تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: في رحاب العقيدة.التلاقي بين السنة والشيعة الثلاثاء أغسطس 07, 2012 9:56 pm | |
| -[ 243 ]- س9: هل من الممكن على حسب رأيكم التلاقي بين أهل السنة والشيعة؟ وخصوصاً أنني أعلم أنّ أهل السنة - مِن الأشاعرة والماتريدية- لا يكفّرون الشيعة، بل على العكس يذكرون آراءهم العقيدية في كتبهم ويناقشونها. وإنْ رأوا ضلال بعض المغالين مِن الشيعة، وكذلك يضللون بعض المغالين مِن السنة.
جواب السيد الحكيم في كتابه(في رحاب العقيدة)ج1: تعقيباً على كلامك فهنا أمور..
الترحيب بتلاقي الشيعة والسنة عملاً مِن أجل خدمة الإسلام 1 ـ إنّ الإسلام عند الشيعة - كما سبق في أوائل جواب السؤال الثاني - يكون بالشهادتين - الشهادة بالتوحيد، والشهادة بنبوة سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) - مع الإقرار بفرائض الإسلام الضرورية - مِن الصلاة والزكاة ونحوهما - وإعلان دعوته. وبذلك يتفق الشيعة والسنة في أنهم مسلمون يجمعهم هذا الدين العظيم الذي هو أشرف الأديان وخاتمها. والذي يحفظ لكل منهم حرمته في ماله ودمه. كما تجمعهم أهدافه المشتركة التي تهمهم بأجمعهم، من الدعوة له، ورفع كلمته، وردّ كيد الأعداء عنه وعنهم. فَلْيُوَحِّدُوا كلمتَهم مِن أجل ذلك، مع الرعاية للآداب والأخلاق الرفيعة التي حثّ عليها الإسلام مع غير المسلمين، فضلاً عن المسلمين فيما بينهم. وقد سبق في آخر الجواب عن السؤال الثاني التنبيه على ذلك. وبذلك يتم بينهم التلاقي العملي لصالـح -[ 244 ]- الإسلام والمسلمين بعد التلاقي العقائدي في أصول الإسلام. وليحتفظ كلٌّ منهم بعقيدته لنفسه، أو يدعو لها بالتي هي أحسن، وبالطرق العلمية والبرهانية الهادئة والهادفة، مع البعد عن الكذب والبهتان، والشتم والسبّ، والتهريج والتشنيع: أولاً: لأنّ ذلك لا يُثبت حقيقة، ولا ينهض حجةً بين يدي الله تعالى يوم يعرضون عليه ((يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)) (1). وثانياً: لأنه مَدْعَاة للعداء والشحناء، وشق كلمة الأمة وإضعافها، وإشغال بعضها ببعض، ونسيان الأهداف المشتركة. وهو الذي يسعى له أعداء الإسلام، مِن أجل قضاء مآربهم الخبيثة. بل قد تحمل سَوْرةُ الاندفاع في ذلك لتحالف بعض الأطراف مع أعداء الإسلام، لضرب الطرف الآخر، والنيل منه. وبالأمس القريب كان المسلمون يتعاونون مع المسيحيين مِن أجل الوقوف أمام المدّ الإلحادي، وتناسى الطرفان خلافاتهم الدينية، وتضارُب مصالحهم المادية، مِن أجل وحدة الهدف، والوقوف بوجه العدوّ المشترك. فلماذا لا يتعاون المسلمون فيما بينهم الآن مِن أجل ذلك، مع أنه يجمعهم دينٌ واحد، وأصول أصيلة مشتركة؟! ولماذا كلما زاد عدوهم قوةً وشراسةً زادت خلافاتهم فيما بينهم حدّةً وقسوةً، وشاعت فيهم لغة الطعن والشتم، والكذب والبهتان، والتشنيع والتهريج؟!. ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة النحل الآية: 111. -[ 245 ]- خطوات الأئمة (عليهم السلام) في توحيد الجهود مِن أجل خدمة الإسلام وقد ضرب أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم) أروع الأمثلة في ذلك، فهذا الإمام علي أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) حينما جَانَبَ الأوَّلين، لتثبيت حقِّه الذي يراه لنفسه في الخلافة لَمَّا رأى الإسلامَ، قد تعرّض للخطر اضطر لِمُجَاراة الأولين، والدخول في أمرهم، ودعمهم، حفاظاً على كيان الإسلام العام.. قال (عليه أفضل الصلاة والسلام): "فَأَمْسَكْتُ يَدي حتى رأيتُ راجعةَ الناس قد رجَعَت عن الإسلام يدعون إلى مَحْق دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فخشيتُ إنْ لم أنصر الإسلامَ وأهلَه أنْ أرى ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليَّ أعظم مِن فوت ولايتكم، التي هي متاع أيام قلائل، ويزول منها ما كان كما يزول السراب، أو كما يتقشع السحاب. فنهضتُ في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه" (1). وبقي بعد ذلك يمدّهم بصائب رأيه، وحسن تدبيره، حتى سارت عجلة الإسلام، وخفقت رايته، وعمت دعوته. وغضَّ الإمام أبو جعفر محمد بن علي الباقر (صلوات الله عليه) النظرَ عن موقف الأمويين مِن أهل البيت (صلوات الله عليهم)، ومِن شيعتهم ومواليهم، وقسوتهم عليهم، ولم يبخل بدعمهم بصائب رأيه حينما رأى أنّ في تسديدهم دعْماً للإسلام، وذلك حينما انتشل الحاكمَ الأموي مِن موقفه الحرج أمام الروم في قضية الدراهم والدنانير، فأرشده لضرب الدراهم والدنانير على الطراز الإسلامي (2)، ليَسُدّ الطريقَ على الروم في محاولة ـــــــــــــــــــــــ (1) نهج البلاغة: 547 في كتابه إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لما ولاه إمارته. (2) حياة الحيوان للدميري 1: 114 في مادة (أوز). -[ 246 ]- فرْض شروطهم. وجاء الأئمة (صلوات الله عليهم) مِن بعده ليؤكدوا أنه في الوقت الذي يَحْرُم القتال مع سلطان الجور على حكمه، إلا أنه يُشْرَع الجهاد لحفظ بيضة الإسلام حينما يتعرض الإسلام للخطر. ففي الحديث عن الإمام الصادق (صلوات الله عليه): "قال: على المسلم أن يمنع نفسه، ويقاتل عن حكم الله وحكم رسوله. وأما أن يقاتل الكفار على حكم الجور وسنّتهم فلا يحل له ذلك" (1). وفي حديث آخر عن الإمام الرضا (صلوات الله عليه): "قال: يرابط ولا يقاتل. وإنْ خاف على بيضة الإسلام والمسلمين قاتَل، فيكون قتالُه لنفسه ليس للسلطان،لأنّ في دروس الإسلام دروس ذكر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)" (2). كما أكدوا (صلوات الله عليهم) على حسن معاشرة الآخرين وجميل مخالطتهم ومراعاة حقوقهم والتحبب لهم، وقد تقدم منا في آخر جواب السؤال الثاني ذكر بعض الأحاديث الواردة عنهم في ذلك.
مواقف الشيعة وعلمائهم في توحيد الجهود وعلى ذلك سار شيعتهم في معاشرتهم ومخالطتهم مع بقية المسلمين، وفي فتاواهم ومواقفهم ضدّ الكفر، مِن أجل الحفاظ على بيضة الإسلام العظيم في تاريخه الطويل، وحتى العهود القريبة. ومِن تلك المواقف ما حصل منهم في أوائل القرن الماضي حينما غزت الجيوش البريطانية العراق في حربها مع العثمانيين الذين وقفوا مِن ـــــــــــــــــــــــ (1)، (2) وسائل الشيعة 11: 19ـ 21 باب:6 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث:3، 2. -[ 247 ]- الشيعة وعلمائهم أقسى المواقف، ظلماً وعسفًا، وامتهاناً وتجاهلاً، حتى أنهم لم يكونوا يعترفون بالفقه الشيعي، فكان طلبة العلوم الدينية مِن الشيعة لا يشملهم العفو عن الخدمة العسكرية إلا بعد أنْ يؤدوا الامتحان على طبق الفقه الحنفي الذي هو المذهب الرسمي للعثمانيين،إلا أنّ علماء الشيعة (قدس الله أرواحهم الزكية) غضوا النظر عن ذلك كله، حينما أصبح الإسلام مهددًا، فدعموا العثمانيين، وأفتوا بوجوب الجهاد معهم، وخرجوا بأنفسهم وبمَن تبعهم مِن المجاهدين لجبهات القتال في الشعيبة والكوت، وباشروا القتال بأنفسهم، وقاسوا ما قاسوا من المتاعب والمصائب في مواقف مبدئية، قياماً بالواجب في حفظ بيضة الإسلام، والدفاع عنها. كما دعم علماء الشيعة القضية الفلسطينية في مراحلها المختلفة، مِن أجل أنّ القضية إسلامية، والدفاع فيها عن أرض الإسلام وكيانه. وفي أواخر القرن الماضي حين تعرض العراق لخطر المدّ الشيوعي الإلحادي انفتحت المرجعية الشيعية - بقيادة مرجع الطائفة الأعلى الاستاذ الجد السيد محسن الحكيم (قدس سره) - على السنة في العراق ورحبت بهم، لتوحيد الكلمة مِن أجل الوقوف في وجه المدّ المذكور. كل ذلك لأنّ المصلحة الإسلامية العليا فوق الخلافات المذهبية، ولأنّ اللازم على المسلمين توحيد كلمتهم، وتناسي خلافاتهم، حينما يكون الإسلام مستهدفاً مِن قِبَل الأعداء. ولْتَكُن هذه المواقف وغيرها عبرةً لنا، ومحفّزة على تلاقي المسلمين العملي مِن أجل الدفاع عن الإسلام، وسدّ الطريق على أعدائه، الذين يتربصون به الدوائر، ويبغونه الغوائل (1). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) وقد سبق لنا حديث حول الصيغة الصحيحة لِتعامل المسلمين فيما بينهم يَحْسُن
-[ 248 ]- ....................................................................................
ـــــــــــــــــــــــ إثباته هنا، وقد جاء فيه: "ينبغي لهم.. أولاً: أنْ يُعمِّقُوا الشعور في أنفسهم بوجوب التلاحم بينهم مِن أجل الحفاظ على الكيان الإسلامي العام وتقويته، فإنّ هذا في نفسه واجب شرعي في حقّ الكل، نتيجةَ انتمائهم للإسلام، وإيمانهم بأنه الدين الإلهي الحق، الذي لا يقبل الله تعالى مِن العباد غيره، وبأنّ الله تعالى قد أمر بنصره وبالجهاد من أجله. كما أنه اللازم في المرحلة المعاصرة بلحاظ خطط الأعداء، وإصرارهم على مقاومة الإسلام بإطاره العام، وإبعاده بتشريعاته ومفاهيمه عن واقع الحياة، ومحاولة تجريد أبنائه منه، ومحاربة المسلمين - ككل - أينما كانوا وكيف كانوا، وإضعافهم، وعرقلة مسيرتهم، وشق كلمتهم، وإلقاح الفتنة بينهم، وتجاهل حقوقهم والتغاضي عنها، والتّصامّ عن سماع صوتهم... إلى غير ذلك. أضف إلى ذلك أنّ الأعداء أنفسهم - على اختلاف أديانهم ومذاهبهم - إذا وقفوا أمام الإسلام تناسوا خلافاتهم واتحدوا ضده، فالاستعمار البريطاني خرج من الهند ووقف في كشمير لصالـح الهند الكافرة ضد باكستان المسلمة. وخرج من فلسطين ليتحالف مع العالم على اختلاف ملله لصالـح اليهود - الذين لم يكونوا قد برئوا من دم المسيح (عليه السلام) بعد - ضد المسلمين. واليوم يصرّ الغرب الكاثوليكي والبروتستانتي على دعم الصرب الأرثوذكسي، ضدّ المسلمين في البوسنة، وأمام أعينهم ما قام به الصرب من الجرائم الوحشية التي تقشعر لهولها الأبدان، ويندى منها جبين الإنسانية... إلى غير ذلك من مواقفهم. كلُّ ذلك عداءً منهم للإسلام بكيانه العام، وبغضاً منهم للمسلمين بغض النظر عن مذاهبهم ومواقعهم من الأرض. وكفى بهذا محفّزاً للمسلمين على اختلاف مذاهبهم للتلاحم والتكاتف، وأنْ يذللوا العقبات في سبيل ذلك، متناسين خلافاتهم التي لا يزيدهم التقاطع -[ 249 ]- .................................................................................... ـــــــــــــــــــــــ والتناحر مِن أجلها إلا ضعفاً ووهنًا. وثانياً: أنْ يتعايشوا فيما بينهم، بموضوعية واحترام متبادل، فهم بَعْدُ مسلمون، لهم حرمة الدم والمال. وعليهم بعد ذلك مراعاة النقاط التالية.. 1 ـ فهْم واقع كلّ طرفٍ على حقيقته، بأخذ معتقداته وأفكاره مِن مصادره وكتبه التي يعترف بها، لا مِن مصادر الآخرين وكتبهم، والتعرف على سلوكياته من مخالطته والتعايش معه، ونقد وتمحيص الصورة المشوهة التي رسمت له، نتيجة التراكمات الكثيرة في العصور المتطاولة، بسبب التعصب والتباعد والتشويه المتعمد وغير المتعمد. 2 ـ اعتماد كلّ طرفٍ في بيان وجهة نظره والاستدلال عليها على الطرق العلمية وبموضوعية كاملة، ومناقشة وجهة نظر الآخرين على هذا الأساس أيضًا، وتجنب التنابز، والتهاتر، والتهريج، والتشنيع، ونحو ذلك من المواقف الانفعالية التي لا تخدم القضية المطروحة، فضلاً عن الكيان الإسلامي العام، واستمرار الحوار بين الأطراف على هذا الأساس. 3 ـ نشر أفكار كلّ طرفٍ - في العقيدة والفقه والتربية والتاريخ وغيرها - في وسائل الإعلام التي يمتلكها كلّ فريق، ليطلع الكل على ما عند الكل. 4 ـ إعطاء الحرية لكلّ أحد فيما يختار مِن معتقدات وأفكار في الإطار الإسلامي العام، مِن دُون أنْ يفرض عليه أفكار الآخرين، أو يجبر على التنازل عن أفكاره ومعتقداته. نعم لا بأس بالحوار الموضوعي الهادئ حول ما هو الحق الحقيق بالفوز والنجاة، والخروج عن المسؤولية مع الله تعالى. 5 ـ أنْ يتصدى دعاة التقريب مِن كل مذهب لمَن يخرج عن هذه التعاليم مِن أبناء مذهبه، وينكر عليهم سوء تصرفهم، حتى يشعروا أنهم في مواجهة داخلية، ويتنبه أهل مذهبهم إلى خطأ سلوكهم، وكذب معلوماتهم، فيكسد سوقهم، ويخيب سعيهم". المرجعية الدينية وقضايا أخرى س:22 ص: 85. -[ 251 ]- رفض التلاقي بين الشيعة والسنة على حساب العقيدة 3 ـ أما الدعوة للتلاقي والتقارب بين الشيعة والسنة على حساب العقيدة، بتنازل الشيعة عن بعض عقائدهم، والسنة عن بعض عقائدهم، مع تجاهل الأدلة التي اعتمدها كلُّ طرفٍ على ما عنده والإعراض عنها، فهي دعوة غير عملية.. أولاً: لأنّ ذلك يزيد المسلمين خلافًا، إذ ليس مِن شأن مثل هذه الدعوة أنْ يستجيب لها الكل، ولو استجاب لها البعضُ مِن الطرفين تعرَّض المسلمون لانقسام زيادةً على انقسامهم، حيث سيكون لكلٍّ مِن الشيعة والسنة فرقتان: متزمتة ومتسامحة، ويكون لنا بدل الفرقتين أربع فرق. على أنّ ذلك سيجعل مِن التلاقي أو التقارب بين الشيعة والسنة شبحاً مخيفاً مهدداً للعقيدة، التي هي أعزّ ما يملكه المسلم المتدين - الذي يرجى الخير منه للإسلام - والتي يتشبث بها أشدّ التشبث. كما سيجعل الدعوة لهما مورداً للتوجس، وهدفاً للاتهام، ومثاراً لعلامات الاستفهام، بنحوٍ قد يكون مبرراً لمقاومة الدعوة المذكورة، وسبباً لاستيضاح شرعية عرقلتها عند بعض الناس، وهو مما يعيق عملية التلاقي أو التقارب، أو يقضي عليها. بل قد يحمل كلّ طرفٍ يرى أنّ عقيدته مهددة إلى إثباتها والدعوة لها بصورة قد تحمل طابع العنف والتطرف والإصحار، بنحْوٍ قد يزيد في شقة الخلاف، وتكون له ردود فعل معاكسة غير محمودة العاقبة، تضرّ بوحدة المسلمين، وتشق كلمتهم، وتزيد في محنتهم. وهذا بخلاف ما سبق مِن الدعوة للتقارب العملي بين طوائف المسلمين والتعاون بينهم مِن أجل رفع كلمة الإسلام وخدمة الأهداف -[ 252 ]- المشتركة، مع احتفاظ كلٍّ منهم بعقيدته لنفسه أو الدعوة لها بالتي هي أحسن، والدعوة للتلاقي العلمي والحوار مِن أجل تمحيص الأدلة والوصول للحقيقة. فإنهما دعويان وجيهتان ساميتا الأهداف، مأمونتا العاقبة، لا مبرر لرفضهما. بل مِن شأن كلِّ مؤمن غيور على الإسلام أن يتقبلهما. ولا يرفضهما إلا المشبوه الأهداف المتهم على الإسلام. ومثل هذا قد يضرّ التعاون معه، ومن الصعب استصلاحه. والأصلح تجاهله وإهماله. قال الله تعالى: ((لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)) (1). وسيغني الله عنهم ((إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)) (2). وثانياً: لأنّ الحقائق الدينية يجب الاعتقاد بها شرعاً بعد تمامية أدلتها، وقيام الحجة عليها. وحينئذٍ فالأمور التي يعتقدها كلُّ طرفٍ إنْ لم تقم الأدلة عليها بوجه كافٍ فالاعتقاد بها محرم، سواءً كانت مما يتفق عليه الأطراف أم مما يختلفون فيه، أم مما سكت عنه بعضهم. وإنْ قامت الأدلة عليها بوجه كافٍ فالاعتقاد بها واجب. وكيف يمكن التنازل عما يجب شرعاً من أجل جمع الكلمة؟! وثالثاً: لأنّ ذلك ظلْم للحقيقة التي يعتقدها كلُّ طرف. بل ليس من المقبول شرعاً ولا وجداناً التنازل عن الحقائق التي يعتقد المسلم - أيّ مسلم كان - أنّ الله سبحانه وتعالى قد فرضها وأتم الحجة عليه، وقد ضحى في سبيلها أحبته وأولياؤه وعباده الصالحون، بخوعاً لأمره، وطلباً لمرضاته، ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة التوبة الآية: 47. (2) سورة لقمان الآية:26. -[ 253 ]- وجهد أعداؤه الظالمون والمفرقون في طمسها وتضييع معالمها، معاندة له، وتحريفاً لتعاليمه، حتى افترقت الأمة بسبب ذلك واختلفت فيه. وليس في التنازل عنها مِن أجل جمْع الكلمة والتقريب بين طوائف الأمة إلا ظلْم الحقيقة، والردّ لأمر الله تعالى الذي فرضها، والاستهوان بها، وتضييع جهود أوليائه وتضحياتهم من أجل الحفاظ عليها، وتحقيق أهداف أعدائه الظالمين وإنجاح مساعيهم من أجل طمسها وتضييع معالمها. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم وجميع المسلمين لتحقيق الحقائق الدينية. وأن يُحكم ألفة المسلمين ويوحد فُرقتهم ويجمع كلمتهم، إنه أرحم الراحمين.
موقف الشيعة مِن المغالين 4 ـ الشيعة كالسنة يضللون المغالين، بل يكفرونهم. لكن ذلك مختص بما إذا رجع الغلو إلى الإخلال بالتوحيد، أو تجاوز مقام النبوة - ولو بدعوى النبوة لمن بعد النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)- أو إنكار الضروري إنكاراً يرجع لِرَدِّ ما أنزل الله تعالى، وعدم التسليم به. أما ما لا يرجع لذلك فهو لا يوجب الكفر ولا الضلال، كادعاء بعض الكرامات لأولياء الله تعالى، ورفعة مقامهم عنده. غاية الأمر أنه لابد مِن إثبات ذلك بأدلة كافية وحجج وافية، ومع عدمها فلابد مِن التوقف، كما قال الله سبحانه وتعالى: ((وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)) (1). وكما قال عز من قائل: ((سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ)) (2). ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الإسراء الآية: 36. (2) سورة الزخرف الآية: 19. | |
|