هل يصبح الشيعة زعماء العالم الإسلامي الجدد ؟؟؟
د. أسامه محمد أبو نحل
الأستاذ المشارك في التاريخ الحديث والمعاصر
جامعة الأزهر – غزة
هذه التسمية ليست إنشائية، أو مبالغ بها، وإنما سياق الأحداث يبين لنا ذلك، وبقولي هذا لا أبغى إيقاع صدمة داخل العالم الإسلامي السُنِّي، ولا التقليل من شأنه من جهة. ولا إعطاء أصحاب المذهب الشيعي أكثر من وزنهم، من جهةٍ ثانية، ولا حتى زرع بذور شقاق بين طائفتي الأمة الرئيسيين من جهةٍ ثالثة. لكن ما أقوله لا ينبع من فراغ، وإنما المعطيات التي بين أيدينا تثبت ذلك، ولا مجال لإخفاءها البتة، وإن حاولنا ذلك نكون كمن يدفن رأسه في الرمال.
العالم الإسلامي السُنِّي منذ سقطت السلطنة العثمانية عام 1924م، فقد قيمته السياسية الفعَّالة وحتى تاريخه، ولم يبرز قادة سُنيين ذا قيمة البتة، باستثناء شخصيتين لا ثالث لهما في تاريخنا المعاصر خلال القرن العشرين، هما الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وصدَّام حسين، اتفقنا مع نهجهما أم اختلفنا، فالمذكوران كانا أقوى شخصيتين بين الزعماء السُنَّة، التفت حولهما الجماهير العربية لسببٍ أو لآخر. ورغم فشلهما في تحقيق وقائع ملموسة على الأرض، إلاَّ أن تاريخهما وقوة شكيمتهما أثرتا في الجماهير، وألهبت مشاعره، وبفقدهما خسر السُنَّة الزعيم الكاريزما الذي يمكن أن تلتف حوله الجماهير.
ونعود للشيعة لنبين كيف أضحوا، أو على أقل تقدير كيف يسيرون بخطىً حثيثة لتزعم العالم الإسلامي؟. وبدايةً لابد من الإشارة إلى أن تلك لم تكن المرة الأولى التي يتزعمون بها العالم الإسلامي، فقد سبق لهم الحصول على هذه الزعامة، عندما تمكنت الدولة الفاطمية الشيعية الإسماعيلية من الاستيلاء على مصر، ومن ثمَّ وصول حكمهم إلى بغداد حاضرة الخلافة العباسية السُنية. وفيما بعد تمكن الصفويون الإيرانيون الشيعة من الاستيلاء على بغداد، قبل أن يستردها منهم العثمانيون السُنَّة. وبعد ذلك استكان الشيعة ردحاً طويلاً من الزمن، إلى أن ظهر على مسرح التاريخ حزب أمل اللبناني الشيعي، خلال مجريات الحرب الأهلية اللبنانية، وكان ضمن التحالف الإسلامي بشقيه السُنَّي والشيعي، إضافةً إلى الدروز، والفلسطينيين الذين كانوا متواجدين في لبنان وقتذاك، مقابل العناصر المسيحية، وعلى رأسها الطائفة المارونية. وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م، وما ترتب عليه من إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من كامل الترب اللبناني، انشقت بعض العناصر الشيعية عن حزب أمل، وكوّنوا حزباً ذو صبغة دينية، مرتبطاً بصورةٍ أو بأخرى بالجمهورية الإسلامية في إيران، سموه "حزب الله"، كان من أشهر زعماؤه السيد راغب حرب والسيد عباس الموسوي اللذان اغتالتهما إسرائيل عام 1992م، والآن يتزعمه السيد حسن نصر الله.
هذا الحزب اتخذ من مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، لحوالي نصف مساحة الأرض اللبنانية عقيدةً له، وبدأ نجم هذا الحزب في الصعود سريعاً، خاصةً بعد عملياته الاستشهادية ضد مقر القوات الأمريكية "المارينز" أواخر عام 1982م، ثمَّ بدأ يُصعِّد عملياته العسكرية، خاصةً الاستشهادية منها في الجنوب اللبناني ضد القوات الإسرائيلية، وأوقع فيها خسائر فادحة، أثّرت في الرأي العام الإسرائيلي، إلى أن اضطرت القوات الإسرائيلية للانسحاب من لبنان، دون أن تتمكن من فرض معاهدة سلام مع الدولة اللبنانية. وتلك أول مرة في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي، تُجبر إسرائيل على تقديم تنازلات دون مقابل، مما جعل أسهم حزب الله الشيعي ترتفع بين الجماهير الإسلامية على اختلاف طوائفها، فالإعجاب بهذا الحزب وزعيمه على المستوى الإسلامي كان بغض النظر عن الاختلافات الفقهية بين مذاهبه وطوائفه، وإنما كان إعجاباً نابعاً من إحساس المسلمين أنهم لا يملكون شجاعة هذا الحزب وكاريزما زعيمه، الذي نال إعجاب أعداءه قبل بني جلدته، حتى أنهم – أي أعدائه – باتوا موقنين أن هذا الرجل صادق في قوله وتهديداته، فإن قال فعل، وليس كغيره من الزعامات الإسلامية الأخرى، التي تُجيد القول ولا تُحسن الفعل.
ثمَّ هذا الحزب وزعيمه تمكنوا في أواخر عام 2000م، من أسر عددٍ من الجنود الإسرائيليين ومسئول أمني كبير خلال أسبوع واحد، في عملية معقدة، تُحسب للحزب ضمن انجازاته المتعددة، وتمكنوا بموجبها من تحرير عدد كبير من الأسرى اللبنانيين والفلسطينيين. ثمَّ كانت قمة إنجازات هذا الحزب الشيعي النصر الباهر الذي أحرزوه ضد القوات (الاسرائيلية) التي حاولت قلع حزب الله من جذوره خلال الحرب التي دارت على الحدود اللبنانية مع إسرائيل، بعدما تمكن الحزب من أسر جنديين إسرائيليين آخرين. فماذا كانت المحصلة ارتفاع شعبية الحزب وزعيمه في كافة أرجاء العالم الإسلامي، سواء اتفقوا مع مذهبه أم اختلفوا، فكما قلنا سابقاً، فإن العالم الإسلامي كان متعطشاً لبروز هكذا زعامة، بعد أن فقدوا ثقتهم بزعمائهم الذين ارتموا في أحضان أعداءهم، ولم يجد المسلمون من نصير بعد الخالق، إلاَّ في هذا الرجل الذي أعاد لهم الكثير من كبريائهم المهدور على مذبح السياسة الواقعية، التي أزكمت الأنوف.
وأخيراً فيما يخص هذا الحزب وزعيمه، فإن هذا الرجل كان منذ شهور عدة قليلة قد هدد زعماء إسرائيل، بأنه في حالة شكّلوا أي خطر مستقبلي على لبنان، فإن مسار الحرب سوف يتغيّر، وأن تغيّرات جذرية سوف تحدث في منطقة الشرق الأوسط. وبعد اغتيال القائد عماد مُغنيّة أحد أركان الحزب منذ أيام قليلة، قال السيد حسن نصر الله، بأن على العالم أن يؤرخ من هذا اليوم لزوال دولة إسرائيل من الوجود. وشاهدنا كيف أن زعماء إسرائيل أخذوا هذا التهديد على محمل الجد، فقامت أجهزة الأمن الإسرائيلية كما أورد ذلك صحف إسرائيلية بإعلان حالة الاستنفار في جميع سفاراتها وأماكن تواجد اليهود والإسرائيليين في العالم، كما أعلنت الاستنفار على الحدود الشمالية مع لبنان وفي الضفة الغربية وقطاع غزة وعلى حدود سيناء. كما زادت إسرائيل من حيطتها في جميع شركات الطيران والرحلات الجوية والبحرية الإسرائيلية في العالم، وكثّفت من حراستها لكبار الشخصيات المهمة في إسرائيل وخارجها.
ولا نبالغ إن قلنا أن حزب الله الآن يمتلك من القوة والبأس، ومن عتاد لا نعلمه وتحتار المؤسسة العسكرية الإسرائيلية الآن في حل لوغاريتمات هذا اللغز، الذي رماه السيد نصر الله في حجرها، دون أن تجد حلاً يُفسر لها مغزى تهديده؛ إذ لا يُعقل أن يهدد الرجل بشيء لا يملكه، وخاصة وأنه يعلم حجم فارق القوى بينه وبين عدوه. كما كان الأمر عندما هدد سابقاً عندما ألقى خطاباً في العيد الخامس للتحرير في 25/5/2005م، عندما ألقى مفاجأة كان وقعها مدوياً قوياً على المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، بأن حزب الله يمتلك أكثر من اثني عشر ألفاً من الصواريخ التي تستطيع الوصول إلى كل شمال إسرائيل. وقوة المفاجأة لم تكن تكمن عند الكم بل ما ذهب إليه الرجل من قوله: أن لا أحد يعلم أين مخابئ هذه الصواريخ، الأمر الذي زاد من حيرة هذه المؤسسة. وصدق الرجل ما وعد به، واستخدم كميات كبيرة من هذه الصواريخ ضد المدن الإسرائيلية الرئيسية.
أما مكمن القوة الشيعية الأخرى، فهي الجمهورية الإسلامية في إيران، التي رغم خروجها خاسرة في حربها مع العراق، إلاَّ أنها تمكنت من بناء قوتها بسرعة فائقة، وأصبح لها وزناً في منطقة الخليج تنافس فيه الوجود الأمريكي في المنطقة، ثمَّ بعد الاحتلال الأنكلو – أمريكي للعراق عام 2003م، أضحت إيران لاعباً مركزياً في الشأن الداخلي العراقي، خاصة بعد أن استلم شيعة العراق مقاليد الأمور في البلد، وأصبح من حقهم تزعم أي حكومة عراقية. فقوات الاحتلال للعراق لم يعد بوسعها تنفيذ أي سياسة في العراق، إلاَّ بتوافق مع اللاعب الإيراني بطريقٍ أو بآخر.
وأخيراً تمكنت إيران من دخول النادي النووي الدولي، مما شكّل تهديداً مباشراً لإسرائيل، وتخوفاً لدى المسلمين السُنَّة، وإيران على ما يبدو مصممة على المضي قُدماً في هذا المضمار إلى آخر الشوط، ومنذ أيام قليلة أعلنت إيران أنها تمكنت من إطلاق صاروخاً إلى الفضاء، أو بمعنى آخر أنها سوف تتمكن لاحقاً من إطلاق قمر صناعي في الفضاء، يجعلها على قدم المساواة مع الدول المتقدمة. وبذلك تكون إيران قد أضحى لها مكانة يُحسب لها حساب بين الدول التي تُعاديها، وشاهدنا كيف أن تلك الدول بدأت تتأقلم مع الواقع الإيراني الجديد.
في حين أن العالم الإسلامي السُنِّي يرتكن إلى الواقعية، واختلال موازين القوة كمبررات للهزيمة السياسية والتبعيّة الاقتصادية والتخلف العلمي والبحثي والأكاديمي، وبؤرة الاستهلاك للعالم الغربي الصناعي المتقدم، ويختزل إمكانياته في تقليد الغرب في فجوره لا أكثر، وفى تأسيس المزيد من المحطات الفضائية والتركيز في مجال إنتاج الأفلام والمسلسلات المستهترة، وعقد العديد من اللقاءات مع علماء دينيين من خلال هذه المحطات، كثيراً ما يختلفون فيما بينهم حول مسائل فقهية، جعلت البعض يتشكك فيمن عن حق ومن على باطل، بل ووصل الأمر إلى حد الإفتاء في مسائل تافهة لا قيمة لها، لكنها تؤثر في المشاهد والمستمع.