آل محمد في مقام الصلاة الإبراهيمية
الأقوال
القول الأول : المراد به النبي نفسه .
حكاه القاضي عِياض في " الشفا " وعزاه للحسن ، وهو غريب ، وليس أغرب منه سوى ما استدل به ، إذ قال : لأنه كان لا يخلّ بالفرض ، ويأتي بالنفل ، لأنّ الفرض الذي أمره الله تعالى به هو الصلاة على محمد نفسه ، وهذا مثل قوله : ((لقد أُوتي مزماراً مِن مزامير آل داود)) يريد من مزامير داود نفسه (1) .
القول الثاني : هم الأئمة المعصومين الإثنى عشر .
وهو قول الشيعة الجعفرية من الإمامية (2) .
القول الثالث : هم أهل الكساء وذريتهم ، أي الأسباط ، فكل سبطيٌّ هو معدود من آل محمد.
وهذا القول حكاه النوويّ وجهاً للشافعية وعزاه للزُهريّ (3) ، وهو مذهب جمهور الشيعة الزيدية (4) ، قال الشوكانيّ في نيل الأوطار : " وإلى ذلك ذهب جمهور أهل البيت " (5) ، وهو مذهب بعض المتصوفة .
ووجدت لدى الشيعة الجعفرية ما يؤيد هذا القول ، فقد روت الجعفرية عن أبي عبد الله أن آل محمد هم الذين حرَّم
__________
(1) الشفاء (2/72)، والحديث في صحيح البخاري (رقم 4761) ، ومسند أحمد (رقم 8806) .
(2) انظر حجج هذا القول مثلاً في كتاب "أسرار الإمامة" للطبرسي .
(3) المجموع شرح المهذب ، يحيى بن شرف النوويّ المتوفى عام 676هـ ، ت.محمد نجيب المطيعيّ ، طبعة 1415هـ ، دار إحياء التراث العربي (3/448) .
(4) البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ، للعلامة أحمد بن يحيى بن المرتضى المتوفى عام 840هـ ، ومعه كتاب جواهر الأخبار والآثار للصعدي المتوفى عام 957هـ ، تحقي عبد الله الجرافي ، ط 1 ، 1366هـ ، دار الحكمة اليمانية ، صنعاء ، اليمن (1/277).
(5) نيل الأوطار (448) .
(1/
الله - عز وجل - على محمد نكاحهم ، فخرج بذلك الأزواج ؛ وأولاد العم ؛ وأولاد هاشم قاطبة إلاّ الذين ولدهم النبي صليبة أو ولدهم بواسطة ، فعن عبد الله بن ميسرة قال : قلت لأبي عبد الله : إنا نقول اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، فقال : إنما آل محمد من حرَّم الله - عز وجل - على محمد نكاحهم .
القول الرابع : هم بنو هاشم فقط .
القول الخامس : آل محمد في مقام الصلاة عليهم هم الأزواج والذرية .
القول السادس : هم أزواجه ؛ وأهل بيته ؛ وعترته .
قال الموزعيُّ من الشافعية في أحكام القرآن : وقد اختلف الناس في الآل على أقوال ، أما في هذا المقام ـ يقصد مقام الصلاة عليهم ـ فالمراد أزواجه ، وأهل بيته ، وعترته (1) .
حكى العلاء المرداويّ من الحنابلة قال : "آل محمد في مقام الصلاة إنما هم أزواجه ، وعشيرته ممن آمن به ، قال : قيّده به ابن تميم" (2)
قالوا : وقد أفتى ابنُ تيميّة بأنه إذا قال المصلي تارة : "وعلى آل محمد" وقال تارة : "وعلى أزواجه وذريته"فإنه يكون محسناً ، بخلاف ما لو جمع بينهما ؛ فإنه يكون حينئذ قد خالف السنة ، ولأنه فاسد عقلاً أن يجمع بين البدل والمبدل ، إذ إن أحد اللفظين يدل على الآخر ، (3)
القول السابع : هم بنو هاشم وبنو المطلب .
وهذا القول هو الصحيح في مذهب الشافعية ، وهو وجهٌ لهم ، وقال النوويُّ :"وهو الذي نصّ الشافعيّ عليه في رواية حَرْمَلة ، ونقله عنه الأزهريّ ؛ والبيهقيّ ؛ وقطع به جمهور الشافعية" (4) ، وحكاه النوويّ في شرحه لصحيح مسلم قولاً للعلماء واختار غيره (5) ، وحكاه الرافعيّ وقال : "نصّ عليه الشافعيّ" (6) ، وفي التدوين في أخبار قزوين : "أن الشافعيّ فسر الآل هنا في رواية حرملة ببني هاشم وبني المطلب" (7) . وهذا القول حكاه ابن شدّاد في دلائل الأحكام قولاً لبعض أهل العلم (
. وهو وجه لدى الحنابلة ، حكاه المرداوي منهم وقال : "ذَكَرَه في المطلع" (9) .
__________
(1) أحكام القرآن (2/1040).
(2) الإنصاف ( 2/75 ) ، وانظر منهاج السنة لابن تيمية ( 4/592ـ595 ) .
(3) الفتاوى الكبرى ( 1/178 ـ 179 ) .
(4) المجموع (3/448 ) .
(5) شرح مسلم ( 4/124 ) .
(6) العزيز ( 1/534 ) .
(7) التدوين (1/151) .
(
دلائل الأحكام (1/312) .
(9) الإنصاف (2/75) .
(1/9)
وحكاه في البحر الزخار قولاً ولم يعزه ، قال : "لقربهم" (1) وعزاه في نيل الأوطار للشافعيّ (2) ، وكذا عزاه ابنُ دقيق العيد للشافعيّ (3) .
القول الثامن : هم بنو هاشم وبنو عبد مناف . كذا وجدتُ ابن حَرَازِم المغربيّ الصوفيّ يقول به في كتابه ، وهو قول شاذٌ ومرسل (4) ؛ لا دليل عليه (5) .
القول التاسع : آل محمد في مقام الصلاة جميع المسلمين التابعين له إلى يوم القيامة .
القول العاشر : آل محمد في هذا المقام هم الأتقياء من أمته والأولياء والعلماء دون عامة الأتباع .
ففي الأتباع قولان لدى أصحاب هذا الإتجاه ، الذين لا يرون صرف المقام إلى قرابة النبي.
وحكى هذيْن الرأيين النوويُّ وجهاً لدى الشافعية في المجموع وقال : "حكاه القاضي أبو الطيب في تعليقه على بعض أصحابنا ، واختاره الأزهريّ وآخرون ، وهو قول سفيان الثوريّ وغيره من المتقدمين ، ورواه البيهقيّ عن جابر بن عبد الله , وسفيان الثوريّ , وغيرهما" (6) . وقال النوويّ في شرح مسلم : "هو أظهرها وهو اختيار الأزهري وغيره من المحققين" ، وقال في موضع آخر : "المختار في الآل كما قدمنا أنهم جميع الأمة " (7) , وهذا القول حكاه الشافعيّ في الأحكام قولاً للعلماء (
, وحكاه وجهاً لدى الشافعية الرافعيُّ في العزيز (9) , وقال ابن نجيم في البحر : "اختاره النوويّ" (10) ، يعني في شرحه لمسلم ، وهو محكي في إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (11) , وقال القاضي الحنبليّ : "إن آله هم أهله، ومعناهما جميعاً أهل دينه ، ويجزئه في الصلاة أن يبدل الآل أهلاً ، وخالفه ابن حامد وأبو حفص من الحنابلة لما فيه من مخالفة لفظ الأثر وتغيير المعنى ، فإن الأهل إنما يعبر به عن القرابة ، والآل يعبر به عن الأتباع في الدين" (12) , وحكى الحطَّابُ من المالكية قولاً لديهم أن آل محمد كل تقي، أي ليس كل من تبعه
__________
(1) البحر (1/227) .
(2) نيل الأوطار (448) .
(3) أحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام ، ابن دقيق العيد ، دار الكتب العلمية ، بيروت (2/73) .
(4) شاذ لأنه مخالف للشريعة ، ومرسل لأنه لا سند له ولا دليل .
(5) جواهر المعاني وبلوغ الأماني (2/283) .
(6) المجموع (3/448) .
(7) المجموع (4/124ـ126) .
(
أحكام القرآن (85) .
(9) العزيز (1/534) .
(10) البحر الرائق (1/347) .
(11) الإحكام (2/73) .
(12) المغني (1/582) .
(1/10)
من المسلمين ، ولعل الأشهر لديهم ما قاله قبل أنه يدخل في الصلاة على آل محمد أزواجه وذريته وكل من تبعه (1) , وحكى ابن أبي زيد في النوادر والزيادات عن الحسن وغيره أنهم قالوا : "يدخل في الصلاة على آل محمد أزواجه وذريته وكل من تبع دينه ، وحكى قولاً آخر فيه أن آل محمد في هذا المقام كل تقي" (2) ، وهو قول لكثير من مشايخ الصوفية ، قالوا : "لأن التقوى جماعُ الخيرات " (3) ، وممن قال به شيخ المتصوفة ابن عربي الحاتميّ في الفتوحات المكية ؛ قال : لأن الآل غير الأهل؛ وآل كل نبيّ أتباعه؛ فآل محمد هم العظماء بمحمد (4).
قال الشوكانيّ عفى الله عنه : "وإليه ذهب إمامُ اللغة ؛ ومن شعره في ذلك .. فحكى الأبيات" (5) ، ولا ندري كيف ساغ عنده ـ مع جلالته ـ أن يكون نشوان إمام اهل اللغة ، وكيف ساغ له ولغيره أن يحتج بشعره الساقط معناً ، والسخيف فقهاً ، والذي غايته الفتنة والتضليل .
قال ابن تيمية : "وذهبت طائفةٌ من أصحاب مالك وأحمد وغيرهما إلى أنهم أمة محمد ، وقالت طائفةٌ من الصوفية : إنهم الأولياء من أمته ، وهم المؤمنون المتقون ، وروي في ذلك حديث لا يثبت " (6) .
قال العلاء المرداويّ في الإنصاف : "آله ؛ أتباعه على دينه صلوات الله وسلامه عليه على الصحيح من المذهب ؛ واختاره القاضي وغيره من الأصحاب ، قاله المجدُ ، وقدمه في المغني والشرح وشرح المجد ، ومجمع البحرين ؛ وابن تميم ؛ وابن رزين في شرحه ؛ والرعاية الكبرى ؛ والمطلع ؛ وابن عبيدان ؛ وابن منجا في شرحهما " (7) .
وروى ابن عساكر بسنده أن عبيد الله بن عمرو ذات يوم وكان عنده داود بن كثير فقال : "مَن آل محمد؟ فقال عبيد الله : كل مَن آمن بمحمد , قال عبيد الله : كنا عند عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم ؛ فقال : يا عبيد الله! من آل محمد؟ قلت : كل من آمن بمحمد قال فقال كذاك" (
.
وقال البهاء ابن شداد : "وقيل آله كل مؤمن تقي ، وقال سفيان الثوريّ : آله أمته" (9).
قالت الإباضية : "لايمكن أن تحمل كلمة الآل على قرابته في النسب ، ولا يمكن أن تفسر بها ، لأن ذلك يستلزم
__________
(1) مواهب الجليل (2/251) .
(2) النوادر (1/188) .
(3) الرسالة القشيرية صفحة (105) .
(4) الفتوحات المكيّة ، موقع الوراق عبر الشبكة العنكبوتية .
(5) نيل الأوطار (448) .
(6) منهاج السنة (4/154) لدى حديثه عن الصلاة الإبراهيمية ، وقال مثل ذلك لدى حديثه عن آية التطهير (4/75ـ76) .
(7) الإنصاف (2/75) ، وانظر شرح النووي على مسلم (4/126) .
(
تاريخ دمشق ( 37/22 ) بتحقيق علي شيري .
(9) دلائل الأحكام (1/312) .
(1/11)
ويقتضي دخول أبي لهب وكل من كان كافراً من قرابته ، فلم يبقى إلاَّ أن يتعين المعنى المقصود من آل النبي وهو كل من آمن به ومات على الوفاء لدينه وعهده ، عقيدة وقولاً وعملاً ، ويندرج في ذلك بصفة خاصة الصحابة ، ويدخل في ذلك دخولاً أوّلِياً قرابته ، فيكون ذكر الصحابة من باب ذكر الخاص بعد العام " (1).
وهذا القول حكاه في البحر الزّخّار قولاً ولم يعزه (2) ، والقاضي عياض في الشفاء ولم يعزه (3).
وهذا القول نجده حتى لدى الإمامية الجعفرية ، قال العلامة أحمد الأحسائي في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة : الحاصل أن المراد بأهل ؛ الأئمة المعصومون عليهم السلام لا غير ، هذا إذا أريد السلام عليهم بالأصالة ، ولو لُوحظ ما هو أعم دخلوا الخُلَّصُ من الشيعة بالتبعية ، فإنهم من أهل البيت عليهم السلام ، خلقوا من فاضل طينتهم ، وعُجنوا بماء ولايتهم .. فخواص الشيعة يدخلون في تبعية السلام على أئمتهم ، بل تفوق بعض العارفين وقال : إذا قلنا : السلام عليكم . إنما نعنى شيعتهم ، لأن مقامهم أجل من أن يُسلم عليهم . (4)
__________
(1) من كتاب الشيخ بلحاج محمد شيخ الإباضية بالجزائر صفحة ( 4ـ5) ، ولعل الأستاذ وهم حين حكم على عقيل بن أبي طالب بالكفر وأخرجه بالمرة من مدلول الآل .
(2) البحر (1/278) ، وانظر هذا القول في نزل الأبرار لمحمد صديق (195) .
(3) الشفا (2/72) .
(4) شرح الزيارة (1/39) .