تبرز أوجه التشابه تلك في النقاط التالية:
1- إنّ موسى بن عمران عليه السلام أرسله الله تقدّست أسماؤه، وبعثه بعدما علا فرعون في الأرض وملأها فساداً واستكباراً. فقد ورد في بعض التواريخ أن فرعون لم يكن يحكم مصر وحدها، بل كان يحكم جميع المناطق المتحضّرة آنذاك. وبناءً على ذلك فإن فرعون كان قد ملأ في ذلك العصر الأرض فساداً وظلماً وجوراً، فبعث الله تعالى النبي موسى ليملأها قسطاً وعدلاً وحرية وكرامة، فيكون الخالق بذلك قد أدخر رجلاً من آل عمران ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.
2- إنّ موسى بن عمران عليه السلام كان معجزة الله عز وجل في الأرض، فعندما يئس الجميع، وعرفوا أن لا ملجأ ومنجى من الله إلا إليه، وعندما عجزت كل الوسائل الطبيعية من أن تمنح الناس الخير والسعادة والرفاهية، فإن الله سبحانه ولكي يثبت لعباده أنه هو القاهر فوقهم، وأنه هو الحاكم والمهيمن، وله السلطان والملكوت، فقد بعث موسى بن عمران عليه السلام بعد أن عاش وتربى في بيت فرعون لكي يثبت للبشرية أن الإنسان مهما طغى واستكبر في الأرض، فإن الله تعالى يبقى أكبر منه، وأنه سيجعل هلاكه على يد الذي ربّاه بيده.
وهكذا الحال بالنسبة إلى الإمام الحجة عليه السلام فإنه سيأتي بعد أن يعم اليأس الجميع، ويستبدّ بالبشرية شعور العجز عن توفير الخير والرفاهية لنفسها إلا بالتوجّه إلى بارئها تبارك وتعالى، ولذلك فعندما يظهر الإمام المهدي عليه السلام فإن البشرية بأسرها سوف تهرع لتبايعه.
صحيح أنه عليه السلام سوف يخرج بالسيف، ويظهر به، ولكنه لا يشهره إلا ضد المعاندين، فالغالبية العظمى من الناس سيسلمون على يديه الكريمتين طواعية دون أي قهر وإجبار، لأن الله عز وجل سينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيصلّي خلف إمامنا الحجة بن الحسن كما جاء في أحاديث المذاهب الإسلامية، وعندما يشاهد المسيحيون نبيّهم يصلّي خلف المهدي فإنهم سيهرعون إلى بيعة الإمام عليه السلام.
إن الجاهلية المادية الطاغية في الأرض سوف تصل بالبشرية إلى حالة انعدام الوزن، وعند الوصول إلى هذه النقطة فإنهم يبدؤون بمراجعة أنفسهم ويتساءلون عن جدوى المذاهب المادية المختلفة التي ابتلوا بها، ثم يأخذون بالتطلّع إلى هدف آخر يعقدون عليه الآمال بعد أن ينفضوا عن أنفسهم غبارجاهلية الجهلاء. وهنا يعلو صوت الإمام المهدي عليه السلام فيسمعه جميع أهل الأرض،وفي هذا الصوت الرباني يجدون بغيتهم، فيسرعون إلى قبول دعوته فتسود الأرض عدالته، ويسود الإسلام.
3- إن المؤمنين من بني إسرائيل كانوا في انتظار نبيهم موسى عليه السلام سنين طويلة، وعندما استبد بهم اليأس، وبلغ مداه كفر بعضهم بالبشارة، وظنوا أن المنقذ لن يأتيهم، ولكن الله سبحانه وتعالى أرسله لهم بعد اشتداد الأزمة، وسوء الظروف، فكانت بعثة موسى عليه السلام نجاة وبركة ورحمة لأولئك القوم، ونحن أيضاً قد طال انتظارنا كما طال انتظار سائر المظلومين والمحرومين في العالم.
4- كانت لموسى بن عمران عليه السلام غيبة صغرى؛ فعندما ولد أمر الله تعالى أمّه أن تضعه في التابوت وتلقي به في اليم، وهكذا الحال بالنسبة إلى الإمام الحجة عليه السلام فقد غاب هو الآخر عن الأنظار منذ اللحظة الأولى من ولادته إلا عن خواص مواليه.
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين