أهل البيت في مقام التجديد لدين الله - عز وجل -
الأصل في هذا المقام
هذا المقام الأصل فيه قوله : ((المُجَدِّدُ منَّا أهل البيت)) ، وقوله : ((إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا)) من غير قيد (1) ؛ وقال ابنُ مَاجَة القزوينيّ : "حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ ؛ قَالَ : حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ؛ حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ ؛ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ زُرْعَةَ ؛ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عِنَبَةَ الْخَوْلاَنِيَّ؛ وَكَانَ قَدْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ؛ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: ((لا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ))"، قال السِنديّ في حاشيته: "يَغْرِس ؛كَيَضْرِب أَوْ مِنْ أَغَرَسَ يُقَال غَرَسَ الشَّجَر وَأَغْرَسَهُ إِذَا أَثْبَتَهُ فِي الأَرْض وَالْمُرَاد يُوجَد فِي أَهْل هَذِهِ الدِّين وَلِذَا يُسْتَعْمَل أَهْل الدِّين فِي طَاعَته وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُجَدِّد لِلدِّينِ عَلَى رَأْس كُلّ مِائَة سَنَة وَيَحْتَمِل أَنَّهُ أَعَمّ فَيَشْمَل كُلّ مَنْ يَدْعُو النَّاس إِلَى إِقَامَة دِين اللَّه وَطَاعَته وَسُنَّة نَبِيّه صَلَوَات اللَّه وَسَلامه عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ"(2) ، روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن حميد بن زنجويه قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول: يروي الحديث عن النبي قال: "إنَّ اللهَ يَمُنُّ على أهلِ دينه في رأس كل مائة سنة برجلٍ مِن أهلِ بيتي يُبَيِّن لهم أمر دينهم" ، قال أحمد بن حنبل :
__________
(1) الحديث رواه أبو داود (4/109،4291) ، والحاكم (4/567،برقم8592 ، 8593) ، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (رقم 98) عن أبي هريرة ، أنظر فيض القدير للمناوي ( 1/281، رقم1845 ، 2/218،رقم 1845) ، وقال الحافظ في توالي التأسيس بمعالي بن إدريس أخرجه أبو داود في السنن عن أبي الربيع سليمان بن داود المهري ، وأخرجه الحسن بن سفيان في المسند عن حرملة بن يحيى وعن عمرو بن سواد جميعا ، وأخرجه الحاكم في المستدرك عن الأصم عن الربيع بن سليمان المؤذن ، وأخرجه بن عدي في مقدمة الكامل من رواية عمرو بن سواد وحرملة وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن أخي بن وهب كلهم عن عبد الله بن وهب بهذا الإسناد قال بن عدي لا أعلم رواه عن بن وهب عن سعيد بن أبي أيوب ولا عن بن يزيد غير هؤلاء الثلاثة ، قال الحافظ ورواية عثمان بن صالح المذكورة سابقا ورواية الأصم وأبي الربيع ترد عليه فهم ستة أنفس رووه عن بن وهب ، وأخرجه البيهقي أيضا في المعرفة من طريق عمرو بن سواد السرحي وحرملة وأحمد بن عبد الرحمن كلهم عن بن وهب . عن عون المعبود (11/259) ، ينظر الحديث وفي الكلام عنه في : تحفة الإشراف ، وكنْز العمال ،والسنن الواردة في الفتن للداني ، والمعجم الكبير للطبراني (1118) ، والأوسط له (6715) ، المقاصد الحسنة للسخاوي حرف الهمزة ، وفي كتاب الأدب منه أيضاً ، وكتاب الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة للسيوطي حرف الألف ، وكتاب كشف الخفاء للعجلوني رقم (740) ، وتذكرة الموضوعات للفتني ، وفتح الباري لابن حجر ، ومختصر الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية ، الطريقة القادرية البودشيشة ، وكتاب الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى للشيخ سعيد بن وهف القحطاني ، وكتاب كتاب أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة ، أصدرته وزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية ، ورسالة ابن تيمية إلى السلطان الملك الناصري .
(2) سنن ابن ماجة بحاشية السندي حديث (رقم
، وانظر كلام السندي عن حديث خروج الدجال أيضاً في باب فتنة الدجال ونزول عيسى بن مريم عليهما السلام .
(1/47)
وإني نظرت في سنة مائة فإذا رجلا من آل رسول الله عمر بن عبد العزيز ، ونظرت في رأس المائة الثانية فإذا هو رجل من آل رسول الله محمد بن إدريس الشافعي (1) .
فشأنُ أهل هذا المقام أنهم المجددون لدين الله تعالى ؛ الذين يقيمون حدوده ولا يغيِّرون رُسُوْمَه ؛ ولا يبدلون مَنَارَ الأرضِ .
الأقوال
القول الأول : هم الأمة قاطبة ، فالمراد أولياء الأمة وأتقيائها ، والعلماء الربانيين ، الذين يؤثرون في الأمة بأقوالهم وأفعالهم ، وتقتدي بهم الأمة فيكونوا سبب تجديد دينها ؛ فالمراد إذن الأبدال الذين يكونون في الأمة ، كلما مات واحدٌ قال البدل مقامه ، وهذا قول جمهور أهل السنة ؛ وبه تقول الإباضية ومن نحى نحوها ، وهو قول القاديانيين استظهرناه من كلامهم وربما قالوا هم الأمة الفارِسيّة.
القول الثاني : هم قريشٌ على بكرةِ أبيها ، فالمرادُ أتقيائها ، والأولياء منها، والعلماء العاملون منها ، الذين أثّروا في الأمة أبلغ الأثر . قالوا : كالإمام الشافعي المطلبيّ ، وكعمر بن عبد العزيز الأمويّ الذي جمع بين الإمامة في العلم والسياسة ، وجدد للأمة ما درس في دولة بني أمية ، وأدنى منه قرابة النبي ، وهذا قولٌ لبعض أهل السنة .
القول الثالث : هم بنو هاشم ، فالمراد أتقيائهم ، وصالحيهم ، وهو قول لبعض أهل السنة .
القول الرابع : هم الأسباط/ذرية أهل الكساء ، أولاد عليّ من فاطمةَ عليهم السلام ، فالمراد أنّه يكون من أتقيائهم وصالحيهم ، وبه قال بعض أهل السنة، وهو قول الشيعة الزيدية.
القول الخامس : هم الأئمة المعصومون الاثنى عشر . وهم الوارد ذكرهم في هذه السلسلة الكريمة ؛ محمد المهديّ المنتظر بن الإمام الحسن العسكريّ بن الإمام عليّ الهادي بن الإمام محمد الجواد بن الإمام عليّ الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام عليّ زين العابدين بن الإمام الحسين السبط بن الإمام عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ومعهم الإمام
__________
(1) حلية الأولياء (9/97) .
(1/48)
الحسن السبط بن الإمام عليّ عليهما السلام،وبه قالت الشيعة الجعفرية من الإمامية.
القول السادس : هم الأئمة المعصومون المذكورون في هذه السلسلة الآتية؛ الإمام إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام عليّ زين العابدين بن الإمام الحسين السبط بن الإمام عليّ بن عليهم السلام ، والإمام الحسن السبط بن عليّ منهم - عليه السلام - ، وبقية الإئمة الذين هم من نسل الإمام إسماعيل بن جعفر المذكور عليهم السلام ، وبه قالت الشيعة الإسماعيلية .