لما شاع فعل عثمان وسارت به الركبان كان أول من دعا إلى خلعه والبيعة لعلي عمرو بن زرارة ( 38 ) بن قيس بن الحارث بن عمرو ابن عداء النخعي ، وكميل بن زياد بن نهيك بن هتيم النخعي ثم أحد بني صهبان ، فقام عمرو بن زرارة فقال : أيها الناس إن عثمان ترك الحق وهو يعرفه ، وقد أغرى بصلحائكم يولي عليهم شراركم . فمضى خالد بن عرفطة ابن أبرهة بن سنان العذري حليف بني زهرة إلى الوليد فأخبره بقول عمرو بن زرارة واجتماع الناس إليه ، فركب الوليد نحوهم ، فقيل له : الأمر أشد من ذلك والقوم مجتمعون فاتق الله ولا تسعر الفتنة ، وقال له مالك بن الحارث الاشتر النخعي : أنا أكفيك أمرهم فأتاهم فكفهم وسكنهم وحذرهم الفتنة والفرقة ، فانصرفوا . وكتب الوليد إلى عثمان بما كان من ابن زرارة ، فكتب إليه عثمان : إن ابن زرارة أعرابي جلف فسيره إلى الشام فسيره ، وشيعه الاشتر والاسود بن يزيد ابن قيس ، وعلقمة بن قيس ، وهم عم الاسود ، والاسود اكبر منه ، فقال قيس
( 37 ) أنساب الأشراف 5 / 30 .
( 38 ) عمرو بن زرارة . ترجموه في الصحابة ، وفد أبوه على النبي وحدثه برؤيا رآها فعبرها له .
راجع ترجمتها في أسد الغابة 2 / 201 - 202 و 4 / 104 .
(ابن فهدان بن سلمة منبني البداء من كندة يومئذ :
أقسم بالله رب البيت مجتهدا * أرجو الثواب له سرا وإعلانا
لاخلعن أبا وهب وصاحبه * كهف الضلالة عثمان بن عفانا
وكان عثمان وجه حمران إلى الكوفة حين شكا الناس الوليد بن عقبة ليأتيه بحقيقة خبره فرشاه الوليد ، فلما قدم على عثمان كذب عن الوليد وقرظة ، ثم إنه لقي مروان فسأله عن الوليد ، فقال له : إن الامر جليل ، فأخبر مروان عثمان بذلك ، فغضب على حمران وغربه إلى البصرة لكذبه إياه وأقطعه دارا ( 39 ) .
استمرت إمارة الوليد على الكوفة خمس سنين ، وغزا في أيامه آذربيجان وأصاب حدا في غزاة فأرادوا أن يقيموه عليه ، فقال حذيفة : أتقيمون عليه الحد وهو بأزاء العدو ؟ ! فكفوا عن ذلك ( 40 ) .
ولا ندري هل كان ذلك منه في شربه الخمر أم غيره ، فإن كان مشهورا بمعاقرة الخمرة وحد على ذلك في قصة مشهورة ذكرها المؤرخون وقالوا : في حده على السكر :
فيما أخرجه أبو الفرج في الأغاني ( 41 ) عن أبي عبيدة والكلبي والأصمعي : كان الوليد بن عقبة زانيا شريب خمر ، فشرب الخمر بالكوفة وقام ليصلي بهم الصبح في المسجد الجامع ، فصلى بهم أربع ركعات ، ثم التفت إليهم وقال لهم : أزيدكم ؟ وتقيأ في المحراب وقرأ بهم في الصلاة :
علق القلب الربابا * بعدما شابت وشابا
وقال المسعودي ( 42 ) : إن الوليد بن عقبة كان يشرب مع ندمائه ومغنيه من
( 39 ) أنساب الاشراف 5 / 57 58 .
( 40 ) أنساب الاشراف 5 / 31 .
( 41 ) الأغاني 4 / 176 177 ، ط . ساسي .
( 42 ) المسعودي في مروجه 2 / 335 ، ط . دار الاندلس .
أول الليل إلى الصباح ، فلما آذنه المؤذنون بالصلاة خرج منفصلا في غلائله ( * ) فتقدم إلى المحراب في صلاة الصبح فصلى بهم أربعا ، وقال : أتريدون أن أزيدكم ؟ وقيل إنه قال في سجوده وقد أطال : " إشرب واسقني " .
فقال له عتاب الثقفي وكان في الصف الأول : ما تريد لازادك الله مزيد الخير . والله لا أعجب إلا ممن بعثك إلينا واليا وعلينا أميرا ، فحصبه الناس بحصباء المسجد ، فدخل قصره يترنح ويتمثل أبيات تأبط شرا .
ولست بعيدا عن مدام وقينة * ولا بصفا صلد عن الخير معزل
ولكنني أروي من الخمر هامتي * وأمشي الملا بالساحب المتسلسل
ما جرى للشهود : رغب أهل الكوفة في أن يذهبوا إلى المدينة ومعه بينة جلية تؤيدهم في شهادتهم على أخي الخليفة كي لا يجبهوا بالرد والانكار .
روى أبو الفرج ، والمسعودي والبلاذري ، واللفظ للأخير قال ( 43 ) : لما صلى الوليد بالناس وهو سكران أتى أبو زينب زهير بن عوف الأزدي صديقا له من بني أسد يقال له : المورع ، فسأله أن يعاونه على الوليد في التماسه غرتة فتفقداه ذات يوم فلم يرياه خرج لصلة العصر ، فانطلقا إلى بابه ليدخلا عليه ، فمنعهما البواب ، فأعطاه أبو زينب دينارا ، فسكت ، فدخلا فإذا هما به سكران ما يعقل فحملاه حتى وضعاه على سريره فقاء خمرا وانتزع أبو زينب خاتمه من يده .
وفي لفظ الاغاني بعد هذا : ولقي أبو زينب وصاحبه عبد الله بن حبيش الاسدي وعلقمة بن يزيد البكري وغيرهما فأخبراه ، فقالوا : اشخصوا إلى أمير المؤمنين فأعلموه ، فقال بعضهم : لا يقبل قولنا في أخيه .
( * ) غلائله مفرده الغلالة : شعار يلبس تحت الثوب والدرع . وقيل بطائن تلبس تحت الدروع . لسان العرب ، مادة : غلل .
( 43 ) في الاغاني 4 / 178 ، ط . ساسي ، ومروج الذهب 1 / 435 وأنساب الاشراف 5 / 33 .
وفي لفظ البلاذري : ومضى وصاحبه على طريق البصرة حتى قدما على عثمان . عند الخليفة : روى أبو الفرج وقال ( 44 ) : قدم رجل المدينة فقال لعثمان ( رض ) : إني صليت الغداة خلف الوليد بن عقبة ، فالتفت إلينا فقال : أأزيدكم ؟ إني أجد اليوم نشاطا ، وأنا أشم منه رائحة الخمر ، فضرب عثمان الرجل ، فقال الناس : عطلت الحدود وضربت الشهود .
وفي رواية البلاذري عن أبي إسحاق قال : فخرج في أمره إلى عثمان أربعة نفر : أبو زينب وجندب بنزهير وأبو حبيبة الغفاري والصعب بن جثامة ، فأخبروا عثمان خبره ، فقال عبد الرحمن بن عوف : ماله أجن ؟ ! قالوا : لا ولكنه سكر ، قال فأوعدهم عثمان وتهددهم ، وقال لجندب : أنت رأيت أخي يشرب الخمر ؟ ! قال : معاذ الله ! ولكني اشهد أني رأيته سكران يقلسها ( * ) من جوفه وإني اخذت خاتمه من يده وهو سكران لا يعقل .
وفي رواية الاغاني : فشخصوا إليه وقالوا : إنا جئناك في أمر ونحن مخرجوه إليك من أعناقنا وقد قلنا إنك لا تقبله . قال : وما هو ؟ قالوا : رأينا الوليد وهو سكران من خمر قد شربها وهذا خاتمه أخذناه وهو لا يعقل ! . . . ( 45 ) .
وفي رواية المسعودي : ( ثم تقايأ عليهم ما شرب من الخمر ، فانتزعوا خاتمه من يده فأتوا عثمان بن عفان فشهدوا عنده على الوليد أنه شرب الخمر ، فقال
( 44 ) في الاعاني 4 / 178 ، ط . ساسي ، بسنده إلى مطر الوراق .
( * ) يقلسها : يقيئها .
( 45 ) الاغاني ، ط . ساسي ، 4 / 178 .
عثمان : وما يدريكما أنه شرب خمرا ، فقالا : هي الخمر التي كنا نشربها في الجاهلية ، وأخرجا خاتمه فدفعاه إليه فرزأهما ودفع في صدورهما ، وقال : تنحيا عني فخرجا وأتيا علي بن أبي طالب ( رض ) وأخبراه بالقصة ، فأتى عثمان وهو يقول : دفعت الشهود وأبطلت الحدود . . الحديث ) ( 46 ) .
وفي رواية البلاذري عن الواقدي : وقد يقال : إن عثمان ضرب بعض الشهود أسواطا فأتوا عليا فشكوا ذلك إليه فأتى عثمان ، فقال : عطلت الحدود وضربت قوم شهدوا على أخيك فقلبت الحكم .
وأخرج البلاذري عن أبي إسحاق قال : فأتى الشهود عائشة فأخبروها بما جرى بينهم وبين عثمان وأن عثمان زبرهم ، فنادت عائشة : إن عثمان أبطل الحدود وتوعد الشهود ( 47 ) .
وأخرج أبو الفرج ( 48 ) عن الزهري أنه قال : خرج رهط من أهل الكوفة إلى عثمان في أمر الوليد فقال : أكلما غضب رجل منكم على أميره رماه بالباطل ؟ لئن أصبحت لانكلن بكم ، فاستجاروا بعائشة ، وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا وكلاما فيه بعض الغلظة فقال : أم يجد مراق أهل العراق وفساقهم ملجأ إلا بيت عائشة ! ؟ فسمعت فرفعت نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وقال : تركت سنة رسول الله صاحب هذا النعل . فتسامع الناس فجاءوا حتى ملئوا المسجد فمن قائل : أحسنت ، ومن قائل : ما للنساء ولهذا ! ؟ حتى تحاصبوا وتضاربوا بالنعال .
وأخرج البلاذري ( 49 ) : ان عائشة أغلظت لعثمان ، وأغلظ لها وقال : وما أنت وهذا ! ؟ إنما أمرت أن تقري في بيتك ، فقال قوم مثل قوله ، وقال آخرون : ومن أولى بذلك منها ، فاضطربوا بالنعال ، وكان ذلك أو قتال بين المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وآله .
( 46 ) مروج الذهب ، طبعة بيروت ، دار الاندلس ، 2 / 336 . ( 47 ) أنساب الاشراف 5 / 34 .
( 48 ) الاغاني 4 / 178 ، ط . ساسي .
( 49 ) أنساب الاشراف 5 / 33 .
وأخرج اليعقوبي في تاريخه ( 50 ) وابن عبد البر بترجمته من الاستيعاب قريبا مما أوردناه من موقف أم المؤمنين في هذه القصة .
وأخرج البلاذري ( 51 ) عن الواقدي وأبي مخنف وغيرهما أنهم قالوا : أتى طلحة والزبير عثمان ، فقالا له : قد نهيناك عن تولية الوليد شيئا من أمور المسلمين فأبيت ، وقد شهد عليه بشرب الخمر والسكر فاعزله . وقال له علي : اعزله وحده إذا شهد الشهود عليه في وجهه ، فولى عثمان سعيد بن العاص الكوفة وأمره بإشخاص الوليد . فلما قدم سعيد الكوفة غسل المنبر ودار الإمارة .
وروى الطبري ( 52 ) في بيان هذا وقال : فقدم سعيد بن العاص الكوفة فأرسل إلى الوليد ان أمير المؤمنين يأمرك أن تلحق به ، قال : فتضجع أياما فقال له : انطلق إلى أخيك فانه قد أمرني أن أبعثك إليه ، قال : وما صعد منبر الكوفة حتى أمر به أن يغسل . فناشده من قريش ممن كانوا خرجوا معه من بني أمية ، وقالوا : إن هذا قبيح ، والله لو أراد هذا غيرك لكان حقا أن تذب عنه ، يلزمه عار هذا أبدا . قال فأبى إلا أن يفعل فغسله وأرسل إلى الوليد أن يتحول من دار الامارة فتحول عنها ونزل دار عمارة بن عقبة .
وفي الاغاني ( 53 ) : لما شهد على الوليد عند عثمان بشرب الخمر كتب إليه يأمره بالشخوص ، فخرج وخرج معه قوم يعذرونه ، فيهم عدي بن حاتم ، فنزل الوليد يوما يسوق بهم ، فقال يرتجز :
لا تحسبنا قد نسينا الايجاف * والنشوات من عتيق أوصاف
( 50 ) اليعقوبي 2 / 203 ، ط . بيروت ، دار صادر .
( 51 ) أنساب الاشراف 5 / 35 .
( 52 ) الطبري 5 / 188 ، في ذكره حوادث سنة 33 ه ، وفي ط . أوربا 1 / 2915 .
( 53 ) الاغاني 4 / 181 ، وفي ط . ساسي 4 / 178 179
وعزف قينات علينا عزاف ( * ) فقال عدي : أين تذهب بنا ! أقم !
وفي رواية البلاذري ( 54 ) : وأشخص الوليد فلما شهد عليه في وجهه وأراد عثمان أن يحده ألبسه جبة حبر ( * ) وأدخله بيتا فجعل إذا بعث إليه رجلا من قريش ليضر به ، قال له الوليد : أنشدك الله أن تقطع رحمي ، وتغضب أمير المؤمنين عليك . فكيف . فلما رأى ذلك علي بن أبي طالب أخذ السوط ودخل عليه ومعه ابنه الحسن ، فقال له الوليد مثل تلك المقالة ، فقال له الحسن : صدق يا أبت ، فقال علي : ما أنا إذا بمؤمن ، وجلده بسوط له شعبتان أربعين جلدة ، ولم ينزع جبته ، وكان عليه كساء فجاذبه علي إياه حتى طرحه عن ظهره وضربه وما يبدو وإبطه .
وفي رواية الاغاني ( 55 ) : فقال له الوليد نشدتك بالله والقرابة ، فقال علي : أسكت أبا وهب فإنما هلكت بنو إسرائيل بتعطيلهم الحدود . فضربه وقال : لتدعوني قريش بعد هذا جلادها .
وقال المسعودي ( 56 ) : فلما نظر إلى امتناع الجماعة من إقامة الحد عليه توقيا لغضب عثمان لقرابته منه ، أخذ علي السوط ودنا منه ، فلما أقبل نحوه سبه الوليد ، وقال : يا صاحب مكس ( * ) . فقال عقيل بن أبي طالب وكان ممن حضر : إنك لتتكلم يا ابن أبي معيط كأنك لا تدري من أنت وأنت علج من أهل صفورية وهي قرية بين عكا
( 1 ) الايجاف : سير فسيح واسع للابل ، والنشوات من عتيق أوصاف ، أي ولم ننس النشوات من خمر عتيق موصوف بالجودة ، وعزف قينات . . أي ولم ننس عزف المغنيات .
( 54 ) أنساب الاشراف 5 / 35 .
( * ) حبر : ضرب من برود اليمن .
( 55 ) الاغاني 4 / 177 ، ط . ساسي .
( 56 ) مروج الذهب 1 / 449 .
( * ) المكس : النقص والظلم ، ودراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في الاسواق في الجاهلية ، أو درهم كان يأخذه المصدق بعد فراغه من الصدقة .
واللجون من أعمال الأردن من بلاد طبرية كان ذكر أنا أبه يهوديا منها فأقبل الوليد يروغ ( * ) من علي فاجتذبه فضرب به الأرض وعلاه بالسوط . فقال عثمان : ليس لك ان تفعل به هذا ، قال : بلى وشرا من هذا إذا فسق ومنع من حق الله تعالى أن يؤخذ منه .
وروى البلاذري ( 57 ) وقال : لما ضرب علي الوليد بن عقبة جعل الوليد يقول : يا مكيثة يا مكيثة ( * ) ! وقال حين حد :
باعد الله ما بينى وبينكم * بني أمية من قربى ومن نسب
إن يكثر المال لا يذمم فعالكم * وإن يعش عائلا مولاكم يخب
وروى أنه سئل عثمان ان يحلق ، وقيل له إن عمر حلق مثله ، فقال : قد كان فعل ثم تركه .
وروى اليعقوبي ( 58 ) أن عثمان بعث أخاه الوليد بعد أن أجري الحد عليه على صدقات كلب وبلقين .
* * *
في هذه القصة نجد الوليد بن عقبة امرءا موصوفا في القرآن بالفسق ، ومشهورا لدى الناس بالكسر والزنا ، ونجده عارفا بضعف نفس أخيه الخليفة خبيرا بكيفية التصرف فيه .
ونجده يبسط يده في أموال المسلمين ، كما نجده يتخذ من السلطة سلما إلى التمتع بشهواته ، ويتجاهر في سبيل ذلك غير هياب ولا متحرج اعتمادا على مركز أخيه الخليفة وتدليله إياه ، فنجده يقطع نديمه الشاعر النصراني أرضا واسعة ، ويجري عليه لحم الخنزير والخمر ، ويدخله المسجد الجامع وهو
( * ) يروغ الرجل والثعلب : يميل ويحيد عن الشئ .
( 57 ) أنساب الاشراف 5 / 35 .
( * ) مكيثة : المكث اللبث ، والمكيث الرزين ، ولعله كان يوصي نفسه بالصبر والوقار .
( 58 ) اليعقوبي في تاريخه 2 / 142 .
سكران ، ويدخل الساحر اليهودي المسجد أيضا ليقوم له فيه بأعماله السحرية ، ويخرج سكران في غلائله ليصلي بالمسلمين في محرابهم ، ويتقيأ الخمرة لإكثاره منها ، حتى إذا أشخص إلى المدينة أخرج معه الاشرف ليعذروه ولكنه لا يستطيع ان يكف عن ذكر الخمر والعزف فيتغنى بهما وهو في طريقه إلى مجلس الحكم .
ونجد فيها المسلمين كافة متذمرين من السلطة معلنين استنكارهم عليها غير أن هناك شخصيتين متميزتين على من عداهما :
أولاهما : ابن أبي طالب فانه الشخص الوحيد الذي تقدم من بين المسلمين والصحابة لاقامة الحد على أخي الخليفة غير مبال بسخط الخليفة ، ونقمة أسرته من بني أمية ، ومن المصادفات الفريدة أن يكون هذا الشخص ضارب رأس الأب الكافر وجالد ظهر الابن الفاسق ، وحق له ان يقول : لتدعوني قريش جلادها ، ولقد ادخر بأفعاله هذه كرها شديدا في صدور قريش ، وحقدا دفينا جنى ثمارهما في مستقبل أيامه .
وثانيهما : أم المؤمنين عائشة فانها كانت في الناقمين على عثمان تملك قيادة جماهير الناس ، وقد استطاعت أن تحشد الجماهير ضده بعمل فذ لم يقم به أحد قبلها ولا بعدها ، فإنها أخرجت نعل رسول الله في وقت كان الناس متعطشين إلى رؤية آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وبذلك أثارت عواطفهم ! وهيجتهم ! ودفعتهم إلى حيث ما تريد ، فوقع الخصام ، وانقسم المسلمون حزبين يترامون بالحصباء ويتضاربون بالنعال !
وكان ذلك أول قتال وقع بين المسلمين ، وأخيرا تغلبت على الخليفة ، واضطرته إلى النزول عند رغبة الجماهير فعزل أخاه وأحضره للحكم ، ولولا براعتها في تحشيد الجماهير وقيادتها ، لما وقع شئ من ذلك ، وإنها لم تكن الوحيد ممن بقيت من أزواج الرسول بعده ، فقد كانت هناك حفصة وأم سلمة وأم حبيبة وقد اشترك بعضهن في بعض المواقف السياسية غير أن واحدة منهن لم تفعل ذلك .
ونجد في هذه القصة - أيضا الخليفة عثمان قد اتخذ لنفسه سريرا يجلس عليه مما لم نجد الخليفتين قبله قد فعلا ذلك ، ثم نجده يشرك معه على السرير أبا سفيان كبير قريش في حروبها لرسول الله ، وأخاه الموصوف في القرآن بالفسق شريب الخمر الزاني ، ونجده يحترم عمه الحكم طريق رسول الله ولعينه أكثر من أي إنسان كان ، فيزحل له عن مجلسه
ونجده يطعم النصف الشرقي من بلاد المسلمين إلى أخيه الماجن هذا ليجبر بذلك نفسه الكسيرة ، ونجده يبسط يد هذا المتهتك على بيت مال المسلمين ، ويعاقب الصحابي الجليل ابن مسعود على إنكاره على أخيه ، ويخاطبه بذلك الخطاب المقذع ، ويأمر به فيضرب حتى تنكسر ضلعاه ، ويحرمه عطاءه ويمنعه من الخروج إلى الجهاد في سبيل الله ، ويحبسه في المدينة حتى يموت
كل ذلك يفعله غضبا لأخيه الفاسق هذا ، ونجده يرد شهادة الشهود على أخيه ، ويضربهم على شهادتهم ، وبعد ان يجبر على إقامة الحد عليه يلبسه جبة حبر تمنع من جسده ألم السياط ، ثم لا يحلق رأسه بعد الحد ، وبعد ذلك كله يوظفه على الصدقات . هذه واحدة من حوادث سياسية اشتركت فيها أم المؤمنين ضد الخليفة عثمان .