يريدون أن يناقشوا في التوحيد وليس في الولاية..!
الغرض الرئيس من هذا الموضوع هو التنبيه على نقطة مهمة ترتبط بالحوارات التي تجري بين السنة والشيعة، فالتشيع يرتكز بصورة أساس على مسألة الولاية، ومن هنا تجد شيعة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ متمرسين على الحوار في الولاية.. ولكننا نشهد في الآونة الأخيرة نزعة سنية ـ وربما هي وهابية فحسب ـ إلى تخصيص الحوار بالتوحيد وليس في الولاية؛ وذلك بحجة أن التوحيد ـ ولا سيما في العبادة ـ هو الهدف الرئيس الذي من أجله بُعث الأنبياء عليهم السلام.
والذي يلزم التنبيه عليه هو أنَّ فصل الولاية عن التوحيد هو أمر غير صحيح، ويستطيع الشيعي ـ بكل سهولة ـ أن يلزم الطرف السني بخطئه، ويطالبه بالرجوع إلى بحث الولاية بناء على أنَّ بحث الولاية هو بحث توحيدي.. كيف؟
إنَّ التوحيد له أقسام، أي مجالات، ومن مجالاته: التوحيد في الطاعة، وكذا التوحيد في التشريع، وهذا مذكور في القرآن الكريم، قال الله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، فسمى عملهم شركاً وعبادة لغير الله تعالى، ومن جملة شركهم أنهم حكَّموا من لم يجعله الله حكماً ومرجعاً لتحديد الحلال والحرام والحق والباطل.
وقال تعالى: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ) .
وما ورد في القرآن من الكفر بالطاغوت فإنَّ المراد به الاعتقاد بعدم حقانيته ولزوم تجنب طاعته.
فالطاعة ـ إذاً ـ من صميم التوحيد، ومن أطاع غير الله فيما يشرعه له ويأمره وينهاه بغير إذن الله تعالى، فهذا شرك في الطاعة.. وبمراجعة كتب الوهابية في التوحيد نلاحظ أن منهم من يدرج توحيد الطاعة في توحيد العبادة، وهذا أمرٌ سديد؛ لأن الطاعة والانصياع إذا كانا مطلقين؛ فإنهما يمثلان جوهر العبودية كما لا يخفى على المتدبر.
وبناء على ذلك: كل طاعة لم يأمر بها الله تعالى، فهي طاعة شركية، وكل سلطة تقنينية لا تستمد مشروعيتها من الله تعالى، فهي سلطة طاغوتية شركية.
ومن هنا يتبين لنا أنَّ البحث في الإمامة والولاية هو بحث توحيدي؛ لأنه بحث فيمن جعله الله تعالى مطاعاً بإذنه، وفيمن جعله الله لسانه المبيِّن لدينه وشريعته.
فكما أنَّ من أطاع النبي يكون موحداً؛ لأنَّ الله هو الذي أمر بطاعته، فطاعة النبي تستمد مشروعيتها وحقانيتها من طاعة الله تعالى، فكذلك عصيان النبي ومفارقته وطاعة غيره توجب السقوط في الشرك.
فالأمر نفسه يقال في مجال طاعة خلفاء النبي صلى الله عليه وآله، فإذا كان الخليفة قد تم تعيينه من قبل الله ورسوله، فإن طاعته تكون توحيداً؛ لأنها دخول في طاعة الله وولايته، وأمَّا إذا كان الخليفة غير معيَّن من قبل الله ورسوله، بل تم اختياره بطريقة غير شرعية، فإنه يكون طاغوتاً، وتكون طاعته والاعتقاد بسلطته ومرجعيته من الشرك.
فالحصيلة: أنَّ الولاية والإمامة من صميم العقيدة، وهي عقيدة توحيدية، والبحث فيها بحث توحيدي إيماني.
وفي الختام نذكر مجموعة من الآيات القرآنية التي أكَّدت على أهمِّية الطاعة والولاية:
1 ـ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ . وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ...
2 ـ وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ . فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً.
3 ـ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ.
4 ـ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ.
5 ـ ...وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ.
6 ـ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ.
7 ـ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.
8 ـ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
9 ـ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
10 ـ ...إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ.
11 ـ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ.
12 ـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ.
والآيات في مجال الاتباع والطاعة كثيرة في القرآن الكريم، وهذا يدل على أنَّ الولاية والإمامة من الأمور الإيمانية الأساسية التي بُعث من أجلها النبي صلى الله عليه وآله.
والحمد لله رب العالمين.