هو ثالث أئمة أهل البيت الطاهر ، وثاني السبطين ، وسيدي شباب أهل الجنة ، وريحانتي المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) ، وأحد الخمسة أصحاب الكساء ، وسيد الشهداء ، وأمه فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
ولادته ( عليه السلام ) : ولد في المدينة المنورة في الثالث من شعبان سنة ثلاث أو أربع من الهجرة ، ولما ولد جئ به إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فاستبشر به ، وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ، فلما كان اليوم السابع سماه حسينا ، وعق عنه بكبش ، وأمر أمه أن تحلق رأسه وتتصدق بوزن شعره فضة ، كما فعلت بأخيه الحسن ، فامتثلت ( عليها السلام ) ما أمرها به .
خصائصه ( عليه السلام ) : إن حياة الإمام الحسين من ولادته إلى شهادته حافلة بالأحداث ،
والإشارة - فضلا عن الإحاطة - إلى كل ما يرجع إليه يحتاج إلى تأليف مفرد ، وقد أغنانا في ذلك ما كتبه المؤلفون والباحثون عن جوانب حياته ( عليه السلام ) ، حيث تحدثوا في مؤلفاتهم المختلفة عن النصوص الواردة من جده وأبيه في حقه ، وعن علمه ومناظراته ، وخطبه وكتبه وقصار كلمه ، وفصاحته وبلاغته ، ومكارم أخلاقه ، وكرمه وجوده ، وزهده وعبادته ، ورأفته بالفقراء والمساكين ، وعن أصحابه والرواة عنه ، والجيل الذي تربى على يديه . وذلك في مؤلفات قيمة لا تعد ولا تحصى .
كفاحه وجهاده الرسالي : غير إن للحسين ( عليه السلام ) وراء ذلك ، خصيصة أخرى وهي كفاحه وجهاده الرسالي والسياسي الذي عرف به ، والذي أصبح مدرسة سياسية دينية ، لعلها أصبحت الطابع المميز له ( عليه السلام ) والصبغة التي اصطبغت حياته الشريفة بها ، وأسوة وقدوة مدى أجيال وقرون ، ولم يزل منهجه يؤثر في ضمير الأمة ووعيها ، ويحرك العقول المتفتحة ، والقلوب المستنيرة إلى التحرك والثورة ، ومواجهة طواغيت الزمان بالعنف والشدة . وها نحن نقدم إليك نموذجا من غرر كلماته في ذلك المجال حتى تقف على كفاحه وجهاده أمام التيارات الإلحادية والانهيار الخلقي .
إباؤه للضيم ومعاندة الجور : لما توفي أخوه الحسن في السنة الخمسين من الهجرة أوصى إليه بالإمامة فاجتمعت الشيعة حوله ، يرجعون إليه في حلهم وترحالهم ، وكان لمعاوية عيون في المدينة يكتبون إليه ما يكون من الأحداث المهمة التي لا توافق هوى السلطة
الأموية المنحرفة ، والتي قد تؤلف خطرا جديا على وجودها غير المشروع ، ولقد كان هم هذه السلطة هو الإمام الحسين ( عليه السلام ) لما يعرفونه عنه من موقف لا يلين ولا يهادن في الحق ، ومن هنا فقد كتب مروان بن الحكم - وكان عامل معاوية على المدينة - : إن رجالا من أهل العراق ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن علي وأنه لا يأمن وثوبه ، ولقد بحثت عن ذلك فبلغني أنه لا يريد الخلاف يومه هذا ، ولست آمن أن يكون هذا أيضا لما بعده . ولما بلغ الكتاب إلى معاوية كتب رسالة إلى الحسين وهذا نصها : أما بعد ، فقد انتهت إلي أمور عنك إن كانت حقا فإني أرغب بك عنها ، ولعمر الله إن من أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء ، وإن أحق الناس بالوفاء من كان في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله لها . . . ( 1 ) .
ولما وصل الكتاب إلى الحسين بن علي ، كتب إليه رسالة مفصلة ذكر فيها جرائمه ونقضه ميثاقه وعهده ، نقتبس منها ما يلي : " ألست قاتل حجر بن عدي أخا كندة وأصحابه المصلين ، العابدين ، الذين ينكرون الظلم ، ويستفظعون البدع ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ولا يخافون في الله لومة لائم ، ثم قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلظة والمواثيق المؤكدة ، ولا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ، جرأة على الله واستخفافا بعهده ؟ أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله ، العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه واصفر لونه ، فقتلته بعد ما أمنته وأعطيته العهود ما لو فهمته العصم لنزلت من شعف الجبال ( 2 ) .
( 1 ) الإمامة والسياسة 1 : 163 .
( 2 ) أي قممها وأعاليها . ( * )
أولست المدعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد بن ثقيف فزعمت أنه ابن أبيك ، وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " ، فتركت سنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تعمدا وتبعت هواك بغير هدي من الله ، ثم سلطته على أهل الإسلام يقتلهم ، ويقطع أيديهم وأرجلهم ، ويسمل أعينهم ، ويصلبهم على جذوع النخل ، كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك .
أولست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية أنهم على دين علي - صلوات الله عليه - فكتبت إليه : أن اقتل كل من كان على دين علي ، فقتلهم ومثل بهم بأمرك ، ودين علي هو دين ابن عمه ( صلى الله عليه وآله ) الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك ، وبه جلست مجلسك الذي أنت فيه ، ولولا ذلك لكان شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين رحلة الشتاء والصيف " ( 1 ) .
هذا هو الحسين ، وهذا هو إباؤه للضيم ودفاعه عن الحق ونصرته للمظلومين في عصر معاوية . وذكرنا هذه المقتطفات كنموذج من سائر خطبه ورسائله التي ضبطها التاريخ .
( 1 ) الإمامة والسياسة 1 : 164 . ( * )
الإمام الحسين ( عليه السلام ) وكربلاء رفضه البيعة ليزيد : لما هلك معاوية في منتصف رجب سنة 60 هجرية كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة والي المدينة أن يأخذ الحسين ( عليه السلام ) بالبيعة له ، فأنفذ الوليد إلى الحسين ( عليه السلام ) فاستدعاه ، فعرف الحسين ما أراد ، فدعا جماعة من مواليه وأمرهم بحمل السلاح وقال : " اجلسوا على الباب فإذا سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه ولا تخافوا علي " .
وصار ( عليه السلام ) إلى الوليد فنعى الوليد إليه معاوية ، فاسترجع الحسين ( عليه السلام ) ثم قرأ عليه كتاب يزيد بن معاوية ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : " إني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتى أبايعه جهرا فيعرف ذلك الناس " ، فقال له الوليد : أجل ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : " فتصبح وترى رأيك في ذلك " فقال الوليد : انصرف على اسم الله تعالى ، فقال مروان : والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى يكثر القتلى بينكم وبينه ، احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه ، فوثب عند ذلك الحسين ( عليه السلام ) وقال : " أنت يا بن الزرقاء تقتلني أو هو ؟ كذبت والله وأثمت " ثم خرج ( 1 ) .
وأصبح الحسين من غده يستمع الأخبار ، فإذا هو بمروان بن الحكم قد عارضه في طريقه فقال : أبا عبد الله إني لك ناصح فأطعني ترشد وتسدد ، فقال : " وما ذاك قل أسمع " فقال : إني أرشدك لبيعة يزيد ، فإنها خير لك في دينك وفي
( 1 ) الإرشاد : 200 . ( * )
دنياك ! ! فاسترجع الحسين وقال : " إنا لله وإنا إليه راجعون وعلى الإسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد ، ثم قال : يا مروان أترشدني لبيعة يزيد ! ! ويزيد رجل فاسق ، لقد قلت شططا من القول وزللا ، ولا ألومك ، فإنك اللعين الذي لعنك رسول الله وأنت في صلب أبيك الحكم بن العاص ، ومن لعنه رسول الله فلا ينكر منه أن يدعو لبيعة يزيد ، إليك عني يا عدو الله ، فإنا أهل بيت رسول الله الحق فينا ينطق على ألسنتنا ، وقد سمعت جدي رسول الله يقول : الخلافة محرمة على آل أبي سفيان الطلقاء وأبناء الطلقاء ، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه . ولقد رآه أهل المدينة على منبر رسول الله فلم يفعلوا به ما أمروا فابتلاهم بابنه يزيد " ( 1 ) .
خروجه من مكة ومكاتبة أهل الكوفة له : ثم إن الحسين غادر المدينة إلى مكة ، ولما بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد فاتفقوا أن يكتبوا إلى الحسين رسائل وينفذوا رسلا طالبين منه القدوم إليهم في الكوفة ، لأن القوم قد بايعوه ونبذوا بيعة الأمويين ، وألحوا في ذلك الأمر أيما إلحاح ، مبينين للإمام ( عليه السلام ) أن السبل ميسرة والظروف مهيأة لقدومه ، حيث كتب له وجهاؤهم من جملة ما كتبوه : " أما بعد ، فقد اخضر الجناب وأينعت الثمار ، فإذا شئت فأقبل على جند لك مجندة " .
ولما جاءت رسائل أهل الكوفة تترى على الحسين ( عليه السلام ) أرسل ابن عمه مسلم ابن عقيل - رضوان الله عليه - إلى الكوفة ممثلا عنه لأخذ البيعة له منهم ، وللتحقق
( 1 ) الخوارزمي ، مقتل الحسين 1 : 184 - 185 . ( * )
من جدية هذا الأمر ، ثم كتب إليهم : " أما بعد ، فإن هانئا وسعيدا قدما علي بكتبكم ، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم ، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ، ومقالة جلكم أنه ليس علينا إمام فاقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق والهدى ، وإني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل ، فإن كتب إلي : أنه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت علي به رسلكم ، وقرأته في كتبكم ، فإني أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله ، فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب ، القائم بالقسط ، الدائن بدين الحق ، الحابس نفسه على ذات الله " ( 1 ) .
ثم خرج الإمام من مكة متوجها إلى الكوفة يوم التروية أو يوما قبله مع أهل بيته وجماعة من أصحابه وشيعته ، وكان كتاب من مسلم بن عقيل قد وصل إليه يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفا من أهل الكوفة ، وذلك قبل أن تنقلب الأمور على مجاريها بشكل لا تصدقه العقول ، حيث استطاع عبيد الله بن زياد بخبثه ودهائه ، وإفراطه في القتل ، أن يثبط همم أهل الكوفة ، وأن تنكث بيعة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، ويقتل سفيره بشكل وحشي بشع .
ولما أخذ الإمام ( عليه السلام ) يقترب من الكوفة استقبله الحر بن يزيد الرياحي بألف فارس مبعوثا من الوالي عبيد الله بن زياد لاستقدامه وإكراهه على إعطاء البيعة ليزيد ، وإرساله قهرا إلى الكوفة ، فعند ذلك قام الإمام وخطب بأصحابه وأصحاب الحر بقوله : " أيها الناس إن رسول الله قال : من رأى سلطانا جائرا مستحلا حرم الله ناكثا لعهد الله ، مخالفا لسنة رسول الله ، يعمل في عباده بالإثم والعدوان ، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله ، ألا
( 1 ) المفيد ، الإرشاد : 204 . ( * )