ومطامعهم الخسيسة، ويلعنون رجلا أذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيرا وأوجب الصلاة عليه كالصلاة على رسوله، وأوجب الله ورسوله مودته وحبه حتى قال النبي: «حب علي إيمان وبغضه نفاق»(2) .
ولكن هؤلاء الصحابة بدلوا وغيروا وقالوا سمعنا وعصينا وبدلا من أن
____________
(1) أبوالاعلى المودودي كتاب الخلافة والملك ص 106.
(2) صحيح مسلم ج 1 ص 61.
________________________________________ ________________________________________
يصلوا عليه ويحبوه ويطيعوه، شتموه ولعنوه طيلة ستين عاما كما جاء في كتب التاريخ.
فإذا كان أصحاب موسى قد تآمروا على هارون وكادوا يقتلونه، فإن بعض أصحاب محمد قتلوا هارونه وتتبعوا أولاده وشيعته تحت كل حجر ومدر ومحوا أسماءهم من الديوان ومنعوا أن يتسمى أحد باسمه، ولم يكتفوا بكل ذلك بل لعنوه وحملوا الصحابة المخلصين على ذلك قهرا وظلما.
وإني والله لاقف حائرا مبهوتا عندما أقرأ صحاحنا وما سجل فيها من حب الرسول لاخيه وابن عمه علي وتقديمه على كل الصحابة حتى قال فيه: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي(1) .
وقال له: أنت مني وأنا منك(2) وقال: حب علي إيمان وبغضه نفاق(3) ، وقال أنا مدينة العلم وعلي بابها(4) وقال: علي ولي كل مؤمن بعدي(5) .
وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه(6) ، ولو أردنا استقصاء الفضائل التي ذكرها النبي في علي والتي أخرجها علماؤنا معترفين بصحتها لاستوجب كتابا خاصا، فكيف يا ترى يتجاهل الصحابة هذه النصوص ويسبون عليا وينصبون له العداء ويلعنونه فوق المنابر وكيف يقاتلونه ويقتلونه.
وإني أحاول عبثا أن أجد مبررا لهؤلاء فلا أجد غير حب الدنيا والتنافس فيها أو النفاق أو الارتداء والانقلاب على الاعقاب، وأحاول أيضا إلصاق هذه
____________
(1) صحيح البخاري ج 2 ص 305، مسلم ج 2 ص 360، مستدرك الحاكم ج 3 ص 109.
(2) صحيح البخاري ج 2 ص 76، صحيح الترمذي ج 5 ص 300، سنن إبن ماجه ج 1 ص 44.
(3) صحيح مسلم ج 1 ص 61، سنن النسائي ج 6 ص 117 صحيح الترمذي ج 8 ص 306.
(4) صحيح الترمذي ج 5 ص 201 مستدرك الحاكم ج 3 ص 126.
(5) مسند الامام أحمد ج 5 ص 25 مستدرك الحاكم ج 3 ص 134، صحيح الترمذي ج 5 ص 296.
(6) صحيح مسلم ج 2 ص 362 مستدرك الحاكم ج 3 ص 109 مسند أحمد ج 4 ص 281.
________________________________________ ________________________________________
المسؤولية بحثالة الصحابة وبعض المنافقين، ولكن هؤلاء - للاسف الشديد - معدودون من أكابرهم وأفاضلهم ومشاهيرهم، فأول من هدد بحرق بيته - بمن فيه - هو عمر بن الخطاب، وأول من حاربه هو طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وأمثالهم كثيرون.
وإن عجبي لكبير وسوف لن ينتهي، كما يؤيدني في ذلك كل مفكر حر، عاقل، كيف يجمع علماء أهل السنة والجماعة على عدالة الصحابة كافة ويترضون عليهم بل ويصلون عليهم أجمعين، لا يستثنون منهم واحدا حتى قال بعضهم: «إلعن يزيد ولا تزيد» فأين يزيد من هذه المآسي التي لا يقرها دين ولا عقل، وإنني أربأ بأهل السنة والجماعة إن كانوا حقا يتبعون سنة الرسول، أن يحكموا بعدالة من حكم القرآن والسنة بفسقه وارتداده وكفره وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله «من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله أكبه على منخريه في النار»(1) .
هذا جزاء من سب عليا فما بالك بمن لعنه وحاربه وقاتله فأين علماؤنا من كل هذه الحقائق، أم على قلوب أقفالها.
وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون.
2 - الصحابة غيروا حتى في الصلاة
قال أنس بن مالك: ما عرفت شيئا مما كان على عهد النبي صلى الله عليه وآله مثل الصلاة، قال أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها.
وقال الزهري دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت ما يبكيك فقال: لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة وقد ضيعت(2) .
____________
(1) مستدرك الحاكم ج 3 ص 121 خصائص النسائي ص 24. مسند الامام أحمد ج 6 ص 33 المناقب للخوارزمي ص 81. الرياض النضرة للطبري ج 2 ص 219. تاريخ السيوطي ص 73.
(2) صحيح البخاري ج 1 ص 74.
________________________________________ ________________________________________
وحتى لا يتوهم أحد أن التابعين هم الذين غيروا ما غيروا بعد تلك الفتن والحروب، أود أن أذكر بأن أول من غير سنة الرسول في الصلاة هو خليفة المسلمين نفسه عثمان بن عفان وكذلك أم المومنين عائشة، فقد أخرج الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله، صلى بمنى ركعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي بكر وعثمان صدرا من خلافته، ثم أن عثمان صلى بعد أربعا(1) .
كما أخرج مسلم في صحيحه، قال الزهري قلت لعروة مابال عائشة تتم الصلاة في السفر ؟ قال إنها تأولت كما تأول عثمان(2) .
سبحان الله ! وهل هناك تأويل يمحق السنة النبوية غير هذا وأمثاله من التأويلات ؟ وهل يلوم أحد بعد هذا أبا حنيفة. أو أحد الائمة أصحاب المذاهب الذين تأولوا، فحللوا وحرموا وفق تأويلهم واجتهادهم مقتدين في ذلك بسنة هؤلاء الصحابة.
وكان عمر بن الخطاب يجتهد ويتأول مقابل النصوص الصريحة من السنن النبوية بل في مقابل النصوص الصريحة من القرآن الحكيم فيحكم برأيه، كقوله: «متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما»، ويقول لمن أجنب ولم يجد ماء: «لا تصل». رغم قول الله تعالى في سورة المائدة: ( فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ) .
أخرج البخاري في صحيحه في باب «إذا خاف الجنب على نفسه» قال: سمعت شقيق بن سلمة قال: كنت عند عبدالله وأبي موسى فقال له أبوموسى أرأيت ياأبا عبدالرحمن إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع فقال عبدالله لا يصلي حتى يجد الماء فقال أبوموسى فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي (ص) كان يكفيك أن تضرب ضربتين وعلمه التيمم، قال: ألم تر عمر لم يقنع بذلك فقال أبوموسى فدعنا من قول عمار كيف تصنع بهذه الآية فما درى عبدالله ما يقول
____________
(1) صحيح البخاري ج 2 ص 154، صحيح مسلم ج 1 ص 260.
(2) صحيح مسلم ج 2 ص 143 كتاب صلاة المسافرين.
________________________________________ ________________________________________
فقال إنا لو رخصنا لهم في هذا لاوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم فقلت لشقيق: فإنما كره عبدالله لهذا، قال: نعم(1) .
ما شا الله ! لقد نصب عبدالله هذا نفسه إماما على الامة فأفتى بما يحلو له وبما شاء هو، لا بما اقتضته أحكام الله التي أنزلها في القرآن، ورغم استدلال أبي موسى الاشعري بآية التيمم يقول عبدالله: «إنا لو رخصنا لهم في هذا» فمن أنت يا هذا ؟ ؟ حتى تحلل وتحرم وترخص وتمنع كما تريد، ولعمري إنك اتبعت في ذلك سنة من قبلك وأصررت على العناد لتأييد رأيه الذي كان يفتي بترك الصلاة عند فقدان الماء ولم يقتنع باحتجاج عمار بن ياسر عليه بالسنة النبوية كما لم تقتنع أنت باحتجاج أبي موسى بالآية القرآنية !، أفبعد هذا يدعي علماؤنا بأن الصحابة كالنجوم بأيهم اقتدينا اهتدينا، ( أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون ) (النجم: 59).
3 - الصحابة يشهدون على أنفسهم
روى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال للانصار: إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض. قال أنس فلم نصبر(2) .
وعن العلاء بن المسيب عن أبيه قال: لقيت البراء بن عازب رضي الله عنهما فقلت طوبى لك صحبت النبي صلى الله عليه وآله وبايعته تحت الشجرة، فقال: يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده(3) .
وإذا كان هذا الصحابي من السابقين الاولين الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وآله تحت الشجرة، ورضي الله عنهم وعلم ما في قلوبهم فأثابهم فتحا قريبا، يشهد على نفسه وعلى أصحابه بأنهم أحدثوا بعد النبي وهذه الشهادة هي مصداق ما أخبر
____________
(1) صحيح البخاري ج 1 ص 54.
(2) صحيح البخاري ج 2 ص 135.
(3) صحيح البخاري ج 3 ص 32 باب غزوة الحديبية.
________________________________________ ________________________________________
به صلى الله عليه وآله وتنبأ به من أن أصحابه سيحدثون بعده ويرتدون على أدبارهم فهل يمكن لعاقل بعد هذا أن يصدق بعدالة الصحابة كلهم أجمعين (أكتعين أبصعين) على ما يقول به أهل السنة والجماعة، والذي يقول هذا القول فإنه يخالف العقل والنقل ولا يبقى للباحث أي مقاييس فكرية يعتمدها للوصول إلى الحقيقة.
4 - شهادة الشيخين على نفسيهما
أخرج البخاري في صحيحه في باب مناقب عمر بن الخطاب قال: لما طعن عمر جعل يألم فقال له ابن عباس وكأنه يجزعه: ياأمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت صحابتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون.
قال: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله ورضاه فإنما ذاك من من الله تعالى من به علي، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك من من الله جل ذكره من به علي، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك والله لو أن لي طلاع الارض ذهبا لافتديت به من عذاب الله عزوجل قبل أن أراه(1) .
وقد سجل التاريخ له أيضا قوله: ليتني كنت كبش أهلي يسمنونني مابدا لهم حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون فجعلوا بعضي شواء وقطعوني قديدا ثم أكلوني وأخرجوني عذرة ولم أكن بشرا(2) .
كما سجل التاريخ لابي بكر مثل هذا، قال لما نظر أبوبكر إلى طائر على شجرة: طوبى لك ياطائر تأكل الثمر وتقع على الشجر وما من حساب ولا عقاب عليك، لوددت أني شجرة على جانب الطريق مر علي جمل فأكلني وأخرجني في بعره ولم أكن من البشر(3) .
____________
(1) صحيح البخاري ج 2 ص 201.
(2) منهاج السنة لابن تيمية ج 3 ص 131. حلية الاولياء لابي نعيم ج 1 ص 52.
(3) تاريخ الطبري ص 41. الرياض النضرة ج 1 ص 134. كنز العمال ص 361. منهاج السنة لابن تيمية، ج 3 ص 120.
________________________________________ ________________________________________
وقال مرة أخرى: «ليت أمي لم تلدني، ليتني كنت تبنة في لبنة»(1) ... تلك بعض النصوص أوردتها على نحو المثال لا الحصر.
وهذا كتاب الله يبشر عباده المؤمنين بقوله:
( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم )(2) .
ويقول أيضا: ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم )(3) . صدق الله العلي العظيم.
فكيف يتمنى الشيخان أبوبكر وعمر أن لا يكونا من البشر الذي كرمه الله على سائر مخلوقاته.
وإذا كان المؤمن العادي الذي يستقيم في حياته تتنزل عليه الملائكة وتبشره بمقامه في الجنة فلا يخاف من عذاب الله ولا يحزن على ما خلف وراءه في الدنيا وله البشرى في الحياة الدنيا قبل أن يصل إلى الآخرة، فما بال عظماء الصحابة الذين هم خير الخلق بعد رسول الله - كما تعلمنا ذلك - يتمنون أن يكونوا عذرة، وبعرة، وشعرة، وتبنة، ولو أن الملائكة بشرتهم بالجنة ما كانوا ليتمنوا أن لهم مثل طلاع الارض ذهبا ليفتدوا به من عذاب الله قبل لقاه.
قال تعالى: ( ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الارض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون )(4) .
____________
(1) تاريخ الطبري ص 41 الرياض النضرة ج 1 ص 134. كنز العمال ص 361. منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج 3 ص 120.
(2) سورة يونس: آية 62 و 63 و 64.
(3) سورة فصلت: آية 30، 31، 32.
(4) سورة يونس: آية 54.
________________________________________ ________________________________________
وقال أيضا: ( ولو أن للذين ظلموا ما في الارض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون )(1) .
وإنني أتمنى من كل قلبي أن لا تشمل هذه الآيات، صحابة كبارا أمثال أبي بكر الصديق وعمر الفاروق..
بيد أنني أتوقف كثيرا عند مثل هذه النصوص لاطل على مقاطع مثيرة من علاقتهم مع الرسول صلى الله عليه وآله وما شهدتها تلك العلاقة من تخلف عن إجراء أوامره وتلبية طلبه في اللحظات الاخيرة من عمره المبارك الشريف مما أغضبه ودفعه إلى أن يأمر الجميع بمغادرة المنزل وتركه، كما أنني أستحضر أمامي شريط الحوادث التي جرت بعد وفاة الرسول وما جرى مع ابنته الزهراء الطاهرة من إيذاء وهضم وغمط وقد قال صلى الله عليه وآله: «فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني»(2) .
وقالت فاطمة لابي بكر وعمر:
نشدتكما الله تعالى ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: «رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب ابنتي فاطمة فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني، قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لاشكونكما إليه»(3) .
ودعنا من هذه الرواية التي تدمي القلوب، فلعل ابن قتيبة وهو من علماء أهل السنة المبرزين في كثير من الفنون وله تآليف عديدة في التفسير والحديث واللغة والنحو والتاريخ، لعله تشيع هو الآخر كما قال لي أحد المعاندين مرة عندما أطلعته على كتابه تاريخ الخلفاء، وهذه هي الدعاية التي يلجأ إليها بعض علمائنا بعدما تعييهم الحيلة، فالطبري عندنا تشيع والنسائي الذي ألف كتابا في
____________
(1) سورة الزمر: آية 47، 48.
(2) صحيح البخاري ج 2 ص 206 باب مناقب قرابة رسول الله (ص).
(3) الامامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 20. فدك في التاريخ ص 92.
________________________________________ ________________________________________
خصائص الامام علي تشيع وابن قتيبة تشيع وحتى طه حسين من المعاصرين لما ألف كتابه الفتنة الكبرى وذكر حديث الغدير واعترف بكثير من الحقائق الاخرى فهو أيضا تشيع ! !.
والحقيقة أن كل هؤلاء لم يتشيعوا وعندما يتكلمون عن الشيعة لا يذكرون عنهم إلا ما هو مشين، وهم يدافعون عن عدالة الصحابة بكل ما أمكنهم، ولكن الذي يذكر فضائل علي بن أبي طالب ويعترف بما فعله كبار الصحابة من أخطاء نتهمه بأنه تشيع، ويكفي أن تقول أمام أحدهم عند ذكر النبي: «صلى الله عليه وآله» او «تقول علي (ع)»، حتى يقال: إنك شيعي، وعلى هذا الاساس قلت يوما لاحد علمائنا وأنا أحاوره: ما رأيك في البخاري ؟ قال: هو من أئمة الحديث وكتابه أصح الكتب بعد كتاب الله عندنا وقد أجمع على ذلك علماؤنا.
فقلت له: إنه شيعي، فضحك مستهزئا وقال: حاشى الامام البخاري أن يكون شيعيا ! ! قلت: أو ليس أنك ذكرت بأن كل من يقول: «علي (ع)» فهو شيعي ؟ قال: بلى، فأطلعته ومن حضر معه على صحيح البخاري وفي عدة مواقع عندما يأتي باسم علي يقول: (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) والحسين بن علي (عليهما السلام)(1) فبهت وما دري ما يقول.
وأعود إلى رواية ابن قتيبة التي ادعى فيها أن فاطمة غضبت على أبي بكر وعمر، فإذا شككت فيها فإنه لا يمكنني أن أشك في صحيح البخاري الذي هو عندنا أصح الكتب بعد كتاب الله، وقد ألزمنا أنفسنا بأنه صحيح وللشيعة أن يحتجوا به علينا ويلزموننا بما ألزمنا به أنفسنا وهذا هو الانصاف للقوم العاقلين.
فها هو البخاري يخرج من باب مناقب قرابة رسول الله، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني.
كما أخرج في باب غزوة خيبر، عن عائشة أن فاطمة (عليها السلام) بنت النبي أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله فأبى أبوبكر أن يدفع إلى
____________
(1) صحيح البخاري ج 1 ص 127، 130 وج 2 ص 126، 205.
________________________________________ ________________________________________
فاطمة منه شيئا فوجدت(1) فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت(2) .
والنتيجة في النهاية هي واحدة ذكرها البخاري باختصار وذكرها ابن قتيبة بشيء من التفصيل، ألا وهي أن رسول الله صلى الله عليه وآله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها وأن فاطمة ماتت وهي غاضبة على أبي بكر وعمر.
وإذا كان البخاري قد قال: ماتت وهي واجدة على أبي بكر فلم تكلمه حتى توفيت فالمعنى واحد كما لا يخفى، وإذا كانت فاطمة سيدة نساء العالمين كما صرح بذلك البخاري في كتاب الاستئذان باب من ناجى بين يدي الناس، وإذا كانت فاطمة هي المرأة الوحيدة في هذه الامة، التي أذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيرا، فلا يكون غضبها لغير الحق ولذلك يغضب الله ورسوله لغضبها، ولهذا قال أبوبكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبوبكر باكيا حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: والله لادعون الله عليك في كل صلاة أصليها، فخرج أبوبكر يبكي ويقول: لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي(3) .
غير أن كثيرا من المؤرخين ومن علمائنا، يعترفون بأن فاطمة (عليها السلام) خاصمت أبابكر في قضية النحلة والارث وسهم ذي القربى فردت دعواها حتى ماتت وهي غاضبة عليه، إلا أنهم يمرون بهذه الاحداث مرور الكرام ولا يريدون التكلم فيها حفاظا على كرامة أبي بكر كما هي عادتهم في كل ما يمسه من قريب أو بعيد؛ ومن أعجب ما قرأته في هذا الموضوع قول بعضهم بعد ما ذكر الحادثة بشيء من التفصيل قال: «حاشى لفاطمة من أن تدعي ما ليس لها بحق، وحاشى لابي بكر من أن يمنعها حقها».
وبهذه السفسطة ظن هذا العالم أنه حل المشكلة وأقنع الباحثين وكلامه هذا
____________
(1) وجدت: غضبت.
(2) صحيح البخاري ج 3 ص 39.
(3) تاريخ الخلفاء المعروف بالامامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ج 1 ص 20.
________________________________________ ________________________________________
كقول القائل: «حاشى للقرآن الكريم أن يقول غير الحق، وحاشى لبني إسرائيل أن يعبدوا العجل».
لقد ابتلينا بعلماء يقولون ما لا يفقهون ويؤمنون بالشيء ونقيضه في نفس الوقت والحال يؤكد أن فاطمة ادعت وأبابكر رفض دعواها فإما أن تكون كاذبة و «العياذ بالله» حاشاها، أو أن يكون أبوبكر ظالما لها وليس هناك حل ثالث للقضية كما يريدها بعض علمائنا.
وإذا امتنع بالادلة العقلية والنقلية أن تكون سيدة النساء كاذبة لما ثبت عن أبيها رسول الله قوله: فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني، ومن البديهي أن الذي يكذب لا يستحق مثل هذا النص من قبل الرسول صلى الله عليه وآله، فالحديث بذاته دال على عصمتها من الكذب وغيره من الفواحش، كما أن آية التطهير دالة هي الاخرى على عصمتها وقد نزلت فيها وفي بعلها وابنيها بشهادة عائشة نفسها(1) ، فلم يبق إذن إلا أن يعترف العقلاء بأنها ظلمت فليس تكذيبها في دعواها إلا أمرا ميسورا لمن استباح حرقها إن لم يخرج المتخلفون في بيتها لبيعتهم(2) .
ولكل هذا تراها - سلام الله عليها - لم تأذن لهما في الدخول عليها عندما استأذنها أبوبكر وعمر، ولما أدخلهما علي أدارت بوجهها إلى الحائط وما رضيت أن تنظر إليهما(3) .
وقد توفيت ودفنت في الليل سرا بوصية منها حتى لا يحضر جنازتها أحد منهم(4) ، وبقى قبر بنت الرسول مجهولا حتى يوم الناس هذا وإنني أتسأل لماذا يسكت علماؤنا عن هذه الحقائق ولا يريدون البحث فيها ولا حتى ذكرها، ويصورون لنا صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وكأنهم ملائكة لا يخطئون ولا يذنبون.
وإذا ما سألت أحدهم كيف يقتل خليفة المسلمين سيدنا عثمان ذو النورين
____________
(1) صحيح مسلم ج 7 ص 121 وص 130.
(2) و (3) تاريخ الخلفاء ج 1 ص 20.
(4) صحيح البخاري ج 3 ص 39.
________________________________________ ________________________________________
فسيجيبك بأن المصريين - وهم كفرة - جاؤوا وقتلوه وينهي الموضوع كله بجملتين.
ولكن عندما وجدت الفرصة للبحث وقراءة التاريخ وجدت أن قتلة عثمان بالدرجة الاولى هم الصحابة أنفسهم وفي مقدمتهم أم المؤمنين عائشة التي كانت تنادى بقتله وإباحة دمه على رؤوس الاشهاد فكانت تقول «اقتلوا نعثل