أبناء الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام )
شجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، أنجب الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) ذرّية طاهرة من نسل طيّب ، فكانوا من خيرة أبناء المسلمين في عصره ، يتصفون بالتقوى والورع والخير والصلاح ، والابتعاد عن مآثم الحياة وأباطيلها .
لقد أنشأهم الإمام ( عليه السلام ) نشأة دينية خالصة ، ووجّههم وجهة صحيحة سليمة ، وسكب في نفوسهم الإيمان بالله ، والتفاني في سبيل العقيدة ، والعمل على قول كلمة الحق ، والقيام بها مهما كلّف الثمن .
قال ابن الصباغ : إنّ لكل واحد من أولاد أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) فضلاً مشهوداً .
اختلف النسّابون في عدد أولاد الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) اختلافاً كثيراً ، منهم من قال : ثلاثة وثلاثون ، الذكور منهم 16 ، والإناث 17 .
ومنهم من قال : سبعة وثلاثون ، الذكور 18 ، والإناث 19 .
ومنهم من قال : ثمانية وثلاثون ، الذكور 20 ، والإناث 18 .
وقال الشيخ الطبرسي : كان له سبعة وثلاثون ولداً ذكراً وأنثى : علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ، وإبراهيم والعباس والقاسم من أمهات متعدّدة .
وأحمد ، ومحمّد ، وحمزة من أم واحدة .
وإسماعيل ، وجعفر ، وهارون ، والحسن من أم واحدة .
وعبد الله ، وإسحاق ، وعبيد الله ، وزيد ، والحسن ، والفضل ، وسليمان من أمهات متعدّدة .
وفاطمة الكبرى ، وفاطمة الصغرى ، ورقية ، ومكّية ، وأم أبيها ، ورقية الصغرى ، وكلثم ، وأم جعفر ، ولبانة ، وزينب ، وخديجة ، وعلية ، وآمنة ، وحسنة ، وبريهة ، وعائشة ، وأم سلمة ، وميمونة ، وأم كلثوم من أمهات متعدّدة .
وكان أحمد بن موسى كريماً ورعاً ، وكان الإمام يحبّه ، فوهب له ضيعته المعروفة باليسيرية ، ويقال أنّه أعتق ألف مملوك .
وكان محمّد بن موسى ( عليه السلام ) شجاعاً كريماً ، وتقلّد الإمرة على اليمن في عهد المأمون ، من قبل محمّد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، الذي بايعه أبو السرايا في الكوفة ، ومضى إليها ففتحها ، وأقام بها مدّة إلى أن كان من أمر أبي السرايا ما كان ، وأخذ الأمان من المأمون .
ولكل واحد من أبناء الإمام الكاظم ( عليه السلام ) فضل ومنقبة ، وكان الإمام الرضا مشهوراً بالتقدّم ونباهة القدر ، وعظم الشأن ، وجلالة المقام بين الخاص والعام .
إحسان الإمام الكاظم ( عليه السلام ) إلى الناس
كان الإمام ( عليه السلام ) بارّاً بالمسلمين محسناً إليهم ، فما قصده أحد في حاجة إلاّ قام بقضائها ، فلا ينصرف منه إلاّ وهو ناعم الفكر مثلوج القلب ، وكان ( عليه السلام ) يرى أن إدخال الغبطة على الناس وقضاء حوائجهم من أهم أفعال الخير ، فلذا لم يتوان قط في إجابة المضطر ، ورفع الظلم عن المظلوم ، وقد أباح لعلي بن يقطين الدخول في حكومة هارون ، وجعل كفّارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان مبرّراً له ، وقد فزع إليه جماعة من المنكوبين فكشف آلامهم وملأ قلوبهم رجاءً ورحمة .
ومن هؤلاء الذين أغاثهم الإمام ( عليه السلام ) شخص من أهالي الري كانت عليه أموال طائلة لحكومة الري فلم يتمكّن من أدائها ، وخاف على نعمته أن تسلب منه ، فأخذ يطيل الفكر فيما يعمل ، فسأل عن حاكم الري ، فأخبر أنّه من الشيعة ، فطوى نيّته على السفر إلى الإمام ليستجير به ، فسافر إلى المدينة فلمّا انتهى إليها تشرّف بمقابلة الإمام ( عليه السلام ) فشكى إليه حاله ، فزوده ( عليه السلام ) برسالة إلى والي الري جاء فيها بعد البسملة : ( اعلم أنّ لله تحت عرشه ظلاً لا يسكنه إلاّ من أسدى إلى أخيه معروفاً ، أو نفّس عنه كربة ، أو أدخل على قلبه سروراً ، وهذا أخوك والسلام ) .
وأخذ الرسالة ، وبعد أدائه لفريضة الحج ، اتّجه إلى وطنه ، فلمّا وصل ، مضى إلى الحاكم ليلاً ، فطرق عليه باب بيته فخرج غلامه ، فقال له : من أنت ؟
قال : رسول الصابر موسى .
فهرع إلى مولاه فأخبره بذلك ، فخرج حافي القدمين مستقبلاً له ، فعانقه وقبّل ما بين عينيه ، وجعل يكرّر ذلك ، ويسأله بلهفة عن حال الإمام ( عليه السلام ) ، ثمّ إنّه ناوله رسالة الإمام فقبّلها وقام لها تكريماً ، فلمّا قرأها أحضر أمواله وثيابه فقاسمه في جميعها ، وأعطاه قيمة ما لا يقبل القسمة ، وهو يقول له : يا أخي هل سررتك ؟
فقال له : أي والله وزدت على ذلك .
ثمّ استدعى السجل فشطب على جميع الديون التي عليه ، وأعطاه براءة منها ، وخرج الرجل وقد طار قلبه فرحاً وسروراً ، ورأى أن يجازيه على إحسانه ومعروفه ، فيمضي إلى بيت الله الحرام فيدعو له ، ويخبر الإمام ( عليه السلام ) بما أسداه إليه من البر والمعروف ، ولمّا أقبل موسم الحج مضى إليه ثمّ اتّجه إلى يثرب فواجه الإمام ( عليه السلام ) وأخبره بحديثه ، فسرّ ( عليه السلام ) بذلك سروراً بالغاً ، فقال له الرجل : يا مولاي : هل سرّك ذلك ؟
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( إي والله ! لقد سرّني ، وسرّ جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولقد سرّ الله تعالى ) ، وقد دلّ ذلك على اهتمامه البالغ بشؤون المسلمين ، ورغبته الملحّة في قضاء حوائج الناس .
أدعية الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام )
تميّز أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) بمحاسن كثيرة ، لم يشاركهم فيها غيرهم من الناس ، وامتازوا بمكارم اختصّوا بها وحدهم من بين الأمّة .
والدعاء أحد هذه المميّزات الكثيرة ، فقد ورد لكل إمام منهم ( عليهم السلام ) أدعية كثيرة ، جمعها علماؤنا الأبرار ( رضوان الله عليهم ) ، فبلغت مئات المصنّفات .
فهم أوّل من أرشدوا الناس على الطريقة المثلى ، التي يجب أن يسلكها العبد في خطابه مع الله سبحانه وتعالى ، وما ينبغي أن يكون عليه من التوسّل والانقطاع للمولى جلّ شأنه .
والإمام الكاظم ( عليه السلام ) انقطع إلى الله تعالى ، فكان في جميع أوقاته يلهج بذكر الله تعالى ، ويدعوه دعاء المنيبين ، ومن أدعيته ( عليه السلام ) :
1ـ دعاؤه ( عليه السلام ) في القنوت :
قال ( عليه السلام ) : ( يا مفزع الفازع ، ويا مأمن الهالع ، ومطمع الطامع ، وملجأ الضارع ، يا غوث اللهفان ، ومأوى الحيوان ، ومروي الظمآن ، ومشبع الجوعان ، وكاسي العريان ، وحاضر كل مكان ، بلا درك ولا عيان ، ولا صفة ولا بطان ، عجزت الأفهام ، وضلّت الأوهام عن موافقة صفة دابة من الهوام ، فضلاً عن الأجرام العظام ، ممّا أنشأت حجاباً لعظمتك ، وأنّى يتغلغل إلى ما وراء ذلك بما لا يرام .
تقدّست يا قدّوس عن الظنون والحدوس ، وأنت الملك القدوس ، بارئ الأجسام والنفوس ، ومنخر العظام ، ومميت الأنام ، ومعيدها بعد الفناء والتطميس .
أسألك يا ذا القدرة والعلاء ، والعز والثناء ، أن تصلّي على محمّد وآله أولي النهى ، والمحل الأوفى ، والمقام الأعلى ، وأن تعجّل ما قد تأجّل ، وتقدّم ما تأخّر ، وتأتي بما قد أوجبت إثباته ، وتقرّب ما قد تأخّر في النفوس الحصرة أوانه ، وتكشف البأس وسوء البأس ، وعوارض الوسواس الخنّاس في صدور الناس ، وتكفينا ما قد رهقنا ، وتصرف عنّا ما قد ركبنا ، وتبادر اصطلام الظالمين ، ونصر المؤمنين ، والادالة من المعاندين ، آمين رب العالمين ) .
2ـ دعاؤه ( عليه السلام ) لوفاء الدين :
قال ( عليه السلام ) : ( اللّهم اردد على جميع خلقك مظالمهم التي قِبَلِي ، صغيرها وكبيرها في يسر منك وعافية ، وما لم تبلغه قوّتي ، ولم تسعه ذات يدي ، ولم يقوَ عليه بدني ويقيني ونفسي ، فأدّه عنّي من جزيل ما عندك من فضلك ، ثمّ لا تخلف عليّ منه شيئاً تقضيه من حسناتي ، يا أرحم الراحمين ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ) .
3ـ دعاؤه ( عليه السلام ) لطلب الحاجة :
قال ( عليه السلام ) : ( يا سابق كل فوت ، يا سامعاً لكل صوت قوي أو خفي ، يا محيي النفوس بعد الموت ، لا تغشاك الظلمات الحندسية ، ولا تشابه عليك اللغات المختلفة ، ولا يشغلك شيء عن شيء ، يا من لا يشغله دعوة داع دعاه من السماء ، يا من له عند كل شيء من خلقه سمع سامع ، وبصر نافذ ، يا من لا تغلظه كثرة المسائل ، ولا يبره إلحاح الملحّين ، يا حيّ حين لا حيّ في ديمومة ملكه وبقائه ، يا من سكن العلى ، واحتجب عن خلقه بنوره ، يا من أشرقت لنوره دجا الظلم ، أسألك باسمك الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي هو من جميع أركانك ، صلّ على محمّد وأهل بيته ) ، ثمّ يسأل حاجته .
4ـ دعاؤه ( عليه السلام ) لطلب العافية :
قال ( عليه السلام ) : ( توكّلت على الحيّ الذي لا يموت ، وتحصّنت بذي العزة والجبروت ، واستعنت بذي الكبرياء والملكوت ، مولاي استسلمت إليك فلا تسلّمني ، وتوكّلت عليك فلا تخذلني ، ولجأت إلى ظلّك البسيط فلا تطرحني ، أنت المطلب ، واليك المهرب ، تعلم ما أخفي وما أعلن ، وتعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فامسك عنّي اللَّهمَّ أيدي الظالمين من الجنّ والإنس أجمعين ، واشفني يا أرحم الراحمين ) .
5ـ دعاؤه ( عليه السلام ) لطلب الرزق :
قال ( عليه السلام ) : ( يا الله ، أسألك بحق من حقّه عليك عظيم ، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن ترزقني العمل بما علّمتني من معرفة حقّك ، وأن تبسط عليّ ما حظرت من رزقك ) .
6ـ دعاؤه ( عليه السلام ) في الأخلاق :
قال ( عليه السلام ) : ( السر عندك علانية ، والغيب عندك شهادة ، تعلم وهم القلوب ، ورجم الغيوب ، ورجع الألسن ، وخائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وأنت رجاؤنا عند كل شدّة ، وغياثنا عند كل محل ، وسيّدنا في كل كريهة ، وناصرنا عند كل ظلم ، وقوّتنا عند كل ضعف ، وبلاغنا في كل عجز .
كم من كريهة وشدّة ضعفت فيها القوّة ، وقلّت فيها الحيلة ، أسلمنا فيها الرفيق ، وخذلنا فيها الشفيق ، أنزلتها بك يا رب ، ولم نرج غيرك ، ففرّجتها وخففت ثقلها ، وكشفت غمرتها ، وكفيتنا إيّاها عمّن سواك ) .
أدعية الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) لأيام الأسبوع
دعاؤه ( عليه السلام ) ليوم الجمعة :
قال ( عليه السلام ) : ( مرحباً بخلق الله الجديد ، وبكما من كاتبين وشاهدين ؛ اكتبا : بسم الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّ الإسلام كما وصف ، والدين كما شرع ، وأنّ الكتاب كما أنزل ، والقول كما حدث ، وإنّ الله هو الحق المبين ، وصلوات الله وبركاته وشرايف تحياته وسلامه على محمّد وآله .
أصبحت في أمان الله الذي لا يستباح ، وفي ذمّة الله التي لا تخفر ، وفي جوار الله الذي لا يُضام ، وكنفه الذي لا يرام ، وجار الله آمن محفوظ ، ما شاء الله ، كل نعمة فمن الله ، ما شاء الله ، لا يأتي الخير إلاّ الله ، ما شاء الله ، نعم القادر الله ، ما شاء الله ، توكّلت على الله .
أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحي ويميت ، وهو حي لا يموت ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير .
اللّهم اغفر لي كل ذنب يحبس رزقي ، ويحجب مسألتي ، أو يقصر بي عن بلوغ مسألتي ، أو يصد بوجهك الكريم عنّي .
اللّهم اغفر لي ، وارزقني ، وارحمني ، وأجبرني ، وعافني ، واعف عنّي ، وارفعني ، واهدني ، وانصرني ، والق قلبي الصبر ، والنصر يا مالك الملك ، فإنّه لا يملك ذلك غيرك .
اللّهم وما كتبت عليّ من خير فوفّقني واهدني له ، ومُنَّ عليّ به ، وأعنّي وثبّتني عليه ، واجعله أحب إليّ من غيره ، وأثر عندي ممّا سواه ، وزدني من فضلك .
اللّهم إنّي أسألك رضوانك والجنّة ، وأعوذ بك من سخطك والنار ، وأسألك النصيب الأوفر في جنّات النعيم .
اللّهم طهّر لساني من الكذب ، وقلبي من النفاق ، وعملي من الرياء ، وبصري من الخيانة ، فإنّك تعلم خائنة الأعين ، وما تخفي الصدور .
اللّهم إن كنت عندك محروماً مقتراً عليّ رزقي فامح حرماني ، وتقتير رزقي ، واكتبني عندك مرزوقاً موفّقاً للخيرات ، فإنّك قلت تباركت وتعاليت : ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) ، صلّى الله على محمّد وآله ، إنّك حميد مجيد ) .
دعاؤه ( عليه السلام ) ليوم السبت :
قال ( عليه السلام ) : ( مرحباً بخلق الله الجديد ، وبكما من كاتبين وشاهدين ؛ اكتبا : بسم الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأشهد أنّ الإسلام كما وصف ، وإنّ الدين كما شرع ، وإنّ الكتاب كما أنزل ، والقول كما حدث ، وإنّ الله هو الحق المبين ، وصلوات الله وسلامه على محمّد وآله .
أصبحت اللّهم في أمانك ، أسلمت إليك نفسي ، ووجّهت إليك وجهي ، وفوّضت إليك أمري ، وألجأت إليك ظهري ، رهبة منك ، ورغبة إليك ، لا ملجأ ولا منجى منك إلاّ إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ، ورسولك الذي أرسلت .
اللّهم إنّي فقير إليك فارزقني بغير حساب ، إنّك ترزق من تشاء بغير حساب ، اللّهم إنّي أسألك الطيّبات من الرزق ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وأن تتوب عليّ .
اللّهم إنّي أسألك بكرامتك التي أنت أهلها ، أن تتجاوز عن سوء ما عندي ، بحسن ما عندك يا الله ، وأن تعطيني من جزيل عطائك ، أفضل ما أعطيته أحداً من عبادك .
اللّهم إنّي أعوذ بك من مال يكون عليّ فتنة ، ومن ولد يكون لي عدواً ، اللّهم قد ترى مكاني ، وتسمع ندائي وكلامي ، وتعلم حاجتي ، أسألك بجميع أسمائك أن تقضي لي كل حاجة من حوائج الدنيا والآخرة .
اللّهم إنّي أدعوك دعاء عبد ضعفت قوّته ، واشتدت فاقته ، وعظم جرمه ، وقلّ عدده ، وضعف عمله ، دعاء من لا يجد لفاقته ساداً غيرك ، ولا لضعفه عوناً سواك ، أسألك جوامع الخير وخواتمه وسوابقه وفوائده ، وجميع ذلك بدوام فضلك وإحسانك ، ويمنك ورحمتك ، فارحمني واعتقني من النار .
يا من كبس الأرض على الماء ، يا من سمك السماء في الهواء ، ويا واحداً قبل كل أحد ، ويا واحداً بعد كل شيء ، ويا من لا يعلم ولا يدري كيف هو إلاّ هو ، ويا من لا يقدّر قدرته إلاّ هو ، ويا من كل يوم هو في شأن ، يا من لا يشغله شأن عن شأن ، ويا غوث المستغيثين ، ويا صريخ المكروبين ، يا مجيب دعوة المضطرّين ، ويا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما .
رب ارحمني رحمة لا تضلّني ولا تشقني بعدها أبداً ، إنّك حميد مجيد ، وصلّى الله على محمّد وآله وسلم ) .
دعاؤه ( عليه السلام ) ليوم الأحد :
قال ( عليه السلام ) : ( مرحباً بخلق الله الجديد ، وبكما من كاتبين وشاهدين ، اكتبا : باسم الله ، اشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، واشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّ الإسلام كما وصف ، والدين كما شرع ، وأنّ الكتاب كما أنزل ، والقول كما حدث ، وأنّ الله هو الحق المبين ، حيّا الله محمّداً بالسلام ، وصلى عليه كما هو أهله وعلى آله .
أصبحت وأصبح الملك والكبرياء والعظمة ، والخلق والأمر ، والليل والنهار ، وما يكون فيهما لله وحده لا شريك له .
اللهم اجعل أوّل هذا النهار صلاحاً ، وأوسطه نجاحاً ، وآخره فلاحاً ، وأسألك خير الدنيا والآخرة .
اللّهم لا تدع لي ذنباً إلاّ غفرته ، ولا همّاً إلاّ فرّجته ، ولا ديناً إلاّ قضيته ، ولا غائباً إلاّ حفظته ، وأدّيته ، ولا مريضاً إلاّ شفيته ، وعافيته ، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضى ، ولي فيها صلاح إلاّ قضيتها .
اللّهم تمّ نورك فهديت ، وعظم حلمك فعفوت ، وبسطت يدك فأعطيت ، فلك الحمد ، وجهك خير الوجوه ، وعطيّتك أنفع العطية ، فلك الحمد تطاع ربّنا فتشكر ، وتعصى ربّنا فتغفر ، تجيب المضطرّ وتكشف الضر ، وتشفي السقم ، وتنجي من الكرب العظيم ؛ لا تجزي بآلائك ، ولا يحصي نعمائك أحدٌ ، رحمتك وسعت كل شيء فارحمني ، ومن الخيرات فارزقني .
تقبّل صلاتي ، واسمع دعائي ، ولا تعرض عنّي يا مولاي حين أدعوك ، ولا تحرمني الهي حين أسألك من أجل خطاياي ؛ الهي لا تحرمني لقاءك ، واجعل محبّتي وإرادتي محبّتك وإرادتك ، واكفني هول المطلع .
اللّهم إنّي أسألك إيماناً لا يرتد ، ونعيماً لا ينفذ ، ومرافقة محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) في أعلى جنّة الخلد .
اللّهم وأسألك العفاف والتقى ، والعمل بما تحب وترضى ، والرضا بالقضاء ، والنظر إلى وجهك ، اللّهم لقّني حجّتي عند الممات ، ولا ترني عملي حسرات .
اللّهم اكفني طلب ما لم تقدر لي من الرزق ، وما قسمت لي فاتني به يا الله في يسر منك وعافية .
اللّهم إنّي أسألك توبة نصوحاً تقبلها منّي ، تبقي عليّ بركتها ، وتغفر بها ما مضى من ذنوبي ، وتعصمني بها فيما مضى من عمري ، يا أهل التقوى والمغفرة ، وصلّى الله على محمّد وآل محمّد ، إنّك حميد مجيد ) .
دعاؤه ( عليه السلام ) ليوم الاثنين :
قال ( عليه السلام ) : ( مرحباً بخلق الله الجديد ، وبكما من كاتبين وشاهدين ، اكتبا : بسم الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأشهد أنّ الإسلام كما وصف ، وأنّ الدين كما شرع ، وأنّ القول كما حدث ، وأنّ الكتاب كما أنزل ، وأنّ الله هو الحق المبين ، حيّا الله محمّداً بالسلام ، وصلى عليه وعلى آله .
اللّهم ما أصبحت فيه من عافية في ديني ودنياي ، فأنت الذي أعطيتني ورزقتني ووفّقتني له ، وسترتني ، ولا حمد لي يا الهي في ما كان منّي من خير ، ولا عذر لي منه .
اللهم إنّه لا حول ولا قوّة لي على جميع ذلك إلاّ بك ، يا من بلغ أهل الخير وأعانهم عليه ، بلّغني الخير وأعنّي عليه .
اللّهم أحسن عاقبتي في الأمور كلّها ، وأجرني من مواقف الخزي في الدنيا والآخرة ، إنّك على كل شيء قدير .
اللّهم إنّي أسألك موجبات رحمتك ، وعزائم مغفرتك ، وأسألك الغنيمة من كل برّ ، والسلامة من كل إثم ، وأسألك الفوز بالجنّة ، والنجاة من النار .
اللّهم رضّني بقضائك حتّى لا أحب تعجيل ما أخّرت ، ولا تأخير ما عجّلت عليّ ، اللّهم اعطني ما أحببت ، واجعله خيراً لي ، اللّهم ما أنسيتني فلا تنسني ذكرك ، وما أحببت فلا أحب معصيتك .
اللّهم امكر لي ولا تمكر عليّ ، واعنّي ولا تعن عليّ ، وانصرني ولا تنصر عليّ ، واهدني ويسّر لي الهدى ، واعنّي على من ظلمني حتّى أبلغ فيه ثأري ، اللّهم اجعلني لك شاكراً ذاكراً لك ، محبّاً لك ، راهباً ، واختم لي منك بخير .
اللّهم إنّي أسألك بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق ، أن تحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وإن تتوفّاني إذا كانت الوفاة خيراً لي ، وأسألك خشيتك في السر والعلانية ، والعدل في الرضى والغضب ، والقصد في الغنى والفقر ، وأن تحبّب إليّ لقاءك في غير ضرّاء مضرّة ، ولا فتنةٍ مضلّة ، واختم لي بما ختمت به لعبادك الصالحين ، إنّك حميد مجيد ) .
دعاؤه ( عليه السلام ) ليوم الثلاثاء :
قال ( عليه السلام ) : ( مرحباً بخلق الله الجديد ، وبكما من كاتبين وشاهدين ، اكتبا : بسم الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأشهد أنّ الإسلام كما وصف ، وأنّ الدين كما شرع ، وأنّ القول كما حدث ، وأنّ الكتاب كما أنزل ، وأنّ الله هو الحق المبين ، حيّا الله محمّداً بالسلام ، وصلّى عليه وعلى آله .
وأصبحت أسألك يا الله ، والعافية في ديني ودنياي وآخرتي ، وأهلي ومالي وولدي ، اللّهم استر عوراتي ، وأجب دعواتي ، واحفظني من بين يدي ومن خلفي ، وعن يميني وعن شمالي ، اللّهم إن رفعتني فمن ذا الذي يضعني ، وإن تضعني فمن ذا الذي يرفعني .
اللّهم لا تجعلني للبلاء عرضاً ، ولا للفتنة نصباً ، ولا تتبعني ببلاء على أثر بلاء ، فقد ترى ضعفي وقلّة حيلتي وتضرّعي ، أعوذ بك من جميع غضبك فأعذني ، واستجير بك فأعنّي ، وأتوكّل عليك فاكفني ، واستهديك فاهدني ، واستعصمك فاعصمني ، واستغفرك فاغفر لي ، واسترحمك فارحمني ، واسترزقك فارزقني ؛ سبحانك من ذا يعلم ما أنت ولا يخافك ، ومن يعرف قدرتك ولا يهابك ، سبحانك ربّنا .
اللّهم إنّي أسألك إيماناً دائماً ، وقلباً خاشعاً ، وعلماً نافعاً ، ويقيناً صادقاً ، وأسألك ديناً قيّماً ، وأسألك رزقاً واسعاً .
اللّهم لا تقطع رجاءنا ، ولا تخيّب دعاءنا ، ولا تجهد بلاءنا ، وأسألك العافية والشكر على العافية ، وأسألك الغنى عن الناس أجمعين ، يا ارحم الراحمين ، ويا منتهى همّة الراغبين ، والمفرّج عن المغمومين ، ويا من إذا أراد شيئاً فحسبه أن يقول له كن فيكون .
اللّهم إنّ كل شيء لك ، وكل شيء بيدك ، وكل شيء إليك يصير ، وأنت على كل شيء قدير ؛ لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ميسّر لما عسّرت ، ولا معقّب لما حكمت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجدّ ، ولا قوّة إلاّ بك ، ما شئت كان ، وما لم تشأ لم يكن .
اللّهم فما قصر عنه عملي ورأيي ، ولم تبلغه مسألتي من خير وعدته أحداً من خلقك ، وخير أنت معطيه أحداً من خلقك ، فإنّي أسألك وأرغب إليك فيه ، يا أرحم الراحمين ، اللّهم صل على محمّد وآله ، إنّك حميد مجيد ) .
دعاؤه ( عليه السلام ) ليوم الأربعاء :
قال ( عليه السلام ) : ( مرحباً بخلق الله الجديد ، وبكما من كاتبين وشاهدين ، اكتبا : بسم الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأشهد أنّ الإسلام كما وصف ، والدين كما شرع ، وأنّ الكتاب كما أنزل ، وأنّ القول كما حدث ، وأنّ الله هو الحق المبين ، حيّا الله محمّداً بالسلام ، وصلّى عليه وعلى آله .
اللّهم اجعلني من أفضل عبادك نصيباً في كل خير تقسمه في هذا اليوم ، من نور تهدي به ، أو رزق تبسطه ، أو ضرّ تكشفه ، أو بلاء تصرفه ، أو شرّ تدفعه ، أو رحمة تنشرها ، أو معصية تصرفها .
اللّهم اغفر لي ما قد سلف من ذنوبي ، واعصمني فيما بقي من عمري ، وارزقني عملاً ترضى به عنّي .
اللّهم إنّي أسألك بكل اسم هو لك سمّيت به نفسك ، أو أنزلته في شيء من كتبك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أو علّمته أحداً من خلقك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، وشفاء صدري ، ونور بصري ، وذهاب همّي وحزني إنّه لا حول ولا قوّة إلاّ بك .
اللّهم رب الأرواح الفانية ، ورب الأجساد البالية ، أسألك بطاعة الأرواح البالغة إلى عروجها ، وبطاعة القبور المشتقّة عن أهلها ، وبدعوتك الصادقة فيهم ، وأخذك الحق بينهم وبين الخلائق مثلاً ينطقون من مخافتك ، يرجون رحمتك ، ويخافون عذابك ، أسألك النور في بصري ، واليقين في قلبي ، والإخلاص في عملي ، وذكرك على لساني أبداً ما أبقيتني .
اللّهم ما فتحت لي من باب طاعة فلا تغلقه عنّي أبداً ، وما أغلقت عنّي من باب معصية فلا تفتحه عليّ أبداً ، اللّهم ارزقني حلاوة الإيمان ، وطعم المغفرة ، ولذّة الإسلام ، وبرد العيش بعد الموت ، إنّه لا يملك ذلك غيرك .
اللّهم إنّي أعوذ بك أن أضل أو أذل ، أو أظلم أو آمر ، أو أجهل أو يجهل عليّ ، أو أجور أو يجار عليّ ، أخرجني من الدنيا مغفوراً لي ذنبي ، ومقبولاً عملي ، واعطني كتابي بيميني ، واحشرني في زمرة النبي محمّد وآله ) .
دعاؤه ( عليه السلام ) ليوم الخميس :
قال ( عليه السلام ) : ( مرحباً بخلق الله الجديد ، وبكما من كاتبين وشاهدين ، اكتبا : بسم الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، واشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأشهد أنّ الإسلام كما وصف ، وأنّ الدين كما شرع ، والقول كما حدث ، والكتاب كما أنزل ، وإنّ الله هو الحق المبين ؛ حيّا الله محمّداً بالسلام ، وصلّى عليه وعلى آله .
أصبحت أعوذ بوجه الله الكريم ، واسمه العظيم ، وكلماته التامّة ، من شر السامّة والهامّة ، والعين اللامة ، ومن شر ما خلق وذرأ وبرأ ، ومن شر كل دابّة ربّي أخذ بناصيتها ، إنّ ربّي على صراط مستقيم .
اللّهم إنّي أعوذ بك من جميع خلقك ، وأتوكّل عليك في جميع أموري ، فاحفظني من بين يدي ومن خلفي ، ومن فوقي ومن تحتي ، ولا تكلني في حوائجي إلى عبد من عبادك فيخذلني ، أنت مولاي وسيّدي فلا تخيّبني من رحمتك .
اللّهم إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحويل عافيتك ، استعنت بحول الله وقوّته من حول خلقه وقوّتهم ، وأعوذ برب الفلق من شر ما خلق ، حسبي الله ونعم الوكيل .
اللّهم أعزّني بطاعتك ، وأذلّ أعدائي بمعصيتك ، واقصمهم يا قاصم كل جبّار عنيد ، يا من لا يخيب من دعاه ، ويا من إذا توكّل العبد عليه كفاه ، اكفني كل مهم من أمر الدنيا والآخرة .
اللّهم إنّي أسألك عمل الخائفين ، وخوف العاملين ، وخشوع العابدين ، وعبادة المتّقين ، وإخبات المؤمنين ، وإنابة المخبتين ، وتوكّل الموقنين ، ويسر المتوكّلين ، وألحقنا بالأحياء المرزوقين ، وأدخلنا الجنّة ، واعتقنا من النار ، واصلح لنا شأننا كلّه .
اللّهم إنّي أسألك إيماناً صادقاً ، يا من يملك حوائج السائلين ، ويعلم ضمير الصامتين ، إنّك بكل خير عالم غير معلّم ، أن تقضي لي حوائجي ، وأن تغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله ، إنّك حميد مجيد ) .
استجابة دعاء الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام )
هناك عدّة موارد استجاب الله تعالى فيها دعاء الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، نذكر بعضها :
1ـ قال عبد الله بن صالح : حدّثنا صاحب الفضل بن الربيع ، قال : كنت ذات ليلة في فراشي ، مع بعض جواري ، فلمّا كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة ، فراعني ذلك ، فقالت الجارية : لعلّ هذا من الهواء ، فلم يمض إلاّ يسير حتّى رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد فتح ، وإذا مسرور الكبير قد دخل عليّ .
فقال : أجب الرشيد ، ولم يسلّم عليّ ، فيئست من نفسي ، وقلت : هذا مسرور ، ويدخل بلا إذن ولم يسلّم ، ما هو إلاّ القتل ؛ فقالت الجارية لمّا رأت تحيّري : ثق بالله عزّ وجلّ وانهض ، فنهضت ولبست ثيابي ، وخرجت معه حتّى أتيت الدار ، فسلّمت على أمير المؤمنين ـ وهو في مرقده ـ فردّ عليّ السلام ، فسقطت .
فقال : تداخلك رعب ! قلت : نعم يا أمير المؤمنين .
فتركني ساعة حتّى سكنت ، ثمّ قال : صر إلى حبسنا فاخرج موسى بن جعفر بن محمّد ، وادفع إليه ثلاثين ألف درهم ، واخلع عليه خمس خلع ، واحمله على ثلاثة مراكب ، وخيّره بين المقام معنا ، أو الرحيل عنّا إلى أي بلاد أحب .
فقلت له : يا أمير المؤمنين ! تأمر بإطلاق موسى بن جعفر ؟! قال : نعم ، فكررت ثلاث مرّات ، فقال : نعم ، ويلك ! أتريد أن أنكث العهد ؟! فقلت : يا أمير المؤمنين ! وما العهد ؟!
قال : بينا أنا في مرقدي هذا ، إذ ساورني أسد ، ما رأيت من الأسود أعظم منه ، فقعد على صدري ، وقبض على حلقي ، وقال لي : حبست موسى بن جعفر ظالماً له .
فقلت : وأنا أطلقه ، وأهب له ، وأخلع عليه ، فأخذ عليّ عهد الله عزّ وجلّ وميثاقه ، وقام عن صدري ، وقد كادت نفسي أن تخرج ، فقال : فخرجت من عنده ، ووافيت موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) وهو في حبسه ، فرأيته قائماً يصلّي ، فجلست حتّى سلّم ، ثمّ أبلغته سلام أمير المؤمنين ، وأعلمته بالذي أمرني به في أمره ، وإنّي قد أحضرت ما وصله به .
فقال ( عليه السلام ) : ( إن كنت أمرت بشيء غير هذا ، فأفعله ) .
فقلت : لا ، وحق جدّك رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، ما أمرت إلاّ بهذا .
فقال ( عليه السلام ) : ( لا حاجة لي في الخلع والحملان والمال ، إذا كانت فيه حقوق الأمّة ) .
فقلت : ناشدتك الله أن لا تردّه فيغتاظ ، فقال : ( اعمل به ما أحببت ) .
وأخذت بيده ( عليه السلام ) ، وأخرجته من السجن ، ثمّ قلت له : يا ابن رسول الله ، أخبرني ما السبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا الرجل ، فقد وجب حقّي عليك لبشارتي إيّاك ، ولما أجراه الله تعالى من هذا الأمر ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( رأيت النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ليلة الأربعاء في النوم ، فقال لي : يا موسى أنت محبوس مظلوم ، فقلت : نعم يا رسول الله محبوس مظلوم ، فكرّر عليّ ثلاثاً ، ثمّ قال : ( لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) الأنبياء : 111 .
أصبح غداً صائماً ، واتبعه بصيام الخميس والجمعة ، فإذا كان وقت الإفطار فصل اثنتي عشرة ركعة ، تقرأ في كل ركعة : الحمد واثنتي عشرة قل هو الله أحد ، فإذا صليت منها أربع ركعات فاسجد .
ثمّ قل : يا سابق الفوت ، يا سامع كل صوت ، ويا محي العظام وهي رميم بعد الموت ، أسألك باسمك العظيم الأعظم ، أن تصلّي على محمّد عبدك ورسولك ، وعلى أهل بيته الطاهرين ، وأن تعجّل لي الفرج ممّا أنا فيه ، ففعلت فكان الذي رأيت ) .
2ـ نقل صاحب كتاب نثر الدرر : أنّ الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) ذكر له ، أنّ الهادي قد هم بك ، قال لأهل بيته ومن يليه : ( ما تشيرون به عليّ من الرأي ؟ ) .
فقالوا : نرى أن تتباعد عنه ، وأن تغيّب شخصك عنه ، فإنّه لا يؤمن عليك من شرّه ، فتبسّم ، ثمّ قال :
زعمت سخينة أن ستغلب ** ربّها وليغلبن مغالب الغلاب .
ثمّ رفع يده إلى السماء ، فقال : ( الهي كم من عدو شحذ لي ظبة مديته ، وأرهف لي شبا حدّه ، وداف لي قواتل سمومه ، ولم تنم عنّي عين حراسته ، فلمّا رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح ، وعجزي عن ملمّات الحوائج ، صرفت ذلك عنّي بحولك وقوّتك ، لا بحلوي وقوّتي ، وألقيته في الحفيرة التي احتفرها لي ، خائباً ممّا أمله في دنياه ، متباعداً عمّا يرجوه في أخراه .
فلك الحمد على قدر ما عممتني فيه نعمك ، وما توليتني من جودك وكرمك ، اللّهم فخذه بقوّتك ، وافلل حدّه عنّي بقدرتك ، واجعل له شغلاً فيما يليه ، وعجزاً به عما ينويه .
اللَّهُمَّ واعدني عليه عدوة حاضرة ، تكون من غيظي شفاءً ، ومن حنقي عليه وفاءً ، وصل اللّهم دعائي بالإجابة ، وانظم شايتي بالتغيير ، وعرفه عمّا قليل ما وعدت به من الإجابة لعبيدك المضطرين ، إنّك ذو الفضل العظيم ، والمن الجسيم ) .
ثمّ إنّ أهل بيته انصرفوا عنه ، فلمّا كان بعد مدّة يسيرة ، اجتمعوا لقراءة الكتاب الوارد على موسى الكاظم بموت الهادي .
3ـ روى الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير قال : حدّثني أبو جعفر الشامي ، قال : حدّثني رجل بالشام يقال له هلقام ، قال : أتيت أبا إبراهيم ( عليه السلام ) ، فقلت له : جعلت فداك علّمني دعاء جامعاً للدنيا والآخرة وأوجز .
فقال ( عليه السلام ) : ( قل في دبر الفجر إلى أن تطلع الشمس : سبحان الله العظيم وبحمده ، استغفر الله ، وأسأله من فضله ) .
قال هلقام : لقد كنت من أسوء أهل بيتي حالاً ، فما علمت حتّى أتاني ميراث من قبل رجل ما ظننت أنّ بيني وبينه قرابة ، وإنّي اليوم من أيسر أهل بيتي ، وما ذلك إلاّ بما علّمني مولاي العبد الصالح ( عليه السلام ) .
4ـ قال داود بن زربي : سمعت أبا الحسن الأوّل ( عليه السلام ) يقول : ( اللّهم إنّي أسألك العافية ، وأسألك جميل العافية ، وأسألك شكر العافية ، وأسألك شكر شكر العافية .
وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يدعو ويقول : أسألك تمام العافية ) ، ثمّ قال : ( تمام العافية الفوز بالجنّة، والنجاة من النار ) .
ولا ريب أنّ الدعاء من قلب العبد الصالح المؤمن ، التقي ، الورع ، يستجاب من الله العزيز القدير ، وجاء ذلك في القرآن الكريم : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) غافر : 60 .
إمامة الإمام الكاظم ( عليه السلام )
تولَّى الإمام الكاظم ( عليه السلام ) منصب الإمامة بعد أبيه الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، في وقتٍ شَهدَتْ فيه الدولة العباسية استقرار أركانها ، وثبات بُنْيانها .
فتنكَّرَت للشعار الذي كانت تنادي به من الدعوة لآل محمد ( عليهم السلام ) ، وتنبَّهت إلى الوريث الشرعيِّ لشجرة النبوَّة ، مشهرة سيف العِداء له ( عليه السلام ) ولشيعته .
وذلك لتلافي تعاظم نفوذ الإمام ( عليه السلام ) في أن يؤتي على أركان دولتهم ، ويقضي عليها .
فشهد الإمام الكاظم ( عليه السلام ) طِيلة سِنِيِّ حياته صنوف التضييق والمزاحمة ، إلاَّ أنَّ ذلك لم يمنعه ( عليه السلام ) من أن يؤدِّي رسالته في حماية الدين وقيادة الأمة .
جود الإمام الكاظم ( عليه السلام ) وإغاثته للملهوفين
كان الإمام الكاظم ( عليه السلام ) من أندى الناس كَفاً ، ومن أكثرهم عطاء للبائسين والمحرومين .
ومن الجدير بالذكر أنه ( عليه السلام ) كان يتطلّب الكتمان وعدم ذيوع ما يعطيه ، مبتغياً بذلك الأجر عند الله تعالى .
ويقول الرواة : أنه ( عليه السلام ) كان يخرج في غَلَسِ الليل البهيم ، فيوصل البؤساء والضعفاء وهم لا يعلمون من أي جهة تَصِلهم هذه المَبَرّة .
وكانت صلاته لهم تتراوح ما بين المائتين دينار إلى الأربعمائة دينار ، وكان أهله يقولون : عَجَباً لمن جاءته صرار موسى ( عليه السلام ) وهو يشتكي القلة والفقر .
وقد حفلت كتب التاريخ ببوادر كثيرة من الحاجة والسؤال ، ويجمع المترجمون له أنه ( عليه السلام ) كان يرى أنّ أحسَنَ صرفٍ للمال هو ما يَردّ به جوعُ جائع أو يكسو به عارياً .
إغاثته ( عليه السلام ) للملهوفين :
ومن أبرز ذاتيّات الإمام الكاظم ( عليه السلام ) إغاثته للملهوفين وإنقاذهم مما أَلَمّ بهم من مِحَن الأيام وخطوبها ، وكانت هذه الظاهرة من أحبّ الأمور إليه .
وقد أفتى شيعته بجواز الدخول في حكومة هارون بشرط الإحسان إلى الناس ، وقد شاعت عنه هذه الفتوى : ( كَفّارَةُ عَمَل السّلطان الإحسان إلى الإخوان ) .ويقول الرواة : إن شخصاً من أهالي الري كانت عليه أموال طائلة لحكومة الري ، وقد عَجز عن تَسديدها ، وخاف من الحكومة أن تصادر أمواله ، وتُنزِل به العقوبة الصارمة .
فسأل عن الحاكم فأخبروه أنه من شيعة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، فسافر إلى المدينة .
فلما انتهى إليها تَشرّف بمقابلة الإمام ( عليه السلام ) وشكا إليه حالَه وَضِيقَ مجالِه .
فاستجاب ( عليه السلام ) بالوقت له ، وكتب إلى حاكم الري رسالة جاء فيها بعد البسملة : ( اِعلَم أن لله تحت عرشه ظِلالاً يسكنه إلا من أسدَى إلى أخيه معروفاً ، أو نَفّس عنه كُربة ، أو أدخل على قلبه سروراً ، وهذا أخوك والسلام ) .
وأخذ الرسالة ، وبعد أدائه لفريضة الحج اتجهَ صَوبَ وطنه ، فلما انتهى إليه مضى إلى الحاكم ليلاً ، فطرق باب بيته ، فخرج غلامه فقال له : من أنت ؟
فقال : رسولُ الصابر موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) .
فَهرع إلى مولاه فأخبره بذلك ، فخرج حافي القدمين مستقبلاً له ، فعانقه وَقبَّل ما بين عَينيه ، وطفق يسأله بلهفة عن حال الإمام ( عليه السلام ) وهو يجيبه .
ثم ناوله رسالة الإمام ( عليه السلام ) ، فأخذها بإكبارٍ وقَبّلَها ، فلما قرأها استدعى بأمواله وثيابه فقاسمه في جميعها ، وأعطاه قيمة ما لا يَقبلُ القسمة ، وهو يقول له : يا أخي ، هل سَرَرتُك ؟
وسارع الرجل قائلاً : أي والله ، وزدتَ على ذلك .
ثم استدعى الحاكم السجِل ، فَشَطب على جميع الديون التي على الرجل وأعطاه براءة منها .
فخرج وقد غَمَرَتْهُ موجات من الفرح والسرور ، ورأى أن يجازي إحسانه بإحسان ، فيمضي إلى بيت الله الحرام ويدعوا له ، ويخبر الإمام ( عليه السلام ) بما أسداه عليه من المعروف .
ولما أقبل مَوسم الحج سافر إلى بيت الله الحرام ، ولما انتهى إليه دعا للرجل بإخلاص ، وأخبر الإمام ( عليه السلام ) بما أسداه حاكم الري من الإحسان إليه .
فَسُرَّ الإمام ( عليه السلام ) بذلك سروراً بالغاً ، والتفت إليه الرجل قائلاً : يا مولاي ، هل سَرَّكَ ذلك ؟
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( أي والله ، لقد سَرَّني ، وسَرَّ أمير المؤمنين ، والله لقد سَرَّ جَدي رسول الله ، ولقد سر الله تعالى ) .
زهد الإمام الكاظم ( عليه السلام ) وحلمه
كان الإمام الكاظم ( عليه السلام ) زاهداً في الدنيا ، ومعرضاً عن مَبَاهجها وزينتها ، فآثرَ طاعة الله تعالى على كل شيء .
وكان بيته ( عليه السلام ) خالياً من جميع أَمتِعَة الحياة ، وقد تحدث عنه إبراهيم بن عبد الحميد فقال : دخلت عليه في بيته الذي كان يصلي ( عليه السلام ) فيه ، فإذا ليس فيه شيء سوى خصفة ، وسيف مُعلَّق ، ومصحَف .
وكان ( عليه السلام ) كثيراً ما يتلو على أصحابه سيرة الصحابي الثائر العظيم أبي ذر الغفاري الذي طلّق الدنيا ، ولم يحفل بأي شيء من زينَتِها قائلاً : ( رحم الله أبا ذر ، فلقد كان يقول : جَزى الله الدنيا عني مَذمّة بعد رغيفين من الشعير ، أتغذّى بأحدهما ، وأتعشّى بالآخر ، وبعد شملتي الصوف ائتزرُ بأحدهما وأتَردّى بالأخرى ) .لقد وضع الإمام الكاظم ( عليه السلام ) نصب عينيه سيرة العظماء الخالدين من صحابة جَدِّه سيد المرسلين ( صلى الله عليه وآله ) يشيد بسيرتهم ، ويتلو مآثرهم على أصحابه وتلاميذه ، لتكون لهم قدوة حسنة في حياتهم .
وأما الحِلم فهو من أبرز صفات الإمام ( عليه السلام ) ، فقد كان مضرب المثل في حلمه وكَظْمِه للغَيظ .
ويقول الرواة : أنه ( عليه السلام ) كان يعفو عمن أساء إليه ، ويصفح عمن اعتدى عليه ، وذكر الرواة بَوادِر كثيرة من حلمه كان منها :
أولاً :
إن رجلاً كان يسيء للإمام ( عليه السلام ) ويسبُ جَدّه الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فأراد بعض شيعة الإمام ( عليه السلام ) تأديبه ، فَنَهَاهُم عن ذلك ، ورأى أن يعالجه بغير ذلك .
فسأل ( عليه السلام ) عن مكانه ، فقيل له : إن له ضيعة في بعض نواحي المدينة المنورة ، وهو يزرع فيها .
فركب الإمام ( عليه السلام ) بَغلَته ، ومضى متنكراً إليه ، فأقبل نحوه .
فصاح به الرجل : لا تَطأْ زرعنا .
فلم يحفل به الإمام ( عليه السلام ) إذ لم يجد طريقا يسلكه غير ذلك .
ولما انتهى إليه قابله الإمام ( عليه السلام ) بِبَسَمات فَيّاضة بالبشر قائلاً له : ( كم غرمت في زرعك هذا ) ؟فقال : مائة دينار .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( كم ترجو أن تصيبَ منه ) ؟فقال : أنا لا أعلم الغيب .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( إنما قلت لك : كَمْ ترجو أن يجيئَكَ منه ) ؟فقال : أرجو أن يجيئَني منه مائتا دينار .
فأعطاه سَلِيلُ النبوةِ ثلاثَ مِائة دينار وقال : هذه لك وزرعك على حاله .
فانقلب الرجل رأساً على عَقِب ، وخَجل على ما فَرّط في حقّ الإمام ( عليه السلام ) .
ثم انصرف الإمام ( عليه السلام ) عنه وقصد الجامع النبوي ، فوجد الرجل قد سبقه ، فلما رأى الإمام ( عليه السلام ) قام إليه ، وهو يهتف بين الناس : الله أعلمُ حيثُ يجعل رسالته فيمن يشاء .
وبادرَ أصحابه مُنكِرين عليه هذا التغيير ، فأخذ يخاصمهم ويذكر مناقب الإمام ( عليه السلام ) ومآثره .
لقد عامل الإمام ( عليه السلام ) مبغضيه ومناوئيه بالإحسان واللّطف ، فاقتلَعَ من نفوسهم النزعات الشريرة ، وغسل ( عليه السلام ) أدمِغَتَهم التي كانت مُترَعَة بالجهل والنقص .
وقد وضع ( عليه السلام ) أمامه قوله تعالى : ( إِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيْمٌ ) فصلت : 34 .
ثانياً :
ومن آيات حِلمه ( عليه السلام ) أنه اجتاز على جماعة من أعدائه ، كان فيهم ابن هَيّاج ، فأمر بعض أتباعه أن يتعلق بِلِجَام بَغْلَة الإمام ( عليه السلام ) ، ويَدّعي أنها لَه ، ففعل ذلك ، وعرف الإمام ( عليه السلام ) غايته ، فنزل عن البَغلة وأعطاها له .
وقد أعطى الإمام ( عليه السلام ) بذلك مَثَلاً أعلى للحلم وسِعَة النفس .
وكان ( عليه السلام ) يوصي أبناءه بالتَحَلّي بهذه الصفة الكريمة ، فقد قال ( عليه السلام ) لهم : ( يَا بني ، أوصيكم بوصية مَن حَفظَها انتَفَع بها ، إذا أتاكم آتٍ ، فأسمع أحدَكم في الأذن اليُمنى مَكروهاً ، ثم تَحوَّل إلى اليسرى فاعتذَرَ لَكم وقال : إِني لم أَقُلْ شيئاً ، فَاقبلُوا عُذرَه ) .
سجن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ومحاولة اغتياله
ألقى أزلام الخليفة القبض على الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، وأرسلوه مُقيداً إلى البصرة ، وقد وَكّل حسان السري بحراسته ، والمحافظة عليه .
وفي الطريق التقى به عبد الله بن مرحوم الأزدي ، فدفع له الإمام ( عليه السلام ) كُتُباً ، وأمره بإيصالها إلى ولي عهده الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، وعَرّفه بأنه ( عليه السلام ) الإمام من بعده .
وسارت القافلة تطوي البيداء ، حتى انتهت إلى البصرة – وذلك قبل التروية بيوم – .
فسلَّم حسّانُ الإمامَ ( عليه السلام ) إلى عيسى بن جعفر ، فحبسه في بيت من بيوت المحبس ، وأقفل عليه أبواب السجن .
وكان عيسى لا يفتحها إلا في حالتين ، إحداهما خروجه ( عليه السلام ) إلى الطهور ، والأخرى لإدخال الطعام إليه ( عليه السلام ) .
وأقبل الإمام ( عليه السلام ) على العبادة والطاعة ، فكان يصوم في النهار ويقوم في الليل ، ويقضي عامة وقته في الصلاة ، والسجود ، والدعاء ، وقراءة القرآن .
واعتبرَ تَفرّغَه للعبادة من نِعَم الله تعالى عليه ، فكما يقول ( عليه السلام ) : ( اللَّهم إنك تعلمُ أني كنتُ أسألك أن تُفرِّغَني لعبادتك ، اللَّهُم وقد فعلتَ ، فَلَكَ الحمدُ ) .
الإيعاز لعيسى باغتياله :
وأوعز هارون الرشيد إلى عيسى بن جعفر عامِلهُ على البصرة باغتيال الإمام ( عليه السلام ) ، وثقل الأمر على عيسى .
فاستشار خَوَاصّه بذلك ، فمنعوه وخَوّفوه من عاقبة الأمر ، فاستجابَ لهم ، ورفع رسالة إلى هارون ، جاء فيها : ( يا أمير المؤمنين ، كُتِب إليّ في هذا الرجل ، وقد اختبرتُه طولَ مَقامِه بِمَن حبستُهُ مَعه عَيْناً عليه ، لينظروا حيلته وأمره وطويته ، ممن له المعرفة والدراية ، ويجري من الإنسان مجرى الدم .
فلم يكن منه سُوءٌ قط ، ولم يذكر أمير المؤمنين إلا بخير ، ولم يكن عنده تَطلّع إلى ولدية ، ولا خروج ، ولا شيء من أمر الدنيا .
ولا دعا قط على أمير المؤمنين ، ولا على أحد من الناس ، ولا يدعو إلا بالمغفرة والرحمة له ولجميع المسلمين من ملازمته للصيام والصلاة والعبادة ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني من أمره ، أو ينفّذ من يتسلّمه مِني ، وإلا سَرّحت سبيله ، فإني منه في غاية الحرج ) .
ودلت هذه الرسالة على خوف عيسى من الإقدام على اغتيال الإمام ( عليه السلام ) ، وقد بقي في سجنه سنة كاملة .
سجنه في بغداد :
واستجاب الرشيد لطلب عامله عيسى ، فأمره بحمل الإمام ( عليه السلام ) إلى بغداد ، فَحُمِل إليها تحفّ به الشرطة والحرس .
ولما انتهى إليها أمر الرشيد بحبسه ( عليه السلام ) عند الفضل بن الربيع ، فأخذ الفضل وحبسه في بيته ، ولم يحبسه في السجون العامة ، وذلك لسمو مكانة الإمام ( عليه السلام ) ، وعظم شخصيته ، فخاف من حدوث الفتنة واضطراب الرأي العام .
واقبل الإمام ( عليه السلام ) على العبادة والطاعة ، وقد بهر الفضل بعبادته ، فقد روى عبد الله القزويني قال : دخلتُ على الفضل بن الربيع ، وهو جالس على سطح داره فقال لي : أُدنُ مني ، فَدنوتُ حتى حَاذَيتُه ، ثم قال لي : اشرفْ على الدار .
فأشرفتُ على الدار ، فقال لي الفضل : ما ترى في البيت ؟
فقلت : أرى ثوباً مطروحاً .
فقال الفضل : انظر حسناً .
فتأملت ونظرتُ مليّاً فقلتُ : رجل ساجد .
فقال الفضل : هل تعرفه ؟
فقلتُ : لا .
فقال : هذا مولاك .
فقلت : من مولاي ؟
فقال : تتجاهلُ عَلَيّ ؟
فقلت : ما أتجاهل ، ولكن لا أعرف لي مولى .
فقال : هذا أبو الحسن موسى بن جعفر .
وكان عبد الله ممن يدين بإمامته ( عليه السلام ) .
وأخذ الفضل يحدثني عن عبادته قائلاً : إني أَتَفَقّده الليل والنهار ، فلم أجده في وقت من الأوقات إلا على الحال التي أُخبِرُك بها : إنه يصلي الفجر ، فَيُعقب ساعة في دبر صلاته إلى أن تطلع الشمس ، ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجداً حتى تزول الشمس .
وقد وكّل من يترصد له الزوال ، فلستُ أدري متى يقول الغلام : قد زالت الشمس ، إذ يَثِبُ فيبتدئ بالصلاة من غير أن يجدد الوضوء ، فاعلم أنه لم يَنَم في سجوده ولا أغفى .
فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ من صلاة العصر ، فإذا صلى العصر سَجَد سجدة فلا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلي العتمة .
فإذا صلى العتمة افطر على شِوىً يُؤتَى به ، ثم يجدد الوضوء ثم يسجد ، ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة .
ثم يقوم فَيُجدد الوضوء ثم يقوم ، فلا يزال يصلي حتى يطلع الفجر ، فلستُ أدري متى يقول الغلام : إن الفجر قد طلع ، إذ قد وَثِبَ هو لصلاة الفجر .
فهذا دأبه منذُ حَولٍ لي .
فهكذا كان الإمام ( عليه السلام ) ، قد طبع على قلبه حُبّ الله تعالى ، وهام بعبادته وطاعته .
ولما رأى عبد الله الفضل للإمام حَذّره من أن يستجيب لهارون باغتياله قائلاً له :
اتّقِ الله ، ولا تُحدث في أمرِهِ حَدَثاً يكون منه زوال النعمة ، فقد تعلم أنه لم يفعل أحدٌ سوءاً إلا كانت نعمتُهُ زائلة .
فانبرى الفضل يؤيد ما قاله عبد الله قائلاً : قد أرسلوا إِليّ غير مَرّة يأمرونني بقتله ( عليه السلام ) فلم أُجِبهِم إلى ذلك .
فقد خاف الفضلُ من نقمة الله وعذابه في الدنيا والآخرة إن اغتال الإمام ( عليه السلام ) ، وأعرض عن ذلك .