ما قاله الامام علي عليه السلام بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) : : " أمّا بعد فإنّ الله تعالى لما قبض نبيّه (صلى الله عليه وآله) قلنا نحن أهل بيته، وعصبته، وورثته، وأولياؤه، وأحقّ الخلائق به، لا نُنازَع حقّه وسلطانه، فبينا نحن على ذلك إذ نفر المنافقون فانتزعوا سلطان نبيّنا منّا وولّوه غيرنا، فبكت والله لذلك العيون والقلوب منّا جميعاً معاً، وخشنت له الصدور وجزعت النفوس.. "(1).
وقال : " إنّ الله لمّا قبض نبيّه (صلى الله عليه وآله) استأثرت علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حقّ نحن أحقّ به من الناس كافّة، فرأيت أنّ الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين وسفك دمائهم، والناس حديثوا عهد بالإسلام، والدين يمخض مخض الوطب، يفسده أدنى وهن، ويعكسه أقلّ خلف(2).
وفي كتابه (عليه السلام) إلى أهل مصر: ".. فلمّا مضى (صلى الله عليه وآله) تنازع المسلمون الأمر من بعده، فوالله ما كان يلقى في روعي، ولا يخطر ببالي، أنّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده (صلى الله عليه وآله) عن أهل بيته، ولا أنّهم مُنحّوه عنّي من بعده، فما راعني إلاّ انثيال الناس على فلان يبايعونه.. "(3).
روى جابر الجعفي عن محمّد بن علي (عليه السلام) قال: قال علي (عليه السلام): " ما رأيت منذ بعث الله محمّداً (صلى الله عليه وآله) رخاءاً، لقد أخافتني قريش صغيراً، وأنصبتني كبيراً، حتّى قبض الله رسوله فكانت الطامّة الكبرى، ( وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلَى ما تَصِفُوْنَ )(4).
وقال (عليه السلام) لعبد الرّحمن بن عوف ـ بعد استخلاف عثمان ـ: " ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم فيه علينا ( فَصَبْرٌ جَمِيْلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلَى ما تَصِفُوْنَ )(5) ".
وروى عبد الملك بن عمير، عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة، قال: سمعت علياً (عليه السلام) وهو يقول: " ما لقي أحد من الناس ما لقيت.. " ثمّ بكى (عليه السلام)(6).
وزاد البلاذري ـ بعد قوله (عليه السلام) " ما لقيت " ـ: " توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أحقّ بهذا الأمر.. "(7).
وفي رواية عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة، عن أبيه: سمعت عليّاً (عليه السلام) يقول: " ولي أبو بكر وكنت أحقّ الناس بالخلافة "(
.
وقال (عليه السلام): " ما لقي أهل بيت نبي من أُمّته ما لقينا بعد نبيّنا (صلى الله عليه وآله)، والله المستعان على من ظلمنا، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم "(9).
عن إبراهيم الثقفي ـ بعد ذكر رواية عن الزهري: ما بايع علي (عليه السلام) إلا بعد ستّة أشهر، وما اجْتُرِئَ عليه إلا بعد موت فاطمة (عليها السلام) ـ وقال (عليه السلام): " انّ هؤلاء خيّروني أن يظلموني حقّي وأُبايعهم... فاخترت أن أظلم حقّي وإن فعلوا ما فعلوا "(10).
وفي رواية أُخرى: ".. فإنّ هؤلاء خيّروني أن يأخذوا ما ليس لهم أو أُقاتلهم وأُفرّق أمر المسلمين.. "(11).
وحكى المأمون العبّاسي ـ في احتجاجه على علماء العامّة ـ: ان أمير المؤمنين (عليه السلام)قال: " قبض النبي (صلى الله عليه وآله) وأنا أولى بمجلسه منّي لقميصي، ولكنّي أشفقت أن يرجع الناس كفّاراً "(12).
وقال (عليه السلام): " إنّ الله عزّ وجلّ لمّا قبض رسوله (صلى الله عليه وآله) قلنا: نحن أهله وأولياؤه لا ينازعُنا سلطانه أحد، فأبى علينا قومنا.. فولَّوْا غيرنا، وأيم الله لولا مخالفة الفرقة، وأن يعود الكفر ويبوء(13) الدين لغيرنا(14).. فصبرنا على بعض الألم.. "(15).
أرى تراثي نهباً
قال (عليه السلام) في الخطبة الشقشقية: " أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة، وإنه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى، ينحدر عنّي السيل، ولا يرقى إليَّ الطير، فسدلت دونها ثوباً، وطويت عنها كشحاً، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه، فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهباً.. "(16).
الاستنجاد
عن أسحاق بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن آبائه (عليهم السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ في خطبة يعتذر فيها عن القعود عن قتال من تقدّم عليه ـ قال: ".. وذهب من كنت أعتضد بهم على دين الله من أهل بيتي وبقيت بين خفيرتين قريبي عهد بجاهلية: عقيل وعبّاس "(17).
وعنه (عليه السلام): " ولو كان لي بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمّي حمزة وأخي جعفر لم أُبايع كرهاً، ولكنني بليت(18) برجلين حديثي عهد بالإسلام: العبّاس وعقيل، فضننت بأهل بيتي الهلاك، فأغضيت عيني على القذى، وتجرّعت ريقي على الشجى.. "(19).
وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): " والله لو كان حمزة وجعفر حيّين ما طمع فيها أبو بكر وعمر ولكن ابتليت بحالفين حافين عقيل والعبّاس(20).
ظُلمتُ عدد المدر والوبر!
عن المسيب بن نجبة قال: بينا علي (عليه السلام) يخطب، إذ قام أعرأبي فصاح: وامظلمتاه! فاستدناه علي (عليه السلام)، فلما دنا قال له: " إنما لك مظلمة واحدة، وأنا قد ظلمت عدد المدر والوبر "(21)!
وفي رواية عباد بن يعقوب: إنه دعاه فقال له: " ويحك! وأنا والله مظلوم أيضاً.. هات فلندع على من ظلمنا "(22).
روى أنّ أعرابياً أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو في المسجد، فقال: مظلوم، قال: " ادن منّي.. " فدنا حتى وضع يديه على ركبتيه، قال: " ما ظلامتك؟ " فشكا ظلامته، فقال: " يا أعرأبي! أنا أعظم ظلامة منك! ظلمني المدر والوبر ولم يبق بيت من العرب إلاّ وقد دخلت مظلمتي عليهم، وما زلت مظلوماً حتى قعدت مقعدي هذا "(23).
وروي ـ متواتراً ـ أنه (عليه السلام) قال: " ما زلت مظلوماً(24) منذ قبض الله نبيّه حتى يوم الناس هذا.. " أو نحوه(25).
أو: " ألا ما زلت مظلوماً.. ألا ما زلت مقهوراً منذ قبض الله نبيّه "(26).
أو: " فوالله ما زلت مدفوعاً عن أمري(27)، مستأثراً عليّ، منذ قبض الله نبيّه حتّى يومنا هذا "(28).
أو: " ولقد كنت أظلم قبل ظهور الإسلام "(29).
أو: " ما زلت مظلوماً منذ ولدتني أُمّي "(30) او: " مذ كنت "(31).
بل قالوا: إنّه (عليه السلام) لم يقم مرّة على المنبر إلا قال في آخر كلامه قبل أن ينزل: " ما زلت مظلوماً منذ قبض الله نبيّه (صلى الله عليه وآله) "(32).
____________
1. الإرشاد: 1/245 وقريب منه في أمالي المفيد: 99 ; ط الحديثة 154 ـ 155، عنه بحار الأنوار: 29/579 (634).
2. شرح نهج البلاغة: 1/308 ; بحار الأنوار: 29/633 و 32/62.
3. نهج البلاغة: 145، كتاب 62.
4. شرح نهج البلاغة: 4/108 وقريب منه الإرشاد: 1/284، والآية الشريفة في سورة يوسف (12): 18.
5. الطبري: 4/233 ; الكامل لابن الأثير: 3/71 ; شرح نهج البلاغة: 1/194 العقد الفريد: 4/279 (مكتبة النهضة المصرية) والآية في سورة يوسف (12): 18.
6. شرح نهج البلاغة: 4/103.
7. أنساب الأشراف: 2/177 (تحقيق المحمودي) 2/402 (ط دار الفكر).
8. لسان الميزان: 4/485.
9. الكافي: 8/63.
10. الشافي: 3/243 ـ 244 ; تلخيص الشافي: 3/78 ـ 79.
11. الشافي: 3/243 ـ 244 ; تلخيص الشافي: 3/78 ـ 79.
12. عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 2/187، عنه بحار الأنوار: 49/192.
13. خ. ل: يبور.
14. كذا.
15. الاستيعاب: 1/490 (ترجمة رفاعة بن رافع).
16. شرح نهج البلاغة: 1/151. والخطبة طويلة رواها الخاصّة والعامّة، راجع الغدير: 7/85 ـ 82. وتعليقة نهج البلاغة: 5 (نسخة المعجم، جماعة المدرسين، قم).
17. الاحتجاج: 190، عنه بحار الأنوار: 22/284.
18. خ. ل: منيت.
19. كشف المحجة، عنه بحار الأنوار: 30/15 ; نوادر الأخبار ـ للفيض الكاشاني ـ: 199 ـ 198.
20. كامل بهائي: 2/131 ; وقريب من هذه الروايات الثلاثة ما رواه سليم في كتابه: 128، وعنه بحار الأنوار: 29/468.
وقد روى الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن سدير، قال: كنّا عند أبي جعفر (عليه السلام) ـ فذكرنا ما أحدث الناس بعد نبيّهم (صلى الله عليه وآله)، واستذلالهم أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ فقال رجل من القوم: أصلحك الله! فأين كان عزّ بني هاشم وما كانوا فيه من العدد؟! فقال أبو جعفر (عليه السلام): " ومن كان بقي من بني هاشم؟! إنما كان جعفر وحمزة فمضيا، وبقي معه رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهد بالإسلام عباس وعقيل، وكانا من الطلقاء. أما والله لو أنّ حمزة وجعفراً كانا بحضرتهما ما وصلا إليه، ولو كان شاهديهما لأتلفا نفسيهما".
انظر الكافي: 8/189، وعنه في بحار الأنوار: 28/251.
21. خ. ل: الحجر، المطر.
22. شرح نهج البلاغة: 4/106 ; المناقب: 2/115 ; الشافي: 3/223 ; تلخيص الشافي: 3/48 ; بحار الأنوار: 28/373.
23. الخرائج: 180، عنه بحار الأنوار: 42/187.
24. خ. ل: مغضوباً.
25. كامل بهائي: 1/303 و 2/131 ; ارشاد القلوب: 395 ; الإمامة والسياسة: 1/49 ; تقريب المعارف: 237 (تحقيق تبريزيان) ; الصراط المستقيم: 3/41 ـ 42، 114 ; المناقب: 2/115 ; الشافي: 3/223 ; تلخيص الشافي: 3/48 ; شرح نهج البلاغة: 10/286 و 20/283 ; خصائص الأئمة (عليهم السلام)99 ; بحار الأنوار: 28/372 و 29/417، 578 و 41/5، 51 و42/187.
26. كامل بهائي: 1/328.
27. خ. ل.: حقّي.
28. المصدر: 1/210 ; بحار الأنوار: 32/135 ; شرح نهج البلاغة: 1/223 ; نهج البلاغة: 7، الخطبة 6.
29. شرح نهج البلاغة: 20/283.
30. الفضائل لشاذان القمي: ص 130 ; علل الشرائع: 45 ; بحار الأنوار: 27/62، 208 و 67/228.
31. المناقب: 2/122 ; بحار الأنوار: 27/207 و 41/5.
32. المناقب: 2/115 ; الاحتجاج: 190 ; الصراط المستقيم: 3/150 ; الشافي: 3/223 ; تلخيص الشافي: 3/49 ; كتاب سليم: 127، 181 ; بحار الأنوار: 28/373 و 29/419، 467 و 33/143 ـ 142 و 41/51.
اللعنة الدائمة على اعداء ال بيت نبيك من الان الى يوم الدين .