أهل البيت في مقام عقد الزوجية
هذا مقام عرفيّ أكثر منه شرعيّ ؛ ولذا فإنه عام في جميع الأمة ، وليس هو خاص بمقام النبوة، فهو في عرف الناس أجمعين ، وهو مقام ليس من مقامات القرابة وإنما هو مقام رَحِمٍ وَصِهْر ، ولا يتمارى أحدٌ بالاعتراف أنّ الزوجة تكون أهلُ بيتٍ لزوجها ، إلاّ من لا حظّ له في العلم الشرعيّ ؛ وجهل مع الشريعة عُرفَ العرب ، وكونه كذلك أي مقام عرفيّ فإنه يكون شرعيّ؛ لأجل أنّ الشريعة أقرّته ؛ فهو إذن كنتيجة نهائية : من المقامات الشرعيّة ، والقرآن قد نطق بذلك في آيات كثيرة ، كان من العبث مع ورودها إنكار كون الزوجة من أهل بيت الرجل ، وفي السنة من الشواهد على ذلك ما لا يحصيه إلاّ الله تبارك اسمه ، فمُسَلّمٌ جداً كون المرأة على الوصف الذي ذكرنا ، إلا أنه لما كانت الزوجة من أهل بيت الزوج ليس بالأصالة/القرابة ؛ وإنما بحكم العقد/النكاح الذي هو أمر طاريء ، فقد تعارف العرب وأهل الشريعة على ذلك الوصف لها ولكن بقرينة في الكلام ، ومناطة في الحديث ، تكون صارفة للمعنى المتبادر إلى الذهن لأجل الحكم الأصلي ـ إذ أن الأصل في الآل دلالته على معنى النسب ـ إلى المعنى المراد من كلام المتكلم لأجل الحكم العارض ـ وهو هنا دلالته على الزوجة ـ .
قال الفقيه اللغويّ محمد بن إدريس المطلبيّ الشافعيّ وهو يردّ على من يزعم أنّ الزوجة يقال لها أهل في مطلق القول : " هذا معنى يحتمله اللسان ، ولكنه معنى كلام لا يعرف ، إلاّ أن يكون له سببُ كلامٍ يدل عليه ـ أي قرينة في الكلام تبينه وتشير عليه ـ وذلك أن يقال: هل تزوجتَ؟ فيقول : ما تأهلتُ ؛ فيعرف ، بأول الكلام ، أنه أراد ما تزوجتُ , أو يقول الرجل : أجنبتُ من أهلي ، فيعرف أن الجنابة إنما تكون من الزوجة .
أما أنْ يبدأ الرجلُ فيقول : أهلي ببلد كذا أو أنا أزور أهلي ، وأنا عزيز الأهل ، وأنا كريم الأهل ، فإنما يذهب الناس
(1/6)
في هذا إلى أهل البيت " (1) .
وهذا زيد بن أرقم الصحابي - رضي الله عنه - لم ينفي كون الزوجة من الأهل .
أمّا امرأة لوط - عليه السلام - فعلى فرض أنها مستثناة مِن {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} أمْ كان الإستثناء منقطعاً ؛ وسواء أكانت {امْرَأَتَكَ} منصوبة كما هي قراءة الجمهور أمْ مرفوعة {امْرَأَتَُكَ} كما هي قراءة أبي عمرو وابن كثير ؛ أمْ آيات الحِجْر التي فيها {إِلاَّ آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60) فَلَمَّا جَاءَ آَلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} أمْ غيرهما ؛ فكلّ ذلك إن كان فيه ما قد يوحي أنّ الزوجة ليست من أهل الزوج فإنما هو إطلاقٌ للعبارة ليس فيه إثباتٌ لحكم ؛ أو يكون باعتبار المآل في الآخرة ؛ لأنها في الآخرة ليست من أهل بيته ؛ أما في الدنيا فهي من أهل بيته على الرغم من أنها ليست على دين زوجها الدين الحقّ .
__________
(1) أحكام القرآن ( 86 ـ 87 ).