" يقول السبكي: "والجهل في المؤرخين أكثر منه في الجرح والتعديل كذلك التعصب، قل أن رأيت تاريخاً خالياً من ذلك، وأما تاريخ شيخنا الذهبي غفر اللّه له فإنّه على حسنه وجمعه مشحون بالتعصب، فإنّه أكثر الوقيعة في أهل الدين الذين هم صفوة الخلق، واستطال بلسانه على كثير من أئمة الشافعية والحنفية ومال فأفرط ومدح فزاد في المجسمة ".
ــ " وإذن، فأحد عوامل هذا التعصب بين مذاهب أهل السنة هو الذهبي؟ ".
ــ " أجل! ويقول الحافظ صلاح الدين: أنّ الحافظ شمس الدين الذهبي لاشك في دينه وورعه، ولكنه غلب عليه مذهب الاثبات ومنافرة التأويل، والغفلة عن التنزيه حتّى أثر ذلك في طبعه انحرافاً شديداً ".
" طبقات الشافعية: ج 1 ص 190 ".
ــ " وإذن، فكان للكتاب دور خطير في تعميق شق مثل هذه الهوة السحيقة؟ ".
ــ " نعم! وعلى أي حال، فقد مالت الأهواء وأثرت النزعات فنفروا من الحقائق ولم يتقبلوها، فكتبوا بما توحيه اليهم أهواؤهم وأغراضهم، لا بما تقتضيه الحقيقة من حيث هي حقيقة لا تقبل الدجل والتدليس. وتأصلت روح العداء، وتحيز كُلٌّ إلى مذهبه، وغلوا في أئمتهم غلواً أخرجهم عن حدود الاتزان، ووضعوا في مدحهم ما شاءت رغباتهم بدون قيد وشرط، وتوسعوا في وضع الأحاديث عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالبشائر بأئمة المذاهب ".
ــ " هل لك أن تستشهد بشيء منها؟ ".
ــ " أورد الحنفية مرسلاً: أن آدم افتخر بي وأنا أفتخر برجل من أُمتي اسمه النعمان، وبصورة أُخرى: الأنبياء يفتخرون بي وأنا أفتخر بأبي حنيفة، من أحبه فقد أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني ".
ــ " وأين قرأت كُلّ هذا؟ ".
ــ " انه في كتاب الدر المختار في شرح تنوير الابصار: ج 1، ص 53 و 54 ".
ومضيت في الكلام:
ــ " كما توسعوا في الادعاءات لتصحيح مذهبه ووجوب اتّباعه، وان عيسى يحكم بمذهبه وأن اللّه غفرله ولأهل مذهبه إلى يوم القيامة ".
ــ " نفس المصدر؟ ".
ــ " أجل: الدر المختار في شرح تنوير الابصار: ج 1، ص 52 و54 ".
بينما أضفت وأنا أقول:
ــ " وأ نّه أعظم معجزة للنّبي بعد القرآن. ومن ذلك قولهم: إن اللّه خص أبا حنيفة بالشريعة والكرامة ومن كرامته أن الخضر(عليه السلام) كان يجيء إليه كُلّ يوم وقت الصبح، ويتعلم منه أحكام الشريعة إلى خمس سنين، فلما توفي ابو حنيفة دعا الخضر ربه: يارب إن كان لي عندك منزلة، فأذن لأبي حنيفة حتّى يعلمني من القبر على عادته حتّى أعلّم الناس شرع محمّد على الكمال ليحصل لي الطريق، فاجابه ربه إلى ذلك. واتم الخضر دراسته على أبي حنيفة وهو في قبره في مدة خمس وعشرين سنة إلى آخر ما في هذه الأسطورة التي تتلى في مجالس الحنفية في الهند ومساجدهم ".
الأُسطورة في عصور التعصب. ولو بعث أبو حنيفة لأقام الحد على هؤلاء المتجرئين بالكذب، والافتراء على مقام الأنبياء، ولخرّ صعقاً إلى الأرض، وعفر خده فهو يعرف نفسه، ولكنهم أرادوا أن يحسنوا فأساءوا ".
ــ " وماذا يقول الشعراء في هذا الباب؟ ".
" ويقول شاعرهم لتأييد صحة مذهبه وترجيحه على غيره:
مثل الشافعي في العلمان خير المذاهب كذا القمر الوضاح خير الكواكب
مذاهب أهل الفقه عندي تفلصت وأين عن الروسي نسج العناكب
كما يقول شاعر آخر كان شافعي المذهب:
مثل الشافعي في العلماء مثل البدر في نجوم السماء
قل لمن قاسه بنعمان جهلاً أيقاس الضياء بالظلماء
ــ " والمالكية؟ ".
ــ " والمالكية يدعون لإمامهم أموراً، منها أ نّه مكتوب على فخذه بقلم القدرة مالك حجة اللّه في أرضه، وأنه يحضر الأموات من أصحابه في قبورهم وينحي الملكين عن الميت ولا يدعهما يحاسبانه على أعماله ".
ــ " وهذه الأُخريات، أين وجدتها؟ ".
ــ " يمكنك أن تراجع كتاب مشارق الأنوار للعدوي ص 288 ".
بينما واصلت الكلام وأنا أحدثه قائلاً:
ــ " ومنها: أ نّه ألقى كتابه الموطاً في الماء فلم يبتل ".
ــ " وهل سخّر شعراء المالكية لهذا الغرض كذلك ".
ــ " إنّ الشعراء معدات كُلّ عصر، يوظّفون لاغراض ومآرب أصحابه، كما كانوا يفعلون في أيام الجاهلية، ويصنعون مثله في وقتنا المعاصر ".
ــ " وماذا يقول شاعر المالكية؟ ".
ــ " يقول شاعرهم:
إذا ذكروا كتب العلوم فحي هل يكتب الموطاً من تصانيف مالك
فشد به كف الصيانة تهتدي فمن حاد عنه هالك في الهوالك "
ــ " وشاعر الحنابلة، تراه ماذا يقول؟ ".
ــ " يقول الحنبلي:
سبرت شرائع العلماء طراً فلم أر كاعتقاد الحنبلي
فكن من أهله سراً وجهراً تكن أبداً على النهج السوي
ــ " ويقول آخر:
أنا حنبلي ما حييت وإن أمت فوصيتي للناس أن يتحنبلوا "
ــ " وماذا يقول الحنابلة؟.
ــ " أما الحنابلة فيقولون: أحمد بن حنبل إمامنا فمن لم يرض فهو مبتدع، فما أكثر المبتدعين في نظرهم على هذه القاعدة ".
ــ " وتقوّلوا على الشافعي قوله: من أبغض أحمد بن حنبل فهو كافر، فقيل له: أتطلق عليه اسم الكفر؟ فقال: نعم، من أبغض أحمد عاند السنة، ومن عاند السنة قصد الصحابة ومن قصد الصحابة أبغض النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ومن أبغض النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كفر باللّه العظيم ".
ــ " كتاب طبقات الحنابلة: ج 1 ص 13 ".