الصحابة عند الشيعة والسنة
من أهم الابحاث التي أعتبرها الحجر الاساسي في كل البحوث التي تقود إلى الحقيقة، هو البحث في حياة الصحابة وشؤونهم وما فعلوه وما اعتقدوه لانهم عماد كل شيء، وعنهم أخذنا ديننا وبهم نستضيء في الظلمات لمعرفة أحكام الله، ولقد سبق لعلماء الاسلام - لقناعتهم بذلك - البحث عنهم وعن سيرتهم.
فألفوا في ذلك كتبا عديدة أمثال: اُسد الغابة في تمييز الصحابة، وكتاب الاصابة في معرفة الصحابة، وكتاب ميزان الاعتدال وغيرها من الكتب التي تناولت حياة الصحابة بالنقد والتحليل ولكنها من وجهة نظر أهل السنة والجماعة.
وثمة إشكال يتلخص في أن العلماء الاوائل غالبا ما كانوا يكتبون ويؤرخون بالنحو الذي يوافق آراء الحكام من الامويين والعباسيين الذين عرفوا بعدائهم لاهل البيت النبوي، بل ولكل من يشايعهم ويتبع نهجهم، ولهذا فليس من الانصاف الاعتماد على أقوالهم دون أقوال غيرهم من علماء المسلمين الذين اضطهدتهم تلك الحكومات وشردتهم وقتلتهم لانهم كانوا أتباع أهل البيت وكانوا مصدر تلك الثورات ضد السلطات الغاشمة والمنحرفة.
والمشكل الاساسي في كل ذلك هو الصحابة، فهم الذين اختلفوا في أن يكتب لهم رسول الله ذلك الكتاب الذي يعصمهم من الضلالة إلى قيام الساعة واختلافهم هذا هو الذي حرم الامة الاسلامية من هذه الفضيلة ورماها في الضلالة حتى انقسمت وتفرقت وتنازعت وفشلت وذهبت ريحها.
وهم الذين اختلفوا في الخلافة فتوزعوا بين حزب حاكم وحزب معارض وسبب ذلك تخلف الامة وانقسامها إلى شيعة علي وشيعة معاوية، وهم الذين اختلفوا في تفسير كتاب الله وأحاديث رسوله فكانت المذاهب والفرق والملل والنحل، ونشأت من ذلك المدارس الكلامية والفكرية المختلفة وبرزت فلسفات متنوعة أملتها دوافع سياسية محضة تتصل بطموحات الهيمنة على السلطة والحكم...
فالمسلمون لم ينقسموا ولم يختلفوا في شيء لولا الصحابة وكل خلاف نشأ وينشأ إنما يعود إلى اختلافهم في الصحابة.
فالرب واحد والقرآن واحد والرسول واحد والقبلة واحدة وهم متفقون على ذلك وبدأ الخلاف والاختلاف في الصحابة من اليوم الاول بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله في سقيفة بني ساعدة، واستمر إلى يوم الناس هذا وسيستمر إلى ما شاء الله.
وقد استنتجت من خلال الحديث مع علماء الشيعة أن الصحابة في نظرهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
فالقسم الاول وهم الصحابة الاخيار الذين عرفوا رسول الله حق المعرفة وبايعوه على الموت وصاحبوه بصدق في القول وبإخلاص في العمل، ولم ينقلبوا بعده، بل ثبتوا على العهد وقد امتدحهم الله جل جلاله، في كتابه العزيز في العديد من المواقع، وقد أثنى عليهم رسول الله في العديد من المواقع أيضا، والشيعة يذكرونهم باحترام وتقديس ويترضون عليهم كما يذكرهم أهل السنة باحترام وتقديس أيضا.
والقسم الثاني، وهم الصحابة الذين اعتنقوا الاسلام واتبعوا رسول الله ولكنهم كانوا في بعض الاوقات لا يمتثلون لاوامره ونواهيه بل يجعلون لآرائهم مجالا في مقابل النصوص الصريحة والشيعة لا يذكرونهم إلا بأفعالهم بدون احترام ولا تقديس كالصنف الاول.
أما القسم الثالث من الصحابة: فهم المنافقون الذين صحبوا رسول الله للكيد له وقد أظهروا الاسلام وانطوت سرائرهم على الكفر وقد تقربوا ليكيدوا للاسلام والمسلمين عامة وقد أنزل الله فيهم سورة كاملة وذكرهم في العديد من المواقع وتوعدهم بالدرك الاسفل من النار وقد ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وحذر منهم وعلم بعضا من أصحابه أسماءهم وعلاماتهم، وهؤلاء يتفق الشيعة والسنة على لعنهم والبراءة منهم.
وهناك قسم خاص وإن كانوا من الصحابة فهم يتميزون عليهم بالقرابة وبفضائل خلقية ونفسية وخصوصيات اختصهم الله ورسوله بها لا يلحقهم فيها لاحق، وهؤلاء هم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا(1) وأوجب الصلاة عليهم كما أوجبها على رسوله، وأوجب لهم سهما من الخمس(2) كما أوجب مودتهم على كل مسلم كأجر للرسالة المحمدية(3) ، فهم أولوا الامر الذين أمر بطاعتهم(4) وهم الراسخون في العلم الذين يعلمون تأويل القرآن ويعلمون المتشابه منه والمحكم(5) ، وهم أهل الذكر الذين قرنهم رسول الله بالقرآن في حديث الثقلين وأوجب التمسك بهما(6) ، وجعلهم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق(7) ، والصحابة يعرفون قدر أهل البيت ويعظمونهم ويحترمونهم، والشيعة يقتدون بهم ويقدمونهم على كل الصحابة، ولهم في ذلك أدلة من النصوص الصريحة.
____________
(1) سورة الاحزاب: آية 33.
(2) سورة الانفال: آية 41.
(3) سورة الشورى: آية 23.
(4) سورة النساء: آية 59.
(5) سورة آل عمران: آية 7.
(6) حديث الثقلين، ومن مصادره؛ كنز العمال ج 1 ص 44، مسند أحمد ج 5 ص 182.
(7) حديث السفينة؛ المستدرك للحاكم ج 3 ص 151 تلخيص الذهبي، الصواعق المحرقة لابن حجر ص 184 و 234.