آل محمد في مقام الخمس
الأقوال
القول الأول : هم بنو هاشم فقط ، لا أحد معهم .
رواه ابن جرير عن خصيف عن مجاهد , ورواه كذلك عن الإمام عليّ زين العابدين بن الحسين الشهيد سبط رسول الله (1) ، وحكاه الجصاص وعزاه لأصحابه ولزيد بن أرقم (2) , وعزاه ابن عطية في تفسيره لعليّ بن الحسين في رواية عنه ، وعبد الله بن الحسن ، وعبد الله بن عباس (3) ، وعزاه في زاد المسير لأبي حنيفة (4) ، وبه قال الغنيميّ (5) ، وعزاه الحافظ ابن حجر العسقلانيّ في الفتح لعمر بن عبد العزيز الأمويّ؛ ولزيد بن أرقم ؛ وطائفة من الكوفيين لم يُسَمّهم (6) ، وعزاه القرطبيّ لمجاهد ؛ وعليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، وقال: "وهو قولُ مالكٍ ؛ والثوريّ ؛ والأوزاعيّ وغيرهم"(7) , وعزاه الأمينُ الشنقيطيّ إلى مَن ذكرهم الحافظ ابن حجر والقرطبيّ وقال:"وهو غير صحيح" (
, ورجّحه الشيخ الطاهر بن عاشور وعزاه لمالك ولجمهور أصحابه، قال : "وهو إحدى روايتين عن
__________
(1) تفسير الطبري ( 10/5) ، وتفسير ابن كثير (2/325) .
(2) أحكام القرآن (3/84) .
(3) تفسير ابن عطيّة (2/530) .
(4) زاد المسير (3/360) .
(5) اللباب (2/195) .
(6) فتح الباري (6/245 ) .
(7) تفسير القرطبي (7/10) .
(
أضواء البيان (3/363ـ367) .
(1/28)
أحمد وقاله ابن عباس ؛ وعليّ بن الحسين ؛ وعبد الله بن الحسن ؛ ومجاهد ؛ والأوزاعيّ ؛ والثوريّ" (1) ؛ وحكاه الفخر الرازيّ قولاً ولم يعزه لأحدٍ ثم قال : "وقيل : آل عليّ ؛ وجعفر ؛ وعقيل ؛ وآل العباس ؛ وولد الحارث بن عبد المطلب ؛ وهو قول أبي حنيفة " (2) , وعزاه الموزعيُّ لمالك ؛ والثوريّ ؛ والأوزاعيّ , وغَلَّطَه (3) , وهو قولٌ لدى المالكية ، حكاه عنهم ابن أبي زيد قال: "وقال ابن عباس : نحن هم ، يعني آل محمد ، ولكن أبى علينا قومُنا , ووجدتُ معنى الآثار أنهم آل محمد خاصة" (4) , وقال أصبغ فيما حكاه عنه ابن رشد : الذي وجدتُ عليه معاني العلم والآثار أنهم آل محمد خاصة (5) ، قال القرافيّ في الذخيرة في باب الجهاد : "قال ابن يونس : قال ابن عباس - رضي الله عنه - وغيره : ذوو القربى ؛ آله ، وهو الأصح ، وقيل قريش ، قال سحنون : وليس ذلك بمحدود" (6) .
وهو قول الزيدية , قالوا : "إنما أعطى النبي آل المطلب بن عبد مناف تفضلاً منه , لا استحقاقاً بالقرابة" (7).
وهو قول الشيعة الجعفرية من الإمامية، قال في كتاب أصل الشيعة وأصولها: "والخمس عندنا حقٌ فرضه الله تعالى لآل محمد صلوات الله عليه وعليهم عوض الصدقة التي حرمها عليهم من زكاة الأموال، ويقسّم ستة سهام ؛ ثلاثة لله ولرسوله ولذي القربى ، هذه السهام يجب دفعها إلى الإمام إن كان ظاهراً وإلى نائبه؛ وهو المجتهد العادل إن كان غائباً؛ .. وأما الثلاثة الأخرى فهو حق المحاويج والفقراء من بني هاشم عوض ما حرم عليهم من الزكاة"(
.
وقال في إرشاد الأذهان في أحكام الإيمان : "يُقسَّم الخمس ستة أقسام ؛ ثلاثة للإمام عليه السلام , وثلاثة لليتامى والمساكين وابناء السبيل من الهاشميين المؤمنين" (9) .
وقال في مدارك الأحكام : "المراد من آل محمد في مقام الصدقات هم بنو هاشم بدون تعيين وبسبب الخمس" (10) .
فلا خلاف بين الشيعة الجعفرية الإمامية من أن المراد بذوي القربى في هذا المقام هم آل محمد في مقام التحريم الزكاة والصدقات ، وأنهم هم بنو هاشم فقط ، كما نصّ على ذلك خلائق لا تحصى(11) ، ولدى الشيعة الجعفرية روايات
__________
(1) تفسير التحرير والتنوير (10/10) .
(2) التفسير الكبير (15/133) .
(3) أحكام القرآن (2/857) .
(4) النوادر والزيادات (2/297) .
(5) البيان والتحصيل (2/383) .
(6) الذخيرة (3/432) .
(7) البحر الزخار (2/224 )، السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار ، محمد بن علي الشوكاني ، ت/محمد زايد ، ط 1405هـ , دار الكتب العلمية , بيروت (2/95) .
(
أصل الشيعة (293) ، وانظر كتاب الخمس صفحة (163) ، والوسائل (6/359) .
(9) إرشاد الأذهان (1/ 46) .
(10) مدراك الأحكام (5/128ـ 153) .
(11) أنظر مثلاً تفسير العياشي ( 2/62ـ64) ، التبيان في تفسير القرآن للطوسي ( 6/123ـ124 ) وتفسير الميزان الجزء التاسع ، تفسير سورة الأنفال ، وتفسير القميّ ( 2/395 ) .
(1/29)
تقول : إن المراد بذي القربى هو الإمام من آل محمد ، قالوا : وظاهر الآية يؤيد ذلك حيث عبر بلفظ المفرد ، مع اتفاقهم على أن المراد باليتامى والمساكين وابن السبيل ؛ يتامى الهاشميين ومساكينهم وابن السبيل منهم ، عوضاً لهم عن الصدقة ، وعلى كل حال فإن غرضنا هو أن نبين الذين هم يستحقون مسمى القرابة بالنبسة إلى النبي ، وحاصل مراد الشيعة الجعفرية أن الإمام لا يكون إلاَّ من بني هاشم ، فذي القربى المراد به الإمام من قرابة النبي لأن قرابة النبي هم بنو هاشم باتفاق أهل القبلة ، ومتى قلنا إن المراد به الإمام فإن هذا السهم سهم ذي القربى يصرف لقرابة ذلك الإمام المعاصرين له ، لأنهم حاشيته ؛ وبصلاحهم يصلح الإمام ، ويحرم من هذا السهم والحال هذه عامة الهاشميين ، وتكون باقي الأسهم للمساكين واليتامي وأبناء السبيل من عامة الهاشميين ، ومتى قلنا إن المراد بذي القربى مجموع القرابة (أي عامة بني هاشم) لا الإمام وحده فإن هذا السهم سهم ذي القربى يصرف لعامتهم الذكر والأنثى ، الفقير والموسر ، وباقي الأسهم تكون لمن سمى اللهُ - عز وجل - ؛ فالإمام هو المراد من ذوي القربى إنما هو الإمام وحده ؛ فيكون له ثلاثة أسهم من ستة ؛ يكون له سهم الله ؛ ويرث معه سهم رسوله ؛ ويختص بسهم ذوي القربى ، وباقي الأسهم تكون لأيتام آل هاشم ؛ ومساكينهم ؛ ولابن السبيل منهم .
وقريبٌ من هذا قال به بعض أهل السنة ، إذ قالوا : إن سهم النبي يكون للخليفة بعده ، وسهم ذي القربى يكون لقرابة ذلك الخليفة ، سواء أكان هاشميياً أم من عامة قريش ، وليس يكون للهاشميين نصيب فيه متى كان الخليفة من غيرهم ، وهذا قول شطط مخالف لكتاب الله وسنة رسوله .
وعزت الموسوعة الفقهية المصرية هذا القول بعد إخراج آل أبي لهب إلى المشهور من مذهب المالكية والرواية الأخرى في مذهب أحمد , قالت : "ونقل هذا القول عن عمر بن عبد العزيز ؛ وبه قال زيد بن أرقم ؛ وطائفة من الكوفيين ، وإليه ذهب جميع أهل البيت" (1).
القول الثاني : هُم صليبة بني هاشم وبني المطلب ابنا عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مُرّة ، دون بني إخوتهما بني عبد شمس وبني نوفل ابنا عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة ، فآل محمد في هذا المقام هم أهل الشِّعْبِ ، وهم أولائي فقط.
وهذا قول الإمام الشافعيّ المطلبيّ وانتصر له رحمه الله ، كما صرّح به في أحكام القرآن ، وأجراه على جميع المقامات (2) ، وصرّح به في الأمّ (3) , وفي مختصره للمزنيّ (4) ، وعزاه ابن عطية للشافعيّ , قال وهو فعل عمر بن عبد العزيز
__________
(1) الموسوعة (1/64) .
(2) أحكام القرآن (76ـ77) .
(3) الأم (4/196) .
(4) المختصر (171) .
(1/30)
(1) , وعزاه القرطبيّ للشافعيّ؛ وأحمد ؛ وأبي ثور ؛ ومجاهد ؛ وقتادة ؛ وابن جريج ؛ ومسلم بن خالد ؛ والنسائيّ(2) ، وحكاه ابن العربيّ قولاً في أحكام القرآن وصححه (3) , وعزاه ابن عاشور للشافعي كما هو مشهور عنه ؛ وأحمد في إحدى الروايتين عنه التي جرى عليها أصحابه ؛ وإسحاق ؛ وأبي ثور ، قال : ومال إليه من المالكية ابن العربيّ (4) ، وقال ابن كثير : "هذا قول جمهور العلماء" (5) ، ونسبه الموزعيّ للشافعيّ ؛ وأحمد ؛ وأبي ثور ؛ وأكثر العلماء وصححه(6)، أما الموسوعة الفقهية المصرية فقد نسبته للحنفية ؛ والشافعية ؛ وابن حزم ؛ والمالكية في قول عندهم ؛ والحنابلة في رواية عندهم (7) ، واختاره الشوكانيّ(
.(9)
قال الشافعيّ : "إنهم أعطوا باسم القرابة ، وكلهم يلزمه اسم القرابة" (10) ، قال: "كل من لقيت من علماء أصحابنا لم يختلفوا في أنهم باسم القرابة أعطوا ، حكاه المزنيّ في مختصر الأمّ"(11) ، وفيه قوله : "جعل لهم الخمس عوضاً من الصدقة" (12) ، هذا القول حكاه الطبريّ في تفسيره لبعض أهل العلم ، والذي في مختصر تفسيبر الطبريّ للتجيبيّ : "بنو هاشم وبنو المطلب وحلفاؤهم"وزيادة حرف الواو بين كلمة المطلب وكلمة حلفاؤهم غلطٌ ؛ لعله من النُّسّاخ ، لأن الذي في تفسير الطبريّ: "بني هاشم وحلفائهم من بني المطلب"(13). (14)
القول الثالث : إن آل محمد في مقام المغانم والخمس إنما هم قريش كلها .
قال ابن عطية : "روي عن علي بن الحسين وعبد الله بن محمد بن علي أنهما قالا : الآية كلها في قريش ، والمراد يتامى
__________
(1) تفسيره (2/530) .
(2) تفسيره (7/10) .
(3) أحكام القرآن (2/402) .
(4) تفسير ابن عاشور (10/10 ) .
(5) تفسير ابن كثير (2/325) .
(6) أحكام القرآن (2/856) .
(7) الموسوعة (1/64) .
(
السيل الجرار (2/97) .
(9) وصرح بهذا القول كافة الشافعية ، من ذلك الدميري في النجم الوهاج ( 6/385 ) .
(10) الأم (4/196ـ201) .
(11) المختصر (162) .
(12) المختصر (171) .
(13) المختصر للتجيبيّ ( 182 ) ، و تفسير الطبري ( 10/6 ) .
(14) وانظر هذا القول : تفسير الألوسي (10/3) ، وأضواء البيان (2/361) ، والتوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح (2/559 ) ، وغاية البيان على زبد ابن رسلان للرملي وبهامشه مواهب الصمد في حل ألفاظ الزبد للفشني كلاهما صفحة (344) ، والمنهاج للنووي وشرحه مغني المحتاج للشربيني (3/94) ، وتفسير الفخر الرازي (15/133) وأحكام القرآن للجصاص (171) ، وفتح الباري لابن حجر (6/245) ، وزاد المسير لابن الجوزي (3/360 ) .
(1/31)
قريش ومساكينها" (1) ، وحكى هذا القول الجصاص الحنفيّ قولاً ولم يعزه حيث قال : "قال بعضهم : قريش كلها من أقرباء النبي الذين لهم سهم من الخمس إلاَّ أن للنبي أن يعطي من رأى منهم" (2) ، وعزاه القرطبيّ لبعض السلف ولم يسمهم (3) ، وعزاه ابنُ حجر لأصبغ من المالكية قال : "قال أصبغ : ولكن يعطي الإمام منهم من يراه" (4) , قال الطاهر بن عاشور : "وعن أصبغ أنهم آل غالب بن فهر، أي قريش " (5) ، كما حكاه ابن أبي زيد وجهاً لدى المالكية (6) ، ورواه ابن جرير الطبري عن ابن عباس (7) ، ولا يصحّ أنْ يكون من كلام ابن عباس كما نصّ أهل العلم ، وحكاه الموزعيّ قولاً ولم يعزه لأحد ، وغلَّطه (
، وحكاه قولاً في زاد المسير (9) ، وابن العربيّ في أحكام القران (10) ، والشنقيطيّ في أضواء البيان وضعفه(11) ، ونِسْبَتُه إلى السلف أو بعض السلف لا تصح ، فلا يصح عن أحدٍ من أهل البيت ، كعليّ زين العابدين ، ومن نسبه لابن عباس فهو وَاهمٌ أو مُغْرضٌ ، قال القرافيّ في الذخيرة في باب الجهاد : "قال ابن يونس : قال ابن عباس - رضي الله عنه - وغيره : ذوو القربى ؛ آله ، وهو الأصحّ، وقيل قريش ، قال سحنون : وليس ذلك بمحدود" (12) .
وكأن أصحاب هذا القول في تعميمهم الحكم بقريش كافة نظروا إلى اجتهاد النبي في قسمته حيث أطعم من الخمس بني المطلب تفضلاً منه لا على وجه الإستحقاق منه كبني هاشم .
القول الرابع : هم آل قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة .
عزاه ابن عاشور قولاً لأصبغ من المالكية (13) ، ولعل هذا القول متفرع عن الذي قبله وقد حررنا اختلافهم في قريش ، ثم إن هذا القول يشوبه شذوذ ولا شك .
__________
(1) تفسير ابن عطيّة (2/531) .
(2) أحكام القرآن (3/84) .
(3) تفسير القرطبي (7/10) .
(4) فتح الباري (6/246) .
(5) تفسير الطاهر بن عاشور (10/11)
(6) لنوادر والزيادات (2/297) .
(7) تفسير الطبري ( 10/6 ) .
(
الأحكام للموزعي (2/857) .
(9) زاد المسير (3/360) .
(10) أحكام القرآن (2/402ـ408) .
(11) أضواء البيان ( 3/363 ) ، وانظر هذا القول في تفسير ابن كثير (2/325) .
(12) الذخيرة (3/432).
(13) التحرير و التنوير (10/11) .
(1/32)
القول الخامس : هم قربى كل أحدٍ من المقاتلين ، وليس المراد قربى النبي على أي حال ، وبهذا قالت شرذمة من فقهاء الحنفية منهم الكاساني(1) .
القول السادس : هم قرابة الخليفة/الإمام لا قرابة النبي ، فسهم الرسول مع سهم قرابته يكون لوليّ الأمر ولقرابته من بعده .
قال الطبريّ في تفسيره : "وقال آخرون سهم ذي القربى كان لرسول الله ثم صار من بعده لولي الأمر من بعده .. فعن قتادة أنه سئل عن سهم ذي القربى فقال : كان طعمة لرسول الله ما كان حياً فلما توفي جُعل لولي الأمر من بعده" (2) .
__________
(1) صفحة (6/102) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، للعلاء أبي بكر بن سعود الكاساني الحنفي المتوفى عام 587هـ ، الطبعة الثانية 1402هـ ، دار الكتاب العربي ، بيروت ؛ ونسخة أخرى ، تحقيق /محمد عدنان درويش, ط 1، 1417 هجرية ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، أنظر رد الإمام الشافعي عليه في الأم ، وكنا قد ذكرناَ شيئاً منه ، وانظر تيسير البيان لأحكام القرآن للموزعي الشافعي (2/854) .
(2) تفسير الطبريّ (10/6 ـ7) .