تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: في رحاب العقيدة.حديث الثقلين الثلاثاء أغسطس 07, 2012 8:14 pm | |
| -[ 194 ]- س6: ما وجْه الدلالة بحديث العترة على وجوب نصْبِ سيدنا علي (عليه السلام) للإمامة؟ وهل يمكن أنْ يُفهَم الحديث على أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يُوصِي الصحابةَ بآل البيت خيرًا، وأن يعتنوا بهم، لا أنه نصٌّ بالخلافة له؟
جواب السيد الحكيم في كتابه(في رحاب العقيدة)ج1: يحسن التعرض في جواب ذلك لأمور يترتب بعضها على بعض.. 1 ـ فهذا الحديث قد ورد بطرق كثيرة وبأَلْسِنَة متقاربة، وقد قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مناسبات مختلفة، ومِن المناسب التعرض لبعض المتون التي روي بها، والتي تضمنتها بعض طرقه، ليكون أيْسَر في بيان المراد:
بعض مُتُون حديث الثقلين منها: ما روي عن جابر بن عبد الله: "قال: رأيتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجته يوم عرفة، وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس، إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي" (1). ومنها: ما روي عن زيد بن أرقم وأبي سعيد قالا: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم مِن الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي. ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض. فانظروا كيف تخلفوني فيهما" (2). ومنها: ما روي عن زيد بن أرقم قال: "نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين مكة والمدينة عند شجرات خمس دوحات عظام، فكنس الناس ما تحت الشجرات، ـــــــــــــــــــــــ (1)، (2) سنن الترمذي 5: 662ـ 663. كتاب المناقب: باب مناقب أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). -[ 195 ]- ثم راح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشيةً فصلى، ثم قام خطيبًا، فحمد الله وأثنى عليه، وذكّر ووعظ، فقال ما شاء الله أن يقول. ثم قال: أيها الناس، إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن اتبعتموهما، وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي..." (1). ومنها: ما روي عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عز وجل وعترتي. كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض. وعترتي أهل بيتي. وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. فانظروني بمَ تخلفوني فيهما" (2). ومنها: ما روي عن زيد بن ثابت قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض-أو ما بين السماء إلى الأرض- وعترتي أهل بيتي. وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض" (3). ومنها: ما روي عن أبي سعيد الخدري قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي، الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي. ألا وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض" (4). وهناك ألسنة مقاربة لما سبق تجدها في كثير من مصادر الحديث المعروفة وغيرها (5). ـــــــــــــــــــــــ (1) المستدرك على الصحيحين 3: 118 كتاب معرفة الصحابة: من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه). (2) مسند أحمد 3: 17 في مسند أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه)، واللفظ له. الطبقات الكبرى 2: 194 في ذكر ما قرب لرسول الله(صلى الله عيه وآله وسلم) من أجله. (3) مسند أحمد 5: (181، 189 مثله) في حديث زيد بن ثابت عن النبي(صلى الله عيه وآله وسلم) . (4) مسند أحمد 3: 59 في مسند أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه). (5) راجع تفسير ابن كثير 4: 114، ومجمع الزوائد 9: 163، 165 كتاب المناقب: باب في فضل -[ 196 ]- دلالة حديث الثقلين على وجوب طاعة العترة 2 ـ بعد ما سبق مِن متون الحديث فلا مجال لِحَمْلِه على مجرد الوصية بحبِّ أهل البيت (عليهم السلام)، واحترامهم، وتبجيلهم، والعناية بهم، والرعاية لهم، بل لابد مِن حمْلِه على الأمر بطاعتهم واتباعهم.. أولاً: لأنّ ذلك هو المناسب لِمَا في أكثر متون الحديث المروية مِن تقديم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحديثَ المذكورَ بِتَوَقُّعِ رحيله والتحاقه بالرفيق الأعلى، حيث لا مناسبة بين رحيله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأمر بحبِّ أهل البيت (عليهم السلام) واحترامهم، لوضوح أنّ حبهم واحترامهم لازمٌ في جميع الأوقات، حتى أيام حياته، بل حيث كان (صلى الله عليه وآله وسلم) هو المرجع لأمته في أمور دينهم وإدارة شؤونهم في حياته، وكان رحيله يحدث فراغاً مِن هذه الجهة، كان المناسب ذِكْرَ توقُّع رحيله تنبيهاً منه (صلى الله عليه وآله وسلم) لحاجتهم للمرجع بعده، الذي يقوم مقامه، ويسدّ الفراغ الذي يحدثه، تمهيداً لبيان المرجع المذكور. ويناسب ذلك قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث زيد بن ثابت: "إني تارك فيكم خليفتين" لظهوره في إرادة ما يخلفه ويقوم مقامه ويؤدي وظيفته، ويجب اتباعه وطاعته مثله. وثانياً: لأنّ ذلك هو المناسب لِجَعْل العترة الكريمة في سياق الكتاب المجيد، لوضوح أنه لا يراد مِن الحديث الشريف مجرد الحثّ على تعظيم ـــــــــــــــــــــــ أهل البيت (رضي الله عنهم)، والسنن الكبرى للنسائي 5: 45 فضائل علي، ومصنف ابن أبي شيبة 6: 309 كتاب الفضائل: باب ما أعطى الله تعالى محمداً-، والمعجم الأوسط 3: 374، والمعجم الصغير 1: 226، ومسند أبي يعلى 2: 297 في مسند أبي سعيد الخدري، ومسند ابن الجعد 1: 397 (من حديث محمد بن طلحة بن مصرف)، والسنة لابن أبي عاصم 2: 351 باب ما ذكر عن النبي(صلى الله عيه وآله وسلم)أنه وعد مَن تمسك بأمره ورودَ حوضه، ونوادر الأصول في أحاديث الرسول 1: 258 الأصل الخمسون في الاعتصام بالكتاب والعترة...، وسير أعلام النبلاء9: 365 في ترجمة يزيد بن هارون، وغيره. -[ 197 ]- الكتاب المجيد وتكريمه، بمثل تقبيله، وجعله في موضع مرتفع، ونحوها، بل الحث على الرجوع إليه، ولزومه واتباعه، والعمل بأوامره ونواهيه، فلابد مِن كَوْن ذلك هو المراد في حق العترة الكريمة. وثالثاً: لأنّ ذلك هو المناسب لِتَرَتُّب العصمة مِن الضلال على التمسك بالثقلين، لظهور أنّ احترام العترة بنفسه وإنْ كان واجباً دينيًّا، إلا أنه كسائر الفرائض لا أثر له في العصمة مِن الضلال، بل ليس العاصم مِن الضلال إلا اتباع المرجع المعصوم، ولزوم طريقه، وعدم الخروج عنه. ورابعاً: لأنّ ذلك هو المناسب للتنبيه في كثير مِن هذه الأحاديث إلى عدم افتراق الكتاب والعترة،لظهور أنّ ذلك لا أثر له في لزوم التعظيم والاحترام، ولذا يجب احترام جميع الأنبياء (صلوات الله عليهم) وتعظيمهم وتقديسهم وإن اختلفت شرائعهم، وإنما يحسن التنبيه لعدم الافتراق عند الأمر بالطاعة والمتابعة، لِتَعَذُّر اتِّباع أكثر مِن مرجع واحد مع الاختلاف بينهم، فإنّ متابعة بعضهم حينئذٍ تستلزم مخالفةَ الآخر، ومِن ثم حسن منه (صلى الله عليه وآله وسلم) التنبيه لعدم الافتراق بين الكتاب والعترة، لبيان أنّ تعدد المرجع هنا لا يمنع مِن متابعتهما معاً بعد اتفاقهما، وعدم الافتراق بينهما. وخامساً: لأنّ مِن جملة المناسبات التي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الحديث فيها هو خطبته في غدير خم - كما تضمنه حديث زيد بن ثابت المتقدم وغيره - وقد قاله تمهيداً للنص على أمير المؤمنين بالولاية والأمر بالطاعة، حيث يناسب ذلك سوق حديث الثقلين لذلك أيضًا. وسادساً - وهو الأهم -: لأنّ ذلك هو المتعين بلحاظ التعبير في الأحاديث المتقدمة بالتمسك والأخذ والاتباع، إذ لا تكون هذه الأمور إلا بالطاعة وموافقة الأمر والنهي اللذين يتضمنهما الكتاب المجيد، ويصدران -[ 198 ]- مِن العترة الكريمة. ويؤكد ذلك ما رواه الطبراني في تتمة حديث الثقلين من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم" (1). فإنه صريح في إرادة الطاعة والاتباع. ومِن هنا لا ينبغي الإشكال في ذلك.
وجوب طاعة العترة يَسْتَلزم كَوْنَ الإمامة فيهم 3 ـ وإذا وجب طاعة العترة الكريمة وأهل البيت (عليهم السلام) فلابد مِن كوْن الإمامة فيهم، إذ ليست إمامة الإمام إلا كَوْنه قدوة للمأمومين، بحيث يجب عليهم أن يطيعوه ويتابعوه، ولا يمكن أنْ تجب على الأمة طاعتهم، وتكون الإمامة في غيرهم، فيكون الحاكم محكومًا، والسائس مَسُوسًا. وذلك أظهر مِن أنْ يحتاج إلى بيان. 4 ـ وإذا كانت الإمامة في العترة ووجبت طاعتهم فسيد العترة أمير المؤمنين الإمام علي (عليه أفضل الصلاة والسلام) بلا منازع. ولاسيما بعد أنْ فُسِّر حديث الثقلين العترة بأهل البيت (صلوات الله عليهم). حيث تظافرت النصوص عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ أهل البيت في عصره (صلى الله عليه وآله وسلم) هم خصوص أمير المؤمنين، والصديقة فاطمة الزهراء، والسبطين: الحسن والحسين (صلوات الله عليهم). ففي حديث عائشة: "خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي، فأدخله، ثم جاء الحسين، فدخل معه، ثم جاءت فاطمة، فأدخلها، ثم جاء علي، فأدخله، ثم قال: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ ـــــــــــــــــــــــ (1) المعجم الكبير 5: 166 فيما رواه (أبو الطفيل عامر بن واثلة عن زيد بن أرقم). مجمع الزوائد 9: 164 كتاب المناقب: باب في فضل أهل البيت (رضي الله عنهم). -[ 199 ]- لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطْهِيرًا))" (1). وفي حديث أم سلمة قالت: "في بيتي نزلت ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ))، قالت: فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال: هؤلاء أهل بيتي" (2)... إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة. ولذا شاع بين المسلمين تفسير أهل البيت بهم عند الإطلاق، بحيث يحتاج تعميمه لغيرهم إلى عناية. وحينئذٍ لا ريب في أنّ المؤهل والمتعين منهم للخلافة والإمامة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو أمير المؤمنين، لا غير. ولذا أراد العباس بن عبدالمطلب مبايعته، وكان ولداه الحسنان (صلوات الله عليهم) منقادين لحكمه. وكان بنو هاشم ومَن والاهم أو كان على خطهم ينادون باسمه، وكان هو المؤهل الوحيد للخلافة في قبال أبي بكر، بعد خمود دعوة الأنصار. وذلك كله يكون مُتَمِّماً لدلالة حديث الثقلين على إمامته وخلافته (صلوات الله عليه)، ووجوب بيعته على الأمة بالخصوص. ويؤكد ذلك أنّ مِن جملة المناسبات التي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الحديث فيها هو خطبته في غدير خم، مقدمة لنصبه لأمير المؤمنين (عليه السلام)، كما سبق. نعم، الحديث بنفسه لو بقي وحده لا يدل إلا على وجوب طاعة أهل البيت (صلوات الله عليهم) ولزوم متابعتهم، المستلزم لكون الإمامة فيهم، وعدم خروجها عنهم، مِن دون تعيين لشخص الإمام منهم، وإنما يتعين أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) بضميمة ما سبق. ـــــــــــــــــــــــ (1) صحيح مسلم 4: 1883 كتاب فضائل الصحابة: باب فضائل أهل بيت النبي(صلى الله عيه وآله وسلم). تحفة الأحوذي 9: 49. (2) المستدرك على الصحيحين 3: 158 كتاب معرفة الصحابة: في مناقب أهل رسول الله(صلى الله عيه وآله وسلم). | |
|