هناك جملة من الروايات التي تشير إلى ما سألتم عنه, ولكن قبل هذا، علينا أن نعرف أنّه قد وردت أحاديث في أنَّ (حيّ على خير العمل) كانت ممّا يؤذّن بها بلال مؤذّن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)(1).
وأيضاً كان يؤذّن بها عبد الله بن عمر نفسه (كما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى بالسند الصحيح)(2).
وأيضاً روى البيهقي عن الإمام علي بن الحسين(عليهما السلام) أنّه قال: هو الأذان الأوّل(3).
وروى الشوكاني في كتابه (نيل الأوطار) عن المحبّ الطبري في (أحكامه) عن زيد بن أرقم: أنّه أذّن بذلك, وقال المحبّ الطبري: رواه ابن حزم، ورواه سعيد بن منصور في (سننه) عن أبي أُمامة بن سهل البدري(4).
وأيضاً روى الحافظ العلوي في كتابه (الأذان بحيّ على خير العمل) عن حفص بن عمر بن سعد, قال: كان بلال يؤذّن في أذان الصبح بحيّ على خير العمل(5).
ولعلّ الملاحظ في رواية البيهقي يجد فيها هذه الزيادة على رواية الحافظ العلوي: ((فأمره النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يجعل مكانها: (الصلاة خير من النوم)، وترك (حيّ على خير العمل) ))(6).
إلاّ أنّ المتأمّل في رواية معن بن عيسى عن عبد الرحمن بن سعد التي أوردها الحافظ العلوي يراها أوثق من رواية يعقوب بن حميد التي أوردها البيهقي، باتّفاق الجميع، والتي رواها الطبراني أيضاً في (المعجم الكبير)(7).
وأيضاً قد ورد في (السنن الكبرى) عن البيهقي نفسه بعد الزيادة المتقدّمة: قال الشيخ: وهذه اللفظة لم تثبت عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في ما علّم بلالاً وأبا محذورة، ونحن نكره الزيادة فيه وبالله التوفيق(
.
فالمتحصّل: أنّ أصل شرعية الأذان بـ(حيّ على خير العمل) ثابت عند أهل السُنّة، إلاّ أنّهم يقولون بالنسخ، واختلفوا في الناسخ إلى فريقين:
فمنهم من قال: إنّ الناسخ هو قول رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لبلال: (اجعل مكانها الصلاة خير من النوم)؛ إلاّ أنّ الاستدلال بهذه المقالة لم يثبت؛ لضعف المرويات الواردة في هذا الشأن.
بينما اكتفى الفريق الآخر بالسكوت، واكتفى بدعوى النسخ.. هكذا من غير دليل!
وعن هذا المعنى يصرّح السيّد المرتضى - من علماء الإمامية - في كتاب (الانتصار): ((وقد روت العامّة (يريد أهل السُنّة) أنّ ذلك (أي: حيّ على خير العمل) ممّا كان يقال في بعض أيام النبيّ, وإنّما ادّعي أنّ ذلك نُسخ ورُفع، وعلى مَن ادّعى النسخ الدلالة له, وما يجدها))(9).
وقد أثبت بعضهم - حين لم يجد دليلاً ينهض به على النسخ - هذه الحقيقة التاريخية، وصدح بها قائلاً: إنَّ عمر بن الخطّاب خطب الناس وقال: ((أيّها الناس! ثلاث كنّ على عهد رسول الله، أنا أنهى عنهنّ وأحرّمهنّ وأُعاقب عليهنّ, وهي: متعة النساء, ومتعة الحجّ, وحيّ على خير العمل))(10).
وقد أورد الحافظ العلوي في كتابه المتقدّم الذكر جملة من الأخبار بالأسانيد المعتبرة التي تثبت أنّ عمر حذف هذه الفقرة من الأذان، معلّلاً ذلك بخوفه أن يتّكل الناس عليها ويتركوا الجهاد(11)؛ فراجع ثمّة!
ودمتم في رعاية الله
(1) السنن الكبرى للبيهقي 1: 425 باب (ما روي في حيّ على خير العمل)، المعجم الكبير 1: 352، الأذان بحيّ على خير العمل: 28.
(2) السنن الكبرى للبيهقي 1: 424 باب (ما روي في حيّ على خير العمل).
(3) السنن الكبرى للبيهقي 1: 425 باب (ما روي في حيّ على خير العمل).
(4) نيل الأوطار 2: 19 أبواب الأذان.
(5) الأذان بحيّ على خير العمل: 28.
(6) السنن الكبرى للبيهقي 1: 425 باب (ما روي في حيّ على خير العمل).
(7) المعجم الكبير 1: 352.
(
السنن الكبرى للبيهقي 1: 425 باب (ما روي في حيّ على خير العمل).
(9) الانتصار: 137 مسألة (35) وجوب قول حيّ على خير العمل في الأذان.
(10) شرح التجريد: 374 المقصد الخامس في الإمامة.