بأي حق كان ؟ وكيف كانت البيعة ؟ وبالخصوص ، كيف تعاملوا مع أهل بيت النبي المصطفى لأجل البيعة ؟ هذا ما يتناوله - بإيجاز - هذا الفصل . . . فمما لا يغيب على من لديه أدنى اطلاع على التاريخ الإسلامي أن بيعة السقيفة قد
تمت ، ولما يجهز بعد جثمان رسول الله الطاهر . . . ! وفي ساعة كان الإمام علي ، وبنو هاشم ، وجمع من المهاجرين والأنصار ينهمكون بهذا الواجب . . . ! وجاء البراء بن عازب ، فضرب الباب على بني هاشم ، وقال : يا معشر بني هاشم
بويع أبو بكر ! فقال بعضهم : ما كان المسلمون يحدثون حدثا نغيب عنه ، ونحن أولى بمحمد . فقال العباس : فعلوها ورب الكعبة .
وكان المهاجرون والأنصار لا يشكون في علي ( 1 ) .
وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ، ومالوا مع علي بن أبي طالب ، منهم : العباس بن عبد المطلب ، والفضل بن العباس ، والزبير بن العوام ، وخالد بن سعيد ، والمقداد بن عمرو ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، وعمار ابن ياسر ، والبراء بن عازب ، وأبي بن كعب ( 2 ) .
ثم إن أبا بكر تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه ، فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار علي ، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب ! وقال : والذي نفس عمر بيده ، لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها . فقيل له : يا أبا حفص ،
إن فيها فاطمة ! فقال : وإن ( 3 ) ! ! ! فأتى عمر أبا بكر ، فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة ؟ فقال أبو بكر لقنفذ - وهو مولى له - : اذهب ، فادع لي عليا . فذهب إلى علي ، فقال له - علي - : ما حاجتك ؟ فقال : يدعوك خليفة رسول الله .
* ( هامش ) *
( 1 ) تاريخ اليعقوبي 2 : 124 ، ابن أبي الحديد 6 : 21 ، الإستيعاب - بهامش الإصابة - 3 : 550 - ترجمة النعمان بن العجلان -
( 2 ) تاريخ اليعقوبي 2 : 124 ، تاريخ أبي الفداء 2 : 63 ، ابن أبي الحديد : 2 : 49 ، 56 و 6 : 11 ، وزاد في 1 : 220 حذيفة ، وابن التيهان ، وعبادة بن الصامت ، وتاريخ الطبري 3 : 198 ، الكامل في التاريخ 2 : 325 ، 331 ، تاريخ الخلفاء : 51 ولم يذكروا الأسماء .
( 3 ) تاريخ الطبري 3 : 198 ، الإمامة والسياسة 1 : 12 ، العقد الفريد 5 : 12 ، ابن أبي الحديد 2 : 56 ، 6 : 48 ، 20 : 147 ، مروج الذهب 3 : 77 ، تاريخ أبي الفداء 2 : 64 أعلام النساء 4 : 114 باختلاف في اللفظ .
فقال علي : " لسريع ما كذبتم على رسول الله " ! فرجع ، فأبلغ أبا بكر الرسالة ، فبكى أبو بكر طويلا ! فقال عمر - الثانية - : لا تمهل هذا المتخلف عنك في البيعة .
فقال أبو بكر لقنفذ : عد إليه ، فقل له : خليفة رسول الله يدعوك لتبايع . فجاءه قنفذ ، فأدى ما أمر به ، فرفع علي صوته ، فقال : " سبحان الله ، لقد ادعى ما ليس له " .
فرجع قنفذ ، فأبلغ الرسالة . فبكى أبو بكر طويلا . . ثم قام عمر ، فمشى معه جماعة ، حتى أتوا باب فاطمة ، فدقوا الباب . فلما سمعت أصواتهم ، نادت بأعلى صوتها : " يا أبت ، يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب ، وابن أبي قحافة ؟ ! " .
فلما سمع القوم صوتها ، وبكاءها ، انصرفوا باكين ، وكادت قلوبهم تنصدع ، وأكبادهم تنفطر ، وبقي عمر ! ومعه قوم ! " وبقي عمر ، ومعه قوم " . فأخرجوا عليا ، فمضوا به إلى أبي بكر . . فقال له : بايع . فقال : " إن أنا لم أفعل فم ؟ "
قالوا : إذن والله الذي لا إله إلا هو ، نضرب عنقك ! ! فقال : إذن تقتلون عبد الله ، وأخا رسوله " . قال عمر : أما عبد الله فنعم ، وأما أخو رسول الله فلا ! ! وأبو بكر ساكت ! فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك ؟ فقال : لا أكرهه على شئ ما كانت فاطمة إلى جنبه ! ! فلحق علي بقبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصيح ويبكي ، وينادي : ( ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ) ( 1 ) .
إقرأ إلى هنا وتعجب ، فما أعظمها من جرأة ! مرة . . جرأة على بيت علي وفاطمة ، وإضرام النار حوله ، أو هدمه كما قال آخرون ( 2 ) ! تلك الجرأة التي سجلها حافظ إبراهيم - شاعر النيل - في أبيات يعجب قارئها مرتين : مرة من هول المشهد ، ومرة من موقف الإنسان الشاعر تجاهه ، حيث يقول في قصيدته العمرية :
وقولة لعلي قالها عمر * أكرم بسامعها أعظم بملقيها
حرقت دارك لا أبقي عليك بها * إن لم تبايع ، وبنت المصطفى فيها ! !
ما كان غير أبي حفص بقائلها * أمام فارس عدنان وحاميها ! ! ! ( 3 )
بل أعظم بها من مصيبة ، وأعجب لها من جرأة . ومرة : في إنكار حقيقة لا تخفى على أحد من المسلمين ، بل حتى المشرك والمنافق كان يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد آخى عليا ، وقال له : " أنت أخي في الدنيا والآخرة " ( 4 ) .
* ( هامش ) *
( 1 ) الإمامة والسياسة : 12 - 13 ، ابن أبي الحديد 2 : 56 و 6 : 11 ، الفتوح لابن أعثم 1 : 13 ،
أعلام النساء 4 : 114 - 115 ، تاريخ اليعقوبي - مختصرا - 2 : 126 .
( 2 ) تاريخ اليعقوبي 2 : 126 .
( 3 ) ديوان حافظ إبراهيم 1 : 82 " ط 1937 " .
( 4 ) أنظر : سنن الترمذي 5 : 636 / 3720 ، مسند أحمد 1 : 230 ، مصابيح السنة 4 : 173 / 4769 ،
المستدرك 3 : 14 ، جامع الأصول 9 : 468 / 6475 ، أسد الغابة 2 : 221 و 4 : 16 ، 29 ،
الإستيعاب 3 : 35 ، الطبقات الكبرى 3 : 22 ، مجمع الزوائد 9 : 112
فكيف أنكرها من كان علمه بها علم اليقين ؟ ! إقرأ إلى جنب هذا ما أوصى به رسول الله عليا ، بقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي : " أنت أخي ، وأنا أخوك ، فإن ذاكرك أحد فقل : أنا عبد الله وأخو رسوله ، لا يدعيها بعدك إلا كاذب " ( 1 )
ثم هل تعجب ممن ينكر حقيقة جلية كهذه إن هو أنكر ما هو أخطر منها ، كأمر الولاية ؟ الولاية التي أقر بها فيما بعد حتى عمرو بن العاص وهو يقود الحرب على علي في صفين ! إذ قدم على معاوية رجل من همذان ، يقال له ( برد ) فسمع
عمرا يقع في علي عليه السلام ، فقال له : يا عمرو ، إن أشياخنا سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : " من كنت مولاه فعلي مولاه " فحق ذلك ، أم باطل ؟ فقال عمرو : حق ، وأنا أزيدك : أنه ليس أحد من صحابة رسول الله له مناقب مثل مناقب علي ( 2 ) .
ومرة : في الجرأة على قتل علي بن أبي طالب ! وهو هو ، وهم أدرى بمقامه ! ، ، إذن والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك ، ، ، ، وأبو بكر ساكت ، فقال عمر : ألا تأمر فيه بأمرك ؟ فقال : لا أكرهه على شئ ما كانت فاطمة إلى جنبه ، ، ترى ، إن لم تكن فاطمة آنذاك إلى جنبه ، فماذا ؟ !
* ( هامش ) *
= أبي الحديد 6 : 167 ، الصواعق المحرقة : 122 ، تاريخ الخلفاء : 135 ، الترجمة لابن عساكر 1 : 117 / 141 - 150 ،
البداية والنهاية 7 : 348 ، كنز العمال 11 / 32879 .
( 1 ) أخرجه أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة 2 : 617 / 1055 ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : 22 وأثبت صحته .
( 2 ) الإمامة والسياسة : 109
أقول هذا ، وأترك الحكم لكم . . ثم لماذا كان عمر وراء كل ذلك ؟
الجواب تعرفه عن أبي السبطين عليه السلام ، في القصة ذاتها : إذ يقول : ثم إن عليا كرم الله وجهه أتي به إلى أبي بكر ، وهو يقول : " أنا عبد الله ، وأخو رسوله " . فقيل له : بايع أبا بكر . فقال : " أنا أحق بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم وأنتم
أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتأخذونه منا أهل البيت غصبا ؟ ! " نحن أولى برسول الله حيا وميتا ، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون ، وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون " .
فقال له عمر : إنك لست متروكا حتى تبايع . فقال له علي : " إحلب حلبا لك شطره ، واشدد له اليوم أمره ، يردده عليك غدا " ( 1 ) .
* ( هامش ) *
( 1 ) الإمامة والسياسة : 11 ، ابن أبي الحديد 6 : 11 ، والفتوح : 1 : 13 باختلاف يسير