بسم الله الرحمان الرحيم
الرد على الشيعي كمال الحيدري
((نقض موقفه من موقف ابن تيمية من مناقب علي بن أبي طالب))
الحلقة الأولى
الحمد لله وحده، و الصلاة و السلام على من لا نبيّ بعده،وبعد......
فهذه حلقات خصصتها للرد على الشبهات و التلبيسات التي ألقاها الشيعي كمال الحيدري في برنامج :" مطارحات في العقيدة"،وهي شبهات ضعيفة تنم عن جهل بأصول الشريعة، و مقاصد الإسلام، ومرامي العلماء، وقواعد الاستنباط، و طرق التحليل،فإن ما يفسر به الحيدري كلام أئمة السنة الذي ينقله عنهم لا يمثل إلا وجهة نظره، ولكن التحليل لما ينقله هو ما يميّز بين الحقيقة و الخيال، بين الصواب و الخطأ،بين العلم والشبهة،و أخيرا بين الصدق و الكذب.
قال الحيدري:
(( ـ في الواقع بانه منشأ الاهتمام بفضائل ومناقب الإمام امير المؤمنين علي بن ابي طالب يرجع في الاول وفي المقام الاول الى الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله فان ما ورد عنه في فضائل علي عليه افضل الصلاة والسلام لم يشاركه فيها احد من الصحابة.
ـ وهذا التصريح ليس لي وانما هو تصريح جملة من اعلام المسلمين الذين قالوا بانه ما ورد من الاحاديث الجياد والحسان في فضائل علي امير المؤمنين عن الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله لا يدانيه ما ورد في فضائل احد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله.
...من اولئك ما ورد في تاريخ الخلفاء للإمام الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر السيوطي، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا-بيروت، هناك في صفحة (191) هكذا يوجد يعقد فصلا في هذا المجال يقول فصل في الاحاديث الواردة في فضله "قال الإمام احمد بن حنبل ما ورد لأحد من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الفضائل ما ورد لعلي رضي الله عنه" هذا هو النص الأول الوارد في هذا المجال... : وهذا ما اكده ايضا جملة من الاعلام الآخرين منهم في الصواعق المحرقة على اهل الرفض والضلال والزندقة تأليف ابن حجر الهيتمي المتوفى (973 من الهجرة) طبعة مؤسسة الرسالة الجزء الثاني، في اول الجزء الثاني يعني في الفصل الثاني بعد ان يذكر في اسلامه وهجرته وغيرهما يقول في فضائله رضي الله عنه، في صفحة (353) يقول وهي كثيرة في فضائله رضي الله عنه وكرم الله وجهه "وهي كثيرة عظيمة شهيرة حتى قال احمد ما جاء لأحد من الفضائل ما جاء لعلي وقال اسماعيل القاضي والنسائي وابو علي النيسابوري لم يرد في حق احد من الصحابة بالاسانيد الحسان اكثر مما جاء في علي (عليه افضل الصلاة والسلام)...)).
قلت: هنا ثلاث مسائل :
المسألة الأولى:
قوله : (( في الواقع بانه منشأ الاهتمام بفضائل ومناقب الإمام امير المؤمنين علي بن ابي طالب يرجع في الاول وفي المقام الاول الى الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله فان ما ورد عنه في فضائل علي عليه افضل الصلاة والسلام لم يشاركه فيها احد من الصحابة.)).
قوله إن النبي صلى الله عليه و سلم قد اهتم بفضائل علي بن أبي طالب أكثر من اهتمامه بفضائل بقية الصحابة ـ رضوان الله عليهم جميعا ـ هذا غير صحيح، ولا دليل عليه، إذ ما ذكره النبي صلى الله عليه و سلم من فضائل علي فقد ذكره في فضائل بقية الصحابة.
و إذ قدر وجود فضائل خص بها علي ـ رضي الله عنها ـ فلغيره من الصحابة كأبي بكر و عمر و عثمان و أبي عبيدة و معاذ فضائل خصوا بها، لا يشركهم فيها غيرهم.
وكون هذا الصحابي وردت فيه عشرون فضيلة، وذلك عشر فضائل، فهذا لا يعني أن صاحب العشرين اهتم به النبي صلى الله عليه و سلم أكثر من صاحب العشرة.
كل ما في الأمر أن هذا أسلم قبل ذاك بمدة، أو كان أكثر منه جهادا أو صدقة وغير ذلك من أسباب وجيهة وموضوعية، لا تعني بحال أن من وردت فيه فضائل أكثر يستحق الإمامة ؟!
وقد يكون صاحب العشرة أفضل عند النبي صلى الله عليه وسلم من صاحب العشرين.
يوضحه:
إن الله تعالى قد ذكر موسى في القرآن أكثر من ذكره بقية الأنبياء خاصة إبراهيم عليه السلام، ومع ذلك فإبراهيم خير منه و أفضل.
وقد أوتي موسى من المعجزات ما لم يؤت غيره من الأنبياء، ومع ذلك فيهم من هو خير منه كنبينا صلى الله عليه و سلم و إبراهيم.
فكثرة المعجزات لها أسباب غير كون هذا النبي أفضل من ذاك، وكذلكم ذكر الفضائل لها أسباب لا تتعلق بالمفضول ولا بالمفضل.
قال تعالى :{قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ }
لأن التوراة ظهر فيها من الآيات و البراهين، و اتّبعها كل الأنبياء الذين جاؤا بعد موسى عليه السلام ،فحصل فيها ما لم يحصل في الإنجيل أو في صحف إبراهيم.
وكذلك قوله تعالى:{ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إمَامًا وَرَحْمَةً}.
وكذلك قول الجن:{ إنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}
هذا لأن قصة موسى هي أعظم قصص الأنبياء المذكورين في القرآن، وهي أكبر من غيرها ،قال عبد الله بن عمرو:
(( قال كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُنَا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى يُصْبِحَ لَا يَقُومُ فِيهَا إِلَّا إِلَى عُظْمِ صَلَاةٍ )) أحمد في (المسند)( ج4/ص437 ح19938) و أبو داود و غيرهما.
و السبب هو أن المقصود الأعظم من قصة موسى إثبات الصانع ورسالته،لان فرعون كان منكرا ،ولهذا عظم ذكرها في القرآن بخلاف قصص غيره من الأنبياء التي فيها الرد على المشركين المقرين بالصانع، وعلى النصارى و اليهود و الملاحدة المعطلة .
وحتى أبين لك أن أهل السنة لا يذهبون بنقلهم كلمة الإمام أحمد في فضائل علي ـ رضي الله عنه ـ إلى ما ذهب إليه الحيدري، فهذا عمر صح عنه أنه استسقى بالعباس،وهذا يعني أن للعباس مزية، ولولا ذلك لما استسقى به عمر،وهذه المزية قد تكون لقرابته من رسول الله صلى الله عليه و سلم، أو لفضيلة له على الناس من حيث الجملة، ومع ذلك فعمر أفضل منه بإجماع أهل السنة وغيرهم.
فهذه الفضيلة الثابتة للعباس لا تجعله أفضل من عمر أو أبي بكر أو عثمان.
وقول النبي صلى الله عليه و سلم : (( كَمْ مِنْ أَشْعَثَ ، أَغْبَرَ ، ذِي طِمْرَيْنِ ، لاَ يُؤْبَهُ لَهُ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ ، مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ)).
الترمذي في(السنن رقم(3854) و الحاكم و أبي يعلى و غيرهم بألفاظ متقاربة.
ودعاء النبي صلى الله عليه و سلم لسعد: ((اللَّهُمَّ أَجِبْ دَعْوَتَهُ وسَدِّد رَمْيَتَهُ)).
(المستدرك على الصحيحين)
ج3/ص572 ح6122)
يستلزم وفقا للحيدري أن يكون البراء بن مالك وسعد بن أبي وقاص خيرا من علي بن أبي طالب، لأنه لم تثبت له هذه الفضيلة ؟!
فإن لم يجيء نص في علي بهذه الفضيلة لا يعني أنهما أفضل منه أو من صحابي آخر لم يجيء فيه نص كهذا.
فمثل هذه الفضائل التي للمفضول تارة تكون ثابتة للأفضل، و تارة يكون له ما هو أفضل منها .
بل قد صح في التابعين مثل ذلك ففي حديث أويس القرني : ((إنْ اسْتَطَعْت أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَك فَافْعَلْ)) والذي استغفر له أويس أفضل من أويس .
أخرجه أحمد في (المسند)(1/38(266) ومسلم(7/188(6582).
قال النووي في(شرح صحيح مسلم):
((هذه منقبة ظاهرة لأويس ـ رضي الله عنه ـ وفيه استحباب طلب الدعاء والاستغفار من أهل الصلاح وإن كان الطالب أفضل منهم))
قلت: ولا يفهم من هذا أفضلية أويس على عمر، ولا أن عمر غير مغفور له ، إنما مضمون ذلك الإخبار بأن أويساً مستجاب الدعاء، وإرشاد عمر إلى الازدياد من الخير، واغتنام دعاء من ترجى إجابته، وهذا مثل ما أمرنا النبي به من الدعاء له، والصلاة عليه، وسؤال الوسيلة له، وإن كان النبي أفضل ولد آدم.
وهذا مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لما ودعه للعمرة: ((يَا أَخِي، لاَ تَنْسَنَا مِنْ دُعَائِكَ)) وفي رواية ((يَا أَخِي أَشْرِكْنَا فِي دُعَائِكَ)).
أخرجه أحمد في (المسند)(1/29(195)، وأبو داود،(1498 )، وابن ماجة(2894 )، والتِّرمِذي(3562)
ولا يقول مسلم: إن عمر خير من النبي صلى الله عليه و سلم ،ولا يعني هذا أن النبي صلى الله عليه و سلم اهتم بفضائل عمر أكثر من فضائل أبي بكر لأنه طلب هذا من عمر، ولم يطلبه من أبي بكر،ولا طلبه من علي ـ رضي الله عنهم أجمعين.
قال النبي صلى الله عليه و سلم لما قيل له: ((أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : عَائِشَةُ فَقُلْتُ : مِنَ الرِّجَالِ قَالَ :«فَأَبُوهَا ». فَقُلْتُ : ثُمَّ مَنْ فَقَالَ :« عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ». قَالَ : فَعَدَّدَ رِجَالاً)).
البخاري في( صحيحه) (3/1339).
قال النووي في (شرح مسلم): هذا تصريح بعظيم فضائل أبي بكر وعمر وعائشة ـ رضي الله عنهم ـ وفيه دلالة بينة لأهل السنة في تفضيل أبي بكر ثم عمر على جميع الصحابة)).
وقوله صلى الله عليه و سلم لعائشة : ((اُدْعِي لِي أَبَاك وَأَخَاك حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي ثُمَّ قَالَ يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إلَّا أَبَا بَكْرٍ)).أخرجه مسلم ( 7 / 110 ) و أحمد ( 6 / 144 ) .
وكذلك حديث : (( أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَرَأَيْت إنْ جِئْت فَلَمْ أَجِدْك - كَأَنَّهَا تَعْنِي الْمَوْتَ - قَالَ : فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ ))[1].
وقوله صلى الله عليه و سلم : (( اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ )).
و أيضا: (( إنْ يُطِعْ الْقَوْمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا ))[2].
وقوله صلى الله عليه و سلم : (( رَأَيْت كَأَنِّي وُضِعْت فِي كِفَّةٍ وَالْأُمَّةُ فِي كِفَّةٍ فَرَجَحْت بِالْأُمَّةِ ثُمَّ وُضِعَ أَبُو بَكْرٍ فِي كِفَّةٍ وَالْأُمَّةُ فِي كِفَّةٍ فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ وُضِعَ عُمَرُ فِي كِفَّةٍ وَالْأُمَّةُ فِي كِفَّةٍ فَرَجَحَ عُمَرُ ))[3].
فهذه الأحاديث و أخرى لم أذكرها أدل على موضوع النزاع مما يستشهد به الحيدري من الألفاظ المحتملة التي لا تجري مجرى النصوص الصريحة،وكما ترى فضائل الشيخين أصح من حيث قوة الأسانيد، وأصرح دلالة .
فهذه دعوى من دعاوي الحيدري الكثيرة أطلق فيها العنان للجهل بالشريعة و بمقاصد أهل السنة بمثل كلمة الإمام أحمد،فلما عجز عن البرهان لجأ إلى مشتبه الكلام.
وبهذا الصدد نقول له و لسائر الشيعة ما قاله النبي صلى الله عليه و سلم للزهراء في حق عائشة رضي الله عنهما: ((أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أَحَبُّ ؟. قَالَت : بَلَى قَالَ : فَأَحِبِّى هَذِهِ )).متفق عليه
وقال لأمّ سلمة ـ رضي الله عنها ـ : (( لاَ تُؤْذِينِي في عَائِشَةَ فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَىَّ الْوَحْيُ وَأَنَا في لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرَهَا)).
فأهل السنة يحبون كل ما يحبه رسول الله صلى الله عليه و سلم، وهم أطوع له من أن يكذبوا على صحابته و أهل بيته.
المسألة الثانية:
قوله ((فان ما ورد عنه في فضائل علي عليه أفضل الصلاة والسلام لم يشاركه فيها احد من الصحابة )) باطل قطعا إذ ما ثبت من فضائل أبي بكر و عمر أعظم مما ثبت من فضائل علي، فالعبرة ليس بكثرة الفضائل المروية، ولكن بنوعيتها.
وفي هذه الردود سنناقشه فضيلة فضيلة حتى نثبت له أن ما يدعيه غير صحيح بالمرة.
بل لا يوجد فضيلة لعلي ـ رضي الله عنه ـ لا توجد مثلها عند الشيخين ، أو ما هو أعظم منها.
فما تواتر من فضائل الشيخين فإنها باتفاق أهل العلم بالحديث أكثر مما صح من فضائل عليّ، وأصح وأصرح في الدلالة على أنهما أحق بالإمامة منه.
وليس فيما نقله أهل الحديث من فضائل علي شيء واحد يدل على فضله على أبي بكر وعمر وعثمان، أو على أحقيته بالإمامة منهم.
إن فضائل علي الثابتة عامتها مشتركة بينه و بين غيره، بخلاف فضائل أبي بكر و عمر فإن عامتها خصائص لم يشاركا فيها.
وما ذكره النسائي من خصائص فيه الضعيف و الموضوع، و الصحيح منه ثبت للشيخين ما هو أعظم منه.
و معلوم أن الفضيلة الجزئية في أمر من الأمور ليست مستلزمة للفضيلة المطلقة و لا للإمامة، و لا مختصة بالإمام، بل تثبت للإمام و لغيره، و للفاضل المطلق و لغيره ،فالشيعة يبنون إمامة علي ـ رضي الله عنه ـ بهذه المقدمة الباطلة .
قال ابن حزم في( الفصل في الملل)( (4/116):
(( الذي صح من فضائل علي فهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)).
وقوله: ((لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)).
وهذه صفة واجبة لكل مسلم مؤمن وفاضل، وعهده صلى الله عليه وسلم أن عليا لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، وقد صح مثل هذا في الأنصار أنهم لا يبغضهم من يؤمن بالله واليوم الآخر.[فليست من خصائصه إذن].
وأما (( من كنت مولاه فعلى مولاه))[4] فلا يصح من طريق الثقات أصلا.
وأما سائر الأحاديث التي يتعلق بها الروافض فموضوعة، يعرف ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلها)).
وقد يستدرك على ابن حزم أنه لم يذكر ما في (الصحيحين) مثل قوله صلى الله عليه و سلم : ((أنت مني وأنا منك)) ، وحديث المباهلة والكساء.
ويجاب بأن مقصود ابن حزم الفضائل التي ذكر فيها علي وحده، وأما هذه فقد ذكر معه غيره، فإنه صلى الله عليه و سلم قال لجعفر(( أشبهت خلقي وخلقي)) وقال لزيد: (( أنت أخونا ومولانا)).
وحديث المباهلة والكساء فيهما ذكر علي وفاطمة وحسن وحسين ـ رضي الله عنهم ـ ومعلوم أن المرأة لا تصلح للإمامة عند السنة و عند الشيعة.
المسألة الثالثة:
قوله : ((وهذا التصريح ليس لي وانما هو تصريح جملة من اعلام المسلمين الذين قالوا بانه ما ورد من الاحاديث الجياد والحسان في فضائل علي امير المؤمنين عن الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله لا يدانيه ما ورد في فضائل احد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله.))
هذا غير صحيح بالمرة بل كذب على أئمة السنة، فما قاله أئمة السنة شيء وما يقوله الحيدري شيء آخر.
فأهل السنة لا يقولون : (( ما رود في فضائل علي لا يدانيه ما ورد في فضائل بقية الصحابة )) كما يقوله الحيدري من عندياته ، بل يقولون أو الأحرى ينقلون قول الإمام أحمد: ((لم يرو في فضائل أحدٍ من الصحابة ما روي في فضائل علي بن أبي طالب)).
فهذه الكلمة تعني العدد لا تعني النوعية، فلم يقل الإمام أحمد، ولا من نقل كلمته هذه أنه (( ورد لعلي من الفضائل ما لا يشاركه فيه غيره من الصحابة))،أو(( ما لا يدانيه)) كما هي عبارات الحيدري، فهذا تزوير لكلام الإمام أحمد، و تحريف لكلام أئمة السنة.
تفصيل كلمة الإمام أحمد:
الإمام أحمد بن حنبل لم يقل إنه صح لعلي من الفضائل ما لم يصح لغيره لأن فضائل الشيخين وردت بأسانيد أقوى و أصح من الأسانيد الصحيحة التي رويت بها فضائل علي الثابتة،والإمام أحمد أجل من أن يفوته هذا الأمر، بل نقل عنه أنه قال : (( روي له ما لم يرو لغيره))،مع أن أسانيد هذا القول فيها نوع اضطراب، وكذلك القول في حد ذاته " روي، جاء"، وعند السيوطي" ورد".
وفي قول "بأسانيد حسان"،وفي أخرى بدونها ،،بل ونقلها بعضهم بدون سند، و الظاهر أن قول النسائي و غيره منقول من مقولة أحمد .
قال ابن عبد البر في ( الاستيعاب)(233/1):
((وقال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي: لم يرو في فضائل أحدٍ من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائل علي بن أبي طالب.)) بدون سند
قال المحب الطبري في (الرياض النضرة في مناقب العشرة)(163/1):
((قال أحمد بن حنبل والقاضي إسماعيل بن اسحاق: لم يرد في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.)) بدون سند.
قال السيوطي في (تاريخ الخلفاء) :
((قال الإمام أحمد بن حنبل : ما ورد لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من الفضائل ما ورد لعلي رضي الله عنه أخرجه الحاكم))
قلت:قال الحاكم في ( المستدرك) (3/116):
((سمعت القاضي أبا الحسن علي بن الحسن الجراحي و أبا الحسين محمد بن المظفر الحافظ يقولان : سمعنا أبا حامد محمد بن هارون الحضرمي يقول سمعت محمد بن منصور الطوسي يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه)).
فلم يذكر جملة (( بالأسانيد الحسان) وكذلك الناقل عنه السيوطي.
قال ابن عراق في (تنزيه الشريعة)(1/407):
((...فائدة: قال الذهبي في (تلخيص الموضوعات): لم يرو لأحد من الصحابة في الفضائل أكثر مما روى لعلي بن أبي طالب ـ رضي اله عنه ـ وهي ثلاثة أقسام: قسم صحاح وحسان، وقسم ضعاف وفيها كثرة، وقسم موضوعات وهي كثيرة إلى الغاية ولعل بعضها ضلال وزندقة.))
وقال الخليلي في (الإرشاد): (( قال بعض الحفاظ: تأملت ما وضعه أهل الكوفة في فضائل علي وأهل بيته فزاد على ثلاثمائة ألف والله أعلم.ـ))
قال القاري في (الأسرار المرفوعة)(1/476): ((... وأما ما وضعه الرافضة في فضائل علي فأكثر من أن يعد )).
قلت: فقول أحمد إن صح يعني مجموع الروايات التي فيها الضعيفة و الموضوعة، لا الصحيحة فقط.
وهذا ما يؤكده الإمامية، فنقل غير واحد عن ابن أبي الحديد الشيعي أنه قال :
(( إن أصل الأكاذيب في أحاديث الفضائل كان من جهة الشيعة (!)، فإنهم وضعوا في مبدأ الأمر أحاديث مختلقة في صاحبهم حملهم على وضعها عداوة خصومهم )) .(نهج البلاغة) (جـ3 ص (17) ط. دار الفكر.
شرح أسباب كثرة روايات فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب:
يعتقد الشيعة أنه مادام قد روي لعلي بن أبي طالب من الفضائل أكثر مما روي لغيره فيلزم منه أنه أفضل من الكل،و إذا كان أفضل من الكل فهو الأحق بالإمامة،فجعلوا كثرة الفضائل المروية لا نوعها و خصائصها سبب تفضيله بالإمامة !
وهذا كما ذكرت سابقا مقدمة باطلة، لأن فضيلة واحدة قد تكون أرجح من فضائل كثيرة، وهذا ما صح في الشيخين ـ رضي الله عنهما ـ.
ولأننا وجدنا السلف من الصحابة و التابعين و تابع التابعين عرفوا هذه الفضائل، وهم من رواها لنا، وهم من أطبق على الترتيب المعروف في الفضل، و أي كلام يناقض كلامهم فهو باطل من جميع جهاته.
قال الحافظ ابن عساكر في (تاريخ دمشق)(42/413):
(( قال الشيخ أبو بكر البيهقي : وهذا لأن أمير المؤمنين عليا عاش بعد سائر الخلفاء حتى ظهر له مخالفون، وخرج عليه خارجون، فاحتاج من بقي من الصحابة إلى رواية ما سمعوه في فضائله ومراتبه ومناقبه ومحاسنه ليردوا بذلك عنه مالا يليق به من القول والفعل، وهو أهل كل فضيلة ومنقبة، ومستحق لكل سابقة ومرتبة، ولم يكن أحد في وقته أحق بالخلافة منه، وكان في قعوده عن الطلب قبله محقا، وفي طلبه في وقته مستحقا)).
قلت: هذا هو مذهب أهل السنة قد لخصه البيهقي ـ رحمه الله ـ أحسن تلخيص فعلي ـ رضي الله عنه ـ أهل لكل فضيلة و منقبة، قعد عن طلب الخلافة حين كان يوجد من هو أولى منه بها، و طلبها حين كان الأحق بها، فقعوده حق وطلبه حق،ونثبت له ما ثبت له بالأسانيد الصحيحة، و نحبه ونتولاه، ولكن لا نثبت له ما تثبته الشيعة بالأسانيد المكذوبة مما هو من خصائص الربوبية و النبوة وغيره.
وهناك سبب آخر أشار إليه نوعا ما الهيثمي في (الصواعق المحرقة) وهو أن الأمة لم تختلف في الشيخين، ولا حتى في عثمان، ولم تنازعهم الطاعة كما اختلفت في علي، حتى أظهر النواصب سبه ،و كفرته الخوارج، مما دفع بأهل السنة إلى الاجتهاد في جمع فضائله، و تمحيصها، و إظهارها في الأمة تعريفا بمنزلته، وعلو قدره في الإيمان و الجهاد و العلم و الزهد.
ومعلوم أن خلافة الشيخين و أصل خلافة عثمان لم ينازع فيها أحد، و أطبقت عليها الأمة، فحتى أهل الردة مع توافر هممهم على عصيان أبي بكر، ومع قيام مقتضى معاداته لم يزعموا عليه أنه استحوذ على الخلافة بالقوة و أخذها عنوة من علي، وهذا يدل على بطلان مزاعم الشيعة من أصلها.
لوازم كلمة الإمام أحمد:
ـ لقد علم العلماء من أهل الحديث و الفقهاء وغيرهم كمال محبة الإمام أحمد بن حنبل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولحديثه، ومعرفته بأقواله وأفعاله وموالاته لمن يوافقه، ومعاداته لمن يخالفه، ومحبته لبني هاشم، وتصنيفه في فضائلهم، حتى صنف فضائل على والحسن والحسين، كما صنف فضائل الصحابة، حتى قال الحاكم الذي فيه تشيع في (المستدرك) :
((قد حدثنا السيد الأوحد أبو يعلى حمزة بن محمد الزيدي رضي الله عنه ثنا أبو الحسن علي بن محمد بن مهروية القزويني القطان قال : سمعت أبا حاتم الرازي يقول : كان يعجبهم أن يجدوا الفضائل من رواية أحمد بن حنبل ـ رضي الله عنه ـ )).
قلت: هذا لعلمهم بعلمه و إنصافه و ثقته، ومع ذلك فقد كان على طريقة السلف في ترتيب الخلفاء، وهذا يدل على قصده من كلمته، و أنها لا تعني ما يعنيه الحيدري والشيعة.
كما أن كتبه مملوءة بعلم مالك، والثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد ،ووكيع بن الجراج، ويحيى بن سعيد القطان، وهشيم بن بشير، وعبد الرحمن بن مهدي، وأمثالهم، دون موسى بن جعفر، وعلى بن موسى، ومحمد بن علي وأمثالهم، فمع محبته لرسول الله صلى الله عليه و سلم و أهل بيته، و حرصه على الحق، حتى عذب لأجله أشد العذاب، يستلزم المنطق الفطري أنه لو وجد مطلوبه عند أئمة أهل البيت، وفهم من الفضائل ما فهمته الشيعة لكان أشد الناس رغبة في ذلك، فإن لم يفعل، فهذا يعني أنه لم يقصد من كلمته ما فهمه منها الحيدري.
وكذلك يقال عن سائر العلماء خاصة أهل الحديث الذين عرفوا بالاعتناء بسنة النبي صلى الله عليه و سلم، فقد كانوا أعظم المسلمين بحثا عن أقوال النبي صلى الله عليه و سلم، و أبعد الناس عن اتباع الهوى، لا غرض لهم في رواية الفضائل إلا رواية ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلو فهموا من كلمة الإمام أحمد هذا الذي ذهب إليه الحيدري لم يكن أحد من الأمة أولى منهم بالتصريح بفضل علي على سائر الخلفاء الراشدين.
فأهل الحديث بذكرهم فضائل علي، و فضائل عثمان، و فضائل أبي بكر و عمر، و فضائل الأنصار، و فضائل خديجة و فاطمة، وفضائل عائشة وفضائل الحسن و الحسين، و فضائل الصحابة، وكل ما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكونوا من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا،أو آمنوا ببعض الكتاب و كفروا ببعضه الآخر.
فلو ثبت عندهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على عليّ ـ رضي الله عنه ـ لقالوا به، فكما رووا و قبلوا قول النبي صلى الله عليه و سلم لعلي : (( لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله و يحبه الله ورسوله )) وغيره مما صح، رووا قوله عن أبي عبيدة ((هذا أمين أمتي)) وقوله للزبير بن العوام ((إن لكل نبي حواري وحواري الزبير)).
وكما لم يقولوا في حديث علي أنه يدل على أحقيته بالإمامة، لم يقولوا في حديث أبي عبيدة أو الزبير أنهما يدلان على أحقيتهما بالإمامة.
وكما قالوا في حديث علي (( هذا فاروق أمتي ))، (( عليّ خير البشر)) بأنه موضوع، قالوا في الأحاديث الموضوعة التي رويت في فضائل أبي بكر و عمر و عثمان أنها موضوعة.
فأهل السنة يصدقون بما صح في علي و أبي بكر و عمر و عثمان و عائشة و خديجة، يكذبون بما لم يصح فيهم، ولا يطعنون في واحد منهم.
بينما الشيعة يصدقون بما روي في فضائل علي بن أبي طالب و أهل بيته و يكذبون بما روي في فضائل أبي بكر و عمر و عثمان، و يطعنون فيهم بالتكفير و التفسيق!
فأهل السنة لا فرق عندهم بين ما يروى في فضائل علي أو فضائل غيره، فما ثبت أنه صدق صدقوه، و ما كان كذبا كذبوه، فهم يأتون بالصدق و يصدقون به، ولا يكذبون صادقا، فهم أهل علم و عدل.
و الشيعة يصدقون بالكذب و يكذبون بالصدق، و يكذبون الصادق، فهم أهل إفك و جهل.
وهذه لوازم للحيدري تبطل قوله نهائيا:
1 ـ الذين نقل عنهم الحيدري مقولة الإمام أحمد، وهم السيوطي،و ابن حجر الهيثمي لم يقولوا ما نقله عنهم ،ولا يقولون بمذهبه، و يخالفونه أشد المخالفة.
2 ـ حتى النسائي المعروف بتشيعه مثله مثل ابن عبد البر و الحاكم لا يدفعون الترتيب الذي أطبق عليه السلف الصالح، و لا يدفعون فضائل الشيخين ،ولا أحقيتهما بالإمامة من علي، غاية ما قد تجد عند بعضهم التوقف في تفضيل عثمان على علي، وعليه فلا وجه لاحتجاج الحيدري بهم.
3 ـ الأئمة الذين نقلوا فضائل عليّ هم من فضل أبا بكر و عمر وعثمان عليه.
4 ـ الصحابة هم من نقل فضائل علي، وهم من فضل عليه أبا بكر و عمر و عثمان.
5 ـ الطعن في الصحابة ـ كما يفعل الشيعة ـ وهم نقلة فضائل علي طعن في فضائل علي،و القدح في الصحابة أو التابعين أو أئمة الحديث يوجب عدم الثقة بما نقلوه من الدين، وحينئذ لا تثبت فضيلة لا لعلي، و لا لغيره.
6 ـ الشيعة لا يقدرون بحال على إثبات فضائل علي لمن ينازعهم فيها كالخوارج و النواصب إلا بما نقله الصحابة الذين يطعنون فيهم، فإن نقل الشيعة لا تعتد به الطوائف الأخرى، وهم من دون أحاديث أهل السنة لا يستطيعون إثبات فضائل علي، فلو عزلنا النقليات فإن العقل يبطل مذهبهم من أصله، لأنه قائم على أحاديث مكذوبة.
7 ـ فضائل علي رواها الصحابة، وعنهم الأئمة الذين تقدح فيهم الشيعة، فإن كان قدح الشيعة صحيحا بطلت النقول،و إن كان النقل صحيحا بطل قدح الشيعة فيهم.
إلى هنا انتهت الحلقة الأولى ،في الحلقة القادمة نفصل موضوع النسائي وكيف اضطرب في شأنه الحيدري أشد الاضطراب، و أظهر جهلا كبيرا بعلم الحديث و مصطلحاته وفنونه، و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، و السلام عليكم ورحمة الله.
أرزيو/ الجزائر في 18/04/2010
مختار الأخضر الطيباوي
[1] ـ أخرجه البخاري (3659 و7220 و360)، ومسلم (7/110)، والترمذي ، وابن حبان، والطيالسي في (مسنده ) وكذا أحمد ،وأبو يعلى وعنه ابن حبان أيضاً ،وابن أبي عاصم في (السنة) (2/547/1151)، والبيهقي في (السنن ) (8/153) من حديث جبير بن مطعم.
[2] ـ البيهقي في سننه الكبرى ج 8/ ص 153 حديث رقم: 16368
[3] ـ ورواه الحاكم المعروف بتشيعه بلفظ : ((من رأى منكم رؤيا فقال رجل أنا رأيت كأن ميزانا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر ووزن عمر وعثمان فرجح عمر ثم رفع الميزان فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم)). قال الحاكم في( مستدركه)(3/75) : و هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وكذلك رواه عبد الرزاق في ( المصنف) (6/352) وهو معروف بتشيعه، ،وبهذا بطلت حجج الشيعة و شبهاتهم.
[4] ـ هذا الحديث سنتوسع في البحث في أسانيده و شروحه في موضعه من هذه الردود.